شريف الشربيني يشارك في اجتماع لجنة الإسكان بمجلس الشيوخ اليوم    بدء التصويت في ثاني أيام جولة الإعادة لانتخابات مجلس النواب للدوائر ال19 الملغاة    مجلس جامعة القاهرة يعلن عن نظام «ساعات المشاركة المجتمعية» وتطبيقه على الطلاب الجدد    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أسعار الذهب في بداية تعاملات اليوم الأحد 28 ديسمبر    سعر الدولار في مصر اليوم الأحد 28 ديسمبر2025    بين الميدان والسياسة: مستجدات في غزة والضفة الغربية وملفات إيران وحماس وحزب الله    انطلاق الانتخابات التشريعية في ميانمار    وزارة الدفاع الروسية: إسقاط 25 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليل    نيجيريا تتأهل لثمن نهائي كأس أمم إفريقيا بعد الفوز على تونس 3-2    تشديدات أمنية مكثفة قبل نظر أولى جلسات محاكمة المتهم في قضية اللبيني    الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الطقس اليوم    المشدد 15 سنة لعامل خطف شخصا واحتجزه بسبب خلافات مالية بالإسكندرية    إصابة شخصين فى حادث تصادم ميكروباص وتوك توك بقنا    وزارة الصحة تكرم قيادات مديرية الشئون الصحية بأسيوط لتميزهم في عام 2025    أخبار مصر: توقعات صادمة لعام 2026، موقف صلاح من مباراة أنجولا، نتنياهو يدق طبول الحرب مجددا، بشرى لطلاب الشهادة الإعدادية    لافروف: القوات الأوروبية في أوكرانيا أهداف مشروعة للجيش الروسي    عبد الفتاح عبد المنعم: الصحافة المصرية متضامنة بشكل كامل مع الشعب الفلسطينى    آسر ياسين يحتفل بالعرض الخاص لفيلمه الجديد "إن غاب القط" الليلة    لجان الاقتراع تستأنف استقبال الناخبين في اليوم الثاني والأخير من جولة الإعادة    إنقاذ 6 أشخاص محتجزين إثر انهيار عقار من طابق واحد بروض الفرج.. صور    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    رئيس الحكومة العراقية: لم يعد هناك أي مبرر لوجود قوات أجنبية في بلادنا    محمد معيط: العجز في الموازنة 1.5 تريليون جنيه.. وأنا مضطر علشان البلد تفضل ماشية استلف هذا المبلغ    نيللي كريم وداليا مصطفى تسيطران على جوجل: شائعات ونجاحات تُشعل الجدل    الأقصر تستقبل العام الجديد بأضواء مبهرة.. ورفع درجة الاستعداد | صور    حزب "المصريين": بيان الخارجية الرافض للاعتراف بما يسمى "أرض الصومال" جرس إنذار لمحاولات العبث بجغرافيا المنطقة    بحضور وزير الثقافة.. أداء متميز من أوركسترا براعم الكونسرفتوار خلال مشاركتها في مهرجان «كريسماس بالعربي»    أبرزهم أحمد حاتم وحسين فهمي.. نجوم الفن في العرض الخاص لفيلم الملحد    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    محمد معيط: دين مصر زاد 2.6 تريليون جنيه لم نقترضها    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    أمم إفريقيا – الطرابلسي: خسرنا الثنائيات كثيرا ضد نيجيريا    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    6 تغييرات فى تشكيل منتخب مصر أمام أنجولا    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية الذكرى السنوية: ألعاب الكذب البرىء
نشر في أخبار الأدب يوم 04 - 05 - 2019

«كل منا يمتلك لعبة طفولية يحب الاحتفاظ بها كبالغ»‬.
لم أجد أفضل من العبارة السابقة مدخلًا إلى رواية الذكرى السنوية للكاتبة القطلونية «إيما مونسو»، والتى صدرت ترجمتها إلى اللغة العربية قبل شهور عن دار صفصافة، بترجمة عذبة تستحق الإشادة للمترجم المصرى عبد السلام باشا.
رغم شاعرية أجواء الرواية، ومقاربتها موضوعًا إنسانيًا/اجتماعيًا مهمًا، وهو علاقة زوجة بزوجها، أو علاقة زوج بزوجته (وثمّة فارق جوهرى سيلاحظه القارئ مع تقدم الأحداث)، لا تكتفى المؤلفة بطرح مسألة رتابة الحياة الزوجية وفتورها لعوامل من بينها الروتين اليومى، والانشغال بالعمل، وتربية الأولاد، بل تتخذ من علاقة زوجٍ بزوجته، وعلى مسارٍ موازٍ، من علاقة صديقٍ بصديقه، مَعبرًا سرديًا، تنفذ من خلاله إلى قضايا متصلة بعلاقة الكذب بالخيال والكتابة.
