الدولار يرتفع أمام العملات الرئيسية بعد الهجوم الإيراني الأخير    إسرائيل تمنع الصحفيين الأجانب من بث آثار سقوط الصواريخ الإيرانية في حيفا    تضرر شبكة الكهرباء فى وسط إسرائيل بسبب الضربات الإيرانية    كأس العالم للأندية.. بعثة الأهلي تصل نيوجيرسي لمواجهة بالميراس    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 في أسيوط بالاسم ورقم الجلوس.. رابط الاستعلام بعد الاعتماد    تفاصيل مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    اليوم.. نظر محاكمة 11 متهما بخلية التهريب    أسعار الحديد والأسمنت اليوم الاثنين 16-6-2025.. هبوط كبير تجاوز 900 جنيه    ليس تريزيجيه.. ميدو يحمل هذا اللاعب مسؤولية إهدار ركلة جزاء الأهلي ضد إنتر ميامي    رئيس جهاز حماية المستهلك يلتقي وزير الطيران المدني لبحث سُبل التعاون بين الجانبين    أسعار الخضروات والأسماك والدواجن اليوم 16 يونيو بسوق العبور للجملة    بعد عمله اليومى.. محافظ قنا يتجول بدراجة فى شوارع المحافظة    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «كارمن» بمسرح الطليعة ويشيد بصناعه | بالصور    "معتصم النهار يخوض أولى تجاربه السينمائية في مصر ب«حين يكتب الحب».. قصة رومانسية وإنتاج ضخم"    منتخب السعودية يستهل مشواره في الكأس الذهبية بالفوز على هاييتي بهدف    ميدو يتحدث عن أمنيته ل الأهلي في كأس العالم.. ويوجه رسالة بشأن زيزو (فيديو)    ترامب: بوتين مستعد للوساطة.. واتفقنا على إنهاء التصعيد في الشرق الأوسط    الضربة الاستباقية الإسرائيلية ضد إيران بين الفشل والنجاح    وسائل إعلام إسرائيلية: عدة مواقع في تل أبيب تعرضت لدمار كبير    عادل عقل: تعادل بالميراس وبورتو يشعل مجموعة الأهلى.. وفوز كبير للبايرن بمونديال الأندية    إيران تشن أوسع هجوم صاروخي على إسرائيل حتى الآن    أحمد السقا يرد على تهنئة نجله بعيد الأب.. ماذا قال؟    ارتفاع قتلى الهجوم الإيراني على إسرائيل إلى 16 قتيلا    انكسار حدة الموجة شديدة الحرارة.. الأرصاد تعلن مفاجأة بشأن طقس الساعات المقبلة    مراجعة اللغة الفرنسية الصف الثالث الثانوي 2025 الجزء الثاني «PDF»    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة رأس السنة الهجرية للموظفين والبنوك والمدارس (تفاصيل)    مجموعة الأهلي.. نتيجة مباراة بالميراس وبورتو في كأس العالم للأندية    فيديو.. الأمن الإيراني يطارد شاحنة تابعة للموساد    نجوى كرم تطلق ألبوم «حالة طوارئ» وسط تفاعل واسع وجمهور مترقب    بعد تعرضها لوعكة صحية.. كريم الحسيني يطلب الدعاء لزوجته    مواعيد مباريات اليوم الإثنين 16-6-2025 في كأس العالم للأندية والقنوات الناقلة    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الأثنين 16 يونيو 2025    إمام عاشور: أشكر الخطيب.. ما فعله ليس غريبا على الأهلي    وفاة تلميذ متأثرًا بإصابته بلدغة ثعبان في قنا    صرف الخبز البلدي المدعم للمصطافين في عدد من المحافظات    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    لا تسمح لطرف خارجي بالتأثير عليك سلبًا.. توقعات برج الجدي اليوم 16 يونيو    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زيارة السيد رانفييه
نشر في أخبار الأدب يوم 01 - 09 - 2013

