فرضت تغطية وسائل الإعلام نفسها في ثورة 30 يونيو في مصر، التي خرج فيها الشعب المصري يطالب باجراء انتخابات رئاسية مبكرة. وانقسمت وسائل الإعلام في تداولها للحدث إلي وسائل إعلام مؤيدة لكل فريق، ونشأت حرب رمزية تقوم علي أرضها في موازاة مع الحراك المجتمعي في الواقع. ولكل من الفريقين استراتيجية إعلامية، حاولت فرضها بواسطة آليات فكرية وفنية مستمدة من عدة مفاهيم مثل الإرهاب والشرعية والانتماء إلي ثورة 25 يناير 2011 وأصبح الواقع المصري المصنوع إعلامياً / افتراضياً، تدعي كل وسيلة فيه أنها تقدم صورة مطابقة عن الواقع، من أجل كسب الرأي العام العالمي والمحلي واجتذابه إلي سياقها. لقد ساهمت في تحويل ثورة مصر إلي فضاء علاماتي، تتصارع عليه مجموعة من المعاني والحقائق، وصنع حالة مشابهة لتعامل وسائل الإعلام في حرب الخليج الأولي التي حدثت في عام 1990، التي جعلت المفكر الفرنسي جان بودريارد يطرح سؤالاً ؛هل حدثت حرب الخليج الأولي بالفعل؟، التي أصبحت حقيقتها خاضعة لمنطق الافتراضي، وتحول الواقع إلي وجود هش بسبب سيطرة الصورة. من تلك اللحظة أصبح انتصار القضايا في العالم المعاصر لا يتوقف علي نشرها أو حقيقة موضوعية، بل قدرة وسائل الإعلام المروجة علي صناعتها وطريقة نشرها وتداولها وتأويلها لذا، علينا أن نتناول دور وسائل الإعلام فيما حدث في 30 يونيو وطرق صناعتها للثورة المصرية، مما يستدعي فحص الحقائق التي روجتها كواقعة أو سردية تستدعي فك شفراتها. واقعة أحداث 30 يونيو تشير الواقعة كما حدثت في مصر، إلي أن هناك أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية أحدثت سخطا شعبيا، هذا ما دفع مجموعة من الشباب أطلقوا علي أنفسهم اسم تمرد بتصميم استمارة تطالب بعمل انتخابات رئاسية مبكرة، لأن الرئيس المعزول لم يحقق حلم الشعب في الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية، واستجاب الناس لها .. ووقع علي هذه الاستمارة ما يقرب من 22 مليوناً من الشعب المصري. نتيجة لذلك خرج في 30 يونيو إلي الشارع ملايين من الشعب المصري تطالب باستفتاء بقاء الرئيس أو عزله. ورفض الرئيس مبدأ الاستفتاء عليه. وبالفعل استجاب الجيش في 4 يوليو لمطلب الشعب وعزل الرئيس لمنع حرب أهلية محتملة، كما حدث في ثورة 25 يناير 2011 صناعة وسائل الإعلام لقد سعت وسائل الإعلام المؤيدة للإخوان مثل الحوار والقدس والجزيرة، إلي بناء خطاب مضاد، يعتمد علي أن ما يفعله الإخوان في رابعة ما هو إلا ثورة أخري علي العودة للحكم العسكري، وأن اعتصامها ما هو إلا محاولة لإعادة التاريخ إلي مساره الطبيعي وعودة الديمقراطية مرة أخري. ولعل مقطع الفيديو الذي تحدث فيه أحمد منصور إعلامي الجزيرة والذي يجسد بوضوح الاستراتيجية الإعلامية الإخوانية، حينما قال "علينا أن نستعيد ذاكرة ثورة 25 يناير، وأن نروج أننا ثوارها، وأن ما حدث هو انقلاب". إن الاستراتيجية الإعلامية التي رسمها منصور، كانت النهج الذي سارت عليه وسائل الإعلام المؤيدة للإخولن وخاصة الجزيرة - وصنع واقع افتراضي والترويج له بكافة الصور عبر استدعاء صور ذهنية ماثلة في الأذهان لما حدث في ميدان التحرير في ثورة 25 يناير 2011. طبقاً لذلك، روجت وسائل الإعلام المؤيدة أن ما في رابعة مجموعة من المدنيين السلميين الساخطين علي الانقلاب العسكري الذي يقتل الحرية والديمقراطية. بالإضافة إلي أن ما يقومون به هو ثورة من أجل إعادة الشرعية الدستورية، مستندين إلي أن القانون الدولي