ربما كانت مفردة (التطبيع) من أكثر المفردات التي تتردد في وسائل الإعلام المختلفة: المقروءة والمرئية والمسموعة، ويبدو ان المتلقي يستقبل المفردة بوصفها مصطلحاً وفق تكوينه الثقافي والسياسي والعقائدي، ومن ثم كان المصطلح في حاجة إلي تدفق مفهومه حتي يكون استقباله عند المتلقي استقبالا صحيحاً، ومتقارباً. والفعل (طبع) بتشديد (الباء)، و(يطبع) بتشديدها -أيضاً- ثم (التطبيع) كلها من مادة أساسية، وهي (الطبع) أو (الطبيعة) ومفهومها: السجية والخليقة التي خلق عليها الإنسان، والفطرة التي فطره عليها، علي أن يلاحظ أن الفعل (طبع) علي وزن (فعل). يدل بصيغته علي الكثرة، مثل طوق، وعلم، وردد، وفهم. معني هذا أن المرجعية المعجمية تقودنا إلي أمرين، الأول: »التطبيع« يعني ان يكون سلوك الإنسان علي طبيعته التي فطره الله عليها في عقله وقلبه، الأمر الثاني: ان يأخذ هذا السلوك أحادية، فإذا تغير لسبب من الأسباب، جاءت الحاجة إلي (التطبيع)، أي العودة إلي السلوك الفطري الطبيعي، ولعل هذا ما عناه المثل: »الطبع يغلب التطبع«. والنسق الثقافي العربي كان علي وعي دقيق بهذه الحقيقة التكوينية، ورأي أن الطبيعة قسمان، الأول: الطبيعة الفطرية المغروسة في الإنسان، مثل الكرم، والحلم، والشجاعة، وطبيعة مكتسبة، مثل : التعلم، ومهارة الصنعة، وقد عبر عن هذه الحقيقة الخطاب الشعري الذي حمل الثقافة العربية إلينا، يقول ابوتمام معبراً عن الطبيعة: فلو صورت نفسك لم تزدها علي ما فيك من كرم الطباع وهم ما أكده المتنبي في قوله: وكل يري طرق الشجاعة والندي ولكن طبع النفس للنفس قائد أما أبوالعلاء، فيعبر عن ازدواج الطبيعة بين الفطري والمكتسب في قوله: طبع خلقت عليه ليس بزائل طول الحياة ، وآخر متعلم كل هذا يؤكد لنا ان مصطلح (التطبيع) له مرجعيته المحددة، وهي مرجعية تتيح للبشر جميعاً ان يقيموا علاقاتهم القريبة والبعيدة بما يتوافق مع الأصول الفطرية المركوزة فيهم،والتي رسختها النشأة والتربية، هذا هو مفهوم المصطلح علي وجه الإطلاق، لكن ترديده في الزمن الأخير، حصره في علاقة العرب بالدولة الصهيونية ، وهنا ما سنتناوله في المقال القادم.