ذكرنا في المقال السابق موقف طه حسين من احترامه للمكانة العلمية لنفسه، ولغيره من الزملاء، ونتابع اليوم ذكريات الدكتور مصطفي ناصف عن طه حسين عندما كان عميدا لكلية الآداب، وكيف كانت علاقته بالطلبة، إذ كان حريصا علي أن يحتفظ للطالب بحقه الإنساني، وأن يحميه من أي إهانة، فقد جاءه يوما أحد الطلبة طالبا لقاءه، وراح يشرح له حالته البائسة، وفقره الشديد الذي حرمه من أبسط الحقوق الحياتية، وطه حسين يقاطع الطالب قائلا له: اعرض حاجتك، فقال الطالب: أريد المجانية، لأني لا أستطيع دفع مصاريف الجامعة، فقال له: لك ما تريد، لكن لاتهن نفسك مرة أخري عندما تطلب حاجة لك. وهذه الرواية التي رواها ناصف تتوافق مع الرواية التي رواها الدكتور السيد أبوالنجا في كتاب سامي الكيالي (مع طه حسين) إذ يذكر أنه زار طه حسين وهو وزير للمعارف عام 0591 حيث جاءه سكرتيره يخبره بأن أحمد مصطفي عمرو باشا يريد مقابلته لأمر يتعلق بتلميذ يريد أن يقبل باحدي المدارس الثانوية، فقال له: وما حاجة مصطفي عمرو إلي مدارس الوزارة؟ إن في وسعه أن يرسله علي نفقته إلي أوربا، ولم يسمح له بالدخول. وبعد قليل جاءه السكرتير مرة أخري قائلا له: ان عسكريا سودانيا يشكو من احدي المدارس الابتدائية رفضت قبول ابنه، فقال له: (هاته)، وعرف من العسكري ان ابنه كبير السن، وان مدرسة شبرا رفضته لهذا السبب، فقال طه حسين: ولماذا لاتدخله مدرسة روض الفرج، فهي تقبل كبار السن، فعلق العسكري، في سذاجة: (ودنك منين ياجحا): وأجيب أجرة الترمواي منين؟ فأطرق طه حسين قليلا، ثم هاتف ناظر مدرسة شبرا ليطلب منه قبول هذا الطالب. ان هذا الوعي الإنساني كان طبيعة فطرية في طه حسين، وهذا ما يمايز بينه وبين وزراء هذه الأيام، فهم وزراء موظفون، أما هو، فهو وزير مثقف، ولذا كان يحترم الفقير قبل الغني، والمحتاج قبل غير المحتاج، وكان هذا مسلكه مع الغريب والقريب، إذ يذكر ناصف أن أم طه حسين زارته وهو عميد لكلية الآداب، فخرج لاستقبال هذه الريفية البسيطة استقبال العظماء علي باب الكلية، وأثناء سير الموكب إلي مكتب العميد، اقترب منها أحد موظفي الكلية، وشكا لها أن الدكتور طه حرمه من الترقية، وكان هذا الموظف من بلدة الدكتور طه، فقالت الأم: ياشيخ طه: أوصيك (بفلان) خيرا، فقال له طه: لقد لجأت لمن لايرد له طلب، ومن الآن لم يعد لأحد عليك من رفض.