عاجل- ارتفاع عدد الشهداء في غزة إلى 63 جراء غارات الاحتلال الإسرائيلي    روسيا وأوكرانيا.. من جبهات الحرب إلى مفاوضات إسطنبول (تسلسل زمني)    بمشاركة ميسي واستمرار غياب سواريز.. إنتر ميامي يتعثر بالتعادل أمام سان خوسيه بالدوري الأمريكي    مواعيد مباريات الخميس 15 مايو 2025.. دربي السلة وبرشلونة لحسم الدوري    27 مايو.. محاكمة عاطلين بتهمة تعاطي المخدرات بالساحل    نقل رجل للمستشفى في حالة خطيرة بعد أن هاجمته سمكة قرش في جنوب أستراليا    الصحة تنظم مؤتمرا طبيا وتوعويا لأهمية الاكتشاف المبكر لمرض الثلاسميا    وزير الخارجية يشارك في اجتماع آلية التعاون الثلاثي مع وزيري خارجية الأردن والعراق    اتحاد عمال الجيزة يكرم كوكبة من المتميزين في حفله السنوي    رياح مثيرة للرمال.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس اليوم    وفاة وإصابة 7 أشخاص إثر تصادم ميكروباص وبيجو بقنا (أسماء)    5 دقائق تصفيق لفيلم توم كروز Mission Impossible 8 بمهرجان كان (فيديو)    أسعار الأضاحي 2025 في مصر.. ارتفاع طفيف في الكيلو القائم واقبال متزايد مع اقتراب عيد الأضحى    قرار جمهوري بالموافقة على اكتتاب مصر في بنك التنمية الإفريقي بعدد 554770 سهمًا    سعر الريال السعودي اليوم الخميس 15 مايو 2025 مستهل التعاملات البنكية (تراجع جديد)    أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 15 مايو 2025    أمين عام الناتو: لدينا تفاؤل حذر بشأن تحقيق تقدم فى مفاوضات السلام بأوكرانيا    رئيس وزراء قطر: عرض الطائرة لترامب صفقة حكومية قانونية وليست هدية شخصية    رسوم السحب والاستعلام من ماكينات atm.. «لو سحبت من بنك آخر يخصم كام؟»    عاجل- قناة السويس تبدأ تطبيق تخفيض 15% على رسوم عبور سفن الحاويات العملاقة لمدة 90 يومًا    مصرع طفل صدمته سيارة نقل مقطورة فى أوسيم    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الخميس 15 مايو 2025    هانئ مباشر يكتب: بعد عسر يسر    بزشكيان ل ترامب: أمريكا تصف من يقاوم احتلال إسرائيل لفلسطين أنه يُهدد أمن المنطقة    كيف تتخلص من ارتفاع ضغط الدم؟ 3 طرق فعالة دون أدوية    الحماية المدنية تسيطر على حريق كورنيش النيل بالمنيل    تباين آراء الملاك والمستأجرين حول تعديل قانون الإيجار القديم    نماذج امتحانات الصف الخامس الابتدائي pdf الترم الثاني جميع المواد التعليمية (صور)    مصر.. أمة السينما العربية الناجحة، سميح ساويرس وعمرو منسي في ندوة بمهرجان كان السينمائي    «الانسحاب كان الحل».. نجم الزمالك السابق ينتقد موقف الأبيض وبيراميدز    نائب رئيس جامعة دمنهور تفتتح معرض منتجات الطلاب ضمن مبادرة «إنتاجك إبداعك»    لايف.. تليفزيون "اليوم السابع" يكشف حقيقة فيديو حريق كورنيش مصر القديمة    صام "مو" وفاق مبابي، حلم الحذاء الذهبي يتلاشى عن محمد صلاح    الكشف عن نظام المشاركة في بطولة دوري أبطال أوروبا 2025-2026    أيمن بدرة يكتب: الحرب على المراهنات    مصر تتصدر منافسات ثالث أيام بطولة إفريقيا للمضمار.. برصيد 30 ميداليات    لطلبة الشهادة الاعدادية 2025.. موعد امتحانات النقل والشهادة بمحافظة الوادى الجديد    من بينهما برج مليار% كتوم وغامض وحويط.. اعرف نسبة الكتمان في برجك (فيديو)    ريهام عبد الحكيم تُحيي تراث كوكب الشرق على المسرح الكبير بدار الأوبرا    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي الترم الثاني 2025 في جميع المحافظات    إعلام فلسطيني: شهداء ومصابون جراء قصف الاحتلال مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة    رسميا.. رابطة الأندية تدعو الفرق لاجتماع من أجل مناقشة شكل الدوري الجديد قبل موعد اتحاد الكرة بيومين    المجلس الرئاسي الليبي يعلن وقف إطلاق النار في طرابلس    موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    تراجع أسعار الذهب اليوم في السودان وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 15 مايو 2025    «5 استراحة».. اعثر على القلب في 5 ثوانٍ    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    بريمونتادا +90 أمام مايوركا.. ريال مدريد يؤجل احتفالات برشلونة في الدوري الإسباني    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    نشرة التوك شو| تفاصيل زيارة ترامب للسعودية.. وخالد أبو بكر يقترح إلغاء وزارة الأوقاف    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    وكيل صحة الدقهلية يشيد بجهود الآطقم الطبية والإدارية في شربين    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بفضل كل الخيال
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 06 - 2014

الروائي عبده جبير كان شاهدا علي الكثير من المواقف والذكريات التي جمعته بأديب نوبل الراحل نجيب محفوظ..الحكايات او القصص جمعها جبير في كتاب يصدر قريبا عن دار آفاق - تحت عنوان :" بفضل كل الخيال
: قصص وثائقية مع نجيب محفوظ"..متضمنا العديد من الوثائق والحكايات .. وقد اخترنا من الكتاب قصتين
نعم
نعم ياعم نجيب.
