ها نحن نقترب من نهاية الشهر الكريم وكل عام وأنتم بخير، بحكم العادة سنجد أنفسنا وسط موسم الكعك والغريبة والاستفتاءات الحقيقية أو المزورة عن مسلسلات وبرامج الشاشة الصغيرة في موسم رمضان. وحكايات صحيحة أو مضروبة عن أحسن ممثل وممثلة وأفضل مسلسل وأهم برنامج.. الخ. المشكلة هذا الموسم أن المشهد يبدو وكأن »العملية نجحت والمريض توفاه الله».. مر الموسم وتم عرض الإعلانات ومعها المسلسلات والبرامج التي بدت وكأنها مجرد »سد خانة» لا أكثر ولا أقل! لا شيء مبهر، ولا شيء يستحق أن يدخل في باب الأفضل أو الأجمل، لا بين المسلسلات أو البرامج. لابد أن الأمر سيخضع للمراجعة. ليست القضية أن نملأ ساعات الإرسال بأي شيء. لابد أن نقدم الأفضل كما تعودنا منذ أن دخل التليفزيون بيوتنا. لابد أن نقدم المادة الإعلامية التي تتفوق علي كل المنافسين في عصر السماوات المفتوحة. ولابد أن نقدم الثقافة والفنون التي تجمع بين المتعة والتثقيف.. والتي يلتف حولها المشاهد العربي في كل مكان. ما حدث هذا العام هو تراكم سلبيات دامت لسنوات عديدة. غاب ماسبيرو، وغاب الدور العام في إنتاج الدراما التليفزيونية. تواري كبار الكتاب والمخرجين والنجوم ولم يعد لدينا المنتج القادر علي تقديم »ليالي الحلمية» أو »رأفت الهجان» أو حتي فوازير رمضان. الإنتاج الأسهل والأسرع في التسويق هو المطلوب. المستوي الفني ليس له قيمة حين تكون الكلمة للإعلان وحده. لم تكن الدراما وحدها هي الضحية. الحال في البرامج المتنوعة كان أفدح ما بين سماجة الافتعال في برامج المقالب، وبين كوارث الفضائح الشخصية في برامج النميمة.. بالأمس كانت فضائية عربية تستضيف عالمنا الجليل الدكتور مجدي يعقوب في حوار قصير علي الهواء. كم كان جميلا أن تذهب الكاميرا إلي الجانب الآخر من الاستديو فنشاهد كل العاملين وهم يتجمعون ليشاهدوا هذه القيمة الإنسانية الرفيعة وهي تتحدث بكل التواضع والمحبة. لدينا قامات عديدة مثل مجدي يعقوب. علماء في كل المجالات ومتميزون يبهرون العالم ويعتزون بوطنهم ويسخرون كل ما يملكون من علم وإنسانية لخدمة مصر وشعبها الجميل. أين هؤلاء من اهتمام الإعلام؟ أليس الحوار معهم أجمل وأجدي من الثرثرة الفارغة التي تملأ الشاشات وتحاصر الناس بحديث الجهالة حينا وحديث النميمة في أحيان أخري؟ أسئلة تحتاج الإجابة عنها لوجود من يستطيع الحوار مع عالم أو مثقف أو سياسي، أو يستطيع الكلام مع فنان أو فنانة في أمور أهم من عدد الأزواج أو سبب الطلاق، أو يعرف أن في المجتمع قضايا أهم من أحاديث الفضائح أو ثمن البيض المدحرج! والأهم الآن أن نبعد الأمر عن الصراعات الشخصية هنا أو هناك. وأن ندرك أن الوقفة الموضوعية لبحث ما تابعناه هذا العام علي شاشات التليفزيون في رمضان أصبحت ضرورية. وأن القضية أكبر من استبعاد مسلسل أو إلغاء برنامج. القضية أن تكون هناك رؤية واضحة لإعلام قادر علي القيام بمهامه في الداخل والخارج. وأن يكون لدينا وعي بأن الدراما التليفزيونية »مثل كل فروع الثقافة والفنون» هي جزء من قوتنا المعنوية أو »من القوة الناعمة كما يسميها الكثيرون» والتي يجب أن نحافظ عليها وأن ندرك قيمتها وندعمها بكل ما نستطيع. حتي الآن نملك كل إمكانيات التفوق وأهمها هذه الثروة الهائلة من المبدعين في كل المجالات. غيرنا يجتهد لينافس، بينما نشهد عملية تبديد للإبداع أو تجميد للمبدعين نتيجتها دراما تليفزيونية بلا تميز، وبرامج للنميمة والفضائح، ولا قدرة حتي علي إبداع أغنية ترث »رمضان جانا» أو تضيف شيئا إلي »يا ليلة العيد أنستينا»! ربما يكون سؤال الاستفتاءات هذا العام بين السييء والأسوأ.. لكن ما يفرض نفسه هو أن تكون هناك وقفة للتساؤل حول أسباب ما حدث، وحول الطريق لاستعادة موقعنا واستغلال ما نملكه من طاقات إبداع هائلة مازالت تتذكر كيف كان إبداعها الجميل يجعل شوارع العواصم العربية تخلو من المارة في موعد المسلسل المصري. ومازالت قادرة علي أن تقدم الأجمل والأروع بعد أن نزيل المعوقات التي قتلت الدراما وسرقت البهجة من شاشات التليفزيون هذا الموسم!