تعرف على موعد امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمدارس كفر الشيخ    مياه الإسكندرية تستقبل وفد الوكالة الألمانية لبحث خطة التكيف مع التغيرات المناخية    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه المصري.. يسجل رقمًا غير مسبوق خلال شهر أبريل    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    "الرقابة المالية" تطور قواعد القيد لتيسير تعامل الشركات على أسهم الخزينة    الفسيخ يتخطى ال300 جنيه.. أسعار الرنجة 2024 في كارفور والمحال التجارية قبل شم النسيم    هبوط جماعي لمؤشرات البورصة في ختام تعاملات الثلاثاء    فرار 200 ألف إسرائيلي للملاجئ هربًا من مسيرات حزب الله    الجامعة العربية تشهد اجتماع لجنة جائزة التميز الإعلام العربي    أصدرت عبوات تحمل شعار النادي.. جماهير الأهلي تطالب بفسخ التعاقد مع كوكاكولا    رسميا.. تحديد موعد نهائي كأس إنجلترا    وزير الشباب والرياضة ومحافظ شمال سيناء يفتتحان المرحلة الأولى لتطوير استاد العريش    تحذيرات من موجة حارة قادمة تستمر لثلاثة أيام في مصر    إدارة المنيا التعليمية تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام    إحالة أوارق المتهم بقتل شاب وسرقة مقتنياته في الشرقية للمفتي    بدءا من اليوم.. برنامج حافل لقصور الثقافة احتفالا بعيد تحرير سيناء    احتفالاً بذكرى تحرير سيناء.. متحف السكة الحديد مجاناً للجمهور غدا    توقيع اتفاقيتين للمساهمة المجتمعية لقطاع البترول في دعم الرعاية الصحية بمطروح وبورسعيد    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    بقرار من الرئيس.. بدء التوقيت الصيفي الجمعة المقبلة بتقديم الساعة 60 دقيقة    بيلجورود الروسية تكشف عدد الق.تلى المدنيين في هجمات أوكرانيا منذ بدء الحرب    الحكومة: إنشاء منظومة تعليمية متكاملة لأهالي سيناء ومدن القناة    وزير العدل يفتتح مؤتمر الذكاء الاصطناعي وأثره على حقوق الملكية الفكرية (صور)    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    تعرف على أهم النصائح للتعامل مع عداد الكهرباء مسبق الدفع    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    شكسبير كلمة السر.. قصة الاحتفال باليوم العالمي للكتاب    بيومي فؤاد يتذيل قائمة الإيرادات.. أسود ملون الأضعف في شباك تذاكر الأفلام (بالأرقام)    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    بطولة أبطال الكؤوس الإفريقية.. فريق الزمالك لكرة اليد يواجه الأبيار الجزائري    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    غدا .. انطلاق قافلة طبية بقرية الفقاعى بالمنيا    هل مكملات الكالسيوم ضرورية للحامل؟- احذري أضرارها    فرج عامر: الفار تعطل 70 دقيقة في مباراة مازيمبي والأهلي بالكونغو    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    رئيس شُعبة المصورين الصحفيين: التصوير في المدافن "مرفوض".. وغدًا سنبحث مع النقابة آليات تغطية الجنازات ومراسم العزاء    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    آخر تطورات الحالة الصحية ل الشناوي، وتفاصيل وعد حسام حسن لحارس الأهلي    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    البرلمان يحيل 23 تقريرا من لجنة الاقتراحات والشكاوى للحكومة لتنفيذ توصياتها    سقوط المتهم بالنصب على الطلاب في دورات تعليمية بسوهاج    تحذيرات هيئة الأرصاد الجوية من ارتفاع درجات الحرارة ونصائح الوقاية في ظل الأجواء الحارة    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    رسولوف وهازنافيسيوس ينضمان لمسابقة مهرجان كان السينمائي    الرئيس البولندي: منفتحون على نشر أسلحة نووية على أراضينا    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 23-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمشاركة عبد الفتاح كيليطو ونخبة من الكتاب والمفكرين:رحلة البحث عن المعني المراوغ!
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 03 - 2019

عبدالفتاح كيليطو مع فريق عمل مكتبة تكوين وبعض المشاركين في الملتقى
في طريقي إلي الكويت للمشاركة في مؤتمر »رحلة المعني»‬ الذي نظمته »‬مكتبة تكوين» مؤخرًا بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بالكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كنت مشحونة بأسئلة لا تنتهي عن المعني والكتابة وما يمكن لها أن تقوم به في عالم عنيف ولحظة فوضوية كالتي يشهدها العالم حاليًا.
