في كثير من آيات القرآن الكريم ينبهنا الله سبحانه وتعالي علي نزول القرآن الكريم باللغة العربية، يقول تعالي : (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، يقول تعالي: (كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) ، ويقول تعالي : (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)، في حين أن هناك لغات أخري كانت معاصرة للعربية منها : الفارسية ، والهندية ، والقبطية المصرية، واللاتينية .... فلماذا إذن كانت العربية للقرآن ؟ اللغة العربية تتسم بسمات لا توجد في غيرها من اللغات ، وأول هذه السمات العلامة الإعرابية التي توضع علي آخر الكلمة (الضمة / الفتحة /الكسرة / السكون ) هذه العلامة لها وظيفة كبري مع أشياء أخري في إيضاح المعني المنبثق من سياق لكلام ، فالكلمة في الجملة لها وظيفة محددة ، هذه الوظيفة قد تكون وظيفة (الفاعل) ، و(الفاعل) هو من يقوم بإحداث الفعل ، فتكون له (الضمة) علامة إعرابية ، وقد تكون هذه الوظيفة وظيفة (المفعول) و(المفعول) هو من يقع عليه الفعل ، فتكون له (الفتحة) علامة إعرابية ، فالعلامة الإعرابية إذن لها دلالة خاصة علي وظيفة الكلمة في الجملة ، فإذا حدث خطأ في وجود العلامة مع الوظيفة المخالفة فسد المعني واختل نظام الجملة . فمثلا قوله تعالي : ( وإذ ابتلي إبراهيمَ ربَُه بكلماتٍ فأتمهن ) فهذه الآية اشتملت علي فعل وهو فعل (الابتلاء) ، ولأن إبراهيم هو من وقع عليه هذا الفعل فهو المفعول ، والمفعول كما سبق علامته الإعرابية (الفتحة) ، أما (ربُّه) فهو الفاعل ، لأنه هو من أوجد فعل (الابتلاء) ، والفاعل علامته الإعرابية (الضمة)، فإذا قرأ قارئ خطأ : (وإذ ابتلي إبراهيمُ ربَّه بكلماتٍ فأتمهن) بضم (إبراهيمُ) ، وفتح (ربَّه) ، فقد جعل إبراهيم (الفاعل) ، وجعل (ربه) المفعول ، فهل يستقيم المعني بهذا النطق ؟ إذن العلامة الإعرابية لها مدلول كبير في إحداث توازن المعني داخل الكلام ، وإذا نظرنا إلي لغات العالم ومن أشهرها اللغة الإنجليزية لا نجد مثل هذه العلامات الإعرابية . ومن سمات اللغة العربية أيضا ولا توجد في غيرها تلك المعاني المستنبطة من خلال تقديم وتأخير بعض كلمات الجملة ، ومن ذلك قولنا : ( الحمد لله) فبهذا الترتيب نكون قد أثبتنا (الحمد) لله ، وفي نفس الوقت قد نثبته لغيره بقولنا : (الحمد لله ولغيره) ، أما إذا قدمنا الجار والمجرور وقلنا : (لله الحمد) فنكون قد أثبتنا (الحمد) لله ، مع عدم إثباته لغيره ، فهو بهذا النطق مخصوص بالحمد فقط ، وهذا ما يسميه علماء اللغة (الحصر والقصر) ، أي حصرنا وقصرنا الحمد علي الله فقط دون غيره . فهل معني الحصر والقصر المستنبط من تقديم بعض أجزاء الجملة علي بعضها موجود في اللغات الأخري ؟