بفضل الخيال الذي منه قالت الأم الصعيدية المكلومة علي ابنها ( البكري ) الوحيد، الذي مات من المرض :
" حتي حشيش البير فتشته
علي دوا العيان ما وجدته "
أيوه يا عم نجيب.
لا أنسي أنك قلت حين سمعتني أروي هذا العديد :
يا بنت الأيه ... دا كله خيال.
1
النصابة العالمية التي
لطشت نصيبه من فلوس جائزة نوبل
نعم كنت شاهدا علي الجزء الظاهر من هذه القصة المأساوية حقا وصدقا.
نقول مأساوية لأن الرجل الذي كافح طوال ما يزيد علي نصف قرن، ليفوز في النهاية بجائزة نوبل، إذا بنصابة محتالة متطفلة علي عالم الأدب، وبغمضة عين، لطشت منه نصيبه الذي جنّبه لنفسه، من قيمة الجائزة، وطارت، وحققت فعلا معني المثل الساير، عن الحرامي الشيطان الذي يسرق الكحل من العين.
الجزء الظاهر الذي عشته وشاهدته، وكنت خلاله ضحية أخري من ضحايا هذه النصابة، لكن ضحية صغيرة، هو أنه وفي العام 1987 م، وقعت علينا في القاهرة سيدة، فرنسية، للأسف، من أصل عربي، للأسف، نزلت علينا كالصاعقة في مقهي ريش، التي كانت المحل المعلوم والدائم للأدباء المصريين، في أغلبهم الأعم.
جاءت المحتالة مدججة بمطويات، ومطبوعات، عليها شعار مرسوم باللغة العربية المتداخلة من الأمام والخلف، مع اللغة الفرنسية، والشعار مشغول من كلمة ألف، بداية الأبجدية العربية، شوف الشغل العالي يا ولد. نقول، وكان معها أيضا، أوراق رسمية، باسم جمعية أدبية سجلتها في باريس، بقصد، قال، المساعدة علي ترجمة ونشر الأدب العربي للغة الفرنسية، وتقديم هذا الأدب المسكين لقارئ الفرنسية وضمنهم خلق كثير من المغاربة والتونسيين، والجزائريين، الذي نسوا، أو لم يعرفو ا، اللغة العربية، ويعيشون بالفرنسية، لكنهم يشتاقون لقراءة الأدب العربي، الذي ينتمون له وجدانيا، وتحكي هي، بالدموع، عن بني جلدتها من بلاد الشام، الذين يتوقون لقراءة الأدب العربي، لكنهم، ياحرام، لأنهم يعيشون في باريس، وعموم ربوع فرنسا، الأم الرءوم، هم أيضا يشتاقون للقاء بأدبنا، فكيف لا تتمزق قلوبنا ونندفع كالصعيدي الذي اشتري الترام، وننضم للجمعية ؟.
