أحمد درويش بات من المؤكد أن لغتنا العربية، تعيش أزمة كبيرة تتسع يوما بعد يوم، لانعدام وجود قرارات عربية موحدة، نافذة تتصدي لحلها، حتي باتت هذه الأزمة اللغوية تهدد الأمن القومي العربى، والأمن الوطنى لكل دولة من الدول العربية، من خلال تقسيم المجتمعات العربية. آثار هذه الأزمة تمتد إلى تهيئة الساحة لانتشار التطرف أيضا نتيجة لتفسيرات مغلوطة، ورؤى أحادية تتنافى مع طبيعة اللغة العربية. وللتصدى لهذا الأمر، صدر عن إدارة الثقافة، بجامعة الدول العربية، استراتيجية خاصة بالنهوض باللغة العربية تحت شعار (التمكين للغة العربية رمز هويتنا وإدارة تنميتها)، جاءت هذه الاستراتيجية تنفيذا للتوصية الصادرة من الاجتماع الثانى للجنة الخبراء والمتخصصين فى مجال اللغة العربية الذى عقد بمقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية بتاريخ 10/5/2017 بشأن تشكيل لجنة مصغرة لاعدادها وضمت فى تشكيلها د. أحمد درويش (عن المجلس الأعلى للثقافة)، د. محمد يونس الحملاوى (عن الجمعية المصرية لتعريب العلوم)، د. محمود عبده (مركز الشيخ زايد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها بالأزهر)، د. تامر أنيس (معهد البحوث والدراسات العربية) (ألكسو)، أسماء الحايلى (ملحقاً ثانياً)، وفاء حسين (مقرر اللجنة)، لافتة إلى أن مسئولية تبنى هذه الاستراتيجية وتنفيذها، لا تقع فقط على الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بل -أيضا- على حكومات جميع الدول العربية وقياداتها السياسية ونخبها المختلفة، ومن ثم فإن الخطوة الأولى نحو تنفيذ هذه الاستراتيجية، تتمثل فى انشاء وحدة مركزية أو لجنة دائمة أو هيئة أو مجلس أعلى للحفاظ على سلامة اللغة العربية وتنميتها، وتعميم استخدامها، وغرس الاعتزاز فى كل الدول العربية، على أن تتبع هذه الوحدة مجلس الوزراء مباشرة، وأن يكون لها أفرع فى كل الوزارات والهيئات الكبرى، وتكون مهمة هذه الوحدة الاستشراف والمتابعة لتنفيذ السياسات والقوانين المتعلقة باللغة العربية وحمايتها، على أن تعطى لهذه الوحدة المعنية، الصلاحيات القانونية والإدارية والإمكانيات المعينة على تنفيذ مهمتها على أن تقوم إنجازها سنويا. وتتألف هذه الاستراتيحية- بعد ذلك- من أربعة محاور تتوزع بنودها ما بين سياسات لغوية عامة، وقوانين ولوائح تنظيمية، وهذه المحاور هى: العربية والتعليم، العربية والإعلام، العربية والتواصل، وأخيرا الحرف العربى. وتتمثل رؤية الاستراتيجية التى تنبثق عنها البنود الاجرائية، حول هذه المحاور كالتالى: أهمية اتقان اللغة العربية حفاظا على وظيفتها من حيث هى وعاء للهوية، ورابطة بين أبناء الأمة العربية، الوعى بالعلاقة بين التعلم باللغة القومية وتوطين العلم، وبمدى تأثير ذلك على النمو الاقتصادى والاجتماعى والصحى، تفعيل دور اللغة العربية فى تقوية الأواصر الثقافية والاجتماعية بين أبناء الوطن العربى، الإيمان بأن حضور اللغة العربية واستعمالها على جميع الأصعدة، هو المظهر الحقيقى للتمكين ومرآة للنهضة، تدعيم الشعور الايجابى لدى أبناء الأمة العربية نحو لغتهم، وتنمية اعتزازهم بها من حيث هى رمز لهويتهم وجزء من ذاتيتهم. فعن المحور الأول الخاص بالعربية والتعليم، جاء فى خطتها: البدء باللغة العربية فى تعليم الأطفال، وتأجيل تعليم اللغات الأجنبية إلى نهاية المرحلة الابتدائية، تطبيقا للواقع التعليمى فى العديد من الدول الاوروبية التى يبدأ تدريس اللغة الأجنبية الأولى فيها فى سن الحادية عشرة أو الثانية عشرة، حسب الدولة، بمعدل حصة فى الأسبوع تزداد إلى حصتين فى سن الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة حسب الدولة. كما تشير كثير من الدراسات التربوية إلى خطورة تدريس أية لغة أجنبية للطفل فى سن مبكرة لأنها تؤثر على شخصية المتعلم وهويته وعلى التحصيل اللغوى واستيعاب المفاهيم العلمية، المحافظة على استمرار تدريس اللغة العربية فى كل مراحل التعليم الأساسى والثانوى والجامعى، مع مراعاة المقاييس العالمية فى نسبة عدد الساعات المخصصة للغات الأجنبية فى الدول المختلفة، مع التركيز فى تعليم