الفيلم السعودي «تشويش» يواصل حصد الجوائز عالميًّا    ارتفاع عيار 21 الآن بالمصنعية.. تحديث سعر الذهب اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025    سعر الذهب اليوم بالصاغة.. ارتفاع كبير في عيار 21 والسبيكة ال50 جرام تقفز 8000 جنيه    تباين مؤشرات البورصة المصرية رغم صعود المؤشر الرئيسي وخسائر محدودة في رأس المال السوقي    نتنياهو فى حديث متوتر: تصريحات ترامب تعني عمليا أن الجحيم سينفجر    قمة «شرم الشيخ للسلام»    «قبّلها أمام الجمهور».. ترامب يمنح أرملة تشارلي كيرك قلادة رئاسية (فيديو)    أجواء خريفية منعشة وشبورة صباحية.. تفاصيل حالة الطقس اليوم الأربعاء 15 أكتوبر 2025 في مصر    «السكك الحديدية»: حركة القطارات لم تتأثر بحادث «قطار سوهاج»    باسم يوسف يكشف عن أسوأ غلطة في حياته !    إغلاق مؤقت للمتحف المصري الكبير استعدادًا للافتتاح الرسمي في نوفمبر    كل ما تريد معرفته عن سكر الدم وطرق تشخيص مرض السكري    العكلوك: تكلفة إعادة إعمار غزة تبلغ 70 مليار دولار.. ومؤتمر دولي مرتقب في القاهرة خلال نوفمبر    تجمع القبائل والعشائر الفلسطينية في غزة يدعم الجهود الأمنية    قرار عاجل في الأهلي بشأن تجديد عقد حسين الشحات    اتحاد الصناعات: الدولة تقدم دعمًا حقيقيًا لإنقاذ المصانع المتعثرة وجذب الاستثمارات الصناعية    وزير العمل: لا تفتيش دون علم الوزارة.. ومحاضر السلامة المهنية تصل إلى 100 ألف جنيه    في شهر الانتصارات.. رئيس جامعة الأزهر يفتتح أعمال تطوير مستشفى سيد جلال    اليوم، غلق لجان تلقي طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    مميزات وعيوب برج السرطان: بين العاطفة والخيال والحنان    داليا عبد الرحيم تهنئ القارئ أحمد نعينع لتعيينه شيخًا لعموم المقارئ المصرية    الكنيسة الكلدانية تحتفل بختام ظهورات العذراء سيدة فاتيما في مصر    هيئة الدواء: تصنيع المستحضرات المشعة محليًا خطوة متقدمة لعلاج الأورام بدقة وأمان    ترامب: بوتين لا يرغب بإنهاء النزاع الأوكراني    ترامب يهدد بفرض عقوبات على إسبانيا بسبب رفضها زيادة الإنفاق في «الناتو»    نجم الزمالك السابق يكشف عن «أزمة الرشاوي» في قطاع ناشئين الأبيض    هتكلفك غالي.. أخطاء شائعة تؤدي إلى تلف غسالة الأطباق    ظهور دم في البول.. متى يكون الأمر بسيطًا ومتى يكون خطرا على حياتك؟    بالصور.. محافظ الغربية في جولة بمولد السيد البدوي بمدينة طنطا    حكومة غزة: شرعنا بتطبيق القانون ومستعدون لتسليم الحكم وفق قرار وطني فلسطيني    عمقها 30 مترًا.. وفاة 3 شباب انهارت عليهم حفرة خلال التنقيب عن الآثار بالفيوم    دماء في أم بيومي.. عجوز يقتل شابًا بطلق ناري في مشاجرة بقليوب    السجن المؤبد وغرامة 100 ألف جنيه لتاجر مخدرات في قنا    صندوق النقد الدولي يرفع توقعاته لنمو اقتصاد الإمارات إلى 4.8% في العام الحالي    ارتفاع مفاجئ في الضاني وانخفاض الكندوز، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    تعرف على المنتخبات المتأهلة لكأس العالم بعد صعود إنجلترا والسعودية    رمضان السيد: ظهور أسامة نبيه في هذا التوقيت كان غير موفقًا    عمورة يوجه ضربة ل صلاح، ترتيب هدافي تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2026    رونالدو يحقق رقما قياسيا جديدا في تصفيات كأس العالم    بالفوز على كينيا وبدون هزيمة، كوت ديفوار تحسم تأهلها رسميا إلى مونديال 2026    أحمد نبيل كوكا يطلب أكثر من 30 مليون جنيه لتجديد عقده مع الأهلي    لدورها الريادي في نشر المعرفة: مكتبة مصر العامة بقنا تحصد جائزة «مكتبة العام المتنقلة 2025»    «بتخرج من المشاكل زي الشعرة من العجين».. 