قبل تنفيذ ما اعتزمته بعد تفكير ثلاث سنوات ، وقفت نهال أمام المرأة، رسمت حاجبيها وكحلت عينيها ثم فردت شعرها الاسود الطويل الذي كاد يصل لأردافها، وارتدت فستان عاري الكتفين والصدر يحدد تفاصيلها ثم جلست تنظر لملامحها وتبكي وهي تخبر المرآة عما تفعله فيها الايام ... كانت ممثلة »clown« حرة تتنقل بين هذا المسرح وذاك تتقمص اشخاصا وتسخر منهم ، لكنها صارت البطلة الوحيدة في مسرحيتها المؤلمة التي أجبرها أهلها علي تمثيلها ...المسرح الذي لا يمل من العروض المتتالية خاصة العروض التراجيدية ، أوعروض الضحك الاسود ، قامت باداء دورها علي أكمل وجه وتصدرت صورها كل الجنازات الاعلامية . تحدث الجميع بألم عن ذكري ممثلة جميلة تعيش في دور لا يليق لها ، لم يصفق لها أحد رغم ان المسرح يمتليء عن آخره بالمتفرجين ، سواء من الأقارب أوالجيران أو الأصدقاء أو حتي السائرين بلا هدف في الشارع ... لم يعيروا لأدائها أي اهتمام ، فما كان منها إلا إنها ثارت ثورة مؤذية لجمالها بعد أن تأملته لاخر مرة في المرأة وهي متأنقة جدا . جردت شعرها بموس وارتدت ملابس المهرج وخرجت لأمها مبتسمة تسألها عن أسعار الطماطم وغلاء السمك وكرهها للفراخ البيضاء التي ينعدم منها الخير ...!! تصدر نهال لكل من يراها اكتئابا وتستورد هي منهم فاللا مبالاة ، لكي تعيش لابد ان لا تبالي بأي شيء أيا كان فالامبالاة تشعرها بدغدغة في جسدها والمياه المثلجة تسري في العروق بدلا من الاكتئاب والدم المتجمد وذبحات القلب !! يلكزها بعض الزائرين لعرضها بعشرة جنيهات في الصميم كي تشتري سجائرها فهي لا تستطيع الاستمرار باداء الدور دون دخان ... الملعون حبيبها باح بسر العشرة جنيهات بلا فصال !! قالت له عمته إن هناك عروسة جميلة ومؤدبة ولم يمسسها بشر فقال إنه لا يحبها لأنه لا يحب ولا يؤمن بحب العشرة وشيلني واشيلك وقدم السبت تلاقي الحد والقفة ام ودنين يشيلوها اثنين فهو يحلم بحب الروح ليكون مع شريكته واحدا صحيحا فبذلك تستقيم الحياة ولا يوجد شيء خطأ !! اغتصبت جسده لكنها لم تستطع اغتصاب الحب ! ينساب الماء عادة علي الجسد ليطهره من الأوجاع ، لكن نهال غير كل الناس فالماء يفقدها الأمل إذا تكاثر فوق جسدها فهي تكرهه الي أن تزيله بالمنشفة فكأنها تخلق من جديد ، الماء هو سر الحياة وهو أيضا سر تعاستها فمتي تحب الماء ؟!! حبسها أخوها في البيت الصغير المبني بالطوب الاحمر والذي لا يحميه إلا أبواب حديد كبيرة ولا يوجد به سوي شباك واحد صغير نسي الغبي ان يضع له القضبان تكومت علي نفسها في ركن عشة الفراخ الموجودة في البيت والتي تقوم أمها كلما ذهبت هناك بإخراجهم الي الشارع لينفكوا شوية كما تقول لاحسن يموتوا ... تجلس في كومتها تحسد الفراخ علي الحرية الممنوحة لهم في ساعات المغرب ، فهي حتي لا تستطيع ان تطل من الشباك الصغير الذين يغطونه بقطعة خشب علي مقاسه تماما ... تخرج أمها بعدما تسحق جنينها في بطنها تاركة نهال بنزيف لا يتوقف وتغلق الباب وهي تسب في العفاريت والشياطين الذين ركبوا ابنتها وجعلوها تهوي الفن وسنينه السودا ... يابنتي ربنا يهديكي ويبعد عنك العفريت ابن الكلب ، بس لو اعرف عايز منك ايه وانا اريحه ، تنظر لها وهي ترتعد من الخوف لأنها ستهم بالخروج وغلق السجن عليها حالا . في ركنها المرعب تراقب الفئران وهي تقرض أوراق كتب ملقاة كمهملات والصراصير التي تسعي بين بقايا أكلها وأتتها فكرة عبقرية لتنقذ نفسها ... منذ توفي والدها بعد صدمته فيها لأنها تزوجت بغير رغبته ، أحضر الأهل ملابسه ورموا بها في هذا البيت فهو مخزن المهملات القديمة كلها ! أحضرت كل ملابسه وقامت بلضمهم في بعض وقامت بتكسير اللوح الخشبي الموجود علي الشباك الصغير بقوة الغضب والخوف التي تعيشه ، ربطت الحبل المصنوع من ملابس ابوها ونزلت من الدورالثاني بهذا الحبل الذي انفكت ربطاته وهي علي وشك الوصول للأرض ، أصيبت بكسر بسيط في ساقيها ، لكنها لم تشعر بألم الكسر قدر سعادتها بالهروب من السجن ، سارت بالكسر تقع وتقوم وتقوم وتقع إلي أن وصلت للمسرح الحقيقي التي حلمت بالعودة له كل الليالي السابقة ، أستقبلها بعض الزملاء القدامي ، الذين لم يقدروا قيمة ما عانته للعودة بينهم ، لم يعطوها الاهتمام اللازم ! ظلت تبحث في الشوارع وبين الاصدقاء عن سرير ، لم تجد اي سرير ، لكن هناك من وقف يحدثها عن الفردوس الحقيقي التي يجب ان تذهب لها معه : الفردوس المنشود علي الأرض أولا .. لو ارتبطنا ببعض يبقي ارتباط فراديس .. فردوسك عامل إزاي .. تأخذ فردوسي وتديني فردوسك !! مللنا من الطرح والضرب فمتي الجمع !! دار بها دائرة كبيرة فسقطت حبا ! كان صلبا كالصخر بأبتسامتها لأن المرض وقتها لم يلن لأحد عرف الاهل مكانها ، أتفقوا معه وتحايلا عليها بعد أن وضعا لها كمية كبيرة من المنوم في كوب الشاي التي تشربه بملعقتين ونصف من السكر ... لم تدر إلا وهي علي سريرها الخشب البني التي تعرفت علي رائحته قبل أن تفتح عينيها ، لم تخطط من جديد للهرب ، لكنها قررت هذه المرة أن تؤدي الدور الذين يدفعونها لأدائه فوقفت لهم في وسط الصالة الفارغة من اي اثاث لأنهم تخلصوا منه فالعفاريت الملعونه قامت بحرقه اكثر من مرة ، فتخلصوا منه .... قامت بدور أمين شرطة في ميدان التحرير واعطت لنفسها صلاحية تنظيم الشارع ... المتجه يمنيا يلزم الجانب الايسر ! إنتبه ماذا أنت .. انتبه كيف أنت .. انتبه من أين أنت !! الاملاك هي التي تورث .. الوريث الوحيد لأعمالك هو أنت فأنتبه ! في سواقة العربات تجد لافتات »هديء السرعة« .. »منحني خطر« النقل يلزم الجانب الإيسر فلماذا لاتلزم الاشارات الأخري »قل خيرا أو لتصمت« حب لأخيك ما تحبه لنفسك لنصل بسلام كما في سواقة العربات لنصل للنجاة ..!! أول من يعلم إنك تكذب هوأنت !! الي الممر .. هناك ممر واحد لاغير وعلي الجميع إجتيازه إن عرفوا أولا أن هناك ممراً هناك المعطيات .. المطلوب .. البرهان .. فالمعطيات هي كل ما أراه أو أستشعر بوجوده دون أن أراه .. والمطلوب من وراء كل هذا .. والبرهان هو ماتبرهن به علي وجود الآخر من خلالك وليس من خلال غيرك .. كيف أريك ما في الصندوق وأنت أعمي !! سينما ذ مسرح ذ أغاني .. بنعوم في مية البطيخ !! اتقنت بالطبع الوقوف في الميدان ، لكن لم تستمع لها اي سيارة من السيارات المارة بل وصل الامر ان وقفت وسط الصالة تصرخ من اثر السيارة التي صدمتها ...! قالوا ان الخروع يشفي الأمراض النفسية ... إذا أخذت الخروع مع بعض الماء ورفعتهما علي النار ثم صببته في كوب وشربته فهو يعالج نفسيا .. أخذت برطمان الخروع مع كوب وهذه هي الأشياء الوحيدة التي كانت معها في مستشفي الأمراض العقلية !! قاموا بإرسالها عندما فاجأتهم وهي علي الباب ترتدي بنطلوناً وبلوزة وترغب في الخروج ، فلم يفعلوا اي شيء سوي تكتيفها بالحبال داخل ملاءة بيضاء رائحتها تشبه رائحة بخورالمتسولين امام المساجد ... ولم يكلف الاب اوالأخ نفسهم حق السؤال عليها الاطمئنان عليها وهي تتعارك مع المجانين لأنهم يأخذون سجائرها ويضربونها لأنها تجلس صامتةتتفرج عليهم ، لم يتكلفوا معاناة سؤال الاطباء الذين قاموا بكهربتها كلما فتحت فمها وقالت مس ... ر...ح ، فقبل استكمال الكلمة يأتين الممرضات علي عجل ويسحبونها الي غرفة التعذيب الكهربائي ليعالجونها من الهوس الغريب الذي تعاني منه ... قال الاطباء انها هكذا اصبحت سليمة ! لكن منذ أخذوها من المستشفي وهي لا تتكلم ولا تصرخ ولا تبكي ولا تذكر اي شيء مما تعلمته ، لكن الشيء الوحيد التي تذكرته هو آخر فنجان قرأته لها صديقتها ورحلت من حياتها شفافة كالبلور، فقد روت لها كل ما مرت به وهي الان في انتظار النصف الثاني من الفنجان ، تتلهف لقوي خارقة تحرك حبال العرائس لمكانها المناسب ، فمنذ تشابكت الخيوط لم تعرف مكانها !