في عام 1970 أجري المخرج كرم مطاوع بروفات علي رائعة الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي (ثأر الله) علي خشبة المسرح القومي، وفي أكتوبر من العام نفسه، اعترضت مؤسسة الأزهر علي تقديم شخصيات آل بيت الرسول علي المسرح، فاستجاب المخرج لطلب المجمع الإسلامي، وجعل بطل المسرحية وهو الحسين (والذي يقوم بدوره عبد الله غيث) وبطلة المسرحية وهي السيدة زينب (والتي تقوم بدورها أمينة رزق) يرويان الشخصية، ولا يقدمانها علي خشبة المسرح، وفي ذلك لجأ المخرج إلي حيلة درامية لتحقيق هذه الرؤية، إذ جعل كلاً منهما يسبق كلامه أو حديثه بقول : (يقول الحسين) أو ( تقول السيدة زينب.) وقد لجأ المخرج إلي حيلة أخري، بأن عرض المسرحية لمدة شهر كامل ، تحت مسمي (بروفة جنرال أو نهائية)، وكان المخرج ومعه المؤلف ولفيف من المسرحيين يجلسون في البنوار الخلفي لصالة المسرح القومي، وبعد العرض يمسك المخرج بالميكروفون ليعرض القضية، قضية المنع علي الجمهور، الذي كانت الصالة تكتظ به جلوساً ووقوفاً لروعة الإخراج والأداء وعناصر العرض المسرحي . كانت مظاهرة حقيقية بين جنبات المسرح وكانت كلمات المخرج والمؤلف وغيرهما، تحقق إستجابة لدي الجمهور الغاضب من رفض عمل فني بهذه القيمة، يندر أن تجد عملاً فنياً مبدعاً بهذه القيمة الفنية والجمالية، وقبل كل شيء، يتحدث عن سماحة الإسلام وعن عدله، ورفض الإسلام لاغتصاب السلطة وتوريثها ، وهي من القيم العظيمة التي يُقرها الدين الإسلامي . تدور مسرحية ثأر الله ، أو الحسين ثائراً وشهيداً للشاعر عبد الرحمن الشرقاوي ، حول معركة كربلاء التي دارت رحاها حوالي عام 680م يبدأ الحدث الدرامي باعتلاء يزيد بن معاوية كرسي الحكم، وينتهي بمقتل الحسين وقطع رقبته وحملها علي أسنة رماح أنصار معاوية، فينتصر الشر ويعم الفساد، وما بين البداية والنهاية نتابع مسيرة نضال الحسين دفاعاً عن الدين والعقيدة والحق والفضيلة والعدل وشرع الله . وفي النهاية ، وبعد مقتل الحسين وقطع رقبته والتمثيل بجثته، يستخدم المؤلف حيلة درامية ، يؤصل بها أفكار الحسين ، الذي يظهر طيفه، يقول متسامياً : فلتذكروني لا بسفككم.. دماء الآخرين، بل فاذكروني .. بانتشال الحق من ظفر الظلال ... بل فاذكروني بالنضال علي الطريق .. لكي يسود العدل فيما بينكم .: وهي الرسالة الأخيرة التي يختتم بها النص / العرض المسرحي، وهي أبلغ رسالة لتصحيح صورة الإسلام التي شوهها شيوخ الفتنة في العالم كله . رسالة سلام وتسامح، وهي رسالة يمكن أن تصحح الصورة المشوهة والجهنمية عن الإسلام، وعن المسلم، تلك التي روجها دعاة التخلف والفتنة والإرهاب اليوم؛ وقد تأصلت لدي الغرب، ولدي الشرق أيضاً، خاصة بعد الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 محاولات عرض الحسين علي المسرح بعد ستة عشر عاماً من رفض الأزهر لعرض المسرحية، وبالتحديد منتصف شهر ديسمبر عام 1986 ، وقبل أن يرحل المؤلف عن عالمنا مهموماً بعام واحد، أرسل خطاباً إلي شيخ الأزهر لإعادة النظر في تقديم المسرحية، وكان رد شيخ الأزهر بعد حوالي أربعة أشهر بالقرار النهائي ، وهو قرار اللجنة التي شكلها ، والتي تشترط تغيير إسم المسرحية من (الحسين ثائراً) إلي (الحسين سيد شباب أهل الجنة). واشترطت عدم ظهور الحسين والسيدة زينب، بالإضافة إلي حذف المشاهد التي يظهر فيها يزيد بن معاوية، مع رفض ظهور الراوي ، علي أن تشاهد اللجنة عرض المسرحية، وبناء عليه تُقدم تقريراً للإمام الأكبر . وبالطبع كانت الشروط تعجيزية ، وتعني في النهاية استحالة تقديم المسرحية . وكان المخرج جلال الشرقاوي قد عقد العزم علي تقديم المسرحية، وفي عام 1987 ، وفي لقاء المخلوع مع المثقفين بمعرض الكتاب ، أثيرت القضية بحضور الشيخ جاد الحق ، والذي أكد أن الاعتراض فقط علي تشخيص العشرة المبشرون بالجنة، وبعد ثلاثة أشهر تقريباً