3 أبراج محتالة ومكارة    معرض حى القاهرة الدولى للفنون فى نسخته الخامسة لمنطقة وسط البلد لعرض أعمال ل16 فنانا    رسميًا.. موعد امتحانات الترم الأول 2025-2026 في المدارس والجامعات وإجازة نصف العام تبدأ هذا اليوم    للتعامل مع الحيوانات الضالة.. قنا تقرر إنشاء ملجأ للكلاب بعيدًا عن المناطق السكنية    مصرع شخصين في تصادم سيارتي نقل على الطريق الصحراوي الغربي بالمنيا    «توت عنخ آمون يناديني».. الكلمات الأخيرة ل «كارنافون» ممول اكتشاف المقبرة الملكية (فيديو)    في 3 أيام .. وصفة بسيطة لتطويل الأظافر وتقويتها    سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء الأربعاء 15 أكتوبر 2025    متى يكون سجود السهو قبل السلام؟.. أمين الفتوى يوضح حكم من نسي التشهد الأوسط    هل شراء شقة عبر البنك يُعد ربا؟.. أمين الفتوى يوضح    الجامعة الأمريكية تنظم المؤتمر ال 19 للرابطة الأكاديمية الدولية للإعلام    ورشة عمل لاتحاد مجالس الدولة والمحاكم العليا الإدارية الإفريقية    دار الإفتاء توضح حكم تنفيذ وصية الميت بقطع الرحم أو منع شخص من حضور الجنازة    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في الشرقية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 14-10-2025 في محافظة الأقصر    إثيوبيا ترد على تصريحات الرئيس السيسي: مستعدون للانخراط في مفاوضات مسئولة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منتخبات بهنا فيلم
ثمانون عاما من السينما
نشر في أخبار الأدب يوم 15 - 03 - 2014

في إحدي شقق عمارة قديمة بالمنشية في الإسكندرية، وبعد أن تتجاوز "قهوة الهندي" الشهيرة" التي تقع أسفل العمارة، تصادفك في الطابق الأول بوابة مكتوب عليها "منتخبات بهنا فيلم. تركة رشيد بهنا ". الشقة نفسها مكان سحري، متعددة الغرف والممرات، كأنها أرشيف عملاق. يبدو بوضوح انتماؤها لأوائل القرن العشرين. وترميم المكان يحافظ علي هذا المظهر أيضاً، الحجارة هي نفس الحجارة القديمة والطلاء هو نفس الطلاء القديم. في هذا المكان تمت المشاركة في إنتاج أول فيلم مصري ناطق "أنشودة الفؤاد"، وفي هذا المكان، الذي يتم افتتاحه اليوم، يستعد مجموعة من الشباب السكندريين للكشف عن تراث السينما المصرية المفقود، وإقامة مساحة فنية مستقلة في مدينة الإسكندرية.
بدأ الموضوع بظهور بازيل بهنا في الحياة الثقافية السكندرية. التقي الفنانون سامح الحلواني وعلياء الجريدي وعبد الله ضيف به في 2008 في جلسة شخصية. تعرفوا عليه بوصفه شخصا مهتما بالسينما وقادما من عائلة تعمل في الفن، ويحاول استرداد تراث شركة بهنا التي وضعت تحت الحراسة في العام 1961 . بدأ الفنانون، الذين كانوا يعملون في مؤسسة جدران للفنون والتنمية بالإسكندرية، التفكير في استغلال المساحة الفنية التي لدي وكالة بهنا، مساحة فنية تخدم شباب المدينة وأهل المدينة وتعتني بالأرشيف السينمائي الموجود. كان بازيل بهنا مهتماً بإحياء ذكري شركة أهله من منطق فني، وليس من منطق تجاري، كان واعياً أن العمل الثقافي يكون في الغالب غير هادف للربح. وكانت مؤسسة جدران، تبحث عن المناطق غير المأهولة، لتحويلها إلي مساحات فنية. هكذا بدأ التعاون.

