رئيس مجلس الدولة يستقبل وزير الصناعة والنقل    ارتفاع عدد سكان مصر إلى 108 ملايين نسمة في الداخل.. تراجع المواليد في آخر 5 سنوات.. و5 محافظات بالصعيد تتصدر قائمة الأعلى في الزيادة السنوية    السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    منال عوض: تطوير محمية وادي دجلة ضرورة لحماية مواردها    ماذا حدث في أوكرانيا خلال قمة ألاسكا بين بوتين وترامب؟    بحر الدم يرتفع، توفيق عكاشة: جيوش متعددة تضرب حزب الله وحرب أوكرانيا لن تنتهي    وزير الخارجية يتلقى اتصالًا هاتفيًا من وزير خارجية سنغافورة    رئيس قناة السويس يوافق على إقامة المباريات الجماهيرية للإسماعيلي بملعب الهيئة    ضبط متهمين في مشاجرة بأكتوبر بعد تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل    بعد تناول وجبات.. إصابة 9 أشخاص ب«اشتباه نزلة معوية» في الشرقية    الأمن الاقتصادي يضبط آلاف القضايا خلال 24 ساعة    هيكل وصنع الله إبراهيم.. ورامتان طه حسين!    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    فيلم درويش ل عمرو يوسف يحقق 8 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض بالسينمات    أحمد عاطف قطة: الظروف الصعبة سبب "كارثة" الأولمبياد.. وحزنت لضياع الدوري أكثر من كأس مصر    «السياحة» تبدأ مبكرًا في إجراءات الحج بتوقع عقد الضيافة وخدمة الحجاج بالمشاعر المقدسة    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    الري: حصاد 315 ألف متر مكعب من مياه الأمطار بجنوب سيناء    تشييع جثمان شاب لقي مصرعه غرقا داخل حمام سباحة ببني سويف    بعد تأجيل الدراسة| الموعد الجديد لبدء العام الدراسي بمدارس الجزائر    معايير عمل لجان حصر وتقييم وحدات الإيجار القديم.. تفاصيل القانون الجديد    عودة الكهرباء بكامل طاقتها إلى إدفو بعد إعادة تشغيل محطة الحصايا (صور)    سيمينو ينفجر غضبا بسبب العنصرية.. والشرطة تحقق في الحادث    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    إجراء 20 عملية مياه بيضاء في يوم واحد بمستشفى نجع حمادي بقنا    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    خلال العطلات الرسمية....صحة الشرقية تنفذ أكثر من 37 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية    رابطة الصحفيين أبناء الدقهلية: تصريحات نتنياهو تمثل استفزازًا صارخًا لمشاعر الشعوب العربية والإسلامية    آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    حلول عاجلة لتوصيل مياه الشرب لعدد من المناطق بجنوب بورسعيد    ذهبيتان وبرونزية لمصر بنهائي السيدات ببطولة العالم للخماسي الحديث تحت 15 عامًا    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    موعد تقليل الاغتراب لطلاب تنسيق المرحلة الثالثة 2025    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    عمرو وهبة يحتفل بعيد ميلاد ابنه: «الحمد لله عدت بدعوات الناس » (فيديو)    18 قتيلا و24 مصابا فى حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    خالد سليم يلتقي جمهور القلعة اليوم ضمن فعاليات الدورة 33 في هذا الموعد    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثنائيات المتضادة في رواية "المقلب" لسعيد سالم
نشر في أخبار الأدب يوم 20 - 04 - 2013

سعيد سالم أديب فنان يخوض تجربة الابداع بعشق فاهم ومدرب. عشق لفن القصة في أشكالها، وعشق للانسان في سعيه وكفاحه ضد كل المعوقات التي تحول بينه وبين عالمه المثالي الذي ينشده.
الانسان في أعمال سعيد سالم هو ابن الأرض الذي شكلته الظروف المحيطة ، فجعلت منه الشرير المتسلق ، والانتهازي المتسلط ، كما جعلت منه النبيل المثالي الطموح. ومن الطبيعي أن ينشأ الفعل الدرامي هنا في الصراع بين النموذجين.
