علي الأغلب،أو قل دائما، يرتدي أحمد فؤاد نجم (الجلابية) هي الأبسط،والأقرب لطبيعته وشخصيته العفوية البسيطة.. اوقفه موظف الأستقبال بالفندق الكبير، معترضا علي الدخول الي الحفل بهذه الصورة (ممنوع الدخول بالجلباب) قالها الموظف متأففا، فما كان من نجم الا أن خلع الجلباب، ووقف نصف عار في بهو الفندق الكبير، محطما الفخامة الكاذبة والأدب الجم.. !! من يعرف نجم، يعرف أنه (فاجومي) وأن لسانه (فالت)ولغته لا تعرف الرياء ولا ترتدي الأقنعة، يقول للفاسد أنت فاسد،ولغير الفاسد أيضا (تحسبا)..يقول مايراه الحقيقة،وما لا يريد أن يكون متواطئا معه..كان أمل دنقل يفعل نفس الشيْ، حين يصفق من نهاية الصفوف معلنا أحتجاجه علي من يحطم الشعر فوق المسرح، ويطالبه بالنزول، فما يقرأه ليس شعرا، بل هو إهانة للشعر واللغة معا..! صرخ أحمد فؤاد نجم في أحد البرامج التليفزيونية، وعلي الهواء مباشرة ( ياسيادة المشير الثورة مش حتتسرق، واللي حييجي جنب الثورة المصرية،حنطلع دين أمه..) وفورا تقدم أحد المحامين (منسق المركز الحقوقي لدعم المسلمين الجدد) الي النائب العام،متهما نجم بازدراء الدين الأسلامي، وسب الدين للمشير طنطاوي !!..وبالتأكيد لم يكن نجم يسب الدين،ولا يزدري الأديان،لم يكن يتكلم في الدين من قريب أو من بعيد..كان المشهد بالغ الدلالة والغضب..( ثلاثة من الجنود يقومون بسحل فتاة عارية في قلب الميدان..) صرخة نجم علي الهواء مباشرة،لم تكن بحاجة الي تفسيرات لغوية ولا قانونية، بقدر ما كانت بحاجة الي ضمائرنا، لنعرف بالضبط من هو (الكافر)؟ من الذي خرج علي الدين، ومن ازدري نصوصه وتعاليمه؟..الجنود الذين هتكوا عرض الفتاة في قلب ميدان التحرير، ام هو الشاعر الذي صرخ احتجاجا علي كفر الحذاء العسكري؟ ليست الألفاظ،ولكنها المعاني، لا يضع أحمد فؤاد نجم الحرف فوق الحرف، ولا الكلمة فوق الكلمة، لاتشغله الرعاية والعناية والفخامة والتزين، تشغله القذيفة، لابد من إطلاقها..تماما كصرخة مايكوفسكي من شرفة متحف اللوفر في باريس (أجمل اللوحات،هناك بالخارج ) وبالتأكيد لم يقصد مايكوفسكي أغلاق العين عن كل تاريخ الحضارة،لم يقصد إهانة لوحات اللوفر، ولكن كان يعي تماما أن الأبداع الحقيقي هو ما يصل، هو مايسكن في قلوب الناس وأعماقهم، هو اللحظة الحية من لحم ودم..كثير من القصائد الجميلة ربما تنتهي فور قرإءتها، ربما ينتهي أصحابها أيضا، لكن القصيدة الأبقي والأهم، هي الأكثر تأثيرا ومشاركة، هي ذلك اللحم والدم النابض والحي.. قصائد أحمد فؤاد نجم من ذلك النوع، ليست الأعظم فنيا،ولا الأعظم جماليا، لكنها الأعظم تأثيرا، هي بالضبط الإبداع حين يصل، ليس بالإمكان قراءة قصيدة (صباح الخير علي الورد اللي فتح في جناين مصر ) الا في سياق أحداث ومظاهرات الطلبة 1972، ولا بالإمكان قراءة قصيدة (شرفت يانيكسون بابا) الا في سياق زيارة الرئيس الأمريكي الي القاهرة بالثمانينيات، ولا قصيدة (ورقة من ملف القضية) دون سياق الاعتقالات المستمرة لنجم من أمن الدولة.... حين التقيته في دمشق أواخر الثمانينيات (وكان يقيم هناك، هربا من غضب النظام الساداتي) دعاني وبعض الأصدقاء المصريين الي أمسية شعرية تقام له بجامعة دمشق، أذهلني الحضور الطلابي، أضعاف عدد الطلاب الذين يملئؤن المدرج،يقفون بالقاعات الخارجية يتواصلون عبر الميكرفونات، أذهلني أكثر التأثير والتفاعل ) تلك العلاقة السحرية بين نجم وجمهوره،دخل الي الجامعة وسط جماعة من الأصدقاء السوريين،زارنا في الفندق ومعه مجموعة من الأصدقاء،حضر الي دعوة خاصة مصطحبا أيضا مجموعة من الأصدقاء..يتحرك نجم عادة وسط هالة من الأصدقاء، فتاة جميلة(عاشقة علي الأغلب) ومجموعة من الشباب يحيطون به، محبون، مريدون، أصدقاء..كان يحيي الطاهر عبد الله يتحرك أيضا وسط تلك الصحبة من الأصدقاء، المحبين، الحماية..نجم في دمشق هو نفسه في بيروت،وتونس، والجزائر وفي القاهرة، في حوش قدم،والمقطم،والتحرير، حتي داخل الزنازين، من حبسة الي آخري، في كل مرة يعود فيها الي السجن،يأخذه السجانون بالأحضان والشوق، هاتفين في وجهه (كفارة ياعم أحمد)