من خلال استقراء نماذج الشعر البدوي -في ليبيا أو مطروح- للوقوف علي الموسيقي الشعرية، أو ما يسمي بالعروض الشعري، فإننا نلاحظ أن تلك الأشعار التي تنطلق باللهجة البدوية، جاءت وفق التفعيلة (فعلن /5/5) وهذه التفعيلة تتكون من "سببين خفيفين"، والسبب الخفيف مصطلح يطلق علي حرف متحرك يليه حرف ساكن، مثل الكلمات: "لا" و"في" و"كم" و"قم". والتفعيلة وزنها النغمي (تن تن). وهي تفعيلة مثل البيت الشعري الذي يقول: إن الدنيا قد غرتنا... واستهوتنا واستلهتنا وهذا الوزن الشعري هو ما يسمونه ببحر الخبب.. وينسب هذا البحر إلي بحر آخر هو بحر "المتدارك" الذي تفعيلته هي: (فاعلن/5//5) وتنطق نغميا "تن تتن"، وعند حذف ساكن السبب في هذه التفعيلة- وهذا جائز- تتحول إلي (فعلن///5) - والتي تنطلق نغميا "تتتن"، ومنه البيت الشعري: وبكيت علي طلل طربا...فشجاك وأحزنك الطرب. وهي نفس تفعيلة بحر الخبب إذا ما حركنا فيها ساكن السبب الأول - وهذا جائز- لتصبح (فعلن////5) والتي تنطق نغمياً (تتتن). وللاستدلال علي هذا النوع من الشعر، نطرح بعض ما جمعه- جميعاً ميدانياً- الدكتور صلاح الراوي، في كتابه (الشعر البدوي في مصر):. مرْحب يا عيون عوادي.. ياتوصيف عناق الوادي دورك لاما ماح نضادي.. دور هدل كي لعراجين دور هدل لاقط من جاره.. فجرة م الغالي مسعاره ليل مع تهديل خسارة... ع العاتق كي النواشين ع العاتق طالق نيشاته.. ظابط في سلطات زمانه لك سالف مروي بدهانه... ياحلوة منك لاقانا ميرا باريس وياسمين (عوادي: أي معتدية قوية.. وتوصيف: أي شبيه أو مثل، وعناق الوادي: أي الغزال، ودورك: أي شعرك، ولاما: أي لما، وماح: أي مال، ونضادي: من "نضد" والمقصود أنه مجدول ومرتب، وهدل: تهدل، والعراجين: جمع عرجون النخيل ) والمعني: مرحبا بك ياذات العيون القوية التي تصيب من تنظر إليه، ويامن تشبهين الغزال، إن لك شعرا عندما يميل يبدو مجدلا حسن المنظر، وعندما يتهدل فإذا به كعراجين النخيل. (لاقط: اسم فلاعل من لقط أي أخذ، وجاره" أي جواره، فجرة: أي قطعة حلي، ومسعاره: أي سعره أو ثمنه، والنواشين : جمع نيشان) والمعني. إن شعرك في تهدله قد أخذ من حليك المجاورة له قطعا غالية السعر، إنه شعر أسود كالليل، وهذه القطع علي كتفيك كأنها النياشين. لظابط في سلطات زمانه: أي ضباط شرطة في أوج سلطته، وسالف: أي خصلة من الشعر، ولامانع أن يكون لهذا الدهان رائحة العطر، لقانا: أي واجهنا، وميرا باريس: أي عطر فرنسي) والمعني:إن شعرك ترك علي نيشانه علي كتفيك كأنه ضابط في أوج سلطته، ولك خصل من الشعر قد تشبعت بالعطروقد لاقتنا منك -أيتها الجميلة- رائحة دهان شعرك التي لها رائحة العطر الباريسي والياسمين..