قصة عائلة بهنا تحكي الكثير عن تاريخ الإسكندرية، وتاريخ المنطقة بشكل عام. يحكي علي العدوي، المسئول عن وحدة الأرشيف في وكالة بهنا، أن العائلة هي عائلة سريان تحركوا بين العراق والشام ووصلوا في نهاية القرن التاسع عشر إلي مصر مع رشيد بهنا وإخوته. بدأت العائلة في العمل بالتبغ، ثم سرعان ما عملوا مع غيرهم علي تأسيس نشاط السينما في الإسكندرية. كان هذا عصرا من الازدهار السينمائي. دور سينما كثيرة يتم افتتاحها. الجميع متشوقون لصناعة أو لمشاهدة هذا الفن الجديد. عمل الإخوة بهنا في السينما من مدخل تجاري كموزع سينمائي، وبدأت العائلة في المساعدة في إنتاج الأفلام، ما بين أفلام صامتة وناطقة. ساعدت في إنتاج أفلام التحريك "مشمش أفندي" للإخوة فرنكل، و"الفانتازيا العربية"، و"أنشودة الفؤاد" وغيرها.
بازيل بهنا هو واحد من ورثة هذه العائلة. أخذ علي عاتقه، كما يقول العدوي، استعادة ميراث العائلة واسترداد شركته التي كانت قد وضعت تحت الحراسة. بازيل الذي عاش حياته بين الإسكندرية وباريس كان مقتنياً للفنون. وله مشاريع كتب مع نقاد مثل إبراهيم دسوقي وسامي حلمي عن التصوير في الإسكندرية. هو سكندري متعصب لسكندريته جدا، كما يقول العدوي ضاحكاً، وهو مهتم بتبيان كيف أنه كان هناك شيء مختلف تماما يحدث في الإسكندرية مختلف تماما عما يحدث في القاهرة.
رجع بازيل من فرنسا ورفع قضايا لفك الحراسة عن شركته. وفيما بعد بدأ الكلام مع مؤسسة جدران السكندرية حول استغلال المكان وتحويله لمساحة فنية. كان مهتماً، يضيف العدوي، بأن يحتوي المكان علي أرشيف للمواد البصرية المنتمية للقرن العشرين، ولكن أيضاً بأن يعمل المكان كمركز ثقافي معاصر. مهم أن يكون للمكان قيمة أرشيفية، يشاهده الناس ويعرفون شيئاً عن ماضيهم، ولكن من المهم أيضاً أن يضيف المكان إلي الحراك الذي يحدث الآن.
يحكي الفنان عبد الله ضيف عن دور شركة بهنا كدور رائد في ثلاثينيات القرن العشرين، فدور الموزع كان جديداً تماماً بالنسبة لسوق السينما. بعدها بدأت السينما بالازدهار. نري وثيقة محفوظة داخل أحد أدراج الوكالة مكتوب فيها: "منتخبات بهنا فيلم. 1 شارع الكنيسة المارونية. بالإسكندرية. بعد التحية. نرجوكم موافاتنا بكشف مبيناً به آخر منتجاتكم من الأفلام واسم كل منها وكذا أسماء ممثليها وقيمة إيجار كل فيلم عن سبعة أيام فقط. وتجدوا في الانتظار لردكم برجوع البريد. وتفضلوا بقبول فائق احتراماتنا." الرسلة مرسلة بتاريخ 26 أبريل 1948 من "سينما فكرية بالاس بأبو قرقاص بالمنيا". هكذا إذن، قبل شهر واحد من الحدث الذي سيقلب المنطقة العربية كلها رأساً علي عقب، كان يحدث في مصر، بين الإسكندرية والمنيا، تاريخ من نوع آخر.