فأنت تنضم أولا كعضو، تملأ استمارة العضوية، بملء اختيارك، بل بحماس، وثانيا تدفع أيضا رسم الاشتراك، وثالثا، بالدولار ( وهي طبعا اختارت الدولار لا الفرنك الفرنسي لأنها كانت تعلم أننا في مصر لا نحب التعامل بالفرنك، ونحب الدولار، إذن بإمكانها أن تجد معنا دولارات أو يمكننا أن نأتي بدولارات من السوق السوداء التي هي في كل مكان، وعلي بعد ثلاث خطوات بالضبط من مكان اللقاء مع النصابة وهو البازار القريب من المقهي او كشك السجائر الذي بجواره ) أما أنا فقد دفعت الضعف، لأن الأخ إبراهيم أصلان، لم يكن معه دولارات أمريكي ولا حتي جنيه مصري أو أي جنسية أخري، وكنت لحظة توقيعه علي استمارة عضوية هذه االجمعية من حسن حظي موجودا، حيث وقعت أنا في نفس الوقت علي استمارة العضوية اياها، وكان معي للأسف دولارات، فلما أعطيتها المائة دولار، واعتذر أصلان علي انه ليس معه دولار، قامت هي بخصم قيمة اشتراكه من دولاراتي، ودبستني في دفع اشتراك أصلان، وطبعا أنا وافقت، بل رحبت، حتي أرفع الحرج عن زميلي وصديقي إبراهيم أصلان، واضطررت لبلع ريقي، ووافقت، أقولها تاني ؟
وافقت، هه،
فهاهي النصابة، تضع من ضمن دعايتها المسمومة هؤلاء العرب المهاجرين وحكايتهم، كجزء من عوامل تشجيعنا، نحن الأدباء العرب، لمساعدتها، بأعمالنا التي ستحصل علي حق نقلها للفرنسية مجانا، باعتبار ذلك مساهمة منا في تأسيس هذه المؤسسة غير الهادفة للربح ؛ ياعيني ياكتكوتة، أقول كتكوتة، لأنه اتضح مع مرور الأيام انها كانت تحصل علي معونة من الحكومة الفرنسية التي ياعيني هي نفسها وقعت في فخ الأخت أم أربعة وأربعين،واشترت الترام مثلنا بالضبط.
نعم لقد لقد قمنا نحن الأدباء المصريين المتعاطفين مع المهاجرين العرب، بشراء الترام، بكل أريحية، وبمحض اختيارنا، بل وبحماس شديد، ووقعنا علي استمارة عضوية جمعية ألف التي تهدف لنقل الأدب العربي المسكين ألي اللغة الفرنسية النشيطة، وبكل حماس.
لكن، والحمد لله أن كل ما لطشته منا العقرب الفرنسية من أصل عربي، للأسف، كان خمسة عشر دولارا من كل منا ( ماعدا العبد لله فكان نصيبي ثلاثين دولارا، لأنني دفعت قيمة اشتراك أصلان، كما ذكرت عاليه وأنا آسف أنني أؤكد علي ذلك ) وهذه علي أية حال، ليست أكثر من عملية شراء ترام غلبان، لا يزيد ثمنه عن قيمة ما تبرعنا به، لكن الأستاذ الكاتب الكبير المحترم المهذب الرقيق، نجيب محفوظ عبد العزيز إبراهيم احمد الباشا لم يشتر الترام فقط، بل اشتري الترام والقطار والطيارة والأتوبيس والباخرة التي تمخر عباب المحيطات، (موش بيقولو برضه تمخر عباب ؟ ) أيضا، ووقع علي عقد ترجمة روايتين من رواياته المعتبرة، لتترجمهما العقرب الفرنسية من أصل عربي، وتنشرهما بلا مقابل، تبرعا من كاتبنا الكبير للجمعية الناهضة التي تعمل علي مساعدة الأدب العربي، لينقل للفرنسية، ودفع أيضا الاشتراك وقدره خمسة عشر دولارا ( غيرها له الجرسون من البازار المجاور للمقهي التي كان يجلس عليها واستقبل فيها السيدة الفرنسية من أصل عربي، وهي بالمناسبة ليست مقهي ريش، بل مقهي آخر، لم يعد موجودا الآن في ميدان التحرير ) حيث هلت العقرب الفرنسية من أصل عربي عليه بابتسامتها الواسعة وصوتها الدافئ الرخيم وحركاتها النثوية الخفيفة، وعطر شانيل رقم 5، ولم تبذل كثيرا من الجهد، وحققت العملية في حوالي خمسة وثلاثين دقيقة، وحصلت علي توقيع نجيب محفوظ علي عقد ترجمة روايتيه مجانا تبرعا منه لجمعية ألف المسجلة في العاصمة الفرنسية باريس وهدفها تشجيع نقل الأدب العربي للغة الفرنسية، وبمجرد توقيعه علي الاستمارة صرخت : واو، أنت أصبحت عضوا معنا في ألف، واو.
وما هي إلا دقائق حتي تسحبت، كالحرباء وسحبت يدها بنعومة ورقة من يد الرجل العجوز، وفص ملح وداب.
