(1) رسائلي إليهم .. !! غاضباً أمسكت الموبايل النائم بجواري أياماً طويلة .. طويلة جداً . أنا لست غاضباً من نومه الدائم لفترات طويلة، إنه لم يقصر ولم يخطئ يوماً في خدمتي منذ أن اشتريته، وهل أيقظه، أحد المتصلين ولم يعلُ بصوته ليناديني ...؟!!! أيها الموبايل لك كل الشكر والتقدير، وللأهل والأصدقاء كل التقصير .. لا يهمني تقصيرهم .. المهم عندي الآن أن أكتب مجموعة كثيرة من الرسائل، حتي أرسلها لهم جميعاً، كل واحد باسمه، وحتي لا أستغرق وقتاً طويلاً في كتابة كل رسالة علي حدة، قررت بعد تفكير طويل أن أكتب رسالة واحدة .. نعم واحدة شريطة أن تكون جديدة وفريدة، وتكون مختلفة تماماً عن باقي الرسائل التي أرسلتها إليهم من قبل، فالمناسبة واحدة، رغم تعدد الأسماء، انتهيت سريعاً من كتابتها، رحت أقرأها علي نفسي، حتي أطمئن علي صياغتها بالشكل اللائق والمطلوب، فهذه المناسبة لا تتكرر إلا مرة واحدة كل عام، ولن تتكر مرة أخري . ( كل لحظة..كل ساعة..كل يوم وأنتم جميعاً بخير،وعلي الخير والحب والعدل والحرية والنصر وطاعة الله عز وجل دائماً نلتقي، رسالتي إليكم بمناسبة يوم السادس من أكتوبر العظيم،كل عام..والأعوام القادمة وأنتم جميعاً بخير،دمتم لنا جميعاً.المخلص دوماً منتصر) رحت أرسلها تباعاً إلي ما يزيد عن الستين اسماً، وكلما أرسلت رسالة، لا أبدأ بإرسال الأخري إلا عندما يأتيني الرد بتسلم الرسالة السابقة، ووصولها في أمن وأمان لتليفون صاحبها، وهكذا كلما أرسلت رسالة يأتيني الرد سريعاً بسلامة وصولها . لقد اعتدت علي إرسال مثل هذه الرسائل للأهل والأقارب والأصدقاء وحتي الجيران، وأرسلها أيضاً لمن اختلفوا معي .. نعم من اختلفوا معي في يوم من الأيام، أرسل لهم جميعاً هذه النوعية من الرسائل في شتي المناسبات، نعم في شتي المناسبات، لم ولن اترك لهم مناسبة سعيدة، إلا وشاركت فيها برسائلي القصيرة المملوءة بالحب والإخلاص، والمناسبات عندهم كثيرة ومتوالية لا تنتهي أبداً أدامها الله عليهم مناسبة قدوم شهر رجب و شعبان و رمضان ووقفة عرفة والعيدين وعيد الحب وعيد الجلاء وعيد تحرير سيناء وعيد العمال وعيد الربيع، وهذه المناسبة الجليلة التي نحن بصددها يوم أن استرددنا كرامتنا، تلك المناسبة التي يتذكرها الأعداء قبلنا، ليست هذه كل الرسائل بل وأرسل لهم رسائل مناسبة في أعياد ميلادهم التي أتذكر بعضها عن ظهر قلب، ورغم أني أرسل إليهم هذا الكم الهائل والمستمر من الرسائل، إلا أنه لم يفكر أحدهم في زيارتي، فمنذ أن صرت معهم مرغماً، وأحاطوني بسيرهم من كل جانب، وجاءوا بي إلي هنا، وتركوني وحيداً وانصرفوا، بعد أن أحكموا غلق باب سكني الجديد جيداً، وبعد أن كتبوا عليه قبل انصرافهم بحروف سمراء فاقع لونها تسر الناظرين : ( هنا قبر الشهيد منتصر) ..ربع قرن أو يزيد، ولم يأتِ أحد منهم لزيارتي، رغم أن زيارتي لن تكلفهم شيئاً . 