تعمل مؤسسة جدران بالأساس علي الأماكن العمرانية المهملة أو المغلقة، الخرائب مثلا بحسب تعبير علي العدوي، وتحويلها لمساحات فنية تخدم الفنانين وتخدم المجتمع المحيط. تستهدف المؤسسة الشارع بشكل أساسي. منذ 2008 وحتي 2010 كانت أماكن التدريب نادرة بالإضافة إلي عدم وجود أجهزة حقيقية تساعد الفنانين. كان هذه هي هي الفكرة المشتركة التي جمعت بين مؤسسة جدران وبين المساحة الخالية في المنشية التي كانتها "منتخبات بهنا فيلم". يقول عبد الله ضيف: عندما أوفر أجهزة حقيقية لإنتاج الأفلام للفنانين، وأوفر مجهود ما بعد الإنتاج من مونتاج وغيره للفنانين علي هيئة شراكة مني، فهذا سيعطي الفرصة للفنانين لصنع الأفلام. نأخذ نحن هذه الأفلام ونعرضها للناس في الشارع، الشارع الذي نكون نحن متفاعلين معه من قبل. هكذا ستعمل وكالة بهنا، وهكذا عملت وتعمل مساحات فنية أخري في الإسكندرية مثل "الدكان" و"الكابينة" وغيرها.
هل هناك ردود فعل عدائية من الناس ضد مشاريع كتلك؟ يجيب عبد الله إن هناك طريقة إنسانية بعض الشيء للتعامل مع الشارع: "نحن نتجنب الخناق. لا نعطي للآخرين مساحة للصدام معنا". يريني فيديو لحفل أقيم لفريق موسيقي باسم "فوق الصفر"، في "قهوة حمادة" بجانب محطة الرمل. يأتي رجل عجوز ويبدأ في الاحتجاج ضدهم لأن صوت الموسيقي التي يلعبونها يمنعه من الصلاة. يعتذر له الشباب و"يطيبون بخاطره"، يقول أحدهم: "إحنا آسفين يا حاج"، يحكي عبد الله أن الرجل أتي بعد عشر دقائق واعتذر لهم.
علياء الجريدي هي المستشارة الفنية للوكالة. تحكي عن فعاليات يوم الافتتاح، بجانب عرض فيلم "أنشودة الفؤاد، سيتم تقديم ثلاثة أجيال فنية سوياً، هناك علي عاشور الذي يقدم لنا معرضا بعنوان "من أول السطر"، حول سيف وانلي، كيف تأثر به وكيف حاول التخلص من تأثره به، يعرض لوحات رسمها هو بنفسه في الستينيات عندجما كان سيف وانلي يقوم بالتدريس له، بالإضافة لعمر السواح وهو فنان في أواسط العمر ويارا مكيوي التي تقدم عمل "فيديو أرت بعنوان "سلطانة، ويعرض مقاطع من فيلم "قصر الشوق"، مع شريط صوتي مختلف: "نحن مهتمون جدا بالتعايش بين الأجيال المختلفة للفن. نحاول حل اللبس في العلاقة بين الأجيال عن طريق التجسير بين الأجيال المختلفة". الفنانون كلهم سكندريون بالصدفة، كما تشرح الجريدي. ولكن ليس هناك أي مانع من استضافة أي فنان من أية محافظة أخري.
الخروج للشارع
تواصل الجريدي: "نحاول أيضاً في المكان التجسير بين فكرة الفن الكلاسيكي والفنون المعاصرة. العنصر المحدد بالنسبة لنا أن يكون العمل قادراً علي الانتقال من مرحلة لمرحلة أخري. بالإضافة إلي الاهتمام الخاص بالأعمال التفاعلية، سواء بين الفنون وبعضها، أو بين الفن والشارع. نريد أن يكون المكان عبارة عن جدران أربعة ننتطلق منها إلي الشارع الواسع".
