عزيزي القاريء إذا كنت من قاطني حي الزمالك الشهير.. فأنت ربما سمعت أو قرأت لافتة علي أحد الشوارع تحمل اسم علي بهجت ..فمن يكون علي بهجت..هذا العظيم المجهول؟! هذه فرصتك للتعرف علي رائد من رواد البحث في الآثار العربية بمصر . فكما قال الكاتب الكبير سلامة موسي في مذكراته:"وكل حياة تستحق أن ُتعرف وُتروي أخبارها واختباراتها". علي بهجت من أصل تركي ؛ عمل جده "علي أغا" في خدمة الحكومة المصرية سنوات طويلة بمديرية الشرقية ؛ حيث تزوج ، ثم استبدل بحقه في المعاش ، أرضا زراعية بقرية " باها العجوز" في مديرية بني سويف ، وهناك ولد حفيده "علي بهجت" سنة 1858م. التحق "علي بهجت" بالمدرسة الناصرية الأبتدائية ثم بالمدرسة التجهيزية. ولم يجد في المهندسخانه ما كان يصبو إليه من علم ؛ فتركها بعد بضع سنين إلي مدرسة الألسن، وأتم دراساته فيها سنة 1882م.وعين علي الفور معيدا بالمدرسة التجهيزية. وكان المرض قد اشتد علي عالم المصريات الفرنسي "أوجوست مارييت"، وهو الذي كان في آن واحد رئيسا لمصلحة الآثار ؛ ومديرا للمتحف المصري الذي أنشأه؛ ومسئولا عن الحفائر المهمة التي خطط لها في سقاره وأبيدوس وميدوم ؛ وقد جرت التقاليد- منذ شامبليون- علي أن يظل مجال الآثار المصرية في أيدي الفرنسيين. وهنا فكر "جاستون ماسبيرو" خليفة "مارييت" المتوقع في تشكيل بعثة فرنسية دائمة لدراسة الآثار المصرية، مقرها القاهرة،وبالفعل صدر المرسوم بإنشاء البعثة قبيل وفاة "مارييت"سنة 1881م. وعينت السلطات المصرية " ماسبيرو "علي رأس مصلحة الآثار. وتوسم وكيل المعارف آنذاك "يعقوب أرتين" في الشاب علي بهجت حبه للتاريخ وميله للأبحاث الأثرية، فانتدبه للعمل مع البعثة الفرنسية ليعينها علي قراءة النصوص العربية المحفورة المزخرفة، ومراجعة المخطوطات والاهتداء الي المعلومات الواردة فيها.وهكذا عمل علي بهجت خمسة عشر عاما مع علماء أجلاء مثل ماسبيرو وكازانوفا وتوطدت ميوله إلي استكشاف الآثار العربية وتحقيق كتب التاريخ الاسلامي ؛ وأعانه علي التحرك في ميادين البحث إتقانه لعدة لغات ،أولاها بالطبع العربية التراثية، ثم الفرنسية والألمانية والتركية والأنجليزية. وترقي علي بهجت في وزارة المعارف إلي مفتش بالتعليم الابتدائي، مما أتاح له فرصة للتنقل عبر القطر المصري كله شمالا وجنوبا . ثم سرعان ما ترقي إلي رئاسة قلم الترجمة ثم نقل لأسباب سياسية من عمله في قسم الترجمة إلي لجنة حفظ الآثار العربية سنة 1900م. كما شغل منصب وكيل المتحف العربي ، الذي كان مقره في ذلك العهد جامع "الحاكم" والذي انتقل الي مبني "باب الخلق" سنة 1903م؛ وهنا تحول اسمه من "الأنتكخانة العربية" إلي "دار الآثارالعربية"، ونال علي بهجت لقب أمينها المساعد ، وبعد عمل اثني عشر عاما أصبح مديرا عاما لها سنة 1914م. وقد استعان به علي باشا مبارك في إعداد مجموعته الجغرافية التاريخية متشعبة الأجزاء التي وضعها تحت مسمي "الخطط التوفيقية". وقد قام بحفائر بمدينة الفسطاط من سنة 1912م إلي سنة 1919م .وكان له مؤلفات كثيره عنها. وقد كتب وساعد في النهوض بدراسة علوم الآثار والتاريخ والجغرافيا وجميع الدراسات المتعلقة بالحضارة الاسلامية والعربية ، وكان عضوا مميزا في المجمع العلمي المصري،وقد قضي هذا العالم المصري المجهول"علي بهجت" ثلاثة وثلاثين عاما في خدمة الآثار الاسلامية والعربية ، ولم ينل ما يستحقه من تكريم حتي الآن، وربما يكون قد حان الوقت لتكريمه. وتوفي في 27 مارس 1924م، وقد رثاه أمير الشعراء أحمد شوقي بقصيدة عظيمة نذكر منها: سلوا الآثار من يغدو يغالي بها ويروح محتفظا حفيا وينزلها الرفوف كجوهري يصفف في خزائنها الحليا وما جهل العتيق الحر منها ولا غبي المقلد والدعيا فتي عارف المشارب من دنايا وصان عن القذي ماء المحيا