تراجع مؤشرات الأسهم اليابانية في جلسة التعاملات الصباحية    ردا على الدعم الأمريكي، الصين تطلق أكبر مناوراتها العسكرية حول تايوان    وفاة خالدة ضياء أول رئيسة وزراء لبنجلاديش    أحمد شوبير يعلن وفاة حمدى جمعة نجم الأهلى الأسبق    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الثلاثاء 30 ديسمبر    الأرصاد الجوية تُحذر من طقس اليوم الثلاثاء    زيلينسكي: لا يمكننا تحقيق النصر في الحرب بدون الدعم الأمريكي    كروان مشاكل: فرحي باظ وبيتي اتخرب والعروسة مشيت، والأمن يقبض عليه (فيديو)    هدى رمزي: الفن دلوقتي مبقاش زي زمان وبيفتقد العلاقات الأسرية والمبادئ    "فوربس" تعلن انضمام المغنية الأمريكية بيونسيه إلى نادي المليارديرات    بيان ناري من جون إدوارد: وعود الإدارة لا تنفذ.. والزمالك سينهار في أيام قليلة إذا لم نجد الحلول    الإمارات تدين بشدة محاولة استهداف مقر إقامة الرئيس الروسي    محافظة القدس: الاحتلال يثبت إخلاء 13 شقة لصالح المستوطنين    مندوب مصر بمجلس الأمن: أمن الصومال امتداد لأمننا القومي.. وسيادته غير قابلة للعبث    النيابة تأمر بنقل جثة مالك مقهى عين شمس للمشرحة لإعداد تقرير الصفة التشريحية    إسرائيل على خطى توسع في الشرق الأوسط.. لديها مصالح في الاعتراف ب«أرض الصومال»    حسين المناوي: «الفرص فين؟» تستشرف التغيرات المتوقعة على سوق ريادة الأعمال    بعد نصف قرن من استخدامه اكتشفوا كارثة، أدلة علمية تكشف خطورة مسكن شائع للألم    أستاذ أمراض صدرية: استخدام «حقنة البرد» يعتبر جريمة طبية    القباني: دعم حسام حسن لتجربة البدلاء خطوة صحيحة ومنحتهم الثقة    سموم وسلاح أبيض.. المؤبد لعامل بتهمة الاتجار في الحشيش    انهيار منزل من طابقين بالمنيا    عرض قطرى يهدد بقاء عدى الدباغ فى الزمالك    حوافز وشراكات وكيانات جديدة | انطلاقة السيارات    ناقدة فنية تشيد بأداء محمود حميدة في «الملحد»: من أجمل أدواره    الناقدة مها متبولي: الفن شهد تأثيرًا حقيقيًا خلال 2025    صندوق التنمية الحضارية: حديقة الفسطاط كانت جبال قمامة.. واليوم هي الأجمل في الشرق الأوسط    حسام عاشور: كان من الأفضل تجهيز إمام عاشور فى مباراة أنجولا    نيس يهدد عبدالمنعم بقائد ريال مدريد السابق    تحتوي على الكالسيوم والمعادن الضرورية للجسم.. فوائد تناول بذور الشيا    أمم إفريقيا – خالد صبحي: التواجد في البطولة شرف كبير لي    ترامب يحذر إيران من إعادة ترميم برنامجها النووي مرة أخرى    في ختام مؤتمر أدباء مصر بالعريش.. وزير الثقافة يعلن إطلاق "بيت السرد" والمنصة الرقمية لأندية الأدب    الكنيست الإسرائيلي يصادق نهائيًا على قانون قطع الكهرباء والمياه عن مكاتب «الأونروا»    الزراعة: نطرح العديد من السلع لتوفير المنتجات وإحداث توازن في السوق    مجلس الوزراء: نراجع التحديات التي تواجه الهيئات الاقتصادية كجزء من الإصلاح الشامل    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    التعاون الدولي: انعقاد 5 لجان مشتركة بين مصر و5 دول عربية خلال 2025    وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    سقوط موظف عرض سلاحا ناريا عبر فيسبوك بأبو النمرس    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    الصحة: ارتفاع الإصابات بالفيروسات التنفسية متوقع.. وشدة الأعراض تعود لأسباب بشرية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    أسود الأطلس أمام اختبار التأهل الأخير ضد زامبيا في أمم إفريقيا 2025.. بث مباشر والقنوات الناقلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمشاركة عبد الفتاح كيليطو ونخبة من الكتاب والمفكرين:رحلة البحث عن المعني المراوغ!
