شعبة الدواجن تتوقع ارتفاع الأسعار بسبب تخارج صغار المنتجين    إدانة عربية واسلامية لمصادقة الكنيست الإسرائيلي على ضم الضفة والأغوار في فلسطين    وزير الخارجية يتوجه إلى السنغال في المحطة الخامسة والأخيرة من جولته في غرب إفريقيا    تقرير: بايرن يقدم عرضه الجديد ل ليفربول من أجل لويس دياز    خبر في الجول - الزمالك ينتظر قرار فيريرا لضم مدافع حسنية أغادير    إبراهيم عادل: أبو تريكة قدوتي.. وهدفي في باراجواي اللحظة الأسعد بمسيرتي    وولفرهامبتون يضم أرياس من فلومينينسي    جامعة الإسكندرية تبحث التعاون مع التأمين الصحي الشامل لتقديم خدمات طبية متكاملة    مصر تستهجن الدعاية المغرضة لتشويه دورها الداعم لقضية فلسطين    إعلام فلسطيني: 89 شهيدًا و453 مصابا بنيران جيش الاحتلال خلال 24 ساعة    "الشعب الجمهوري" يشيد بجهود مصر في دعم غزة وإدخال المساعدات الإنسانية    رسميا.. الأهلي يعير كباكا إلى زد لمدة موسم واحد    قرار رادع .. لسكة الحديد تنهى خدمة مشرف قطار بسبب تأخير الركاب نصف ساعة بمحطة تلا    غسلوا 75 مليون جنيه من تجارة المخدرات.. الداخلية تضبط 3 متهمين    ضبط سائق يقوم بحركات استعراضية خطرة خلال حفل زفاف بالإسكندرية    تحرير 93 مخالفة تموينية بالمنيا    البنك المركزى الأوروبى يبقى معدلات الفائدة دون تغيير    الصحة تشارك في المؤتمر الدولي السابع عشر لمناظير المخ والعمود الفقري    ماكرون وزوجته يرفعان دعوى تشهير ضد المؤثرة الأمريكية كانديس أوينز    الداخلية تضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء بين سائقي توك توك في العمرانية    بسبب السرعة الزائدة.. مصرع عامل ديلفري إثر انقلاب دراجته النارية بالتجمع الخامس    اليوم.. عروض لفرق الشرقية والموسيقى العربية بالعلمين ضمن صيف بلدنا    إيهاب توفيق والموسيقى العربية في افتتاح صيف الأوبرا 2025 باستاد الإسكندرية    إقبال جماهيري على فعاليات "المواطنة" بالمنيا.. "الثقافة" تُضيء القرى برسائل الوعي والانتماء    طور سيناء تطلق سوق اليوم الواحد بتخفيضات تصل 25% لتخفيف العبء عن المواطنين    المشاط تدعو الشركات السويسرية للاستفادة من آلية ضمانات الاستثمار الأوروبية لزيادة استثماراتها في مصر    الشباب والرياضة تتلقى الاستقالة المسببة من نائب رئيس وأمين صندوق اتحاد تنس الطاولة    «جمال الدين» يستعرض إمكانات «اقتصادية قناة السويس» أمام مجتمع الأعمال بمقاطعة تشجيانغ    لطلاب الثانوية العامة والأزهرية.. شروط قبول بالأكاديمية العسكرية المصرية (إنفوجراف)    المجلس الأعلى للإعلام يوافق على 21 ترخيصًا جديدًا لمواقع إلكترونية    عمرو الورداني: نحن لا نسابق أحدًا في الحياة ونسير في طريق الله    بدء التشغيل الكلي لمجمع المواقف الجديد في بني سويف    قبل 150 يومًا من انطلاق "كان 2025".. الفراعنة ملوك الأرقام القياسية    بقيمة 227 مليون جنيه.. «صحة المنوفية» تكشف حصاد العلاج على نفقة الدولة خلال 6 أشهر    سيدة على مشارف ال80 عاما تغادر محطة الأمية في قطار التضامن «لا أمية مع تكافل»    نتيجة الثانوية الأزهرية بمحافظة كفر الشيخ.. رابط مباشر    انفجار لغم يشعل صراعا بين كمبوديا وتايلاند.. اشتباكات حدودية وغارات جوية    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    «خدمة المجتمع» بجامعة القاهرة يناقش التكامل بين الدور الأكاديمى والمجتمعى والبيئي    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    3 أفلام ل محمد حفظي ضمن الاختيارات الرسمية للدورة ال 82 لمهرجان فينيسيا (تفاصيل)    نقابة المهن السينمائية تشيد بمسلسل "فات الميعاد"    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    عمرو الورداني: النجاح ليس ورقة نتيجة بل رحلة ممتدة نحو الفلاح الحقيقي    لو لقيت حاجة اقعدها وقت قد ايه لحين التصرف لنفسي فيها؟.. أمين الفتوى يجيب    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    "مدبولي" يؤكد أهمية بناء الوعي في تشييد حائط صد ضد نمو الشائعات    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد في انتخابات الشيوخ    713 ألف خدمة طبية قدمتها مبادرة «100 يوم صحة» خلال أسبوعها الأول في القليوبية    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    الإسكندرية تحتفل بتاريخها.. في "يوم وداع الملك"    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالفتاح كيليطو: أن تكتب يعني أن تخطئ
نشر في صوت البلد يوم 05 - 03 - 2016

قدم كتاب ومفكرون مغاربة أعمال الكاتب المغربي عبدالفتاح كيليطو، التي صدرت مجتمعة عن دار توبقال للنشر، وقد أجمع المشاركون في هذا اللقاء على الاختلاف في ما بينهم، بحيث قارب كل واحد منهم أعمال كيليطو من زاوية ما، أو رؤية معينة أو غير معينة، على أساس أنه لو شارك كتاب ونقاد آخرون في هذا اللقاء الاستثنائي لذهب كل واحد منهم مذهبا آخر في قراءة أعمال كيليطو، لأنها تفتح أكثر من أفق لتناولها، وتشرع أمام القارئ أكثر من نافذة يطلّ منها على مضامينها.
