كانت عيون الأربعة تلمع بوميضٍ قاسٍ شرس، وتحدق بشدة ناحية زمزمية الماء المُعلَّقة علي صدري. أما أنا، فكنت أقبض بشدة علي حزام الزمزمية، مخافة أنني إذا ما أفلته فسيقومون بالاستيلاء عليها، في هذه الصحراء المقفرة كالموت. وقفنا وجهاً لوجه، والمواجهة بهذا الشكل، حدثت في ظهيرة اليوم. لقد أحسست بهذا النوع من اليأس من قبل، عندما نظرت إلي وجوههم المصفرة وشفاههم الجافة، وفكرت بجدية أن أعطيهم زمزمية الماء، وبعدها...... لكن لا يمكنني فعل ذلك! قبل أربعة أشهر، ذهبنا مع البروفيسور تشاو بمحاذاة طريق الحرير للقيام بدراسة عادات الناس في تلك المنطقة. ولكن قبل اليوم السابع، لم ندرِ كيف فقدنا الطريق، ومن ثم دخلنا تلك الصحراء التي أمامنا المقفرة الخالية من البشر. استنزفت الصحراء الجافة الحارة طاقة كل فرد منا، ونفد الأكل بالفعل، وأكثر ما كنا نخشاه هو العطش. الكل يعلم أنه إذا لم يكن لديك ماء في الصحراء، فإنَّ ذلك يعادل الموت بالضبط. وقبل أن نفقد الطريق، كان لكل مِنَّا زمزميته، وبعد أن فقدنا الطريق، ولتوفير الماء، قام البروفيسور تشاو بجمع كل المياه التي تملأ زمزمياتنا، ثم قسمها علي الجميع. ولكن في الليلة السابقة، توفي البروفيسور تشاو. وقبل أن يموت، أمسك الزمزميةَ الأخيرةَ المعلَّقةَ في عنقه وأعطاها لي قائلاً: "إنَّ خروجكم من الصحراء يعتمد علي هذه الزمزمية، فإذا لم تبلغوا من اليأس منتهاه، فإياكم...... إياكم أن تلمسوها، وأكملوا طريقكم واصبروا، يجب عليكم أن تجدوا طريقكم خارج الصحراء". في تلك اللحظة ظلوا يحدقون بشدة إلي زمزمية الماء المعلَّقةِ علي صدري. لم أكن أدري متي سنخرج من هذه الصحراء، وزمزمية الماء تلك، كانت هي ركيزتنا. ولهذا، فإذا لم نصل إلي لحظة حرجة، فبالتأكيد لن أستطيع التخلي عن هذه الزمزمية، لكن ماذا لو قاموا بضربي؟ عندما رأيت ملامحهم اليائسة، انتاب قلبي خوف شديد، فحاولت بقوة أن أتظاهر بالهدوء وأنا أسألهم قائلاً: "أنتم......" "كفي ثرثرة!" قاطعني بضجر مينغ خاي الذي تغطي لحيته وسوالفه وجهه: "أعطِنا الزمزميةَ في الحال" كان يقول ذلك وهو يقترب مني شيئاً فشيئا، وكان الثلاثة الآخرون يتبعونه. لقد قُضِيَ الأمر! إذا ما تركت زمزمية الماء فسوف يقومون بالاستيلاء عليها، سوف أقوم...... لا أجرؤ علي تخيل المشهد الذي علي وشك الحدوث. فجأة، ركعت قائلاً: "أرجوكم، لا تتصرفوا بهذه الطريقة! تذكروا ما قاله لنا البروفيسور قبل وفاته". فتوقفوا وأخفض كلٌّ منهم رأسه. فأكلمت قائلاً: "كلنا لا يعرف متي سوف نخرج من هذه الصحراء، وزمزميةُ الماء هذه هي ما تبقي لنا الآن، ولهذا فإذا لم نصل إلي لحظة حرجة فلن نقوم بلمسها، تَبَقّي علي المغرب ساعتان، فلنستغل قدرة الجميع الجيدة، ولنمشي بسرعة. صَدِّقوني، عندما يحين وقت المغيب، فسوف أعطيكم زمزمية الماء". أكمل الشباب ببطء وصعوبة مسيرهم نحو الأمام. وعلي الرغم من أن هذا اليوم سوف ينتهي علي كل حال، إلَّا أن وقت المغيب سوف يحين سريعاً، وبعد المغيب سيسدل الليل ستاره، بعدها سوف يأتي الغد، وحينها......