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 03 - 2019

عبدالفتاح كيليطو مع فريق عمل مكتبة تكوين وبعض المشاركين في الملتقى
في طريقي إلي الكويت للمشاركة في مؤتمر »رحلة المعني»‬ الذي نظمته »‬مكتبة تكوين» مؤخرًا بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بالكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كنت مشحونة بأسئلة لا تنتهي عن المعني والكتابة وما يمكن لها أن تقوم به في عالم عنيف ولحظة فوضوية كالتي يشهدها العالم حاليًا.
كان عنوان المؤتمر، المفتوح علي فضاءات وتأويلات لا تُحصي، هو المحفز والمثير لتساؤلاتي وأفكاري. إذ في ظني لا توجد مفردة شغلت البشر –علي اختلافات ثقافاتهم- مثل مفردة »‬المعني»، فالبحث لا يتوقف عن معني كل ما يصادفنا، وحاجة الإنسان إلي الإيمان بمعني ما لحياته وما يقابله في رحلته فيها، دفعته دومًا لإضفاء المعني حتي علي أكثر الأفعال والأحداث عبثية.
ثمة جوع لا يشبع لاستخلاص المعاني وتوظيفها واللجوء إليها. وتتضاعف أهمية المعني عند منتجي الفن والثقافة، تتعدد رؤاهم له وتتنوع علاقتهم به، بعضهم يكفر به ويتمرد علي سطوته، وبعضهم الآخر يتوسل وجوده ويسعي لتخليقه واختراعه، لكن في كل الأحوال مكانة »‬المعني» مركزية حتي لدي من يسخرون من الولع به.
ربما لكل هذا كان الفضول يحدوني لمعرفة كيف سيتفاعل المشاركون الآخرون في الملتقي مع سؤال المعني، وكيف سيخرجه كل منهم من حيز العموميات إلي حيز الخصوصية! زاد من مساحة الفضول والترقب أن الأسماء المشاركة في »‬رحلة المعني» لا تقتصر علي مجالي الأدب والنقد وحدهما، إنما تمتد لتشمل مجالات مثل الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم اللغة والفيزياء وغيرها.
كنت أيضًا متشوقة للمشاركة في إحدي فعاليات »‬مكتبة تكوين»، التي نجحت خلال ثلاث سنوات فقط، هي كل مشوارها حتي الآن، في إحداث حراك ثقافي كبير في الكويت، وانتشر تأثيرها إلي دول أخري في الخليج العربي. فالمكتبة، وفق رؤية مديرتها ومؤسستها الروائية الكويتية بثينة العيسي، هدفها ليس بيع الكتب بقدر ما هو نشر المعرفة وإرساء عادة القراءة. تعرض العيسي في »‬تكوين» عناوين مختارة بدقة، بحيث يكون مجرد العرض في المكتبة ترشيحًا للقراءة، وهو ما يدركه القراء جيدًا.
وسبق أن نظمت »‬تكوين» العام الماضي بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في الكويت ملتقي »‬الحكايا والحكائين» بمشاركة مجموعة متميزة من الكُتّاب العرب، كما استضافت كُتَّابًا عالميين مثل: الأرجنتيني ألبرتو مانجويل والبرتغالي أفونسو كروش ضمن سلسلة ندوات »‬حديث الاثنين» التي تُقام بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، والكاتب الإيطالي جوزيه كاتوتسيلا – مؤلف رواية »‬لا تقولي إنك خائفة» الذي شارك في ملتقي »‬الحكايا والحكائين»العام الماضي.