لا يحرم الثورات وأن الانقلاب العسكري ضد رغبة المواطنين. منصة رابعة.. سينما رابعة لقد تم تنفيذ هذه الاستراتيجية الإعلامية عبر تحويل وسائل الإعلام المؤيدة ميدان رابعة إلي أشبه بفيلم سينمائي، لعب البث المباشر من ميدان رابعة دوراً مهماً في تحويل أحداثه إلي فرجة لتجعل المشاهد متورطا في الحدث. لإحداث البلبلة واللبس وسوء الفهم من جهة، ومن جهة أخري وسيلة لمواجهة سلطة الصورة البصرية لأحداث 30 يونيو التي اكتسبت جدارة الوجود نتيجة للحشد الكبير من الشعب المصري. كل ذلك بهدف التعتيم علي أن ما حدث 30 يونيو بمثابة ثورة، وفرض حقيقة أن الصراع بين الفريقين أحدهما يمثل الانقلابيين وفلوله - من وجهة نظرهم - والفريق الآخر يمثلونه وهو الشعب. لقد حاولت وسائل الإعلام المؤيدة أن تعطي بعد أسانيا علي تمرد الأخوان الموجودين في الميدان، وأنهم يمثلون الشعب المصري والمدافعين عن حقه في الوجود، لتعطي دلالة أن ميدان رابعة يمثل حياة بديلة وواحة للحرية بدلاً من أنه جزء مقتطع من السيادة المصرية. وأكدت علي ذلك باستخدام تكنيك التقطيع البصري لصورة ميدان رابعة كحالة الكادر السينمائي، بالإضافة إلي عرض حالات إنسانية مثل تأجير بعض الكومبارسات تمثل سيدة تعلن عن تمردها من زوجها الضابط، وفي اليوم التالي تقوم نفس السيدة بانتحال شخصية سيدة مسيحية تعلن إسلامها بعد ما رأته من صمود متمردي رابعة وانهم علي حق، أو الشخص الذي قرر عدم السفر إلي السعودية للعمرة من أجل مكافحة الانقلابيين من وجهة نظرة، أو إعلان زواج شاب وفتاة من معتصمي رابعة. استغلال الدين بكافة أشكاله من شيوخ أو اداء الصلاة. تم كل هذا لتبرير أفعالهم الإرهابية سواء في طريق النصر أو افتعال أحدث الحرس الجمهوري. وامتد التقطيع البصري للصورة بعمل مونتاج للأحداث تستعرض فيه وعرض لقطات مثل صور الجثث المكدسة، وإصابات المعتصمين، ليثبتوا أن الفريق الآخر ضد المدنية والشرعية والديمقراطية، وغيرها من هذه الصور، مما يستدعي لدي المواطن العالمي وذاكرته الانفعالية صور مساوئ الديكتاتورية العسكرية والحروب المدمرة. من ثم استطاعت الوصول إلي الرأي العام العالمي، لأنها تعرف أن قضيتها خاسرة تماماً مالصورة الذهنية أن ما فعله المصريون ينتمي إلي ثورة 25 يناير. تفكيك الواقعة لقد حدثت واقعة 30 يونيو كما صنعتها وسائل الإعلام المؤيدة للإخوان في تناقض، يمكن أن نفكك صدق الواقعة من خلال الموجهه التاريخي والزمني وهو موجه خارجي، فإذا كان من خرج في 30 يونيو - كما يدعي الإخوان - رموز النظام السابق وليس الشعب، لبقي مبارك علي رأس الحكم في 25 يناير بسبب قدرة الفلول علي الحشد. أما الموجه الزمني فيرتبط بفكرة المدنية والتي يدعون أنهم حماتها. ترتبط المدنية بفكرة المواطنة، تعني تجذر المواطن في الواقع وككائن يقيم في الحاضر، إلا أنهم قاموا بتثبيت الزمن عند 25 يناير كلحظة قدسية، فهم بذلك يرفضون المدنية وإنكار مواطنة الفرد علي أنه يقيم في الحاضر التي يرددونها في رابعة. كما ربطوا وجودهم بزمن ميتافيزيقي وهو أن شرعيتهم شرعية إلهية. أما الموجه الداخلي لتفكيك الواقعة فيرتبط بمنصة رابعة كنص، حيث تم الخلط بين المقدس والدنيوي، لأن واقعة الخروج من أجل عودة الرئيس المدني المنتخب، في حين أن واقعة الاعتصام مؤسسة علي عودة رئيس قديس حينما تم وصفه بأن معه شرعية إلهية (مثل شخص يحكي مناما بأن الرئيس المعزول مرسي يؤم الرسل)، كما أضافوا قداسة علي المكان (ادعاء نزول جبريل