بالإضافة لهذا، تقول علياء، فواحدة من مشاكل الفن في الإسكندرية إن الفنانين يتخرجون بدون ممارسة للفن، وبدون معلومات حقيقية: "يقولون لنا إنهم قد تعلموا تقنيات ولكنهم لا يستطيعون إنتاج فن. هنا نقدم لقاءات نظرية لهم مع فنانين ليحكوا عن خبراتهم. كما نعمل علي إقامة ورش تجمع بين السينما والتشكيل والكتابة والموسيقي مع الفنانين الذين كانت لهم أعمال سابقة. نسعي للتربيط بين الوحدات المختلفة التي لدينا، وهي الأرشيف ووحدة الفنون البصرية ووحدة صنياعة الفيلم، بحيث تُخرج إلي الناس أعمال أكثر تطوراً وعمقاً".
هذا سيبدأ من يوم الافتتاح، الافتتاح سيحتوي كما أسلف علي عرض فيديو آرت يضم السينما والموسيقي، وسيكون هذا تقليداً أسبوعيا: "مجموعة من الموسيقيين يلعبون أسبوعياً بشكل لايف علي مشهد سينمائي. يفككون شريط الصوت في المشهد السينمائي ويلعبون موسيقي. نريد ربط فناني الفيديو آرت بالسينمائيين. "
كانت لهذه الفكرة تاريخ في جدران. أقامت علياء الجريدي مع الشاعرين عبد الرحيم يوسف وحمدي زيدان معرضاً رسمت فيه بالاستيحاء من كتاباتهم: "لمدة شهر كنا نتكلم. أسألهما ويردان علي الأسئلة، وكانت النتيجة معرضاً للتشكيل في الفراع بين الرسومات والجدران." لهذا فلا تبدو فكرة التفاعل بين الفنون غريبة عن المكان، ولكن أيضاً فكرة التفاعل مع الشارع لا تبدو غريبة.
تقوم الجريدي الآن بتحضير ستديو تصوير متحرك في إيطاليا. "سنمشي في الشوارع ومعنا حقيبة الماكياج والكاميرا ونتحدث مع الناس. سنقوم بعمل ميك أب للناس ويساهمون هم في رسم خلفيات الاستديو، وسنصور الناس وهم سيصورننا. هذا المشروع ستكون المرحلة الأولي به في إيطاليا والمراحل التالية ستقام هنا في وكالة بهنا".
هذا قد يصلح في إيطاليا، ولكن قد لا يبدو صالحا في الإسكندرية!
ليس بالضرورة. نحن نقوم بهذا دائما هنا. تبدأ في الحديث عن فكرة الفن والشارع في الإسكندرية: " سيأتي فنان لديه فكرته الخاصة. كل ما سنفعله أننا سنستضيفه هنا ثم ينطلق هو إلي الشارع مع فنانين أصغر سناً. قد يسألنا عن بعض المعلومات الخاصة بالمكان وينزل لمشاهدة المكان والحديث عنه والتعرف علي الناس. نرسل معه بالتأكيد أشخاصاً قادرين علي التعامل مع المكان. لدينا في جدران تاريخ طويل من التعامل مع الشارع. سنضع شاشاتنا في المقاهي بحيث يشاهد كل الناس ما نعرضه".
"عندما نعمل في الشارع نذهب إلي منطقة نعرفها نسبيا، بعد أن نكون قد أرسلنا مجسّات إليها لنري كيف يبدو الوضع هناك وكيف يمكننا التصرف. وعندما يأتينا الفنان نطرح عليه أكثر من اختيار وهو يختار بينها. وإذا اقترح مكاناً آخر ندرسه ثم نخبره لو كان المكان خطر. الإنسان بشكل عام يخاف ما يجهله، ولكن إذا دخلت المكان بالتدريج سيقبلك". هكذا عملت مؤسسة جدران من قبل علي ترميم بيوت منطقة المكس في الإسكندرية. سامح الحلواني، وهو مدير جدران، يتولي الجزء الخاص بالمناطق المجاورة التي لا تحتوي علي خدمات ثقافية، وعمل من قبل علي مناطق مثل كفر عشري وعزبة زقزوق بالقرب من القباري.
