محافظ مطروح يعتمد المرحلة الثانية لتنسيق القبول بمدارس التعليم الثانوي العام    رئيس الوزراء يتفقد محطة التجارب البحثية لتحلية مياه البحر بمدينة العلمين الجديدة    أسعار الخضار والفاكهة اليوم السبت 26-7-2025 بمنافذ المجمعات الاستهلاكية    40 ندوة إرشادية لمزارعى 13 محافظة على مواجهة التأثيرات السلبية لتغيرات المناخ    مصلحة الضرائب تصدر قرار مرحلة جديدة من منظومة الإيصال الإلكتروني    مصر تشارك في صياغة الإعلان الوزاري لمجموعة عمل التنمية التابعة لمجموعة العشرين    زلزال بقوة 4.9 درجة يضرب بحر أندامان في الهند    122 شهيدا جراء المجاعة وسوء التغذية بقطاع غزة من بينهم 83 طفلا    "المصرى الديمقراطى" يرفض تحميل الدولة المصرية مسؤولية جرائم الاحتلال فى غزة    كمبوديا تغلق المجال الجوي فوق مناطق الاشتباك مع تايلاند    "لوفيجارو": مأساة غزة تختبر إنسانية الغرب وعجزه السياسي    لوموند: قمة بكين تكشف ضعف أوروبا الكبير في مواجهة الصين    الثالث منذ أمس.. وفاة رضيع نتيجة سوء التغذية والمجاعة في غزة    حسام عبد المجيد مستمر مع الزمالك بعد فشل مفاوضات الاحتراف الخارجي    منتخب الطائرة ينتظم فى معسكر سلوفينيا استعدادًا لبطولة العالم بالفلبين    سيراميكا يواجه دكرنس غداً فى رابع ودياته استعداداً للموسم الجديد    إنتر ميامي يتعاقد مع صديق ميسي    بالصور.. وزير الرياضة ومحافظ الجيزة يفتتحان حمام سباحة نزل الشباب الدولي    أخبار مصر.. نتيجة الثانوية الأزهرية 2025.. إعلان الأوائل بعد قليل    طبيب سموم يكشف سبب وفاة الأطفال ال6 ووالدهم بالمنيا.. فيديو    خطوات التعامل مع حساب إنستجرام المزيف الذي ينتحل شخصيتك.. تعرف عليها    زوجة راغب علامة تحسم الجدل بشأن شائعة انفصالهما بصورة وتعليق.. ماذا قالت؟    نقيب الموسيقيين بلبنان ل"اليوم السابع": زياد الرحبانى كان بعيدا وفقدنا فنان عظيم    يوم الخالات والعمات.. أبراج تقدم الدعم والحب غير المشروط لأبناء أشقائها    سميرة عبد العزيز في ضيافة المهرجان القومي للمسرح اليوم.. وتوقيع كتاب يوثق رحلتها المسرحية    الصحة: مصر تستعرض تجربتها في مبادرة «العناية بصحة الأم والجنين» خلال مؤتمر إفريقيا للقضاء على الإيدز والتهاب الكبد B والزهري    "الصحة": دعم المنظومة الصحية بالبحيرة بجهازي قسطرة قلبية بقيمة 46 مليون جنيه    تحتوي على مكونات مفيدة تحفز الطاقة والمناعة.. تعرف على أفضل المشروبات الصحية الصيفية    غينيا تتجاوز 300 إصابة مؤكدة بجدري القرود وسط حالة طوارئ صحية عامة    تنسيق الجامعات 2025.. تسجيل الرغبات بموقع التنسيق الإلكتروني مجانا    وزير الري يتابع مشروع مكافحة الحشائش المائية في البحيرات العظمى    95 جنيهًا لكيلو البلطي.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    بالأرقام.. الحكومة تضخ 742.5 مليار جنيه لدعم المواطن في موازنة 25/26    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    ليلة أسطورية..عمرو دياب يشعل حفل الرياض بأغاني ألبومه الجديد (صور)    أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟    "تأقلمت سريعًا".. صفقة الأهلي الجديدة يتحدث عن فوائد معسكر تونس    "قصص متفوتكش".. محمد صلاح يتسوق في هونج كونج.. نداء عاجل لأفشة.. ورسالة إمام عاشور لزوجته    أعرف التفاصيل .. فرص عمل بالأردن بمرتبات تصل إلى 35 ألف جنيه    القضاء الأمريكى يوقف قيود ترامب على منح الجنسية بالولادة    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    تعرف على موعد عرض أولى حلقات مسلسل « قهوة 2» ل أحمد فهمي    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    فلسطين.. شهيدة وعدة إصابات في قصف إسرائيلي على منزل وسط غزة    الحماية المدنية بالقليوبية تسيطر على حريق كابينة كهرباء بشبرا| صور    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بمشاركة عبد الفتاح كيليطو ونخبة من الكتاب والمفكرين:رحلة البحث عن المعني المراوغ!