طبعا ستقول حضرتك وماذا في هذا كله، ليس في هذا أي شيء، فكيف تدعي أن في الحكاية ضحكاً علي الذقون، ونصباً وغير ذلك ؟
استني يا محترم، جاي في الكلام، حتي الآن ليس هناك شيء، بل هذا ما هو منتظر منا جميعا، وعلي رأسنا كاتبنا الكبير نجيب محفوظ، حفظه الله، من حماس لمساعدة جمعية ناشئة لمساعدة الأدب العربي المسكين الفقير الذي لا يجد قوت يومه، لكن :
واضح جدا لي وأنا رجل أبو خيال، أن الست الفرنسية من أصل عربي، بعد أن عادت بالسلامة إلي بلاد بونابرته، كانت جالسة في عرينها في باريس، أقصد في الشقة المؤجرة مفروش، أي مقر جمعية ألف الموعودة، تنتظر وتتحين الفرص، لأنها بمجرد أن أعلن في الروادي ( حسب تعبير محمد علي ضابط إيقاع فرقة الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وكان يقصد أجهزة الراديو ) والتلفاز، أقصد التليفزيونات، بفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل، واو، حتي ركضت في اتجاه دور النشر الفرنسية ومعها عقدا نجيب محفوظ الموقعان منه شخصيا بل والموثقان من وزارتي الخارجية و الداخلية و كل الجهات المطلوبة لتوثيق مثل هذه العقود لتصبح لها قوة السند القانوني الذي لا يمكن لأحد، لا نجيب محفوظ ولا جد جده يمكن أن يشكك فيه أو يتراجع عنه، لأنه موثق بكل الطرق القانونية التي لها قوة القانون في كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية ؟
وطبعا، فتحت لها دور النشر الفرنسية أحضانها، طبعا، تعالي ياحلوة، وهاتي ترجمة الروايتين، طب نتفق، طيب، أرح أترجم وأرجع.
وجاءها ما يشبه الشوطة، أو الطوشة، أو الحمي الملهلبة.
لكن الحرباء الفرنسية وقد بدأت في البحث عن مترجمين للروايتين، حتي فوجئت، يعني، بخبر ما أن قرأته في صحيفة الليموند، الفرنسية، وهي الصحيفة المعتمدة التي لا تنشر أي كلام، بل تتأكد من مصادرها بما لا يدع مجالا للشك، يقال إنها بمجرد أن قرأت الخبر أغمي عليها، فعلا وعملا، حتي إن زوجها الفرنسي طلب الإسعاف.
لكن ما يهمنا من القصة هو انه بمجرد أن أفاقت حتي ذهبت إلي محاميها الذي ما أن اطلع علي الخبر في صحيفة الليموند، حتي صاح بالفرنسية : اكسلاسيون، اكسلاسيون، انتي زألانا ليه يا مدام ؟ دا شيء أظيم، دا اهنا هنكسب القضية ميه في المية وحنطلع فلوس متلتلة بدون مجهود، لا هنترجم، ولا ننشر، ولا هاجة، اهنا هنأبض فلوس بس.
مالت الحرباء الفرنسية من أصل عربي إلي الخلف، وجذبت نفسا عميقا من سيجارتها الجلواز الساخنة وسألت وهي تهز شعرها المنكوش :
إزاي يا فالح ؟ هنكسب أزاي وهوا عمل كده ؟
أيه الموضوع ؟
الموضوع أن الليموند فعلا نشرت القصة، والقصة التي نشرتها الصحيفة الفرنسية المعتمدة هي أن نجيب محفوظ وقع عقدا مع دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة علي أن تكون الجهة الوحيدة صاحبة الحق، في ترجمة ونقل جميع ( اكتب جميع هذه بالبنط العريض ) أعماله التي كتبها طوال عمره، بل وتلك التي سيكتبها حتي نهاية عمره.
تمام ؟ فيها حاجة دي ؟
آه فيها، لأن هذا معناه أن نجيب محفوظ نفسه، افتأت ( اكتب افتأت هذه بالبنط العريض أيضا ) علي الحق المخول لجمعية ألف وممثلتها في العقد السيدة الحرباء الفرنسية من أصل عربي، وهذا يعطيها الحق في مقاضاته، أي جرجرته للمحاكم في فرنسا، بل وفي مصر نفسها، وستحكم المحكمة لها بكل أريحية، لأن العقد الذي وقعه نجيب محفوظ مع الجامعة الأمريكية فيه افتئات علي الحق الذي وقع علي منحه للجمعية الفرنسية وممثلتها الفرنسية من أصل عربي.
شفت ؟
طيب، ما العمل علي رأي فوسافيتش لينين ؟
سألت السيدة الفرنسية من أصل عربي محاميها، الذي لا بد من الاعتراف بسرعة بديهته، فقال لا فض فوه :
بسيطة، أولا نبعث بإنذارين، واحد للجامعة الأمريكية، والثاني لنجيب مهفوز، ونبلغهما بأنهما وقعا عقدا يفتئت علي حقنا المنصوص عليه في عقدنا ؟
هه، وبعدين ؟
طبعا سيردان، أو علي الأقل سترد الجامعة الأمريكية (خاصة ونحن سنلمح لهما بأننا سنرفع قضية ونطلب تعويضا بالملايين ) وتسأل عن العقود، فنرد نحن طالبين موعدا مع المحامي الخاص بهم، لنعرض عليه العقدين الموقعين من نجيب محفوظ والموثقين في الجهات الرسمية في كل من جمهورية مصر العربية والجمهورية الفرنسية، وسبب المقابلة أننا لا نستطيع إعطاءهما الأصل، ولكن يمكننا أن نسلمهما صورة، ونطلعهما علي الأصل.