عبقرية المكان
يحكي مأمون عزمي عن تاريخ بناء المكان. الوكالة كان اسمها الأصلي وكالة منفراتو. وأسسها المصمم الإيطالي بيولتو. بدأ البناء فيها منذ نهايات القرن التاسع عشر، واستمر البناء ل12 عاما. مات المقاول في أثناء البناء فتوقف البناء ولكن ليس لفترة طويلة، ثم عاد باسيلي باشا بعد ذلك لإكمال البناء. كان تصميمها في الأساس يتضمن اسطبلات للخيل بأسفل العمارة، حتي يركن التجار المسافرون خيولهم، ثم تحول بعد ذلك ليضم محلات بالسفل ومكاتب بالأعلي. الآن، يوجد أسفل الوكالة مقهي الهندي الشهير بالإسكندرية. أخذت عائلة بهنا، بوصفهم تجار تبغ، المكان عام 1927، ثم سرعان ما حولوا نشاطهم إلي السينما، حتي شاركوا في إنتاج أول فيلم طويل ناطق عام 1931، وهو "أنشودة الفؤاد". يضيف مأمون أن ثمة نزاعاً يدور حول إن كان "أنشودة الفؤاد" هو أول فيلم ناطق يتم عرضه في مصر أم فيلم "أولاد الذوات"، والذي أخرجه محمد كريم وقام يوسف وهبي بالبطولة فيه. ولكن الثابت أن أنشودة الفؤاد قد عرض قبل "أولاد الذوات" في باريس.
تغير تقسيم الوكالة عدة مرات، ولكن آخر مرة تغير فيها في الأربعينيات، حيث تحولت العمارة إلي مكاتب وشقق سكنية. أما اليوم، فإن العمارة كلها مسكونة ربما باستثناء شقة أو اثنتين.
في نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي، تجمع 27 متطوعاً من 11 دولة من أجل ترميم الشقة متعددة الغرف. الترميم كان حريصاً علي إبقاء الشكل الأصلي للمكان كما هو. الجدران عبارة عن أحجار قديمة. وقطع من السقف مازالت بنفس محتفظة بنفس الرسوم، وباب المدير مبطن بالقطيفة. علي قدر ما أمكن، اجتهد المرممون في الحفاظ علي روح نفس المكان القديم. المكان عامر بدواليب تحوي دوسيهات قديمة تتضمن مراسلات شركة بهنا. يخطر علي الذهن جميع الأعمال الأدبية التي تتناول المكتبات والأرشيفات العملاقة، "اسم الوردة"، "كل الأسماء"، وبالطبع مكتبة بابل العملاقة التي تتيه بين غرفها وتعلق بين أوراقها التي لا تنتهي.
لمن لا يعرف الإسكندرية، تبدو عروس المتوسط مختلفة قليلاً عما يبدو في الأفلام والأعمال الروائية، بفوضاها العملاقة. هذا يبدو واضحاً من أول خطوة لك باتجاه المكان. علي أرصفة المنشية يقف باعة كل شيء، من الملابس والمزهريات والساعات وحتي بطاقات السيسي. فور دخولك العمارة، ذات المداخل المتعددة والضيقة، وحيث كانت اسطبلات الخيل قائمة سابقاً، تصادفك قهوة "علي الهندي"، ذات السقف العالي المزخرف قوطي الطابع، وهي القهوة التي يتجمع فيها الصم والبكم ويتبادلون الحديث بالإشارة. حديثهم الذي تراه بصرياً يمتزج بنداءات القهوجية وصخب روائح محلات الأطعمة، مع جدران سيراميكية تسعينية وصورة كبيرة ل"جمال حبيب الملايين". ذلك كله قبل صعودك إلي مكتبة بابل العملاقة بالأعلي.
