د . أحمد سخسوخ رواية شفرة دافنشي للأمريكي »دان براون«، هي الأكثر مبيعاً في العالم ، فقد وصلت مبيعاتها حتي الآن ، إلي ما يقرب من مائة مليون رواية ، وقد تحولت الرواية إلي فيلم من إخراج »رون هوارد«، إفتُتح به مهرجان كان السينمائي عام 2006 ، وقد أثارت الرواية واثار عرض الفيلم زوبعة في الأوساط الدينية والمحافظة ، وما تزال آثارها تدوي حتي الآن . احتجاج نواب الشعب في عام 2006 تقدمت النائبة »چورچيت قلليني« باستجواب لوزير الثقافة آنئذ ، عن رواية شفرة دافنشي المتداولة في مصر ، وهاجم أعضاء مجلس الشعب الرواية ، وطالبوا بمنعها ومصادرتها ومنع عرض الفيلم الذي أُعلن عن عرضه في مصر ، وكان قد انتشر علي أقراص مدمجة تُباع علي الأرصفة ، وكان معظم من طالبوا بذلك من النواب الذين ينتمون إلي الجماعات الإسلامية وكان بالبرلمان 88 عضواً من الإخوان وقد تضامن وزير الثقافة مع هذا المطلب ، وأكد في حينه أنه سيتخذ إجراءات حازمة تجاه تهريب الفيلم علي الإسطوانات المدمجة ، خاصة وأن الرواية قد تم طبعها في بيروت ، وهي متداولة للبيع منذ ثلاث سنوات ( طُبعت في بيروت عام 2004 ) ، ويؤكد تعهده بمنع الرواية والفيلم ، لأنه قرأها وشاهد الفيلم ، ووجد فيها ما يمس الأديان ، تأييداً لموقف النائبة التي طرحت الاستجواب ، والنواب الذين طالبوا بمنعها ومصادرتها ، أي الرواية والفيلم . وعلي أثر هذه الضجة البرلمانية والوزارية ، إزدادت مبيعات الرواية ، وكثُر الإقبال علي الفيلم ، الذي زاد انتشاره في مصر في السوق السوداء علي أقراص ال C.D وD.V.D ، والغريب في الأمر أن معظم الذين طالبوا بمنع الفيلم ومصادرة الرواية ، لم يكونوا قد شاهدوه أو قرأوها ، وإنما سمعوا عنه وعنها ، تماماً مثل الذي حاول ذبح الروائي العالمي نجيب محفوظ واغتياله ، دون أن يقرأ كلمه واحدة أو سطراً واحداً من رواية أولاد حارتنا . لقطة من فيلم شفرة دافنشي يحدث هذا لدينا ، رغم أن الرواية لم تكن ، ولم تُمنع في أمريكا وأوروبا ، حيث الكثافة المسيحية ، وقد صدر أكثر من مائتي كتاب رداً علي الرواية ، فهكذا يواجه الفكر بالفكر ، والرأي بالرأي ، والإبداع بالإبداع ، وليست بالمصادرة ، مما يمكن أن يثري الحياة الثقافية والفكرية والوجدانية والسياسية ، والحياة بكاملها في جميع مناحيها ، فالانغلاق يؤدي إلي الظلام ، والظلام يحيل الحياة إلي الموت الأبدي.. من مجلس الشعب إلي مجلس الثقافة أثارت شفرة دافنشي في اجتماع المجلس الأعلي للثقافة ، قبيل الاقتراع علي جوائز الدولة في يونيو من عام 2006 ، جدلاً كبيراً ، وكان الوزير مترئساً للجنة ، ودكتور جابر عصفور أميناً عاماً للمجلس ، وأكد الوزير في اجتماعه ، بأنه تعامل مع القضية كوزير مسئول ، واستخدم حق الرقابة في منع التعرض للشخصيات المقدسة ، وكان من بين المثقفين من اعترض علي قرار المنع ، ومن بينهم أحمد عبد المعطي حجازي ، وعصفور ، وصلاح فضل وغيرهم . رواية دافنشي كان قد كتبها الأمريكي »دان براون« (مواليد 1964) عام 2003 ، وقد حقت نجاحاً كبيراً ، حتي وصلت مبيعاتها إلي الآن بما يقرب من مائة مليون نسخة علي امتداد العالم ، وكان براون قد كتب من قبل ملائكة الشياطين عام 1995 ونقطة الخداع عام 2003 . اُفتتح مهرجان كان السينمائي يوم الأربعاء 17 مايو عام 2006 بفيلم شفرة دافنشي في دورته التاسعة والخمسين ، من إخراج »رون هوارد « ، وقام ببطولته كل من توم هانكس ، أودري تاتو ، سير إيان ماكلين ، الفريد مولينا ، چان رينو ، وبول بيتاني ، وقد تكلف إنتاج الفيلم في هوليود مائة خمسة وعشرين مليون دولار . وقد حقق الفيلم ليلة الافتتاح فشلاً ذريعاً ، وكان قد عُرض علي غير العادة عشية الافتتاح للصحافة . شفرة دافنشي تدور أحداث الرواية حول المسيح الذي تزوج من مريم المجدلية ( لقب المجدلية يُنسب إلي قريتها مجدل ) ، وقد أنجب منها سارة التي تم تهريبها إلي فرنسا ، وآن صوفي التي تعمل في الشرطة الفرنسية ، هي من سلالة سارة ابنة المسيح ، وهناك من يحفظ هذا السر ؛ وهي جماعة سرية ، والكنيسة تترصد كل من يكشف هذا السر بقتله . إن سر شفرة دافنشي يكمن في لوحة دافنشي ( الموناليزا ) ، وذلك حين فك شفرات وألغاز اللوحة ، وعلي خلفية اللوحة تحدث جريمة قتل يذهب ضحيتها أمين متحف اللوڤر ، وهو چاك سونير عضو جمعية دينية تأسست في اوروبا في القرن الحادي عشر ، وكان دافنشي فيما بعد في عصر النهضة عضواً في هذه الجماعة ، وكان سونير قبل أن يُقتل ، قد ترك رسالة خلف اللوحة لحفيدته صوفي للاستعانه بأستاذ من جامعة هارفارد لفك الرموز الدينية ، وبعد فك الشفرة تصل إلي صندوق جدها في البنك الذي يحوي وثائق وأسرار الجماعة ، وكان الجد قد قُتل علي يد جماعة دينية أخري معادية لجماعته ، وهي جماعة ( أبوس داي ) التي تعرف السر ، وهو زواج المسيح من ماريا المجدلية وإنجابه لذرية من هذا الزواج ، وكان دافنشي نفسه عضواً في جماعة ( سيون ) ، وفي لوحاته استخدم الشفرات والرموز التي بفكها يمكن الوصول إلي هذه الأسرار ، خاصة في لوحته ( العشاء الأخير ) ، وهو يفترض أن المسيح قد تزوج سراً من مريم المجدلية وأنجب منها ذريته . وحول موضوع مشابه ، كان قد أخرجه »مارتن سكورسيزي« من قبل ، وقد ثار عليه الفاتيكان وضد مخرجه عندما قدمه نهاية القرن الماضي تحت مسمي (الرغبات الأخيرة للسيد المسيح). هجوم رجال الدين كانت مريم المجدلية أحد أتباع المسيح ، ولكنها لم تكن زوجة له ، ومن المؤكد أن يسوع لم يتزوج من أية امرأة ، كما أجمعت الكنيسة علي ذلك ، رغبة منه في تكريس نفسه كاملاً لله ، باعتباره أرفع صور التكريس لله . وقد هاجمت الكنيسة ورجال الدين المسيحي فكرة براون في مزاعمه بوجود زوجة ليسوع ، وهي مريم المجدلية ، خاصة وأن أحد أفكار العهد الجديد أن الكنيسة هي العروس للمسيح . ومما أجج الاحتقان ضد الرواية وضد الفيلم وضد براون ، هو تصريح المؤلف علي حسابه الشخصي بقوله : ( إن كل دين في العالم مبني علي تلفيق Fabrication ، وإن أتباعها يعيشون علي ما يتخيلون أنه حقيقي) . فكان هذا التصريح والرواية مع الفيلم سبب إحتقان الكنيسة ورجال الدين في هجومهم علي المؤلف وإبداعه ، وكان البابا قد حرم علي رعاياه قراءة الرواية ، ومشاهدة الفيلم . وقد رفضت الكنيسة الأرثوذكسية عرض الفيلم ، كما رفضت الكنيسة الإنجيلية الحجر علي الفيلم ، مؤكدة علي أنه لا يمكن الحجر علي الإبداع ، باعتباره حجرا علي الخيال . وفي مصر قبل مصادرة مجلس الشعب للرواية والفيلم ، في اجتماعه يوم الثلاثاء 13 يونيو 2006 ، كان قد صدر بيان من الكنائس الثلاث (الأرثوذكسية والكاثوليكية والبروتستانتينية) في 30 مايو من العام نفسه ، يؤكدون فيه علي أن الفيلم يُزيف الحقائق التاريخية والدينية ، وكانت هذه الهجمة الشرسة علي الرواية والفيلم سبباً في إنتشار الرواية التي اقتربت مبيعاتها من مائة مليون رواية ، وسبباً في انتشار الفيلم وعرضه في مائة دولة ، بعد أن طُبع منه اثنتا عشر وثلثمائة ألف نسخة ، محققاً في أسابيعه الأولي مائتي مليون دولار ، رغم فشل الفيلم فشلاً ذريعاً ، وقد تم تصنيفه باعتباره فيلماً بوليسياً . وهذا التوزيع الهائل ، لم يكن ممكناً ، إلا من خلال الأصوات المُصادِرة للحريات ، التي نددت بالرواية والفيلم ، وهاجمتها وصادرتها ، وحكمت علي المؤلف بالكفر والتكفير ، فجماعات المصادرة ، كثيراً ما تروج للأعمال التي تصادرها ، وهذا ما حدث مع شفرة دافنشي ، رغم كونه فيلماً بوليسياً فاشلاً ، وهو ما يجعل منتج الفيلم يرفع يديه إلي السماء داعياً للمتشددين بطول العمر ، حتي يستمر في جني الأرباح والثروات أكثر.