من شرفته المطلة علي نهر الراين يري أمامه خلية عصبية كبيرة تسد مجري النهر ، تبدو من بعيد كزهرة ذابلةٍ، جسم الخلية سداسي وساق الزهرة هو محور الخلية. الساق مقسمٌ إلي مقاطع متساوية يفصل بينها عُقد تسمي عقد رانفييه نسبة لمكتشفها، النواة في المركز بيضاوية، طرية ومتوهجة، تطوف حولها ملايين من الرءوس البشرية تسبح في السيتوبلازم آتية من كل قرية في مصر عبر الغمد النخاعي. لمح أخاه الذي قضي في الثورة طافيًا علي صفحة السيتوبلازم، وبجواره زجاجات بيرة،علب كشري،إطارات سيارات، تماثيل، سيديهات، مكبرات صوت، هواتف ذكية وحواسيب محمولة. لمح أيضًا بوسترًا كبيرًا لأخيه يرفعه خمسون شخصًا، في السيتوبلازم أيضا رأي نفسه يقود سيارته الأوبل من منزله في مصر الجديدة حتي صفها في مكان آمن بعيد عن النواة، تحديدًا في ميدان المساحة بالدقي عند آخر عقدة من عقد رانفييه. قال وكأنه يُحدِّث نفسه: رانفييه..، تري ما أوجه الشبه بيني وبين رانفييه . لويس أنطوان رانفييه طبيب وعالم تشريح فرنسي اكتشف عُقدًا في الخلايا العصبية وأطلق عليها إسمه، وُلد سنة 5381 وتُوفي 2291، عاصر ربيع الشعوب الأوروبية، علي الأرجح أنه لم يكن من الثوار، فقد اندلعت الثورة في فبراير في فرنسا عام 8481 عندما كان عمره ثلاثة عشر عامًا؛ نديم أحمد ثابت طبيب مصري ولد سنة 9791 شارك في ثورة يناير 2011 وسيحتفل باليوبيل الذهبي للثورة سنة 2061، مع الظهور القادم لمذنب هالي فوق كوكب الأرض، وهو المذنب الذي ولد أخوه الراحل في ليلة ظهوره السابق تحديدا في مارس 6891 عقب أحداث الأمن المركزي. بحسب ويكيبيديا يبدو أن رانفييه لم يغادر فرنسا، أما نديم فغادر القاهرة إلي ستراسبورج بفرنسا عام 2012 هربًا أو اضطرارًا أو لاستكمال رسالة الدكتوراه الخاصة به وعنوانها تحسين قدرة الخلايا الجذعية علي التحول إلي خلايا عصبية لعلاج مرض ألزهايمر، هكذا عقد مقارنة بينه وبين رانفييه قبل أن يخلد إلي النوم بعد طول أرق.
في الصباح استيقظ علي آلام صداع نصفي، فتح النافذة فداهمه ضوء النهار، مسك رأسه بكلتا يديه، ثم حركهما إلي الأمام وهو يضغط علي دماغه، دعك عينيه بكامل كفيه وفتحهما مرةً أخري، فرأي رانفييه ممسكًا بباقة من الخلايا العصبية في يده ويقول له:
مرحبًا اسمي رانفييه، لقد أحضرت لك باقة من الزهور..
آه عذرًا، أنت لا تتحدث العربية.
Bonjour je m appelle Ranvie je vous ai apporte un bouquet de fleurs
أغلق النافذة، هز رأسه فتبخر طيف رانفييه. إلا أنه ظل يسمع صوته وهو يردد رانفييه.. رانفييه.. رانفييه. بسرعة استحم، وبعدم اكتراث ارتدي ملابسه وبضجر واضحٍ ترجَّل إلي الجامعة. في الطريق إليها احتسي فنجانًا من الكابتشينو وتناول قرصًا للصداع النصفي، استمع إلي محاضرةٍ لأستاذِه واتفق معه أن يلتقيا بعد ساعتين في المعمل ليسلمه تقريرا بالنتائج الأخيرة. لساعة جلس يكتب التقرير ويصحح أخطاءه النحوية. في المكتبة قابل جميلة زميلته - فرنسية من أصول تونسية- بينهما استلطاف، بلسان إنجليزي طلق وفرنسي معقود أخبرها أن لديه موعدًا مع دكتور رانفييه لمناقشة بعض النتائج، تساءلت بدهشة : رانفييه؟ تدارك، أقصد دكتور فورنييه، مشرفي دكتور فورنييه... واتفقا أن يلتقيا الساعة السادسة في مطعم إيطالي قريب من الجامعة.
أنهي اجتماعه مع دكتور. فورنييه أسرع مما توقع. نظر في ساعته، لازال أمامه خمسون دقيقة علي موعده مع "جميلة". همَّ بالاتصال بها ليقدم الموعد إلا أن أيقونة فيسبوك استلبته، فولج إلي حسابه مستسلما لإغوائها ، تابع بعض الأخبار والرسائل والتعليقات، استفزه تعليق لصديق عن الأحداث فزفر في ضيق وألقي الهاتف بعيدًا.