عليه)، تنفي واقعة الاعتصام هذه الصورة التي روجتها وسائل الإعلام علي أنهم مدنيون ويريدون دولة مدنية. أدت هذه الحالة إلي تناقض فعل الخروج مع فعل الاعتصام (لأنه أعطي قداسة علي المكان والرئيس)، فكيف يقبلون بشرعية دنيوية للبشر ومفهوم الديمقراطية، وهم يعطون أنفسهم تميزاً عن الشعب الذي يريدون له حياة مدنية، فوقعوا في شرك الخطاب النقيض (العسكر) الذي يرفضونه فاستبدلوا شرعية دينية بدلاً من الشرعية العسكرية التي يدعون أنها رجعت مرة أخري. قنوات التأييد لقد لعبت وسائل الإعلام دوراً مهماً في تحفيز الشعب المصري لخروجه في 30 يونيو، وكان إعلاميون مثل باسم يوسف أو إبراهيم عيسي دور في الكشف عن مساوئ الإخوان، لقد أعاد الإخوان النظام القديم في أنه يستمد قدرته علي البقاء في الاحتفاظ بنفسه كسر أو كصندوق أسود ممنوع كشفه، فتعاملا مع النظام بوصفه مستودعا من الأسرار وعليهما كشفه وإن اختلفت السبل، سواء عند باسم يوسف في المحاكاة الساخرة، أو عند إبراهيم عيسي في كشف تناقضات النظام نفسه. ولكن بعد 30 يونيو غيّر النظام طريقته بالاحتفاظ بنفسه كسر، بل لجأ إلي حيل مثل الوهم والاستلاب تتمثل في إشاعة الوهم بأنه يدافع عن الديمقراطية والمدنية. في ظل هذه الاستراتيجية الإعلامية للوسائل الإعلامية للإخوان التي تشيع الوهم والاستلاب وتنبني علي حبكة ادائية مثل أفلام السينما، تحتوي علي لحظات إنسانية ومأساوية تم صنعها وترويجها لطمس واقعة أو سردية ثورة 30 يونيو. بالإضافة إلي لجوء الإخوان إلي الكتائب الالكترونية سريعة الانتشار لنشر حقائقها، للتأثير علي الرأي العام العالمي. فالسؤال الذي يفرض نفسه هو كيف تم التعامل مع هذه الحقيقة المضادة. في البداية، لكي تنجح وسائل الإعلام المصرية في تأدية رسالتها الإعلامية عليها أن تبني بناء خطاب مضاد لهذه الافتراءات، تستند إلي: 1 أن لا تعبر معني الإرهاب إلي قضية في الأساس تعبر عن رأي، بل تحوله إلي معني- حدث، بمعني أن أفعالها هي إرهاب للإنسانية وتهدد طبيعتها الأمنه. يتم ذلك عن طريق الكشف عن تجاوزات الإخوان المختلفة. 2- لقد شنت وسائل الإعلام المؤيدة حربا رمزية علي وسائل الإعلام المصرية، واتهمتها بالتضليل فعليها أن تنتهج سياسة إعلامية تعتمد علي الرأي والرأي الآخر، لتكشف زيف حقيقة وسائل الإعلام المؤيدة، وأبرز تأويل مضاد لهذه الأحداث، والتذكير بأن هناك خطراً يهدد المدنيين بسبب الإخوان. 3- الاعتماد علي ثقافة الصورة التي تجعلنا في قلب الحدث وسخونته بدلاً من الاكتفاء بالتغطية بعد انتهاء الحدث، لأن تشكيل الرأي العام لم يصبح وليد تبادل فكري فقط، بل أصبح مفعولا أساسيا للصورة البصرية التي تعرضها وسائل الإعلام. إن مواجهة وسائل الإعلام المصرية مثل cbc, on tv,, والنهار، والحياة، والفراعين، اعتمدت علي التوجه إلي الرأي العام الداخلي، وصاغت حقيقتها في قالب لغوي يعتمد علي البرامج الحوارية في الأساس التي توضح مساوئ حكم الإخوان في مصر، واستعانت بافلام مصورة للفترة الماضية فوقفت في موقف رد الفعل بدلاً من الفعل للدفاع عن ثورة 30 يونيو بالنسبة للرأي العام الداخلي المتيقن من ذلك، فحصرت القنوات المصرية بثها في هذه النقطة لفترة طويلة، ثم التركيز في فترات أخري علي أمور سفسطائية علي أن ثورة 25 يناير ما هي إلا مؤامرة صنعها الغرب، وأن 30 يونيو ثورة شعبية. وغاب عن معظم وسائل الإعلامية المؤيدة أن تصنع رسالة إعلامية تتناسب مع قيم العصر الحالي إلي بشر مختلفي الميول.