ولأن كلا النموذجين مثالي في أفعاله التي لايحيد عنها، فمن الطبيعي أيضا أن يكون الصراع هنا صراعا حادا وعميقا ومتضمنا لكل الأطر الثقافية المحيطة، وهو ما تضمنه الخطاب النصّي في الأعمال القصصية للكاتب منذ روايتهسجلامبوس في أوائل السبعينيات وحتي رواية زالمقلبس التي صدرت مؤخرا في 2009 عن مطبوعات المجلس الأعلي للثقافة.
في رواية المقلب نتعرف علي صورة المجتمع والواقع والحياة والوجود، فالحياة تبدأ من مقلب الزبالة وتنتهي اليه وفيه كما يقول السرد.
الواقع كما يمثله المقلب وجودا ورمزا يحيا فيه بكر السرياقوسي المثالي بطموحاته وسعيه لتحقيق هذا الطموح، كما يحيا فيه شعبان الشريف ، الانتهازي الفاسد المرتشي ، ومن الشخصيتين تتكون سائر الشخصيات، فأكرم الدقاق والدكتورة ساميه المحجوب امتداد لبكر، وأمين بك والدكتور طارق الألفي امتداد لشعبان الشريف.
في الوجه المضيء للإنسان يقول بكر السرياقوسي:سكم هو رائع وجميل ونبيل ، ذلك الشعور المسمي بالحب. انه يغمرني أينما حللت بعقلي وروحي وجسدي. أحب فردوس. أحب أبي وأمي وإخوتي. أحب الزبالين. احب منطقتي السكنية الشعبية.أحب أصدقائي وزملائي. أحب مدينتي. أحب وطني. أحب العالم. أحب الكون.. أحب الله.
بذلك يلخص التطور الطبيعي لعاطفة الحب التي تبدأ صغيرة بسيطة ومحدودة، ثم تتسع لتحتوي العالم كله ، والتي تبدأ من الخلق والمخلوق وتتسع وصولا الي الله.
في الوجه المقابل يمارس شعبان الشريف وأمين بك طقوس الوجه الآخر للانسان الذي جعلته نفس الظروف انسانا قبيح المشاعر لايعرف الحب ولا يؤمن به، ولاحدود عنده لممارسة كل أشكال المفاسد.
في المقلب وحوله تتحرك مجموعة من النماذج البشرية هذه، الي جانب نماذج هامشية أخري مثل عمال الزبالة الذين يشكلون عالم المقلب، وعمال المصنع وبعض الأهالي والناس المحيطين.. وفي وسط هذا الجو المشحون بالتوتربين الخيرين والأشرار يتقدم مشروع أكرم الدقاق لحل مشكلة عمال القمامة ، يسانده في هذا المشروع ذ مع اختلاف وجهات النظر- بكر السرياقوسي الذي كان يري ضرورة البدء بهدم القديم وإزالة آثاره، ثم يبني الجديد علي أرض نظيفة ممهدة.
والمشروع الذي تقدم به أكرم الدقاق أقرب الي الاشتراكية الجزئية، وهو ماسمح للنص السردي بتكرار اسم جمال عبد الناصر واشتراكيته، لكن الأمر كما اكد بكر ، يحتاج التغيير فيه الي ثورة شعبية شاملة علي القديم البالي المتعفن..ولهذا لم يستطع خليل السرياقوسي الأب وبكر السرياقوسي الإبن مقاومة جبروت السلطة، لأن كلا منهما ضئيل بمفرده قياسا الي قوة وسطوة هذه السلطة. بذلك تنتهي مأساة المقلب بانهيار الحلم مع طرح فرضية لتصور الحل.

القضية التي انشغل بها النص في رواية المقلب ، هي نفس القضية التي شكلت منذ الثمانينيات رؤية وموقف سعيد سالم: فساد الواقع والحياة والوجود ، والحاجة الي التغيير من خلال طرح الحلول،ووقوف سلطة الأشرار في وجه المثاليين أصحاب الحلم بالتغيير. واذا كان النص في الروايات السابقة للكاتب يتقنع بالرمز ودلالاته، فإنه هنا يصرح مباشرة بالموقف، ويستخدم الرمز للأبعاد الوجودية التي تقدم شيئا من التفلسف في الموقف.