علي فكرة أنا لا أريد أن أكلفك قيمة التذكرتين، أو الأوتيل، ع الفاضي، ولكن لا بد أن نكون موجودين لأننا سنحصل علي الفلوس بسرعة، وهأ، نرجع.
يابن الأيه ؟
طبعا ، سيمهلنا المحامي بعض الوقت، ولا يهمك، نعطيه ثلاثة أيام، وفي هذه الثلاثة أيام نقوم برحلة سياحية لشرم الشيخ، فقد سمعت أن هناك فنادق رائعة، وشاطئ لازوردي، ونشرب ونهيص، ثم نعود للموعد التالي، وأراهن علي أننا سنجد الشيك جاهزاً، ونخطفه ونجري.
واو.
ولا واو ولا حاجة، حتشوفي.
وهذا ما حدث بالضبط، لقد جاءا إلي القاهرة مساء يوم الأحد، ونزلا في فندق رمسيس هيلتون، وفي صباح الاثنين ذهبا إلي الجامعة الأمريكية ( مشيا علي الأقدام ) ولم يقضيا أكثر من خمسين دقيقة مع محامي الجامعة الأمريكية، حتي توصلا إلي اتفاق.
لكن حنحتاج يومين حتي نأتي بالشيك من الأستاذ نجيب.
ولا يهمك، يومين يومين.
وما حدث أن السيد محامي الجامعة الأمريكية ذهب إلي نجيب محفوظ وأبلغه بالخبر السيئ، وأبلغه بأن الأمر خطير لأن السيدة الفرنسية من أصل عربي، وثقت العقود بشكل "ميخرش الميه"، ولكن ليس هذا هو الخطير، بل الخطير أنها طلبت تعويضا قدره مليون دولار عن كل عقد :
مليون دولار، أجيب منين أنا مليوني دولار؟.
أنا ممكن أتفاهم معها، ما المبلغ الذي ممكن أن تدفعه حضرتك ؟
أنا كل الباقي معي هوا المبلغ الذي جنبته لنفسي، فقد قسمت قيمة الجائزة علي خمسة أنصبة، واحد للجماعة (يقصد زوجته أم بنتيه ) ولكل بنت نصيب، ونصيب آخر راح لبريد الأهرام لمساعدة الطلبة الغلابة ليتعلموا.
طيب فهمت، أنا ح أعرض عليهم الصلح مقابل نصيبك، مفيش قدامنا حل تاني، بدلا من الجرجرة في المحاكم.
اعرض.
أنا آسف حضرتك، مفيش حل غير كده.
علي فكرة الجهات التانية أخدت نصيبها وصرفته، وأنا موش علي استعداد أرجع حق الولية أو حق البنات أو حق الطلبة الغلابة.
حاضر متخفش. ح أحاول.
لأ متحاولش، هوا كده ومفيش غير كده.
حاضر.
(حاضر يابن الوس.. يعني مكانش فيه يابن الكلب حل إن الجامعة الأمريكية تدفع المبلغ من الملايين اللي بدأت تعملها من أول لحظة توقيعه لعقد الاحتكار الذي ضحكت به عليه الجامعة وأثرت من وراء الرجل الغلبان الشقيان، يا أولاد الكلب ؟ )
وهذا ما حدث بالفعل، جاءت الشر.. من فسحتها مع المحامي الألعبان، بعد أن قضيا وقتا ممتعا وحميميا علي الشاطئ اللازوردي في شرم الشيخ، وذهبا إلي الموعد المحدد، في الجامعة الأمريكية، وفي البداية امتعضا.
نصيبه في الجائزة ؟، بس ؟
يعني حوالي 80 ألف دولار، حلوين.
طيب أدينا دقيقتين نتفاهم.
انسحبا من غرفة المحامي ونزلا إلي حديقة الجامعة، وتمشيا بين الزهور والورود، والفتيات لابسات الشرطات الساخنة يتقلبن علي النجيل الأخضر تحت ظلال الزيزفون، والمحامي فكر ، والفرنسية من أصل عربي فكرت،وهز كل منهما رأسه للآخر، هيا نفعل،، ياله، نخطف الفلوس ونجري، ثم عادا إلي مكتب المحامي.
المحامي الفرنسي :
موافقان.
الحيزبون الفرنسية من أصل عربي :
عشان خاطرك انت بس.
ماشي سيكون الشيك هنا في الغد.
متي بالضبط ؟.