كان عنوان المؤتمر، المفتوح علي فضاءات وتأويلات لا تُحصي، هو المحفز والمثير لتساؤلاتي وأفكاري. إذ في ظني لا توجد مفردة شغلت البشر –علي اختلافات ثقافاتهم- مثل مفردة »‬المعني»، فالبحث لا يتوقف عن معني كل ما يصادفنا، وحاجة الإنسان إلي الإيمان بمعني ما لحياته وما يقابله في رحلته فيها، دفعته دومًا لإضفاء المعني حتي علي أكثر الأفعال والأحداث عبثية.
ثمة جوع لا يشبع لاستخلاص المعاني وتوظيفها واللجوء إليها. وتتضاعف أهمية المعني عند منتجي الفن والثقافة، تتعدد رؤاهم له وتتنوع علاقتهم به، بعضهم يكفر به ويتمرد علي سطوته، وبعضهم الآخر يتوسل وجوده ويسعي لتخليقه واختراعه، لكن في كل الأحوال مكانة »‬المعني» مركزية حتي لدي من يسخرون من الولع به.
ربما لكل هذا كان الفضول يحدوني لمعرفة كيف سيتفاعل المشاركون الآخرون في الملتقي مع سؤال المعني، وكيف سيخرجه كل منهم من حيز العموميات إلي حيز الخصوصية! زاد من مساحة الفضول والترقب أن الأسماء المشاركة في »‬رحلة المعني» لا تقتصر علي مجالي الأدب والنقد وحدهما، إنما تمتد لتشمل مجالات مثل الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم اللغة والفيزياء وغيرها.
كنت أيضًا متشوقة للمشاركة في إحدي فعاليات »‬مكتبة تكوين»، التي نجحت خلال ثلاث سنوات فقط، هي كل مشوارها حتي الآن، في إحداث حراك ثقافي كبير في الكويت، وانتشر تأثيرها إلي دول أخري في الخليج العربي. فالمكتبة، وفق رؤية مديرتها ومؤسستها الروائية الكويتية بثينة العيسي، هدفها ليس بيع الكتب بقدر ما هو نشر المعرفة وإرساء عادة القراءة. تعرض العيسي في »‬تكوين» عناوين مختارة بدقة، بحيث يكون مجرد العرض في المكتبة ترشيحًا للقراءة، وهو ما يدركه القراء جيدًا.
وسبق أن نظمت »‬تكوين» العام الماضي بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في الكويت ملتقي »‬الحكايا والحكائين» بمشاركة مجموعة متميزة من الكُتّاب العرب، كما استضافت كُتَّابًا عالميين مثل: الأرجنتيني ألبرتو مانجويل والبرتغالي أفونسو كروش ضمن سلسلة ندوات »‬حديث الاثنين» التي تُقام بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، والكاتب الإيطالي جوزيه كاتوتسيلا – مؤلف رواية »‬لا تقولي إنك خائفة» الذي شارك في ملتقي »‬الحكايا والحكائين»العام الماضي.
في ملتقي »‬رحلة المعني»، كان الكاتب والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو هو ضيف الشرف، حيث كُرِّم صاحب »‬العين والإبرة» في حفل الافتتاح، وألقي محاضرة بعنوان »‬بحثًا عن المعني الضائع» تجول فيها من بليز باسكال وكافكا إلي مارسيل بروست وآخرين متوقفًا أمام ابن رشد وخورخي لويس بورخيس وولعه بالتراث العربي القديم، وقد طرح كيليطو في محاضرته تساؤلًا لافتًا عن سر صمت بورخيس عن أبي العلاء المعري علي الرغم من أنه الأكثر قربًا إليه لجهة كثير من التفاصيل الشخصية، ومن بينها الارتباط الشديد بالأم والعمي، كما يجمع بينهما أيضًا العديد من الاهتمامات الفكرية.
يرجح الناقد المغربي الكبير أن بورخيس كان يعرف بالمعري لاستشهاده بكتاب خصص مؤلفه لصاحب »‬رسالة الغفران» فصلًا كاملًا فيه، مما يزيد من وجاهة التساؤل عن سبب صمت بورخيس عنه.
مما جاء أيضًا في محاضرة مؤلف »‬حصان نيتشه» : »‬في معرض الحديث عن رحلة المعني، أود الإشارة إلي محطات فكرية قد تكون موحية، ومن بينها قول بليز باسكال (بتصرف): »‬من تبحث عنه قد وجدته؛ وقول كافكا: »‬في أغلب الأحيان، من نبحث عنه بعيدًا، يقطن قربنا؛ وسرد لبورخيس عن فيلسوف عربي يسعي إلي ترجمة كلمتين لا يفهم معناهما، »‬فيقول لنفسه (دون أن يصدق ذلك تمامًا) إن ما نبحث عنه يكون غالبًا في متناولنا».