آه، سأستسلم للقدر. كانت الصحراء الشاسعة تمتد أمامنا ككف بوذا، مهما حاولت الخروج منها فلن تستطيع، وما أن تسلقنا أحد الكثبان الرملية، حتي حان وقت الأصيل. توقف مينغ خاي الذي يمشي في المقدمة، ثم التفت ببطء. كانت الشمس الغاربة تفرش أشعتها بهدوء، حمراء قاتمة، كَدَمٍ متدفق. يا له من منظر مهيب! وَقَفتُ مرة أخري في مواجهة مينغ خاي والبقية، وكأننا علي وشك الشروع في معركة حياة أو موت. فكرت حينها في أنه لا يوجد مفر أو طريقة أخري، ويجب أن أعطيهم زمزميةَ الماء. نوع من اليأس التام اعتري قلبي، وعندما كنت علي وشك خلع الزمزمية، سمعت يو بينغ يصرخ قائلاً: "اسمعوا بسرعة، كأن هناك صوت!" انحني الجميع بسرعة وركزوا أسماعهم، وميَّزوا أن هذا الصوت قادم من أحد الكثبان الرملية التي تقع علي يسارهم، وكان الصوت يشبه كثيراً صوت الماء. قفزت في الحال قائلاً: "يمكن أن تكون هناك واحة في هذه الجهة، اركضوا بسرعة!" وبالفعل، فأسفل تلك الكثبان الرملية التي تقع علي يسارنا يوجد واحة، جري الجميع بجنون وفرحة ناحيتها...... غربت الشمس، وكانت الأشجار في الشط المقابل للبحيرة مزدهرةً خضراء، وعلي أطراف البحيرة نمت العديد من الأزهار البرية العطرة. كان مينغ خاي والآخرون مُستلقين بين الأزهار، ووجوههم تلوح بابتساماتٍ راضية. لعلهم في هذه اللحظة قد نسوا زمزميةَ الماء المعلقة علي صدري، إلَّا أنني كنت أشعر بالضيق والحزن، فناديتهم قائلاً: "أريد أن أخبركم أمراً الآن. لماذا لم أجعلكم تشربوا من الزمزمية كلما طلبتم؟ في الحقيقة، لا يوجد ماء بداخلها، فما بداخلها.. رمال". خلعت الزمزمية المعلقة علي صدري، وفتحت الغطاء، وفي لحظة، تدفق الرمل. وأصيب الجميع بالذهول. ألقيت نظرةً عليهم، ثم قلت بألم: "منذ صباح الأمس ونحن بلا ماء. لكن البروفيسور لم يخبرنا الحقيقة. فقد خاف أن يصيبنا اليأس، ولذلك فقد جعلني أعلق الزمزمية علي صدري وأظن أن بها ماء. وحتي لا يجعلنا نكتشف أنها فارغة، ملأها بالرمل سراً. وفي النهاية، كان يعلم أن نهايته اقتربت، لأنه لم يشرب الماء منذ عدة أيام، فقد أعطانا آخر كمية ماء تبقت معه. أخبرني البروفيسور بذلك ونصحني، بألَّا أطلعكم علي الحقيقة أبداً مهما كلف الأمر. وهذه الحقيقة هي ما سوف يسندنا إلي أن نخرج من الصحراء، فإذا ما حدث وأوشكتُ علي الموت، فلأمرر هذه الحقيقة إلي أحدكم......" لم أنطق بأي شيء بعد ذلك، وكان مينغ خاي والبقية قد خنقهم البكاء بالفعل، وحين تطلعوا ناحية هذا الطريق الطويل الساكن خلفهم كالموت، فهموا حينها كيف خرجوا من الصحراء......