قبل 25 يناير كان موت، لم تكن حياة أصلا، وكان يأس. هذا أقل ما يوصف به حالي قبل 25 يناير. بعد 25 يناير، كانت حياة اخري، أصبحت مساحة الأمل أكبر، والإحباطات أكبر. أصبحت هناك كوارث، ومصائب، وأخطاء كبري ارتكبتها، أو ارتكبها الآخرون. هل يركب الإحباط الميكروباص؟ كل يوم أركب فيه الميكروباص بعد 25 يناير، أشاهد هذا الاجتماع العشوائي بين مجموعة من البشر لا يعرف بعضهم بعضا. ودائما هناك حوار حول مايحدث، والسياسة، وأحوال البلد. يشارك فيه السائق، وصديقه، والشاب، والسيدة العجوز، والكهل، والفتاة الصغيرة. كل مرة يكون لكل واحد منهم رأي وعندما تسود حالة من الإحباط في الكلام، وأكاد اصدق أن هذا رأي الجميع، وأن لا أمل هناك، وأن كل ما حدث من 25 يناير إلي الأن كان خطأ، وعلينا أن نقتل أنفسنا لأننا لا نستحق الحياة. لأننا مصريون جهلة..وأغبياء..ومتخلفون...وكل شيء. وأننا لا نستحق ثورة بل لا نستحق العيش أصلا وبالتالي لا نستحق أن نحصل علي حقوقنا لأنه ليس لنا حقوق وعلينا أن نرضي بالموت، واليأس، والإحباط. بعد كل هذا الكلام قد يكون هناك صوت، صوت لم يتحدث من قبل، كان صامتا ليسمع الجميع، ليسمع كل شيء، هذا الصوت لشخص مجهول لم يشترك في الحوار، لم يوافق، أو يعترض، لم يكن جزءاً وكأنه صوت يأتي من خارجنا، من خارج أنفسنا، ومن خارج العربة المتواطئة علي الإحباط. قد يكون صوت الفتاة الصغيرة، أو الشاب، وأحيانا السيدة العجوز، أو السائق، أو صديقه، أو الرجل الكهل. يقول الصوت شيئاً واحدا، ليس هو العكس لكل الإحباط ولكنه يشير إلي أن هناك باباً فتح، وأن حياة تبدأ. هذا الصوت بالتأكيد ليس صوت الأمل. فالأمل علامة حياة. لكنه صوت تلك الحياة نفسها. هذا الصوت المجهول عندما ينطق بكلمته، وكأنه يشير لخارج النافذة يقول لنا: إن الحياة خارج العربة. في الثلاث سنوات الأخيرة مرت بالواحد أوقات كثيرة صعبة، أصعب من كل الأوقات. وكان الإحباط من الخبرات المهمة التي مررت بها، لأنك قبل هذا لم تكن تعلق علي الدنيا آمالا كبيرة، أما بعد 25 يناير، فكانت هناك أحلام كبري لم تتحقق، وأصبح الإحباط هو المرض الذي أعيش به. كانت أحوالي الشخصية أفضل بشكل ما قبل 25 يناير، لكن الروح العامة التي سادت بعدها كانت من أفضل الأوقات التي شعر فيها الواحد أنه ينتظر فرحا حقيقيا وهو علي يقين أنه سيحدث، ووسط كل الألم الذي نعيش فيه، كان من الطبيعي أن نقلق من المستقبل. الإحباط أصلا دليل علي أنه كان ثمة أمل لم يتحقق، وهذا مهم. من يرضي الآن أن يعيش كأنه لم يأت يوم 25 يناير، أو لم نعيشه. قد أقبل أنا، أو الكثيرون أن نعيش اليوم بيومه، أن يكون الغد يوما عاديا وطبيعيا لكني أعتقد أن الصوت سيظل يشير إلي حياة خارج العربة..حيث الفرح الحقيقي.