نشر في أخبار الأدب يوم 23 - 03 - 2019

عبدالفتاح كيليطو مع فريق عمل مكتبة تكوين وبعض المشاركين في الملتقى
في طريقي إلي الكويت للمشاركة في مؤتمر »رحلة المعني»‬ الذي نظمته »‬مكتبة تكوين» مؤخرًا بالتعاون مع الجامعة الأمريكية بالكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، كنت مشحونة بأسئلة لا تنتهي عن المعني والكتابة وما يمكن لها أن تقوم به في عالم عنيف ولحظة فوضوية كالتي يشهدها العالم حاليًا.
كان عنوان المؤتمر، المفتوح علي فضاءات وتأويلات لا تُحصي، هو المحفز والمثير لتساؤلاتي وأفكاري. إذ في ظني لا توجد مفردة شغلت البشر –علي اختلافات ثقافاتهم- مثل مفردة »‬المعني»، فالبحث لا يتوقف عن معني كل ما يصادفنا، وحاجة الإنسان إلي الإيمان بمعني ما لحياته وما يقابله في رحلته فيها، دفعته دومًا لإضفاء المعني حتي علي أكثر الأفعال والأحداث عبثية.
ثمة جوع لا يشبع لاستخلاص المعاني وتوظيفها واللجوء إليها. وتتضاعف أهمية المعني عند منتجي الفن والثقافة، تتعدد رؤاهم له وتتنوع علاقتهم به، بعضهم يكفر به ويتمرد علي سطوته، وبعضهم الآخر يتوسل وجوده ويسعي لتخليقه واختراعه، لكن في كل الأحوال مكانة »‬المعني» مركزية حتي لدي من يسخرون من الولع به.
ربما لكل هذا كان الفضول يحدوني لمعرفة كيف سيتفاعل المشاركون الآخرون في الملتقي مع سؤال المعني، وكيف سيخرجه كل منهم من حيز العموميات إلي حيز الخصوصية! زاد من مساحة الفضول والترقب أن الأسماء المشاركة في »‬رحلة المعني» لا تقتصر علي مجالي الأدب والنقد وحدهما، إنما تمتد لتشمل مجالات مثل الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم اللغة والفيزياء وغيرها.
كنت أيضًا متشوقة للمشاركة في إحدي فعاليات »‬مكتبة تكوين»، التي نجحت خلال ثلاث سنوات فقط، هي كل مشوارها حتي الآن، في إحداث حراك ثقافي كبير في الكويت، وانتشر تأثيرها إلي دول أخري في الخليج العربي. فالمكتبة، وفق رؤية مديرتها ومؤسستها الروائية الكويتية بثينة العيسي، هدفها ليس بيع الكتب بقدر ما هو نشر المعرفة وإرساء عادة القراءة. تعرض العيسي في »‬تكوين» عناوين مختارة بدقة، بحيث يكون مجرد العرض في المكتبة ترشيحًا للقراءة، وهو ما يدركه القراء جيدًا.