2) تبادل الأدوار ..!! شموع السبوع تضيء بين أيادي جموع الأطفال .. صوت (الهون) النحاسي راح يرتفع ويرتفع للتنبيه والتأكيد علي المولود كي يسمع كلام أمه .. صوت زغاريد النساء يزداد شيئاً فشيئاً .. امتدت يد الأم لكي تأخذ منّي مولودها الذي ما إن يشعر بتبادل الأيدي حتي يصرخ معترضاً .. رافضاً ذلك بشدة .. وجدتني تارة أراقب الأم النافس (الشبعانة) وهي تخطو خطواتها السبع، وعلي وجهها ابتسامة مصنوعة صفراء فاقع لونها لا تسر الناظرين، وتارة ثانية أنظر إلي مولودها الذي لم يزل يصرخ بين يديها، وتارة ثالثة إلي بطني الجائعة/العطشي في ألم وصمت .. - بطنك أرض بور لا تصلح للزراعة قط .. راحت تخترق أذني آخر مقولة لزوجي قبل أن يغادر البيت متجهاً إلي بيت الزوجية الجديد .. - استوب .. زفت .. زفت قالها المخرج في غضب متجهاً نحو الممثلة الأم، تلك الممثلة التي فرضت عليه من قبل المنتج، وراح يقول في قرف شديد وضيق أشد : - يا فنانه أنتِ تؤدين دور الأم .. أم تحمل وليدها للمرة الأولي .. أم تحمل وليدها الذي انتظرته لسنوات طويلة، وما تفعلينه الآن ليس فيه لهفة أو شوق، رغم أنكِ في الحقيقة أم .. أم لأربعة أولاد .. - كلاكيت عاشر مرة .. عاد المولود إلي حضني فسكت بكاؤه علي الفور .. رحنا نتبادل النظرات فيما بيننا في صمت، بينما أصابعي تعانق أصابعه في حوار شخصي لا يعرف ترجمته غيرنا .. قررت أن أرفع صوتي معترضة .. قررت أن أصرخ في وجه المخرج الغاضب ؛ لأقول له أرجوك اختبرني .. واختبر فيَّ دور الأم أرجوك أن تبدل الأدوار هي تأتي مكان هنا كي تأخذ دور (الداية) وأنا أخذ دورها ولو لمرة واحدة، فأنت أنت الوحيد القادر علي مساعدتي لكي أخلع عني ثوب الأرض البور حتي وإن كان تمثيلاً، في اللحظة التي فتحت فيها فمي، وقرر لساني التحرر .. التحرك منعتني يد الممثلة الأم الممتدة نحوي، وجدتني ألملم جراحي وحزني راسمة ابتسامة وأنا أعطيها مولودها / مولودي الذي عاد لصراخه، وعدت أتكئ علي حائط صبري، وأنا أنظر في شوق ولهفة إلي المولود الصارخ تارة، وتارة ثانية إلي المخرج الغاضب لعله يشعر بي ويقرر تبادل الأدوار . (3) نبأ عاجل ..!! » مفتتح « » موتوا .. فما تستحقون الحياة إذا كان بضعة آلاف يهودي يغلبون ملايينكم « » السيد قطب « باكية ..صارخة ..تلطم خديها، وتشد بقوة شعرها الأشيب المنكوش وهي تقول : - وينكم ياعرب .. وينكم يا أشقاء العروبة .. قالتها أم فلسطينية وهي تنظر في ذهول إلي طفليها التوأمين المقتولين تارة، وتارة أخري إلي بيتها الذي لم يتبق من معالمه شيء يذكر . الجنود الإسرائيليون لم يزالوا يبحثون .. يفتشون وسط حطام البيت عن أطفال أحياء لقتلهم ؛ رغم تأكدهم بعدم وجود أطفال، وقبل خروجهم يستوقفهم صوت المذيع الخارج في ألم حبيس الراديو الخشبي المتهالك : نبأ عاجل .. خرجت نتائج القمة العربية المنعقدة في (.......) للم الشمل العربي صفر اليدين ؛ بسبب أنهم اتفقوا علي ألا يتفقوا. صفق الجنود تصفيقات قوية متوحدة، ثم ضحكوا حتي دمعت أعينهم، ومازالت المرأة تصرخ وتنادي حتي بُح صوتها تماماً، ومازال المذيع يصر علي إعادة نبئه العاجل .