الساعة 11
ماشي،
عادا إلي الفندق، وبعد تناول الغداء نزلا إلي الرسبشن وحجزا تذكرتين في الطائرة المسافرة إلي باريس مساء اليوم التالي، وفي غرفتها المطلة علي النيل أعدت الجلسة لأمسية رومانسية، مع العشاء الفاخر، والنبيذ الفرنسي، وما أن دارت الرؤوس بالكؤوس حتي جاء موعد السرير، ولم يمض كثير وقت حتي ارتديا ملابسهما الفاخرة، وتعطرا بالعطر الباريسي المعتبر، وتمشيا حتي مكتب محامي الجامعة الأمريكية ( للمرة الثانية )، ولم ينتظرا لشرب القهوة، بل اختطفا الشيك، وخرجا، ركبا عربة أجرة، وذهبا إلي البنك، أوف، أح، وما هي إلا لحظات حتي كان المبلغ قد طار (تم تحويله ) إلي فوووووه، باريس، حيث لحقا به في الطائرة التي طارت بعدة بساعات، في نفس اليوم، في المساء. في نفس اليوم.
ياعيني ياولداه، وراح الرجل الكبير، المريض بالضغط والسكر، والذي مرمطته القنوات التليفزيونية والوكالات الأنبائية، وكل متنطعي العالم طوال الشهور الست الماضية منذ فاز بالجائزة المشئومة، أحاديث، حوارات، أحاديث، لوكلوك، لوكلوك، لوكلوك، حتي قلعته الفرنسية من أصل عربي لباسه وسابته بلبوص، ياولداه.
راح المسكين يتقلب علي فراشه من حمي القهر ( وخلي بالك القهر جاي من مين ؟ من واحده، يقال عنها في قاموسنا المعتبر، الذي حفظته تلقينا من أحمد فؤاد نجم، مرة، مكنة، شوشو، عجلة، سوسته )
أنا شخصيا، المدعو عبده جبير، فعلا وصدقا، وفعلا، حملت سكيني الكزلك، ونزلت من بيتي في السيدة زينب، بعد أن سمعت القصة، إلي وسط البلد، ورحت أدور عليها هنا وهناك ( وعيناي تقدحان شررا، وفعلا لو رأيتها لكنت رحت فيها تأبيدة بنت المرة الوسخة.
موس وسخة برضه ؟
لكن للأسف، طارت، ولم ألحق بها.
لكن ربك لا ينسي الغلابة، وبدأت مكنة النشر تعمل بكل قوتها، والكتب تترجم إلي ثلاثين أربعين لغة، والطبعة ورا الطبعة، والفلوس تيجي من هنا وهناك، والجامعة
الأمريكية، تشفط شوية، و تدي شوية،حتي عوضه الله عما راح، وفي ستين داهية، لكن المضحك المبكي ليس هذا، بل ذاك، أقصد ذلك الحظ العاثر الذي لازمه، الحمد لله : أحيانا، فيما يخص الجوائز.
أيه تاني ؟
قبل أن نعرج علي هذا التاني، لابد من سرد بعض الأشياء.
أولا : وهذا مهم، اتضح بعد ذلك أن الفرنسية من أصل عربي، تعيش هي وزوجها الفرنسي علي بدل البطالة، وأنهما لا يعملان، وقد وجدا في فكرة إنشاء هذه الجمعية عملا للاحتيال لرفع مستوي معيشتهما.
ثانيا : اتضح أن الجمعية المذكورة لم تقم بترجمة أو المساعدة علي ترجمة أي شيء، لا روايات، أو أشعار، أو دراسات، لا قبل الاحتيال علي نجيب محفوظ أو بعده.
ثالثا : أن المحتالة الدولية مرت علي عدة دول عربية خصوصا الخليجية منها وجمعت أطنانا من الأموال.
رابعا : وفي الطريق استغلت اسم شاعر مشهور جدا وجعلت ابنته التي تعيش في باريس رئيسة للجمعية، حتي تم اكتشافها، خاصة بعد أن نشر موضوع احتيالها علي نجيب محفوظ، وبعدها اختفت تماما ولم يعد أحد يراها.

نأتي إلي " تاني " التي ذكرت عاليه، وخلاصتها يتعلق بمحفوظ والجوائز في حياته.
لقد فاز كاتبنا الكبير بعدة جوائز، كان أولها جائزة " قوت القلوب الدمرداشية " و هي ابنة الشيخ محمد الدمرداش شيخ الطريقة الصوفية الدمرداشية، وهو الذي أنشأ مستشفي الدمرداش الشهيرة، وقد ترك لابنته ثروة طائلة ضمنها خمسة آلاف فدان، وهي كانت معجبة بالأدب والأدباء فأنشأت بالتعاون مع مجلة " الثقافة" جائزة أدبية سنوية للقصة حيث نقرأ في أحد أعداد سنة 1940 م من مجلة " الثقافة "إعلانا، لا يخلو من طرافة، في الصفحة 30 يقول :
" المسابقة الأدبية لجائزة صاحبة العصمة السيدة قوت القلوب هانم الدمرداشية، وضعت لجنة المسابقة قرارها في القصص المقدمة لمجلة الثقافة، لنيل جائزة صاحبة العصمة السيدة قوت القلوب هانم الدمرداشية، وسيعلن هذا القرار في العدد المقبل من الثقافة، فنوجه إليه الأنظار "
ونعلم من نجيب محفوظ نفسه أن لجنة التحكيم ضمت كلاً من طه حسين، وأحمد أمين، رئيس تحرير " الثقافة " و محمد فريد أبو حديد.