وسبق أن نظمت »‬تكوين» العام الماضي بالتعاون مع الجامعة الأمريكية في الكويت ملتقي »‬الحكايا والحكائين» بمشاركة مجموعة متميزة من الكُتّاب العرب، كما استضافت كُتَّابًا عالميين مثل: الأرجنتيني ألبرتو مانجويل والبرتغالي أفونسو كروش ضمن سلسلة ندوات »‬حديث الاثنين» التي تُقام بمركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، والكاتب الإيطالي جوزيه كاتوتسيلا – مؤلف رواية »‬لا تقولي إنك خائفة» الذي شارك في ملتقي »‬الحكايا والحكائين»العام الماضي.
في ملتقي »‬رحلة المعني»، كان الكاتب والناقد المغربي عبد الفتاح كيليطو هو ضيف الشرف، حيث كُرِّم صاحب »‬العين والإبرة» في حفل الافتتاح، وألقي محاضرة بعنوان »‬بحثًا عن المعني الضائع» تجول فيها من بليز باسكال وكافكا إلي مارسيل بروست وآخرين متوقفًا أمام ابن رشد وخورخي لويس بورخيس وولعه بالتراث العربي القديم، وقد طرح كيليطو في محاضرته تساؤلًا لافتًا عن سر صمت بورخيس عن أبي العلاء المعري علي الرغم من أنه الأكثر قربًا إليه لجهة كثير من التفاصيل الشخصية، ومن بينها الارتباط الشديد بالأم والعمي، كما يجمع بينهما أيضًا العديد من الاهتمامات الفكرية.
يرجح الناقد المغربي الكبير أن بورخيس كان يعرف بالمعري لاستشهاده بكتاب خصص مؤلفه لصاحب »‬رسالة الغفران» فصلًا كاملًا فيه، مما يزيد من وجاهة التساؤل عن سبب صمت بورخيس عنه.
مما جاء أيضًا في محاضرة مؤلف »‬حصان نيتشه» : »‬في معرض الحديث عن رحلة المعني، أود الإشارة إلي محطات فكرية قد تكون موحية، ومن بينها قول بليز باسكال (بتصرف): »‬من تبحث عنه قد وجدته؛ وقول كافكا: »‬في أغلب الأحيان، من نبحث عنه بعيدًا، يقطن قربنا؛ وسرد لبورخيس عن فيلسوف عربي يسعي إلي ترجمة كلمتين لا يفهم معناهما، »‬فيقول لنفسه (دون أن يصدق ذلك تمامًا) إن ما نبحث عنه يكون غالبًا في متناولنا».
أما الروائية بثينة العيسي، فبدأت كلمتها المعنونة ب»‬ما معني المعني؟» بإعلان أنها لا تعرف »‬معني المعني»، لذا سوف تحكي للحضور قصة، واحتوت القصة التي اختارت حكيها علي فارس وساحرة وثلاث حبات من الليمون المسحور، في قلب كل حبة منها امرأة جميلة غافية، تقول العيسي قرب نهاية كلمتها: »‬المعاني تستعصي. تراوغُ، تخاتلُ، تلعبُ لعبة الاختباء.
تشعر أحيانًا أنك لا تستطيع النظرَ إلي عينيها مباشرة، وكأنك ستقتُلها، وكأنها ستقتلك. إنني أتساءل ماذا لو كان في قلبِ كلّ ثمرة ليمون جنيًا، مثل قمقم سليمان الذي قرأنا في الليالي، ماذا لو كان في قلبِ تلك الثمرة فراشةٌ، تنينٌ، متاهةٌ، ساحرةٌ قادرة علي مسخك إلي حشرةٍ عملاقة، (مع الاعتذار لكافكا!)، أو ربما حوتٌ يريد ابتلاعك.
أعتقدُ بأن الفارس الجوال قد كان محظوظًا، لأنه حصل علي نوعٍ بعينه من الليمون المسحور، وربما.. لو كنتُ كاتبة القصة، لجعلته بعد أن يعصبَ عينيه، ويقطعَ أصابعه، وينزفَ.. يجد نفسه أمام أكثر نساء الأرض دمامة، وهي ستبتسمُ له علي نحوٍ مروّع وتقول؛ شكرًا علي الماءِ يا حبيبي.