اللغة العربية فى المرحلة الابتدائية على تكوين المهارات الأساسية للغة وهى: الاستماع والحديث، والقراءة والكتابة، مع الاستعانة بالوسائل والتقنيات الحديثة فى ذلك، وتشجيع المواهب الفردية، مع مراعاة استخدام علامات الضبط (التشكيل) فى الكتب المدرسية فى مختلف المراحل قبل الجامعية، ولجميع المواد، وتشجيع استخدامها فى مختلف الكتب العلمية والتعليمية، خاصة عند حدوث لبس فى المعنى أو ضرورة، فى ظل وجود البرامج الالكترونية التى تعين على تحقيق هذا الهدف. وشمل هذا المحور -أيضا- دعم برامج تعليم اللغة العربية وتعزيز استخدامها فى الدول العربية ذات الأوضاع الخاصة (جزر القمر، جيبوتى، الصومال)، مع الاهتمام بتعليم اللغة العربية لأبناء الجاليات العربية والمسلمة فى المهجر، والإفادة من الجهود التى تبذلها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فى هذا المجال، يصاحب ذلك اختيار كتاب عربى موحد لايرتبط بخصوصية دولة عربية معينة (كتاب قراءة)، كى يدرسه جميع الطلاب فى سنة دراسية واحدة، مما يخلق حالة من التقارب الثقافى والفكرى، تربط بين ناشئة الوطن العربى، وتشعرهم بدور اللغة فى وحدتهم وترابطهم، ويتم ذلك من خلال جامعة الدول العربية، واعتماده من مجلس وزراء التعليم العرب، فضلا عن اختيار كتاب موحد للغة العربية من الكتب التى وضعتها بعض الجامعات العربية بوصفه متطلبا جامعيا، يتم تدريسه فى جميع الجامعات العربية. كما جاء فى هذا المحور ولأول مرة- أيضا- تعميم تدريس المناهج الدراسية القومية (اللغة العربية، التاريخ، الجغرافيا، التربية الدينية)، باللغة العربية والتخفف من تعليم المواد الأخرى مثل الرياضيات والعلوم باللغات الأجنبية وصولا إلى التعريب الكامل لجميع أنماط التعليم العام، وذلك فى جميع أنماط المدارس فى الدول العربية، والحرص على تضمين المناهج الدراسية فى جميع المدارس فى الوطن العربى، الثقافة العربية الأصيلة، ومخاطبة وزارات التربية والتعليم فى الوطن العربى بذلك. وتضمن محور العربية والتعليم، تبنى المؤسسات، تعريب التعليم الجامعى، مع ضرورة الإفادة من المعاجم المختصة التى أنجزها مكتب تنسيق التعريب بالرباط، التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (40 معجما متخصصا فى شتى المجالات)، مع تشجيع الحكومات العربية للهيئات على مواصلة العمل فى مجال تعريب التعليم الجامعى مع اجتياز طلاب الدراسات العليا فى جميع التخصصات لاختبار كفاءة فى اللغة العربية موحد آلى (يؤدى إلكترونيا) بوصفه شرطا للتسجيل، واجتياز دورة فى العربية الفصحى بوصفها شرطا للتعيين مع التنسيق مع المؤسسات التى تعنى بتدريس اللغة العربية خارج الوطن العربى. أما المحور الثانى الخاص بالعربية والإعلام، فقد أوصت الاستراتيجية هيئات تحرير الصحف بنشر المقالات الصحفية بلغة عربية فصيحة فى طبعاتها الورقية والإلكترونية وحظر النشر باللهجة المحلية، الإلتزام بالعربية الفصحى فى نشرات الأخبار وكذلك لغة فقرات الربط، مع الالتزام باللغة العربية الفصيحة فى عرض البرامج الثقافية فى جميع القنوات العربية المرئية والمسموعة، مع إدارة البرامج الحوارية بلغة عربية فصيحة، مع العناية بالقنوات المرئية الموجهة للأطفال توظيف اللغة العربية الفصيحة فى الأعمال الدرامية وتحسين صورة الناطق بها، وإصلاح لغة الإعلانات. وفيما يخص المحور الثالث الخاص بالعربية والتواصل، أكدت اللجنة التى قامت على وضع هذه الاستراتيجية أن تكون جميع المكاتبات فى المؤسسات الحكومية والخاصة (الوزارات، البنوك، الجامعات، شركات الكهرباء) باللغة العربية الفصيحة إرسالا واستقبالا مع الحرص على التزام ممثلى الدول العربية على المستوى الرسمى بالحديث بالعربية الفصيحة فى جميع المحافل المحلية والدولية والأقليمية مع دعم استخدام اللغة العربية داخل المنظمات الدولية وعلى رأسها الأممالمتحدة، ودعوة المثقفين الى الالتزام بالعربية الفصيحة فى الإعلام الخاص الإلكترونى وفى وسائط التواصل الاجتماعى المختلفة، ويصاحب ذلك تعريب عناوين المواقع الالكترونية وعناوين البريد الإلكترونى، بدءا بالمواقع الحكومية الرسمية.