أما الروائية بثينة العيسي، فبدأت كلمتها المعنونة ب»‬ما معني المعني؟» بإعلان أنها لا تعرف »‬معني المعني»، لذا سوف تحكي للحضور قصة، واحتوت القصة التي اختارت حكيها علي فارس وساحرة وثلاث حبات من الليمون المسحور، في قلب كل حبة منها امرأة جميلة غافية، تقول العيسي قرب نهاية كلمتها: »‬المعاني تستعصي. تراوغُ، تخاتلُ، تلعبُ لعبة الاختباء.
تشعر أحيانًا أنك لا تستطيع النظرَ إلي عينيها مباشرة، وكأنك ستقتُلها، وكأنها ستقتلك. إنني أتساءل ماذا لو كان في قلبِ كلّ ثمرة ليمون جنيًا، مثل قمقم سليمان الذي قرأنا في الليالي، ماذا لو كان في قلبِ تلك الثمرة فراشةٌ، تنينٌ، متاهةٌ، ساحرةٌ قادرة علي مسخك إلي حشرةٍ عملاقة، (مع الاعتذار لكافكا!)، أو ربما حوتٌ يريد ابتلاعك.
أعتقدُ بأن الفارس الجوال قد كان محظوظًا، لأنه حصل علي نوعٍ بعينه من الليمون المسحور، وربما.. لو كنتُ كاتبة القصة، لجعلته بعد أن يعصبَ عينيه، ويقطعَ أصابعه، وينزفَ.. يجد نفسه أمام أكثر نساء الأرض دمامة، وهي ستبتسمُ له علي نحوٍ مروّع وتقول؛ شكرًا علي الماءِ يا حبيبي.
ماذا سيحدث وقتها؟ ماذا سيحدث لو أنَّ المعني الذي حصلنا عليه لم يكن المعني الذي نتمني؟ ماذا لو سقطنا في شَرَكِ المعني، ونحنُ نعرفُ بأنّ المعني يأتي ليعيدَ صياغةَ عالمنا، وأنّ حياتنا لن تعودَ بعده كما كانت.”
وفي محاضرته المعنونة ب»‬يد عمياء تنبش عش الضوء»، تحدث الشاعر البحريني مهدي سلمان عن لعبة التأويل في لغة الشعر قائلًا: »‬لا يمكنك في الشعر إلا أن تولّد المعني من المعني، والدلالة من الدلالة، إنها لعبة التأويل في لغة الشعر، التأويل الذي يجعل من اللغة ترقص بتناغم مع مشاعرك، رقصاً تعبيرياً فائق القدرة والدهشة ليصل بك إلي مستويات عليا من الغياب في المعني، فتكون أنت ما تفكر فيه، ما تشعر به وما تحوم حوله».
وأضاف: »‬ربما يكون أكثر ما يؤرقني الآن أن أتحدث عن تلك اللحظات التي لا أجد فيها ما أقوله، تلك اللحظات التي يغيب فيها المعني كله عني، ليست المسألة في الكتابة بحد ذاتها، قد تتوقف الكتابة لسنوات، لكني مع ذلك أجد ما أقوله لنفسي، وأفكر في الأشياء، لكن أن تتوقف الأفكار (الفارقة) عن المرور علي عقلي، أن تصبح الأشياء كلها صفحات بيضاء ولا يشغل بالي سوي اليومي من أمور الحياة، إنها لحظات عصيبة حقاً، حزينة ومخيفة، ولطالما كانت وسيلتي للخروج من أسر هذه الأوقات التفكير بهذه الطريقة، الرقص مع اللغة، أملأ نفسي بالغائر من مشاعري، تلك التي أخشاها، أو أتفاداها، وأدعها تقودني نحو اللغة، واللغة تقودني نحو النص، كلمة كلمة، تنحتني، تهدّني، تجرفني وتعيدني نحو شاطئ لا أعرف أين يكون».