ماذا سيحدث وقتها؟ ماذا سيحدث لو أنَّ المعني الذي حصلنا عليه لم يكن المعني الذي نتمني؟ ماذا لو سقطنا في شَرَكِ المعني، ونحنُ نعرفُ بأنّ المعني يأتي ليعيدَ صياغةَ عالمنا، وأنّ حياتنا لن تعودَ بعده كما كانت.”
وفي محاضرته المعنونة ب»‬يد عمياء تنبش عش الضوء»، تحدث الشاعر البحريني مهدي سلمان عن لعبة التأويل في لغة الشعر قائلًا: »‬لا يمكنك في الشعر إلا أن تولّد المعني من المعني، والدلالة من الدلالة، إنها لعبة التأويل في لغة الشعر، التأويل الذي يجعل من اللغة ترقص بتناغم مع مشاعرك، رقصاً تعبيرياً فائق القدرة والدهشة ليصل بك إلي مستويات عليا من الغياب في المعني، فتكون أنت ما تفكر فيه، ما تشعر به وما تحوم حوله».
وأضاف: »‬ربما يكون أكثر ما يؤرقني الآن أن أتحدث عن تلك اللحظات التي لا أجد فيها ما أقوله، تلك اللحظات التي يغيب فيها المعني كله عني، ليست المسألة في الكتابة بحد ذاتها، قد تتوقف الكتابة لسنوات، لكني مع ذلك أجد ما أقوله لنفسي، وأفكر في الأشياء، لكن أن تتوقف الأفكار (الفارقة) عن المرور علي عقلي، أن تصبح الأشياء كلها صفحات بيضاء ولا يشغل بالي سوي اليومي من أمور الحياة، إنها لحظات عصيبة حقاً، حزينة ومخيفة، ولطالما كانت وسيلتي للخروج من أسر هذه الأوقات التفكير بهذه الطريقة، الرقص مع اللغة، أملأ نفسي بالغائر من مشاعري، تلك التي أخشاها، أو أتفاداها، وأدعها تقودني نحو اللغة، واللغة تقودني نحو النص، كلمة كلمة، تنحتني، تهدّني، تجرفني وتعيدني نحو شاطئ لا أعرف أين يكون».
واختارت الناقدة العمانية مني حبراس السليمية مناقشة »‬المعني» من منظور الناقد بادئةً محاضرتها بالإشارة إلي نص للكاتب المغربي محمد بوزفور يقيم فيه »‬حاجزًا بين الخيال والمعني ويخبرنا أن الخيال أهمُ من تفسيره أو تأويله أو حتي محاولة البحث عن معناه، مهما بدا هذا الخيال غيرَ منطقي أو غيرَ معقول.”، لتخلص في النهاية إلي أن: »‬الأدب حقلُ المعاني المتعددة، وأن النقد الأدبي هو أجمل أشكال التعبير عن تعدد المعني. نظل نبحث عنه في ثنايا النص حتي نجده، ولا تعادل سعادةُ العثور عليه أيةَ سعادة أخري. أليس النقد بعد كل شيء: اكتشاف؟ وما الاكتشاف في حقيقته سوي العثورِ علي معني ما، سواء أكان اكتشافا في النص أو في المجرة. وجدت نفسي في هذه المنطقة التي أسميها معملا لا يختلف في شيء عن معامل الكيمياء، حيث تخضع النصوص للكشف والفحص والمساءلة بغية الوصول إلي معانيها الكامنة، دون أن تكون لي علاقةٌ تلزمني بما استقر في بطن الشاعر؛ فللشاعر بطنه وما حوي، ولي رؤيتي التي لا تلزمه».