في ملتقي »‬رحلة المعني»، كان الكاتب والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو هو ضيف الشرف، حيث كُرِّم صاحب »‬العين والإبرة» في حفل الافتتاح، وألقي محاضرة بعنوان »‬بحثًا عن المعني الضائع» تجول فيها من بليز باسكال وكافكا إلي مارسيل بروست وآخرين متوقفًا أمام ابن رشد وخورخي لويس بورخيس وولعه بالتراث العربي القديم، وقد طرح كيليطو في محاضرته تساؤلًا لافتًا عن سر صمت بورخيس عن أبي العلاء المعري علي الرغم من أنه الأكثر قربًا إليه لجهة كثير من التفاصيل الشخصية، ومن بينها الارتباط الشديد بالأم والعمي، كما يجمع بينهما أيضًا العديد من الاهتمامات الفكرية.
يرجح الناقد المغربي الكبير أن بورخيس كان يعرف بالمعري لاستشهاده بكتاب خصص مؤلفه لصاحب »‬رسالة الغفران» فصلًا كاملًا فيه، مما يزيد من وجاهة التساؤل عن سبب صمت بورخيس عنه.
مما جاء أيضًا في محاضرة مؤلف »‬حصان نيتشه» : »‬في معرض الحديث عن رحلة المعني، أود الإشارة إلي محطات فكرية قد تكون موحية، ومن بينها قول بليز باسكال (بتصرف): »‬من تبحث عنه قد وجدته؛ وقول كافكا: »‬في أغلب الأحيان، من نبحث عنه بعيدًا، يقطن قربنا؛ وسرد لبورخيس عن فيلسوف عربي يسعي إلي ترجمة كلمتين لا يفهم معناهما، »‬فيقول لنفسه (دون أن يصدق ذلك تمامًا) إن ما نبحث عنه يكون غالبًا في متناولنا».
أما الروائية بثينة العيسي، فبدأت كلمتها المعنونة ب»‬ما معني المعني؟» بإعلان أنها لا تعرف »‬معني المعني»، لذا سوف تحكي للحضور قصة، واحتوت القصة التي اختارت حكيها علي فارس وساحرة وثلاث حبات من الليمون المسحور، في قلب كل حبة منها امرأة جميلة غافية، تقول العيسي قرب نهاية كلمتها: »‬المعاني تستعصي. تراوغُ، تخاتلُ، تلعبُ لعبة الاختباء.
تشعر أحيانًا أنك لا تستطيع النظرَ إلي عينيها مباشرة، وكأنك ستقتُلها، وكأنها ستقتلك. إنني أتساءل ماذا لو كان في قلبِ كلّ ثمرة ليمون جنيًا، مثل قمقم سليمان الذي قرأنا في الليالي، ماذا لو كان في قلبِ تلك الثمرة فراشةٌ، تنينٌ، متاهةٌ، ساحرةٌ قادرة علي مسخك إلي حشرةٍ عملاقة، (مع الاعتذار لكافكا!)، أو ربما حوتٌ يريد ابتلاعك.
أعتقدُ بأن الفارس الجوال قد كان محظوظًا، لأنه حصل علي نوعٍ بعينه من الليمون المسحور، وربما.. لو كنتُ كاتبة القصة، لجعلته بعد أن يعصبَ عينيه، ويقطعَ أصابعه، وينزفَ.. يجد نفسه أمام أكثر نساء الأرض دمامة، وهي ستبتسمُ له علي نحوٍ مروّع وتقول؛ شكرًا علي الماءِ يا حبيبي.