تسير الرواية على محوريْن متوازييْن؛ الأول هو حكاية زوج وزوجة؛ الزوجة موظّفة استقبال فى أحد الفنادق، وهى قارئة نهمة، تعيش حياة زوجية تصفها «‬بالنظام الشديد والرتابة»، فتخلق لنفسها عالمًا موازيًا قوامه الكلمات والشِعر. بطلتنا مُترجمة بلا قراء، صنف نادر، تترجم أشعارًا داخل رأسها ولا تدوّنها على الأوراق، ومع ولادة طفليْها تتوقّف عن ترجمة الشعر فى عقلها. رغم حبّها الشديد لزوجها، تشعر برغبة حادّة فى هدم حياة يومية عادية للغاية، ومنظّمة للغاية، وكل شىء فيها مُتوقع. أما زوجها فموظف بإحدى الشركات، رجل عاديّ مفتقرٌ إلى الخيال، أو هكذا توهِمنا المؤلفة فى البداية.
تسدّد الزوجة سهمًا إلى صدر زوجها قائلة:» أدهِشنى مرة فى حياتكَ، اسألنى سؤالًا جديدًا مرة واحدة فى حياتكَ». الطريف أنّ المؤلفة ذهبتْ إلى حلّ مبتكر للتغلب على مشكلة الملل الزوجى، حينما اقترحت الزوجة على زوجها أن يهزما حالة الرتابة، لا بمزيد من التواصل والكلام، بل بالخرس التام، بالصمت فتقول: «فى الأصل كان الصمت فقط.. يمكننا أن نتواصل بالكتابة، كل شىء يصبح أكثر رقّة عندما نكتب..لن نستخدم الواتس آب ولا الرسائل مطلقًا..يحيا المونولوج».
أسَرَّها الزوج فى نفسه ولم يُبدِها، وجهز ردًا مغلفًا فى شكل هدية صغيرة، هى حبكة الرواية، ليوافقهاعلى اقتراحها وكأنه يقول لها: «‬من عينى يا حبيبتي»، وتبدأ بعدها مغامرة مثيرة تقلب حياتهما رأسًا على عقب. كانت الزوجة تتوق إلى الدهشة وإلى التغيير وكسر الملل، فكان لها ما أرادت.
أما المحور الثانى فيبدو ظاهريًا - حكايةً منبّتة الصلة عن حكاية الزوجيْن (اللذين تغفل المؤلفة ذكر اسميهما فى البداية)، ولكننا نكتشف أنّه طريق داعم للمحور الأول، إذ يتتبع علاقة صداقة فريدة تربط بين صبييْن، أحدهما قارئ نهم، غارق فى عالم الكتب، هو «‬جييم»، الذى يقرأ نهارًا ، و يعيش ما يقرأ ليلًا، ويأخذ بيد صديقه «‬ماتيو» إلى عوالم خيالية تُجسَّد الأعمال الأدبية التى يقرآنها على أرض الواقع. تتراوح أحداث الرواية تراوحًا مدروسًا، ومنتظمًا بين المحوريْن السابقيْن. فصلٌ عن رحلة خلوية يقوم بها الزوجان إلى الغابة، تلبيةً لدعوة الزوج للاحتفال ب «الذكرى السنوية»، وفصلٌ تالٍ عن مغامرات الصديقيْن.
يلفت نظر القارى قدرة المؤلفة على إمساك خيوط أحداث روايتها بمهارة، وكأنّ الحكاية كانت مكتملة الأركان فى رأسها قبل تدوينها، فلم تكشف عن الروابط الخفيّة بين شخوص العمل إلا فى الصفحات الأخيرة، فى إطار حبكة متماسكة رُسِمت بحرفيةٍ تضاهى حرفية الكاتب البيروفى الأشهر ماريو بارجاس يوسا فى بناء عالمه الروائى، وعلى الأخص فى روايته الأخيرة «‬البطل المتكتّم». واضحٌ أيضًا التناصّ مع كُتابها المفضّلين (فى ظنيّ)، حين تتذكّر الزوجة واقعة «‬حشر» رأسها فى البلوفر لما كانت طفلة (مُستدعية إحدى قصص خوليو كورتاثار)، ورواية موبى ديك لميلفل فى المحور الموازى (مغامرات جييم وماتيو).
تتصاعد الدراما الروائية تصاعدًا هادئًا. حيث يقع الزوجان فى مأزق «‬محبوك» يهدد حياتهما، تستغله المؤلفة فى الكشف عن قصّة حب حقيقية وغير عادية، مدفونة للأسف- تحت ركام المبتذل والعاديّ. فى رأيى الشخصى، يُولَد الفن من قلب مثل تلك المفارقات، أقصد من إبراز لحظات القسوة الممزوجة بمشاعر الخوف والشك، بغرض إخراج مشاعر الحبّ المغمورة فى مستنقع ما هو يوميّ ومبتذل. شىء يشبه الاستسلام إلى مقصلة الألم لفصل اللسان المزيّف عن الفمّ الصادق، وربما موقف بهذه القسوة يمنح الحياة مغزى. يفاجِىء الزوجُ زوجته بلعبة خطرة، أو بكذبة بريئة محبوكة بمهارة، هى اللعبة الطفولية التى يحب كل إنسان الاحتفاظ بها، كما نقرأ فى أول الرواية.