هكذا اقترن المعني، عند السليمية،بالحرية. »‬الحرية التي تمنحك الحق في أن توجد معناك الخاص بك للأشياء. معني لا يشترط تشابهه مع معاني الآخرين، ويضبطها جميعا أنها مهما تعددت لا يمكن أن تكون غير نهائية وإلا أصبحت ضربا من الفوضي كما يقول ناقد معروف. وإذا كان النقد لا يزدهر حيث لا تكون الحرية، فإن المرء لن يكون ناقدا ما لم يكن حرا. بيد أن الحرية النقدية لا تعيش منفصلة عن الحرية في سياقاتها السياسية، والثقافية، والاجتماعية، والدينية، إلي ما لا نهاية من سلسلة الحريات المنقوصة في بيئاتنا. فهل يمكننا - والحال هذه - أن نستمر من دون حرية/ من دون معني؟ أود أن أكون رومانسية وأنجرَّ وراء رغبتي في قول (لا)، ولكن الواقع يقول إننا مازلنا نعيش رغم ذلك».
وتحدث الروائي والشاعر العراقي سنان أنطون عن »‬جدلية المعني والسلطة”، منطلقًا من أنه »‬إذا افترضنا أن الوجود شبكة لا متناهية من الرموز والإشارات واللغات، وأن الإنسان، بطبيعته، كائن يبحث عن المعاني وينتجها، فإن العالم نص هائل متشابك، ونحن قراؤه. لا تخلو رحلة البحث عن المعاني ولذة التعرف عليها من جماليات. لكن المعني لا يوجد ولا يُنتج في فراغ، فهو دائمًا مرتبط بسلطة ما، وبمؤسسات وخطابات تحتكر وتحدد تراتبية المعني وتفرض علينا قاموسها.”
فيما تساءل الدكتور نادر كاظم، في محاضرته: »‬هل يشغل الناس العاديون والبسطاء أنفسهم بمشكلة المعني؟ بالبحث عن معني لحياتهم ووجودهم؟ أم أن المعني إشكالية وجدت كتعبير عن حيرة نخبة ما في يوم ما أمام مشكلة الموت ومشكلة الشر، وهو ما حوَّل الحياة ذاتها إلي حدث إشكالي يحتاج إلي معني؟»
وقدَّم د. فهد راشد المطيري المتخصص في علم اللغة النظري، واحدة من أفضل محاضرات الملتقي، عن »‬المعني، ماهيته وأهميته»، وسعي من خلالها إلي استجلاء طبيعة المعني من جهة والكشف عن جوانب أهميته من جهة أخري.
من الأسماء التي شاركت في الملتقي بخلاف المشار إليهم أعلاه: الروائية اللبنانية نجوي بركات التي حاورها الكاتب الكويتي الشاب خالد تركي عن »‬التجريب في الأدب القصصي.. من الشكل إلي المعني»، الروائي الكويتي حسين المطوع الفائز مؤخرًا بجائزة الشيخ زايد لأدب الطفل عن قصة »‬أحلم أن أكون خلاط أسمنت»، د. يوسف البناي الحائز علي درجة الدكتوراة في الفيزياء الكونية النظرية من جامعة لايبزيج بألمانيا، الروائي السعودي أشرف فقيه ومعه من السعودية الكاتبةداليا تونسي المتخصصة في الفلسفة وكاتبة الأطفال والناشرة أروي خميِّس والناقد سامي عجلان، الناقد التونسي محمد الودرني، والكتاب الكويتيين: وليد الرجيب، استبرق أحمد، عبد الله الحسيني، خالد تركي، ومن الشعراء أحمد الملا (السعودية)، دخيل الخليفة وسعد الياسري (الكويت)، محمد ماجد العتابي.
