قالت العجوز: - فتحت نافذتي في الصباح، فوجدت ورداً مقطوعاً من حوض بحديقة الميدان.. سألت عمن قطعه. أخبرني صاحب مقهي.. انه يرجح ان يكون تلميذاً من مدرسة قريبة يلعب تلاميذها كثيراً في الحديقة.. ولذلك أرسلت شكوي إليك. قال ناظر المدرسة: - حققنا في الشكوي.. واعترف بعض التلاميذ بفعلتهم وأنذرناهم بالحرمان من الامتحان إذا تكررت فعلتهم. قال العجوز: - توقعت معاقبة مدرسيهم ، فلو علموهم جيداً، ما قطع التلاميذ الورد، وماحُرمت امرأة وحيدة علي المعاش، من بدء يومها بالاطلال علي منظر يشرح الصدر. قال الناظر: - أقر التلاميذ في التحقيق، ان النجيل في حوض الورد البلدي، شوه منظره، لذلك قطعوه. ذهبت العجوز إلي المهندس الزراعي، المشرف علي حدائق المدينة، وقالت: - لو قص منسق الحديقة النجيل، ما افترش أرضية حوض الورد، وشوه منظره، وما قطعه التلاميذ الذين لم يعلمهم مدرسوهم جداً، وما حُرمت امرأة وحيدة من الإطلال علي منظر يشرح الصدر. قال المهندس الزراعي: - اطمئني.. وسأرسل فوراً من يهذب النجيل. في الصباح فتحت العجوز نافذتها، فوجدت النجيل مقصوصاً بطريقة عشوائية ، بعضه قصير وبعضه طويل، أسرعت الي المهندس الزراعي ، وقالت: - النجيل مقصوص بطريقة عشوائية، وفي السابق افترش حوض الورد، ولولا ذلك ماقطع التلاميذ الذين لم يعلمهم مدرسوهم جيداً شيئاً.. وماحُرمت امرأة وحيدة من الاطلال علي منظر يشرح الصدر. قال المهندس الزراعي: - خريجو مدارس الزراعة -كما تعلمين- ليسوا علي المستوي المطلوب. قالت العجوز: - ولماذا لايتدربون..؟! قال المهندس الزراعي: - اذا وجدنا ميزانية، فلن نجد مدرباً أعلم من المتدرب، وأري أن تذهبي إلي شقتك وتغلقي نافذتك دائماً، أو ارحلي إلي شقة لاتطل علي حديقة. ذهبت العجوز الي رئيس المدينة وقالت: - لو لم يترك النجيل يفترش حوض الورد، ويشوه منظره، ماقطعه التلاميذ الذين لم يعلمهم مدرسوهم جيداً، ولو عينتم منسقي حدائق جيدين، ماقص النجيل عشوائياً وما حرمت امرأة وحيدة من الإطلال علي منظر يشرح الصدر. بان من نظراته الودودة، وإبتسامته العريضة، تعاطفه معها، وأمر بإحضار شراب لها. ولما رشفت من عصير الليمون المثلج ، وتطلعت إليه ، قال: - هل يرضيك ان أقطع عيش أحد..؟! حارت العجوز في الجواب. قال: - أعلم مايقال.. عينت هذا لانه قريب النائب الفلاني، وذاك لانه من طرف المسئول العلاني.. ليس كل مايشاع صحيح. ابتسمت العجوز، ووضعت كوبها علي ترابيزة أمامها. وقبل ان ترفع ناظريها إليه قال: - سأعالج الموضوع من جذوره. ليست شكواك هي الأولي. وليست الشكاوي من الحدائق فقط. من الحفر الدائم في الشوارع لتغيير مواسير مياه، او معالجة كسر في ماسورة مجاري، او إصلاح عطب في أسلاك التليفونات، سوف تكون المباني الجديدة دون نوافذ تطل علي الشوارع حتي لاتؤذي عيون الناس. سألت العجوز: - وماذا عن البيوت القديمة.. ؟ قال: - أصدرنا أمرنا للإدارة الهندسية، بغلق نوافذ البيوت المطلة علي الشوارع، وفتح نوافذ تطل علي المساقط الداخلية، أسوة بالبيوت الجديدة، وهكذا لاينشغل الناس بتوافه مايحدث في الشوارع. وتعلمين ان المساقط تؤدي للسماء، وهل هناك مايشرح الصدر أكثر من التطلع إليها. استأذنت العجوز في الانصراف. نهض رئيس المدينة من خلف مكتبه، وأصر علي توصيلها إلي الباب الخارجي، وهي ترجوه ألا يفعل.