ماذا سيحدث وقتها؟ ماذا سيحدث لو أنَّ المعني الذي حصلنا عليه لم يكن المعني الذي نتمني؟ ماذا لو سقطنا في شَرَكِ المعني، ونحنُ نعرفُ بأنّ المعني يأتي ليعيدَ صياغةَ عالمنا، وأنّ حياتنا لن تعودَ بعده كما كانت.”
وفي محاضرته المعنونة ب»‬يد عمياء تنبش عش الضوء»، تحدث الشاعر البحريني مهدي سلمان عن لعبة التأويل في لغة الشعر قائلًا: »‬لا يمكنك في الشعر إلا أن تولّد المعني من المعني، والدلالة من الدلالة، إنها لعبة التأويل في لغة الشعر، التأويل الذي يجعل من اللغة ترقص بتناغم مع مشاعرك، رقصاً تعبيرياً فائق القدرة والدهشة ليصل بك إلي مستويات عليا من الغياب في المعني، فتكون أنت ما تفكر فيه، ما تشعر به وما تحوم حوله».
وأضاف: »‬ربما يكون أكثر ما يؤرقني الآن أن أتحدث عن تلك اللحظات التي لا أجد فيها ما أقوله، تلك اللحظات التي يغيب فيها المعني كله عني، ليست المسألة في الكتابة بحد ذاتها، قد تتوقف الكتابة لسنوات، لكني مع ذلك أجد ما أقوله لنفسي، وأفكر في الأشياء، لكن أن تتوقف الأفكار (الفارقة) عن المرور علي عقلي، أن تصبح الأشياء كلها صفحات بيضاء ولا يشغل بالي سوي اليومي من أمور الحياة، إنها لحظات عصيبة حقاً، حزينة ومخيفة، ولطالما كانت وسيلتي للخروج من أسر هذه الأوقات التفكير بهذه الطريقة، الرقص مع اللغة، أملأ نفسي بالغائر من مشاعري، تلك التي أخشاها، أو أتفاداها، وأدعها تقودني نحو اللغة، واللغة تقودني نحو النص، كلمة كلمة، تنحتني، تهدّني، تجرفني وتعيدني نحو شاطئ لا أعرف أين يكون».
واختارت الناقدة العمانية مني حبراس السليمية مناقشة »‬المعني» من منظور الناقد بادئةً محاضرتها بالإشارة إلي نص للكاتب المغربي محمد بوزفور يقيم فيه »‬حاجزًا بين الخيال والمعني ويخبرنا أن الخيال أهمُ من تفسيره أو تأويله أو حتي محاولة البحث عن معناه، مهما بدا هذا الخيال غيرَ منطقي أو غيرَ معقول.”، لتخلص في النهاية إلي أن: »‬الأدب حقلُ المعاني المتعددة، وأن النقد الأدبي هو أجمل أشكال التعبير عن تعدد المعني. نظل نبحث عنه في ثنايا النص حتي نجده، ولا تعادل سعادةُ العثور عليه أيةَ سعادة أخري. أليس النقد بعد كل شيء: اكتشاف؟ وما الاكتشاف في حقيقته سوي العثورِ علي معني ما، سواء أكان اكتشافا في النص أو في المجرة. وجدت نفسي في هذه المنطقة التي أسميها معملا لا يختلف في شيء عن معامل الكيمياء، حيث تخضع النصوص للكشف والفحص والمساءلة بغية الوصول إلي معانيها الكامنة، دون أن تكون لي علاقةٌ تلزمني بما استقر في بطن الشاعر؛ فللشاعر بطنه وما حوي، ولي رؤيتي التي لا تلزمه».