أنشودة الفؤاد، لا حزن ولا شجون
الوحدة التي يديرها مأمون عزمي اسمها "وحدة دعم وصناعة الفيلم". يحكي مأمون عن عملية ترميم "أنشودة الفؤاد: حدث هذا عن طريق "سينيتيك دوفرانس"، لأنهم من أوائل من قاموا بعملية أرشفة للسينما، فقاموا بترميم النسخ التي وجدوا "البَكَر" الخاص بها، ولكن كانت هناك مشكلة في شريط الصوت، الذي كانت تنقصه بكرتان، ومنها بكرة تحوي أغنية "أنشودة الفؤاد نفسها. مؤسسة "امار فاونديشن"، والتي تمتلك أرشيفا لتاريخ المواد المسموعة العربية وجد أغنية "أنشودة الفؤاد" نفسها، فأهدتها إلي ماري كلود بهنا، أخت بازيل بهنا والتي كانت تعمل بمعهد العالم العربي بباريس، وهكذا تم ترميم الفيلم كاملاً مع الأغنية.
أغنية الفيلم تقول: "أمسعدي، أنت في مرادي، يا أيها البلبل الحنون، ننشد أنشودة الفؤاد، لا حزن فيها ولا شجون". الأغنية تغنيها المغنية سورية الأصل نادرة علي العود، وهذه تفصيلة واحدة من ضمن تفاصيل كثيرة. تحكي قصة الفيلم قصة عصر كانت فيه السواحل مفتوحة أمام بعضها البعض. أخرج الفيلم المخرج الإيطالي الأصل ماريو فولبي، وقام بالبطولة فيه الممثل لبناني الأصل جورج أبيض، والشيخ زكريا أحمد، الذي لحن أغاني الفيلم وقام فيه بدور لص، وكتب كلمات الأغاني الشاعر اللبناني خليل مطران. قصة الفيلم إذن، مثل قصة عائلة بهنا، هي شاهد علي منطقة أخري تماماً كانتها منطقتنا منذ ثمانين عاماً.
ولكن الماضي ليس كل شيء. لا تهتم وكالة بهنا فقط باستعادة الماضي، وإنما بإنتاج شروط تجعل من هذا الفن ممكناً في المستقبل أيضاً. يضيف مأمون عزمي أن هناك جزءاً تعليمياً غير مباشر تقوم به "وحدة دعم وصناعة الفيلم"، بجانب المساعدة علي إنتاج الأفلام. هناك تدريب شباب السينمائيين واحتمالية إقامة مهرجان في المستقبل. وبالفعل، أنجزت الوحدة ثالث ورشة عمل هذه الأيام. كانت أولي الورشات مع منتجة إنجليزية اسمها أولهام شكيريفار وكانت مهتمة بالأفلام التوثيقية في مصر، ثم أقامت ورشة تصوير سينماتوجرافي مع مدربة فرنسية اسمها آن شابريه، ثم استضافت لمدة أسبوعين ورشة ل"دي كاف" لصناعة أفلام الموبايل، ورشة تتبع مهرجان وسط البلد للفنون المعاصرة.
بدأت الوحدة بالفعل في دعم تجارب شباب سينمائيين مثل شريف زهيري وبلال حسني: "عندما نجد سينمائياً يصوّر ويحتاج أجهزة نوفرها له. هذه المساعدات لا يمكنك تسميتها بشراكة إنتاجية، وإنما هي مجرد دعم".
وما الذي سينتجونه وما الذي لن ينتجونه؟ يقول عزمي إنه بما أن جميع العاملين في الوكالة يعملون في الفن، لذلك فلا يجوز أن تتحكم ذائقتهم الفنية في اختيار المشاريع الإنتاجية: "سنقدم استمارة للتقدم للناس التي تريد الاشتراك، ولسنا مقصورين علي دعم مواضيع معينة دون غيرها. قررنا إقامة لجنة تضم صناع الأفلام في افسكندرية لكي تقرر ما الذي سيتم إنتاجه وما الذي لن يتم إنتاجه، وهناك احتمال كبير أن يكون هناك رئيس للجنة بحيث يتغير من دورة للأخري". الموضوع ليس مقصوراً علي دعم التجارب الاسكندرية بالطبع، وقد يقبلون دعم تجارب من القاهرة، ولكن من وجهة نظر مأمون ف"الحركة في الإسكندرية أكثر احتياجاً إلي الدعم من نظيرتها في القاهرة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.