نظر في السقف، ثم في الجدران ثم تبادل النظرات مع المجهر الإلكتروني الذي بدا له أنه يستدعيه ويستلبه مثل أيقونة فيسبوك، جلس علي الكرسي أمام المجهر، وأشعله، فظهرت صورةٌ غائمة لعيّنة من الخلايا العصبية، قام بعمل تكبير لها مليون مرة، فرأي الخلية العصبية التي تسد مجري نهر الراين ، في المنتصف منها النواة خضراء مشعة، إلا أنه لاحظ لها أهدابًا حريرية لم يرها من شرفته، حول النواة رأي ملايين البشر والوجوه التي رآها في الصباح، يكاد لا يكاد يكون هناك موضع قدم في السيتوبلازم، من يقترب من الأهداب الحريرية تلتقمه وتقذف به في النواة فيشتد توهجُها، ثم رأي نفسه يسبح في السيتوبلازم في شارع مظلم طويل مرتديا ملابس طبيب فرنسي من القرن التاسع عشر، ويحمل مظلة سوداء، لم تكن السماء تمطر إلا أنه أبصر نردًا يتساقط منها فيقتل عشرات الأشخاص ويحطم المباني ويحرقها قبل أن يدوي صوت يهز الخلية بأكملها صائحا : سي... دو... يسقط النرد مرة أخري، فيصرع من يصرع وينجو من ينجو ويصيح الصوت: دوبااارة، وهكذا مع كل رمية تتصاعد الأرواح وتدوي الأصوات هب يك،دوسة، جهار بنج،دوش" بينما يتخلل الأصوات ضحك وتمخط. اكتشف أن المظلة تحميه من النرد القاتل فشق طريقه بين من قضي ومن ينتظر حتي وصل إلي سرادق عزاء لا يوجد فيه إلا مقرئان بملابسهما الأزهرية تفرس في وجهيهما فاكتشف أنهما الرئيسين السابقين أو المخلوعين، جلس أمام الأول الذي تربع علي الدكة وتنحنح ثم وضع يديه علي أذنيه وأخذ يقرأ "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" أما الآخر فيهرش في لحيته ويميل برأسه طربًا وهو يرشف الينسون، حرك عدسة المجهر إلي اليمين فلمح حجرًا من النرد يسقط علي رأس أخيه، أسرع سابحًا نحوه ليحمله لأقرب مستشفي فسأله أخوه :
- أين أنا يا نديم؟
- أنت في السيتوبلازم.
- وما هو السيتوبلازم؟.
- هيولي.
- هيولي؟!.
نعم هيولي، مادة الشيء التي يصنع منها كالخشب للكرسي، المادة الأولي للخلية ليس لها شكل أو صورة ومنها صنع الله الموجودات.
جميل أن أموت في المادة الأولي التي صنع الله منها الموجودات، أليس كذلك؟
- لا أعرف، البعض يقول... إمم إن
- همم... طيب من قتلني؟
فأجابه في ثقة:
شيش جهار.
أيقظته نغمة المحمول علي رسالة من جميلة : أين أنت؟ كتب لها: آسف سأتأخر عشرين دقيقة.
أطفأ المجهر، حمل حقيبته علي كتفه، في الطريق تأتيه تحديثات الأخبار علي هاتفه، يسمع صوت التحديثات في أذنه كقعقعة النرد علي الرقعة الخشبية. يدخل إلي المطعم لاهثًا معتذرًا، يتناول العشاء مع جميلة، يتحدثان عن العمل والجامعة وما ينوي فعله بعد الدكتوراه وكيف يتقدم في البحث، تسأله لماذا لا يتوقف هاتفه عن الرن، فيجيب تحديثات الأخبار، يضع هاتفه علي الوضع صامت، تسألته عن رأيه فيما يحدث في مصر، يسترجع صورة الخلية التي تسد مجري نهر الراين وتفاصيل صورتها تحت المجهر ثم يسترسل في شرح وتحليل أسباب الثورة ،مسارتها، أزمة الشرعية، الأزمة الاقتصادية، الضغوط الخارجية، طبيعة الحركة الجماهيرية ومطالبها ومناورات اللاعبين السياسيين، بدا لها ممتلئًا بحماس زائف وإن كان يصف كل شيء بدقة ويصل لنتائج منطقية، أما هي فبدت له جميلة كما اسمها، واثقة من أنه يحبها أكثر من ثقتها بما يقول.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.