يستحيل بالطبع أنّ تفوّت كاتبة بذكاء إيما مونسو (التى أتطلع إلى ترجمة المزيد من أعمالها إلى العربية) فرصة العروج على موضوعات مثل الكتابة، وعلاقتها بمفهوميّ الكذب والخيال. ففى أحد فصول الرواية يقول الزوج لزوجته: «‬أنتِ تعرفين أننى لا أستسيغ الحكاية القائمة على الكذب»، فتجيب الزوجة بحدّة:» كيف يمكنك أن تصف الخيال بالكذب، فى الخيال تَقومُ بالمشاركة باقتناع مُسبق، بينما فى الكذب لا يوجد اتفاق، إنه طُغيان من جانب واحد».لكن زيارة «‬مونسو» كانت خفيفة، فلم تُسهب فى مناقشة ما هو نظريّ/فلسفى على حساب ما هو جماليّ/فنى.
تنقلب الدفّة، حينما تشعر الزوجة بالضيق بسبب المأزق الذى تورّطا فيه، فتطلب (وهى الشاعرة الحالِمة المثقفة) من زوجها (وهو المنظّم المُملّ الرتيب) اختراع حكاية لمساعدتها على نسيان ضيق الموقف وعنائه. فيلاعبها الزوج فى البداية قائلًا: «‬لا ..هذا ملعبكِ»، لكنه، مدفوعًا بحبٍ صادق تجاه زوجته، يقصّ عليها حكايةً ولا أروع عن الصداقة والصديق، حكاية عن دور الروايات والخيال فى حياة الإنسان، وهى الحكاية التى ستقودنا إلى نقطة النور فى الرواية، فتكتشف الزوجة أنّ موضوع الاحتفال بالذكرى السنوية مجرد لعبة من ألعاب الكذب البرىء، لعبة أصيلة مقنِعة وقادرة على كشف الحقيقة أكثر من أية وقائع أخرى.
تُصدّق الزوجة الحكاية المُختلقة، وتتشككُ فى الحكاية الحقيقية، فيجيبها: «‬الواقع كثيرًا ما يفوق الخيال».ثمّ تنقلب الدفّة مرة أخرى حينما تقول الزوجة لزوجها قرب النهاية:» أنتَ نقيّ..بما أنّكَ لا تملك خيالًا..لم تكن لديكَ تلمحيات ولا معانٍ خفيّة..كان كل شىء نظيفًا ومرتبًا وشفافًا.. كنتُ بحاجة لهذا فى ذلك الحين».
الآن فقط تفطن الزوجة إلى حقيقة مشاعرها، وترى الأمور على حقيقتها، فترتضى اللعبة الخطرة، وتقبل الهدية، وتبتلع الكذبة البريئة. تبتسم، وتقبَّل زوجها فى عنقه قائلة:» هدية..هدية رائعة... استطعتَ إخراجى من...من روتين كان يقضى عليّ». يضحك الزوج ضحكةً حذِرة متحفظة وكأنه يقول:» تمام.. انتهى الدرس يا راكيل».
لا شك أن الرواية قد رسمتْ علاقة الزوجيْن كأصدق ما يكون، بعد أن شاب حياتهما غبار الملل والرتابة، لكنهما لم يستسلما، فنفضا ذلك الغبار بالحكايات وبالخيال، وبألعاب الكذب البرىء.
الجميل فى الرواية أن المؤلفة تمرّر إلينا فكرة أن كل إنسان يحتاج فى حياته، بشكل أو بآخر ، إلى حكاية يحكيها مرّة واحدة فقط، مرّة واحدة ودون عودة، حتى ولو كانت تلك الحكاية مختَلقة كليًا، وحتى لو لم تحدث على أرض الواقع. ففى الصفحات الأخيرة من الرواية يبوح الزوج لزوجته بشىء ظل مدفونًا فى صدره طوال خمس وعشرين سنة، هى عُمر زواجهما، قائلًا: «دائمًا ما رغبتُ فى أن أحكى لكِ كل شىء عندما عرفتك..كنت أحلُم بيومٍ أجىء بك إلى هنا وأحكى لك أفضل وأسوأ ما فى حياتى، كنت أريد التخلص من الماضى بجوارك»، وكأن كل ما جريولا فرق إن كان مقصودًا أم غير مقصود - إنما جرى فقط كى تُروى هذه الحكاية.
الكتاب: الذكرى السنوية
الكاتب: إيما مونسو
المترجم: عبد السلام باشا
الناشر: صفصافة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.