هكذا اقترن المعني، عند السليمية،بالحرية. »‬الحرية التي تمنحك الحق في أن توجد معناك الخاص بك للأشياء. معني لا يشترط تشابهه مع معاني الآخرين، ويضبطها جميعا أنها مهما تعددت لا يمكن أن تكون غير نهائية وإلا أصبحت ضربا من الفوضي كما يقول ناقد معروف. وإذا كان النقد لا يزدهر حيث لا تكون الحرية، فإن المرء لن يكون ناقدا ما لم يكن حرا. بيد أن الحرية النقدية لا تعيش منفصلة عن الحرية في سياقاتها السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والدينية، إلي ما لا نهاية من سلسلة الحريات المنقوصة في بيئاتنا. فهل يمكننا - والحال هذه - أن نستمر من دون حرية/ من دون معني؟ أود أن أكون رومانسية وأنجرَّ وراء رغبتي في قول (لا)، ولكن الواقع يقول إننا مازلنا نعيش رغم ذلك».
وتحدث الروائي والشاعر العراقي سنان أنطون عن »‬جدلية المعني والسلطة”، منطلقًا من أنه »‬إذا افترضنا أن الوجود شبكة لا متناهية من الرموز والإشارات واللغات، وأن الإنسان، بطبيعته، كائن يبحث عن المعاني وينتجها، فإن العالم نص هائل متشابك، ونحن قراؤه. لا تخلو رحلة البحث عن المعاني ولذة التعرف عليها من جماليات. لكن المعني لا يوجد ولا يُنتج في فراغ، فهو دائمًا مرتبط بسلطة ما، وبمؤسسات وخطابات تحتكر وتحدد تراتبية المعني وتفرض علينا قاموسها.”
فيما تساءل الدكتور نادر كاظم، في محاضرته: »‬هل يشغل الناس العاديون والبسطاء أنفسهم بمشكلة المعني؟ بالبحث عن معني لحياتهم ووجودهم؟ أم أن المعني إشكالية وجدت كتعبير عن حيرة نخبة ما في يوم ما أمام مشكلة الموت ومشكلة الشر، وهو ما حوَّل الحياة ذاتها إلي حدث إشكالي يحتاج إلي معني؟»
وقدَّم د. فهد راشد المطيري المتخصص في علم اللغة النظري، واحدة من أفضل محاضرات الملتقي، عن »‬المعني، ماهيته وأهميته»، وسعي من خلالها إلي استجلاء طبيعة المعني من جهة والكشف عن جوانب أهميته من جهة أخري.
من الأسماء التي شاركت في الملتقي بخلاف المشار إليهم أعلاه: الروائية اللبنانية نجوي بركات التي حاورها الكاتب الكويتي الشاب خالد تركي عن »‬التجريب في الأدب القصصي.. من الشكل إلي المعني»، الروائي الكويتي حسين المطوع الفائز مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل عن قصة »‬أحلم أن أكون خلاط أسمنت»، د. يوسف البناي الحائز علي درجة الدكتوراة في الفيزياء الكونية النظرية من جامعة لايبزيج بألمانيا، الروائي السعودي أشرف فقيه ومعه من السعودية الكاتبةداليا تونسي المتخصصة في الفلسفة وكاتبة الأطفال والناشرة أروي خميِّس والناقد سامي عجلان، الناقد التونسي محمد الودرني، والكتاب الكويتيين: وليد الرجيب، استبرق أحمد، عبد الله الحسيني، خالد تركي، ومن الشعراء أحمد الملا (السعودية)، دخيل الخليفة وسعد الياسري (الكويت)، محمد ماجد العتابي.