إضافة إلي المحاضرات والكلمات المكتوبة والأمسيات الشعرية والسردية، كانت هناك حلقات نقاشية وحوارات تناولت موضوعات مثل »‬ما المعني وراء الكتابة؟ الأدب والتغيير الاجتماعي»، و»‬الطفولة، القصص، والبحث عن المعني»، و»‬المشاريع الثقافية وصناعة المعني”. هذا بخلاف »‬ورش العمل» المتنوعة والشاملة لأنواع أدبية وفنية عديدة منها: »‬تقنيات كتابة النص الحديث (قصيدة النثر/ القصيدة المدورة)»التي قدمها الشاعر الكويتي دخيل الخليفة ومن بين أسئلتها: »‬كيف نبني النص الجديد؟ ما شروط كتابته؟ ما أدوات وأساليب بنائه؟ كيف نصنع من اللغة فجوات توتر؟ من أين تأتي خصوصية النص؟، ونموذج الحلقة السقراطية التي قدمتها كاتبة الأطفال ومعلمة الفلسفة السعودية داليا تونسي وتري فيها نموذجًا يعرفنا علي حقيقة جهلنا، و»‬في نفس الصورة.. مع الخنافس والشوكولاته.. ورشة عمل عن النصوص الموجهة للصغار والكبار» وقدمتها الكاتبة أروي خميّس التي أجابت خلالها عن تساؤل: كيف يمكن أن تتناسب معاني النصوص ولغتها ومواضيعها مع الصغار والكبار؟، وورشة قدمها الكاتب المسرحي الكويتي علاء الجابر عن فن كتابة المسرحية، وأخري للشاعر البحريني مهدي سلمان بعنوان »‬تقطيع النثر.. ورشة في جماليات النصوص النثرية ذات الطبيعة الشعرية» وبحث فيها عن جماليات الاشتغال باللغة العربية تحديدًا، وعن خصائص الصوت والحروف فيها، والتراكيب المستخدمة منذ العصر الجاهلي للتنغيم في النثر العربي، إضافة إلي ورشة عمل: »‬كيف نحوِّل ركام الواقع إلي فن؟» التي قدمتها كاتبة هذه السطور وتناولت فيها طرق توليد الأفكار الفنية من التفاصيل اليومية والمكرورة، وكيفية تنمية هذه الأفكار وتطويرها بحيث تبتعد عن أصلها الواقعي.
ما الذي تغير في مكان عرفناه من قبل وكيف أثرت فيه سنوات تسع؟ سؤال دار في ذهني خلال وجودي في الكويت، لكنني في الحقيقة لم أكن مشغولة به قدر انشغالي بالتعرف علي وجه جديد لم أعرفه من قبل للمكان. عديدون تحدثوا معي مثلًا عن أوجه الاختلاف بين المشهد الأدبي في الكويت قبل سنوات والمشهد الحالي. الملاحظة المشتركة تمثلت في وفرة الأنشطة الثقافية الآن مقارنةً بالسابق وتعدد المنصات المخصصة لها مثل: مكتبة تكوين، منصة الفن المعاصر، مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، الملتقي الثقافي وغيرها. هناك أيضًا نهضة في القراءة وحرص من مؤسسات خاصة كالبنوك والجامعات والشركات علي دعم الأنشطة والمبادرات الثقافية والجوائز الأدبية. مبادرة »‬ماراثون القراءة الخيري» مثلًا الذي يرعاه بنك بوبيان وعيادة كلينيكا، ويُخصص عائده لمساعدة الطلاب غير القادرين علي دفع مصاريف تعليمهم، حيث يقدم الرعاة دينارًا كويتيًا لكل عشر صفحات تُقرَأ خلال الماراثون الذي كانت مكتبة تكوين قد أطلقته لأول مرة عام 2017 وأُقيم مرات عديدة آخرها في فبراير الماضي ونجح في اجتذاب أعداد كبيرة من القراء الذين قرأوا آلاف الصفحات من كتب متنوعة.
الملاحظة الأخيرة التي خرجت بها، أننا لا نعرف إلّا أقل القليل عن الأجيال الشابة من أدباء الخليج، وعلي الرغم من تحفظات معظمنا علي سطوة الجوائز واعتبارها المصدر الوحيد لمعرفة المشهد الأدبي في هذا البلد أو ذاك، فإننا –في الغالب- نكتفي فقط بالأسماء الواردة في قوائمها، مما يؤدي في النهاية إلي تغييب أسماء قد تكون أكثر استحقاقًا وأهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.