من هذا الاجتماع، تلقي الشرقاوي قرار اللجنة بعدم تقديم العرض من خلال شروط تعجيزية . وفي عام 2000 قدم جلال الشرقاوي طلباً لمجمع البحوث الإسلامية للحصول علي تصريح بإخراج الحسين ثائراً أو شهيداً ، وكان قد فكر في إسناد الدور إلي نور الشريف أو أحمد زكي ، وهنا إتصل بالإمام الأكبر د. محمد سيد طنطاوي ، وقابله مع سهير البابلي (التي كانت ستقوم بدور السيدة زينب) ، وقد أحال شيخ الأزهر مذكرة جلال الشرقاوي في 24 أغسطس عام 2000 إلي مجمع البحوث الاسلامية. وقد تبني أعضاء المجمع وجهة نظر قالها عبد العزيز غنيم، عضو مجمع البحوث الإسلامية وأستاذ التاريخ بجامعة القاهرة ، وهي وجهة نظر تقول : (إن مجرد عرض المسرحية سوف ينكأ جراحاً قديمة ، ويعيد الحرب بين الشيعة وأهل السنة ، والمسرحية تعد خروجاً علي السلطة الحاكمة .) وهو الرأي الذي تبناه أعضاء مجمع البحوث الإسلامية . وفي أول مارس عام 2001 ، تلقي جلال الشرقاوي خطاباً من أمين عام المجمع السيد وفا أبو عجور بالرفض ، وهو الرفض الذي مازال سارياً حتي هذه الحظة . منذ عام 1970 والمجمع الإسلامي يصادر محاولات عرض هذه المسرحية ، إما بالرفض الصريح، أو بوضع شروط تعجيزية، وموقفه هذا، إنما يتناقض تماماً مع كل ما يؤسسة من قيم، قيم يمكن الدفاع عنها وتأصيلها بالفن والجمال والصورة الحية . إن أبسط قراءة للنص / العرض، إنما تشير إلي ارتباط ثأر الله، بالإطار الفكري الذي تتبناه المؤسسة الدينية الرقابية بكل توجهاتها السياسية والدينية . إن قرار منع مثل هذا العمل ، يؤكد أن المؤسسة الرقابية الدينية، في موقفها هذا تتناقض مع نفسها، ومع إطارها المرجعي الأصيل حيث لم تكن آنئذ- تملك مقدرة التمييز بين نصوص تُكَرَسْ لرؤاها السائدة، ونصوص تتجاوز رؤاها. وعلي مستوي آخر، فإن يزيد ليس من العشرة الأوائل المبشرين بالجنة، وبذلك فلا يمنع ظهوره، وهذا مما يضعنا أمام تناقضات تفجر كثيرا من الدلالات التي تسيطر علي المجتمع الأبوي ويحكمه النموذج السلفي . ومن هنا ، فإن الموقف المتشدد من الإبداع يمنع كثيرا منها من الخروج إلي النور ، وهي الابداعات التي تلقي الضوء علي عظمة الدين الإسلامي، وهو الأمر الذي يهييء الطريق إلي الإساءة إلي الاسلام، بعرض أفلام تشوه الدين الاسلامي، والمسلمين، اعتماداً علي الصورة المشوهة التي يطرحها دعاة الفتنة والقتل . في عام 1974 أصدر الشيخ / عبد الحليم محمود بياناً اعترض فيه علي تصوير فيلم الرسالة ، وكان مصطفي العقاد قد حصل من قبل علي موافقة تصوير الفيلم في مصر من الشيخ الدكتور محمود الفحام ، قبل تولي الشيخ عبد الحليم محمود ، والذي رفض تفعيل التصريح الأول بالموافقة علي تصوير الفيلم في مصر . ويقول صلاح عيسي علي لسان المؤلف عبد الرحمن الشرقاوي في هذا »إن بعض رجال الأزهر أعترضوا علي كتابه (محمد رسول الحرية)، وقالوا إنه يدعو إلي الإلحاد، وأن يُقتل المؤلف، وإذا لم يفعل فهو مذنب ، وترتب علي ذلك مصادرة الكتاب، فتظلم الشرقاوي للرئيس عبد الناصر، الذي قرأ التقرير والتظلم، ثم أرسل الكتاب إلي الشيخ محمود شلتوت شيخ الأزهر، الذي قرأ ، ثم اتصل بالشرقاوي تلفونياً وقال له بالحرف الواحد : إن كتابك أفيد للإسلام من مائة عالم من الذين رفضوه. وأضاف الشرقاوي: والغريب في الأمر أن الرئيس عبد الناصر طلب تقريرا آخر عن الكتاب من نفس اللجنة التي طالبت بقتلي واهمتني بالإلحاد، فكتبت اللجنة بتوقيع الأعضاء أنفسهم تطلب نشر الكتاب باعتباره مفيداً للإسلام« إن اللجنة التي رفضت الكتاب وطالبت بقتل الشرقاوي ، هي نفسها ، التي اعتبرت الكتاب مفيدا للإسلام، وأعتبر شيخ الأزهر الكتاب أفيد للإسلام من مائة عالم من الذين رفضوه. وهذا هو ما نقع فيه الآن، بعضهم ينادي بقتل المبدعين، وبعضهم يثني عليهم وعلي ابداعاتهم. والغريب أن فئة تكفر وتدعو لقتل المبدع، وهي نفسها تثني علي المبدع ذاته.