إضافة إلي المحاضرات والكلمات المكتوبة والأمسيات الشعرية والسردية، كانت هناك حلقات نقاشية وحوارات تناولت موضوعات مثل »‬ما المعني وراء الكتابة؟ الأدب والتغيير الاجتماعي»، و»‬الطفولة، القصص، والبحث عن المعني»، و»‬المشاريع الثقافية وصناعة المعني”. هذا بخلاف »‬ورش العمل» المتنوعة والشاملة لأنواع أدبية وفنية عديدة منها: »‬تقنيات كتابة النص الحديث (قصيدة النثر/ القصيدة المدورة)»التي قدمها الشاعر الكويتي دخيل الخليفة ومن بين أسئلتها: »‬كيف نبني النص الجديد؟ ما شروط كتابته؟ ما أدوات وأساليب بنائه؟ كيف نصنع من اللغة فجوات توتر؟ من أين تأتي خصوصية النص؟، ونموذج الحلقة السقراطية التي قدمتها كاتبة الأطفال ومعلمة الفلسفة السعودية داليا تونسي وتري فيها نموذجًا يعرفنا علي حقيقة جهلنا، و»‬في نفس الصورة.. مع الخنافس والشوكولاته.. ورشة عمل عن النصوص الموجهة للصغار والكبار» وقدمتها الكاتبة أروي خميّس التي أجابت خلالها عن تساؤل: كيف يمكن أن تتناسب معاني النصوص ولغتها ومواضيعها مع الصغار والكبار؟، وورشة قدمها الكاتب المسرحي الكويتي علاء الجابر عن فن كتابة المسرحية، وأخري للشاعر البحريني مهدي سلمان بعنوان »‬تقطيع النثر.. ورشة في جماليات النصوص النثرية ذات الطبيعة الشعرية» وبحث فيها عن جماليات الاشتغال باللغة العربية تحديدًا، وعن خصائص الصوت والحروف فيها، والتراكيب المستخدمة منذ العصر الجاهلي للتنغيم في النثر العربي، إضافة إلي ورشة عمل: »‬كيف نحوِّل ركام الواقع إلي فن؟» التي قدمتها كاتبة هذه السطور وتناولت فيها طرق توليد الأفكار الفنية من التفاصيل اليومية والمكرورة، وكيفية تنمية هذه الأفكار وتطويرها بحيث تبتعد عن أصلها الواقعي.
ما الذي تغير في مكان عرفناه من قبل وكيف أثرت فيه سنوات تسع؟ سؤال دار في ذهني خلال وجودي في الكويت، لكنني في الحقيقة لم أكن مشغولة به قدر انشغالي بالتعرف علي وجه جديد لم أعرفه من قبل للمكان. عديدون تحدثوا معي مثلًا عن أوجه الاختلاف بين المشهد الأدبي في الكويت قبل سنوات والمشهد الحالي. الملاحظة المشتركة تمثلت في وفرة الأنشطة الثقافية الآن مقارنةً بالسابق وتعدد المنصات المخصصة لها مثل: مكتبة تكوين، منصة الفن المعاصر، مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، الملتقي الثقافي وغيرها. هناك أيضًا نهضة في القراءة وحرص من مؤسسات خاصة كالبنوك والجامعات والشركات علي دعم الأنشطة والمبادرات الثقافية والجوائز الأدبية. مبادرة »‬ماراثون القراءة الخيري» مثلًا الذي يرعاه بنك بوبيان وعيادة كلينيكا، ويُخصص عائده لمساعدة الطلاب غير القادرين علي دفع مصاريف تعليمهم، حيث يقدم الرعاة دينارًا كويتيًا لكل عشر صفحات تُقرَأ خلال الماراثون الذي كانت مكتبة تكوين قد أطلقته لأول مرة عام 2017 وأُقيم مرات عديدة آخرها في فبراير الماضي ونجح في اجتذاب أعداد كبيرة من القراء الذين قرأوا آلاف الصفحات من كتب متنوعة.
الملاحظة الأخيرة التي خرجت بها، أننا لا نعرف إلّا أقل القليل عن الأجيال الشابة من أدباء الخليج، وعلي الرغم من تحفظات معظمنا علي سطوة الجوائز واعتبارها المصدر الوحيد لمعرفة المشهد الأدبي في هذا البلد أو ذاك، فإننا –في الغالب- نكتفي فقط بالأسماء الواردة في قوائمها، مما يؤدي في النهاية إلي تغييب أسماء قد تكون أكثر استحقاقًا وأهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.