واختارت الناقدة العمانية مني حبراس السليمية مناقشة »‬المعني» من منظور الناقد بادئةً محاضرتها بالإشارة إلي نص للكاتب المغربي محمد بوزفور يقيم فيه »‬حاجزًا بين الخيال والمعني ويخبرنا أن الخيال أهمُ من تفسيره أو تأويله أو حتي محاولة البحث عن معناه، مهما بدا هذا الخيال غيرَ منطقي أو غيرَ معقول.”، لتخلص في النهاية إلي أن: »‬الأدب حقلُ المعاني المتعددة، وأن النقد الأدبي هو أجمل أشكال التعبير عن تعدد المعني. نظل نبحث عنه في ثنايا النص حتي نجده، ولا تعادل سعادةُ العثور عليه أيةَ سعادة أخري. أليس النقد بعد كل شيء: اكتشاف؟ وما الاكتشاف في حقيقته سوي العثورِ علي معني ما، سواء أكان اكتشافا في النص أو في المجرة. وجدت نفسي في هذه المنطقة التي أسميها معملا لا يختلف في شيء عن معامل الكيمياء، حيث تخضع النصوص للكشف والفحص والمساءلة بغية الوصول إلي معانيها الكامنة، دون أن تكون لي علاقةٌ تلزمني بما استقر في بطن الشاعر؛ فللشاعر بطنه وما حوي، ولي رؤيتي التي لا تلزمه».
هكذا اقترن المعني، عند السليمية،بالحرية. »‬الحرية التي تمنحك الحق في أن توجد معناك الخاص بك للأشياء. معني لا يشترط تشابهه مع معاني الآخرين، ويضبطها جميعا أنها مهما تعددت لا يمكن أن تكون غير نهائية وإلا أصبحت ضربا من الفوضي كما يقول ناقد معروف. وإذا كان النقد لا يزدهر حيث لا تكون الحرية، فإن المرء لن يكون ناقدا ما لم يكن حرا. بيد أن الحرية النقدية لا تعيش منفصلة عن الحرية في سياقاتها السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والدينية، إلي ما لا نهاية من سلسلة الحريات المنقوصة في بيئاتنا. فهل يمكننا - والحال هذه - أن نستمر من دون حرية/ من دون معني؟ أود أن أكون رومانسية وأنجرَّ وراء رغبتي في قول (لا)، ولكن الواقع يقول إننا مازلنا نعيش رغم ذلك».
وتحدث الروائي والشاعر العراقي سنان أنطون عن »‬جدلية المعني والسلطة”، منطلقًا من أنه »‬إذا افترضنا أن الوجود شبكة لا متناهية من الرموز والإشارات واللغات، وأن الإنسان، بطبيعته، كائن يبحث عن المعاني وينتجها، فإن العالم نص هائل متشابك، ونحن قراؤه. لا تخلو رحلة البحث عن المعاني ولذة التعرف عليها من جماليات. لكن المعني لا يوجد ولا يُنتج في فراغ، فهو دائمًا مرتبط بسلطة ما، وبمؤسسات وخطابات تحتكر وتحدد تراتبية المعني وتفرض علينا قاموسها.”
فيما تساءل الدكتور نادر كاظم، في محاضرته: »‬هل يشغل الناس العاديون والبسطاء أنفسهم بمشكلة المعني؟ بالبحث عن معني لحياتهم ووجودهم؟ أم أن المعني إشكالية وجدت كتعبير عن حيرة نخبة ما في يوم ما أمام مشكلة الموت ومشكلة الشر، وهو ما حوَّل الحياة ذاتها إلي حدث إشكالي يحتاج إلي معني؟»
وقدَّم د. فهد راشد المطيري المتخصص في علم اللغة النظري، واحدة من أفضل محاضرات الملتقي، عن »‬المعني، ماهيته وأهميته»، وسعي من خلالها إلي استجلاء طبيعة المعني من جهة والكشف عن جوانب أهميته من جهة أخري.
من الأسماء التي شاركت في الملتقي بخلاف المشار إليهم أعلاه: الروائية اللبنانية نجوي بركات التي حاورها الكاتب الكويتي الشاب خالد تركي عن »‬التجريب في الأدب القصصي.. من الشكل إلي المعني»، الروائي الكويتي حسين المطوع الفائز مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل عن قصة »‬أحلم أن أكون خلاط أسمنت»، د. يوسف البناي الحائز علي درجة الدكتوراة في الفيزياء الكونية النظرية من جامعة لايبزيج بألمانيا، الروائي السعودي أشرف فقيه ومعه من السعودية الكاتبةداليا تونسي المتخصصة في الفلسفة وكاتبة الأطفال والناشرة أروي خميِّس والناقد سامي عجلان، الناقد التونسي محمد الودرني، والكتاب الكويتيين: وليد الرجيب، استبرق أحمد، عبد الله الحسيني، خالد تركي، ومن الشعراء أحمد الملا (السعودية)، دخيل الخليفة وسعد الياسري (الكويت)، محمد ماجد العتابي.