ثم نقرأ في العدد التالي إعلانا منشورا في الصفحة 27،لا يقل طرافة عن سابقه، يقول :
" يسر مجلة " الثقافة " أن تعلن اليوم قرار لجنة التحكيم في مباراة القصص لنيل جائزة حضرة صاحبة العصمة السيدة قوت القلوب هانم الدمرداشية فيما يأتي :
" اختارت لجنة التحكيم من بين القصص المقدمة القصتين الآتيتين :
1 " سلامة القس " لمؤلفها الأستاذ علي أحمد باكثير منيل الروضة بمصر.
2 " رادوبيس " لمؤلفها الأستاذ نجيب محفوظ بالأوقاف بمصر.
وقد رأت اللجنة تقسيم الجائزة بين حضرتيهما مناصفة.
ثم نقرأ في العدد التالي تحت عنوان:
" المسابقة الأدبية
" تفضلت حضرة صاحبة العصمة السيدة قوت القلوب الدمرداشية فأرسلت لمجلة الثقافة مبلغ الخمسين جنيها التي تبرعت بها لأحسن رواية، وقد قررت لجنة القراءة توزيعها مناصفة بين مؤلفي رواية " سلامة القس " ورواية رادوبيس وهما الأديبان علي أحمد باكثير مدرس بمدرسة الرشاد الثانوية بالمنصورة ونجيب افندي محفوظ بسكرتارية الأوقاف، وقد حضرا إلي مجلة الثقافة وتسلم كل ما يخصه...
و" الثقافة " والمؤلفان يتقدمون بالشكر الجزيل لصاحبة العصمة علي تشجيعها الأدب والأدباء.
الحمد لله أن محفوظ " قبض " قيمة الجائزة التي وصفها فيما بعد بأنها كانت مبلغا عظيما يقارب أعراض الثراء، في ذلك الوقت، لدرجة أن سكان العباسية، حيث كان يعيش، راحوا يتحدثون بالأمر، لكن ما كان مهما أكثر بالنسبة له هو أن هذه الجائزة رفعت من روحه المعنوية حيث كان يعاني من الإحباط، يقول :" ففي تلك الفترة تعرضت للفشل وأنا أحاول نشر رواياتي في الصحف بما فيها الصحف غير المعروفة فكنت أكتب وأضع ما أكتبه في الدرج انتظارا للفرج ".
بعدها حصل محفوظ علي مائة جنيه أخري نتيجة فوزه بجائزة من مجمع اللغة العربية عن روايته " كفاح طيبة "، وقد نتج عن حصوله علي هذا المبلغ تحسن في أحوله المادية إلي حد كبير كما يقول.
الجائزة الثالثة التي فاز بنصفها محفوظ كانت جائزة وزارة المعارف (التعليم الآن) وقبض قيمتها، وهو يذكر بكثير من العرفان أن عباس محمود العقاد هو الذي وقف مع روايته »خان الخليلي « لكن بقية أعضاء اللجنة كانوا متحمسين لرواية سعيد العريان الأمر الذي أدي إلي اقتسام الجائزة بينهما.
لقد حصل نجيب محفوظ علي قيمة كل هذه الجوائز، حتي جاءت حادثة جائزة الدولة التي فاز بها عام 1958 م وطارت فلوسها كما طار نصيبه من فوزه بجائزة نوبل علي يد النصابة الفرنسية من أصل عربي.
إذ إنه وبمجرد فوزه بقيمة الجائزة وهو مبلغ 2000 جنيه أقنعه أحد الأصدقاء بشراء فيلا (انظر) علي النيل بضاحية المعادي مربض الأرستقراطية المصرية والأجنبية.
كان الصديق نفسه يزمع شراء واحدة مثلها، وبالفعل سلمه المبلغ فإذا بالصديق يتعرض لحادث سير، ويقوم اللصوص، بتقليب السيارة، ويلطشون الحقيبة التي كانت تضم مبلغ ال 4 آلاف جنيه قيمة الفيلتين، ويطير المبلغ علي شاطئ المعادي هذه المرة، لا شاطئ السين كما حدث في عملية الفرنسية من أصل عربي.
2
كيف عمدت الرواية المصرية بالدم
... حتي سال دمه هو شخصيا
حول العام 1969م حكي لنا " نجيب محفوظ " ذات جلسة في مقهي ريش عن أول رواية نشرت في جريدة السياسة الأسبوعية.
