عندما قال الشاعر العباسي أبو تمام بيته المشهور: »السيف أصدق إنباء من الكتب..... في حده الحد بين الجد واللعب»، ربما كان يريد أن يشير إلي قوة الواقع في مواجهة الثقافة والمعرفة، لكن المؤكد أن الثقافة والإبداع هي أبقي وأثمن ما يتركه الإنسان، بدليل أننا عرفنا أبو تمام نفسه - صاحب ذلك البيت- بشعره وإبداعه وليس بقوة سيفه! هذه هي الحقيقة التي عرفتها البشرية فاحترمتها، وأدركها العرب، لكنهم لم يقدروها حق قدرها، إلا فيما ندر، فالثقافة العربية والإبداع الأدبي كانت أهم ما قدمته الحضارة العربية للبشرية، في كل عصورها قبل وبعد الإسلام، لكن للأسف من يتأمل حال الثقافة العربية حاليا يدرك مدي ما وصلنا إليه من تراجع في هذا المجال، فغاب الاهتمام بالعقول في مقابل تلبية احتياجات البطون، وبدت الثقافة في ظل العديد من الأزمات الحياتية ترفا ورفاهية، رغم أن الثقافة والتعليم والتنوير والمعرفة هم العلاج والحل الأمثل لكثير من مشكلاتنا الراهنة، وغذاء العقول كفيل بأن يوفر الكوادر القادرة بعلمها وإبداعها علي بناء أفضل السياسات التي تسهم في سد جوع البطون.. بل إن التحدي الأخطر الذي تواجهه مجتمعاتنا العربية حاليا، ألا وهو انتشار التطرف والإرهاب، علاجه الأنجع هو نشر الثقافة والاستنارة العقلية والعلمية، فالإرهابيون لا يقرأون الروايات، والمتشددون لا يتذوقون الشعر، والقتلة لا يكتبون القصة القصيرة، ولا تجتمع في بيت واحد مكتبة وقنبلة، فالتطرف والإرهاب لا ينموان إلا في عقول فقيرة وبيوت مقفرة، وفقرها ليس في المال، لكنه في الثقافة، فقد رأينا إرهابيين ينتمون لعائلات تملك من المال الكثير، لكنها تصل حد الإفلاس في المعرفة والثقافة. وسط كل هذه الواقع القاسي، تطل تجربة عربية رائدة أعتقد أن التاريخ سيقف أمامها بكل تقدير، هي تجربة إمارة الشارقة التي يقودها مثقف عربي حقيقي هو الشيخ سلطان القاسمي، هذا الرجل العاشق للثقافة والمحب لمصر، المفتخر بتعلمه في رحابها، يقود تجربة ثقافية فريدة من نوعها، لا يقتصر رحيقها علي أبناء إمارته الطيبين، أو حتي علي أبناء دولة الإمارات الشقيقة، لكن التجربة تمتد إلي كل ربوع الوطن العربي. وقد كان لي شرف الحصول علي جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجال الرواية قبل أربعة أعوام، وسط كوكبة من مبدعي العرب الشبان، ولمست حجم التقدير »الشارقي» للإبداع والثقافة، وتجددت التجربة بدعوة كريمة للمشاركة في الدورة الحالية من جائزة الشارقة للإبداع، والتي أصر الشيخ سلطان القاسمي أن يكون خروجها الأول من حضن الشارقة، إلي رحاب القاهرة، وهي رسالة كاشفة لعشقه وهواه المصري الذي لا يخفيه الرجل بل يباهي ويفاخر به. تحولت جوائز الشارقة من مجرد احتفالية لتوزيع جوائز علي المبدعين العرب (أقل من 40 عاما) إلي منتدي ثقافي وأدبي حقيقي، يقف فيه الجميع من كل الأقطار العربية علي شطآن الثقافة والإبداع ينهلون ويضيفون، يحلمون لأوطانهم ووطنهم العربي الأكبر، ففي رحاب الثقافة والإبداع تزول الفوارق الطبقية والمذهبية والطائفية، ولا يبقي سوي الإنسان. بالفعل الشارقة تجربة ثقافية عربية فارقة.. وليتنا نجد ألف شارقة تضيء في جنبات عالمنا العربي من المحيط إلي الخليج، فنقدم شبابنا للعالم كأدباء ومبدعين، لا كقتلة وإرهابيين.