إضافة إلي المحاضرات والكلمات المكتوبة والأمسيات الشعرية والسردية، كانت هناك حلقات نقاشية وحوارات تناولت موضوعات مثل »‬ما المعني وراء الكتابة؟ الأدب والتغيير الاجتماعي»، و»‬الطفولة، القصص، والبحث عن المعني»، و»‬المشاريع الثقافية وصناعة المعني”. هذا بخلاف »‬ورش العمل» المتنوعة والشاملة لأنواع أدبية وفنية عديدة منها: »‬تقنيات كتابة النص الحديث (قصيدة النثر/ القصيدة المدورة)»التي قدمها الشاعر الكويتي دخيل الخليفة ومن بين أسئلتها: »‬كيف نبني النص الجديد؟ ما شروط كتابته؟ ما أدوات وأساليب بنائه؟ كيف نصنع من اللغة فجوات توتر؟ من أين تأتي خصوصية النص؟، ونموذج الحلقة السقراطية التي قدمتها كاتبة الأطفال ومعلمة الفلسفة السعودية داليا تونسي وتري فيها نموذجًا يعرفنا علي حقيقة جهلنا، و»‬في نفس الصورة.. مع الخنافس والشوكولاته.. ورشة عمل عن النصوص الموجهة للصغار والكبار» وقدمتها الكاتبة أروي خميّس التي أجابت خلالها عن تساؤل: كيف يمكن أن تتناسب معاني النصوص ولغتها ومواضيعها مع الصغار والكبار؟، وورشة قدمها الكاتب المسرحي الكويتي علاء الجابر عن فن كتابة المسرحية، وأخري للشاعر البحريني مهدي سلمان بعنوان »‬تقطيع النثر.. ورشة في جماليات النصوص النثرية ذات الطبيعة الشعرية» وبحث فيها عن جماليات الاشتغال باللغة العربية تحديدًا، وعن خصائص الصوت والحروف فيها، والتراكيب المستخدمة منذ العصر الجاهلي للتنغيم في النثر العربي، إضافة إلي ورشة عمل: »‬كيف نحوِّل ركام الواقع إلي فن؟» التي قدمتها كاتبة هذه السطور وتناولت فيها طرق توليد الأفكار الفنية من التفاصيل اليومية والمكرورة، وكيفية تنمية هذه الأفكار وتطويرها بحيث تبتعد عن أصلها الواقعي.
ما الذي تغير في مكان عرفناه من قبل وكيف أثرت فيه سنوات تسع؟ سؤال دار في ذهني خلال وجودي في الكويت، لكنني في الحقيقة لم أكن مشغولة به قدر انشغالي بالتعرف علي وجه جديد لم أعرفه من قبل للمكان. عديدون تحدثوا معي مثلًا عن أوجه الاختلاف بين المشهد الأدبي في الكويت قبل سنوات والمشهد الحالي. الملاحظة المشتركة تمثلت في وفرة الأنشطة الثقافية الآن مقارنةً بالسابق وتعدد المنصات المخصصة لها مثل: مكتبة تكوين، منصة الفن المعاصر، مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، الملتقي الثقافي وغيرها. هناك أيضًا نهضة في القراءة وحرص من مؤسسات خاصة كالبنوك والجامعات والشركات علي دعم الأنشطة والمبادرات الثقافية والجوائز الأدبية. مبادرة »‬ماراثون القراءة الخيري» مثلًا الذي يرعاه بنك بوبيان وعيادة كلينيكا، ويُخصص عائده لمساعدة الطلاب غير القادرين علي دفع مصاريف تعليمهم، حيث يقدم الرعاة دينارًا كويتيًا لكل عشر صفحات تُقرَأ خلال الماراثون الذي كانت مكتبة تكوين قد أطلقته لأول مرة عام 2017 وأُقيم مرات عديدة آخرها في فبراير الماضي ونجح في اجتذاب أعداد كبيرة من القراء الذين قرأوا آلاف الصفحات من كتب متنوعة.
الملاحظة الأخيرة التي خرجت بها، أننا لا نعرف إلّا أقل القليل عن الأجيال الشابة من أدباء الخليج، وعلي الرغم من تحفظات معظمنا علي سطوة الجوائز واعتبارها المصدر الوحيد لمعرفة المشهد الأدبي في هذا البلد أو ذاك، فإننا –في الغالب- نكتفي فقط بالأسماء الواردة في قوائمها، مما يؤدي في النهاية إلي تغييب أسماء قد تكون أكثر استحقاقًا وأهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.