لهذا نجد كيف أن النص لم يتحرج من أن يعدد وجوه الفساد في قوله:
زهناك نغمة احباط تسود المجتمع. الناس يائسة من كل شيء.حكومات فاشلة.فساد يستشري في اجهزة الدولة.غلاء شديد.حريات مكبوتة. لاكرامة لمواطن في قسم شرطة أو في مستشفي حكومي. خيوط الثقة تقطعت بين الجميع بحيث صار كل يتوقع الشر من الآخر أو يتربص به.يحاول استغلاله لتحقيق منفعته العاجلة...الي آخر النصس.
أما رمزية المقلب بما فيه ، فهو امتداد في البعد الحياتي والفكري، وهو يعني أن النص هنا- كما زاوج في الفعل الدرامي بين الخير والشر- زاوج أيضا في دلالة الموقف بين الرمز والمباشرة، وسوف تنعكس هذه الثنائية الجدلية وما فيها من مفارقة علي أسلوب البناء السردي للرواية الذي جاء مخالفا أيضا للأبنية السردية السابقة للكاتب.
الهيكل العام للرواية هو استخدام تكنيك وجهات النظر الذي يتطلب بناء الفعل الروائي من خلال وجهات نظر الشخصيات التي تقوم بأدوار حكائية، بمعني أن الحدث الواحد يقدم من وجهات نظر متعددة بتعدد الشخصيات الراوية وهو ما يمكن السرد من تقديم وجهات النظر المتباينة، أي الأبعاد المختلفة للفعل، لكن سعيد سالم هنا في رواية المقلب يستخدم تكنيك وجهات النظر ليس فقط لتقديم أبعاد الفعل ، وإنما يستخدم هذا التكنيك أكثر لحركة البناء وتصاعد الأحداث، حيث تقدم كل شخصية جزءا من حركة الفعل الروائي، فهو تكنيك يجمع في ثنائية بين سرد الحدث وسرد الشخصية داخل بنية وجهات النظر.
كما شكلت ثنائية المفارقة أيضا اختيار الكاتب لشخصيات سرد وجهات النظر. فقد جاءت الرواية في أربع وعشرين فصلا.نصف الفصول مقسم بالتساوي بين بكر السرياقوسي والمقلب، والنصف الآخر موزع ربعه الأول بالمناصفة بين خليل وفردوس ، أما الربع الأخير فبين أكرم الذي تردد صوته أربع مرات وناموسة مرة وسامية مرة.
تقاسم بكر والمقلب إذن نصف مساحة السرد في ثنائية الانسان والمكان، مؤكدا أن الانسان لم يعد هو وحده بؤرة السرد ،لأنه لم يعد هو وحده مركز العالم والكون والحياة، وإنما يشاركه في الحياة كما يشاركه في السرد الذي هو صورة أخري للحياة ومخلوقات الكون وأهمها المكان الذي يعرف عن الانسان أكثر مما يعرف هو عن نفسه كما يقول السرد.
وكما قام النص علي ثنائية المقابلة في تقسيم الفصول وفي توزيع الأدوار، كذلك ظهرت هذه الثنائية بشكل واضح في تشكيل السرد الذي قام علي المزاوجة بين سرد التسجيل الخارجي وسرد الرصد الداخلي،كما قام علي ثنائية سرد الحكي وسرد الترجمة والاعتراف، كما زاوج بين السرد وتيار الوعي، وبين السرد في بنيته التقليدية وسرد المونتاج والكولاج وسيناريو المشاهد والمسامع، والمزاوجة بين عربية السرد وعامية الحوار والسرد أحيانا.
وتقدم هذه المهارة الحرفية بالتالي بناء سرديا متماسكا تقوم الدراما فيه علي مفارقة الثنائيات المتضادة في الظاهر، والمتماسكة في البنية الفنية علي نحو يكشف عن عمق الرؤية والتشكيل.
هكذا يتمكن السرد من المعاونة في كشف الانساق المضمرة في ثنائياتها المتصارعة مابين الخير والشر والمكان والأنا والآخر والذكر والأنثي، وما بين الحكي والتداعي والرصد الخارجي والداخلي والتقليدي والتحديث ، وكلها ثنائيات تتصارع في البنية السردية للنص لمزيد من الإضاءة والكشف ، والمتعة الفنية، متعة الحكي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.