من 8-6-1982، وحتي 24-8 من العام المُحترِق نفسه، قد يكون أمجد ناصر هو الوحيد الذي سجل ايوميات بيروت وهي تحترقب تحت سماء إسرائيلي مشتعل يهوي بشهبه علي بيوت بيروت، فيقتل أهلها ويدمر مقاوميها..لم يكن المقاومون فلسطينيين فقط، كما يقول ناصر، بل كانوا عرباً من كل فج عميق. ولا يمكن بهذا المقال سبر أغوار هذا الكتاب الذي أصدره أمجد 2013 بعنوان: (بيروت صغيرة بحجم راحة اليد) عن الأهلية للنشر- عمّان- غلاف زهير أبو شايب، فوثق ايوماً بيوم«، أحداث الحرب الجهنمية التي قادها مناحيم بيغن وشارون، بالتعاون مع بشير الجميل، الذي نصّبه شارون رئيساً لجمهورية لبنانذ كما يقول الكاتب.ص 129. والأحداث في الكتاب موجزة ومكثفة ودراماتيكية مذهلة، لدرجة يصعب تلخيصها، ولكننا نقرأ فيها أن زبعض الوحدات المدرعة السورية خاضت قتالاً ضارياً ضد القوات الإسرائيلية، ولكن الطائرات الإسرائيلية اصطادت حوالي سبعين طائرة سورية، بينما كانت الجبهات العربية مع إسرائيل نائمة. ص.29 وفي اليوميات رصد لمعظم الكُتاب العرب المتواجدين في بؤرة الحدث، وإن لم يكن بعضهم مشاركاً في المقاومة نفسها، يذكر منهم غالب هلسا، وسعدي يوسف، وغسان زقطان، وميشيل النمري، وربعي المدهون، وحيدر حيدر، ورسمي أبو علي، وعلي فودة، وشوقي عبد الحكيم، وسليم بركات، وسيد خميس، ويحيي يخلف، وفيصل حوراني، ورشاد أبو شاور، وسلوي العمد، وبسام أبو شريف، وليانة بدر، وعدد من المثقفين المصريين الذين رفضوا اكامب ديفيدب وناهضوا السادات، فوجدوا في المقاومة الفلسطينية ملجأ لهم. وكثير غيرهم لا تتسع الصفحة لذكرهم، ويمكن للمهتم العودة للكتاب ص.171 الذي نقتطف منه بعض الجمل: احرثت الطائرات شوارع وأحياء بيروتالغربية..أناس يركضون ذاهلين في كل الاتجاهات.. يهرولون في الشوارع ويحتمون بمداخل البنايات..الطائرات فوق رأسي كأنها تطاردني شخصياً..كأننا في حلبة ملاكمة، يوجه فيها ملاكم جبار قبضته إلي وجه صبي، دون توقف..اليوم هو من أيام الجحيم..محمود درويش الذي يعتبره الرصيفيون شاعر المؤسسة، كتب مقالاً يصف الأنظمة العربية بأنها عاجزة عن وضع فيتو علي خنوعها لأمريكا ومطالبها.. ص.44. سعدي يوسف يتنقل بين المؤسسات الإعلامية الفلسطينية ويكتب يومياً.. الزهور التي زرعتها زوجتي هند جفت وماتت لانعدام الماء..بعض الشباب الأردنيين أقاموا لهم موقعاً عسكرياً في بيروت...س وتستغرب طاقات هذا الكاتِب المؤرِّخ، الشاعر، الروائي، الناقد ومدير تحرير جريدة (القدس العربي) المتعدد المواهب، كيف يكون من زالجبهة الشعبية لتحرير فلسطينس وماركسي متشدد، وأردني فوق ذلك، ويعمل في إذاعة لحركة زفتحس. ص.36. وأمجد ناصر يتجرد من كل شيء وهو يكتب بصدق وشفافية، لا يجرؤ كاتب عربي أن يفتح كل أمتعته علي الطاولة للتفتيش مثله، إذ يقول في صفحة 50: زهند تملك سريرة أصفي مني..إنها تملك فضيلة الصفح، إذ صفحت عن أسوأ ما يقدم عليه رجل تجاه زوجته.أعني خيانتها بعلاقة عاصفة ولكنها عابرة، مع فتاة اسمها (آمال)...يوري أفنيري النائب في الكنيست الإسرائيلي ورئيس تحرير مجلة (هعولام هازييه) جاء إلي بيروتالغربية والتقي (أبو عمار) والطيار الإسرائيلي الأسير..سمعنا عن إبادة سرية مشاة إسرائيلية وتدمير عدد من الآليات..قال لنا أبو عمار الذي زارنا فجأة: إن الإذاعة في المعركة تعتبر من الأسلحة الثقيلة..ثم هبط الدرج مسرعاً فهو لا يستخدم المصاعد لأسباب أمنية، حتي وإن كانت هناك كهرباء.. وقد يكون أمجد ناصر الوحيد الذي وثق لحظات موت الشاعر الفلسطيني علي فودة، محرر جريدة الرصيف، وهو الوحيد الذي نشر قصيدة لم تنشر لمحمود درويش، ومعين بسيسو في هذا الكتاب، وهذا توثيق نادر يحسب له..نحن ما نزال في بداية الكتاب البالغة صفحاته 224، ومضطر للتوقف لأن مساحة المقال انتهت..وللحديث بقية في العدد القادم. روائي عربي من الأردن.