في إحدي العصاري المشرقة، حكي لنا نحن الأدباء الشباب الفقراء نحيلي الأعواد، رومانتيكي المظهر عن أول رواية نشرت مسلسلة، قال :
إنه لما نشرت " زينب " في " الجريدة " لأول مرة، قامت خناقة بين المجاورين (أي طلبة الأزهر )، والأفندية استعملت فيها النبابيت، قال، وسالت الدماء أنهارا.
قال، والعهدة علي الراوية الذي تفوح منه رائحة الحكايا، فعلا، وماذا كان الخلاف، وقد شالت عربات الإسعاف " المبطوحين " علي النقالات وجرت بهم صارخة إلي القصر العيني، قال، والعهدة علي الراوية العاشق للروايات، كان الخلاف حول أنه كيف يجوز لرجل أن " يشخص " فتاة، يصف عينيها السوداوين، وقوامها الفارع، وشفتيها وجيدها وخصلات شعرها، ومن يعرف وربما " غنجها " ويبث من روحه حياة، يبث في روحها حياة من روحه، كيف يخلق فتاة وهو الإنسي المخلوق الذي لا يجوز له أن يصف الخصر أو القد، الأنفاس أو النظرات، أ يرتكب هذه الفعلة الشنعاء ؟
وكان هذا هو المنظر في بداية القرن، أما في منتصفه، علي مشارفه بالأحري، فقد قامت حكاية أخري، لم تستعمل فيها النبابيت هذه المرة، بل استعملت " التقارير " فقد كان هذا هو عصر التقارير، بعد ان انتقلت البشرية من عصر الشفاهية إلي الكتابة، وفعلت التقارير فعلها بالفعل، إذ عملت علي جز أطراف منها، واستجاب هيكل الثاني فجز أطراف الرواية، قال، ونشرت مهلهلة ناقصة، بل وحجبت عن الناس، حتي استجاب شاب غر، فخز السكين في رقبة الراوي ذات عصرية اكتنفها الضباب، فسال الدم، لا من رقاب الأفندية هذه المرة، بل من رقبة كاتب الروايات الذي ظن أن الزمن قد مشي وتحرك، وأنه قد نجا بفعلته، بالفعل، وهذه المرة، لأنه ظن أن من حقه أن تكون له روايته للقصص الشعبي، كما أي عازف ربابة يروي قصص الأنبياء علي طريقته، أن يستلهمها بالأحري في عمل من الخيال، تمشيا مع تقليد قديم فكم هناك من أسفار حكت روايات وروايات من قصص الأنبياء، تلك التي، في النهاية، ينتصر فيها الخير علي الشر، وهو هكذا فعل، لكن لأننا كنا قد دخلنا عصر الظلام، أقصد في العتمة الشديدة، في الانهيار، في الحطام الذي بين الأنقاض والجثث التي جرفتها السيول، بين روائح الفساد حتي إنه وجدت جثتان لرجل وامرأة يمارسان الحب محترقين، وأسرة كاملة ملتصقة العظام متفحمة، ورضيع ظل يسبح أسبوعا كاملا بين اللهب، لأننا كنا قد دخلنا عصر الفساد العظيم، بين الأطلال، ونحن إذ وصلنا إلي ذلك، فقد فعلت التقارير فعلها بعد قرابة نصف قرن آخر، فاستل حفيد ذلك الشيخ الأعمي نصله وغرسه في رقبة الراوية الذي يفوح حكايا، فسالت الدماء، لا لأننا في عصر التقارير، بل في عصر السكاكين التي تسيل الدم حتي لا تفوت اللحظة فيختلط الدم بماء السيل الملتهب الذي جرف الجثث بين الأنقاض، لكن الرواية كانت قد أفلتت من النيران، أفلتت وسبحت بين اللهب في حضن ذلك الرضيع، ووصلت، هذه المرة إلي الناس، فتعالوا نتمايل علي الأطلال :
قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل
بسقط اللوي بين الدخول فحومل.
ملاحظة :
"الجريدة " هي جريدة السياسية الأسبوعية التي كان يصدرها لطفي السيد، ومؤلف رواية " زينب " التي وصفها بعض مؤرخي الأدب بأول رواية في الأدب العربي ( في احدي الروايات ) هو محمد حسين هيكل.
أما هيكل الثاني فالمقصود به محمد حسنين هيكل رئيس تحرير جريدة الأهرام وقت نشر " أولاد حارتنا " مسلسلة فيها، وهو اضطر لاجتزاء فقرات منها، حتي إن النسخة التي نشرت في كتاب،( دار الآداب بيروت ) هي نسخة ناقصة، لأنها نقلت عن النسخة التي نشرت مسلسلة.
والنسخة الوحيدة الكاملة هي الطبعة الإنجليزية ( التي أخذت عنها الترجمات الأخري ) فقد اعتمد مترجمها علي النص الأصلي الذي حصل عليه من نجيب محفوظ نفسه، ولا تزال النسخة المتداولة بالعربية حتي الآن ناقصة، لأننا عرب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.