الخطأ والمرض
“هي أعمال، وليست أعمالا كاملة”، هكذا يقول عبدالفتاح كيليطو في مستهل شهادته عن أعماله الصادرة حديثا، وينبئنا كيليطو أنه اشتغل عليها مدى ستة أشهر، إلى جانب مترجمه عبدالكبير الشرقاوي والمفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي، والناقد عبدالجليل ناظم، صاحب فكرة نشر هذه الأعمال، ومساعديه في دار توبقال للنشر. نصف سنة، يقول كيليطو “لم أقرأ فيها شيئا ولم أكتب فيها شيئا، باستثناء هذه الأعمال”، كان عملا جماعيا حسبما يضيف الكاتب “لم أتحدث فيه مع أقربائي وأصدقائي سوى عن التصحيح”.
يحكي كيليطو، لأن النقد عنده حكاية “في صباي كنت خطاطا، تخيلت أنني كنت قردا خطاطا، وتحوّلت الآن إلى قرد مصحح. وتبيّن لي أن الخطأ ليس شيئا عرضيا، وليس شيئا استثنائيا، وأنه هو المكوّن الأساسي في الكتابة، إنه معدنها وطبعها؛ أن تكتب معناه أن تخطئ. في البدء كان الخطأ”. وهنا، ينقل الباحث عن أستاذه رولان بارت أنه تساءل عن تلك السكرتيرة التي لا ترتكب خطأ، فأجاب بأنه “ليس لديها وعي”.
ومثلما انطلق كيليطو من أنه “في البدء كان الخطأ”، يضيف “في البدء كان المرض”. يذكرنا المتحدث بمسرحية “كنوك أو انتصار الطب” لجول رومين. وفيها يحلّ طبيب مزيف بقرية من القرى ليعوّض الطبيب الرسمي. وكان كلما دخل عليه مريض يشكو من وعكة طفيفة خرج من عنده منهارا يائسا منهكا، وقد أخبره الطبيب كنوك بأن مرضه عضال، لا شفاء له منه. إلى درجة أن كنوك هذا، سوف يقنع الطبيب الرسمي، لدى عودته بأنه مريض هو الآخر بمرض لا سبيل إلى العلاج منه.
هنا، يقول كيليطو، يكون “المرض هو الأصل”، والعافية عرض ومجرّد حدث عابر. العافية خطأ، في ما يقول المتحدث “هكذا بدت لي كتاباتي وأنا أعيد كتابتها، نصوصا مريضة يتعيّن علاجها، والعلاج لا نهاية له”. وهنا، أيضا، ينتهي المتدخل إلى تعريف جديد للنص الأدبي كونه “هو ما لا يفتأ يعالج بكل معاني الكلمة”. وتبعا لاستعارة الكاتب، “قد يقضي الشاعر عمره كله وهو يصحح قصيدة، وقد يموت وفي نفسه شيء منها. ويموت وهو يعتقد بأنها لم تنته بعد”، وعليه فإن تاريخ الأدب هو تاريخ من التصحيح وإعادة التصحيح؛ تصحيح الخلف لما كتبه السلف، وتصحيح اللاحقين لما أنتجه السابقون.
الفاصلة واللسان
في تقديم أعماله الكاملة، ومغامرة التصحيح تلك، يتوقف عبدالفتاح كيليطو عند نقطة هامة في نظره، وهي “النقطة الفاصلة” بما هي علامة كتابية (؛). ويتساءل الكاتب عن سرّ غيابها عن الكتابة العربية الأدبية منها وغير الأدبية، والصحافية أيضا. وذلك بخلاف علامات التعجب مثلا، والتي قد ترد في نهاية الجملة الواحدة مكررة ثلاث مرات مثلا. بل يسجل الكاتب أن الفاصلة بدورها تبدو شبه غائبة أحيانا، هذه الفاصلة التي كانت تؤرق غوستاف فلوبير، بحيث كان لا ينام أحيانا بسبب فاصلة.
يحكي كيليطو عن روجيس دوبري أنه قال “النقطة الفاصلة هي جوهر العمل الأدبي” هي كنهه الأساس وحجر زاويته، يضيف الكاتب؛ ذلك أن النقطة الفاصلة تنهي الجملة دون أن تتمها، تنتهي وهي تتطلع في الوقت ذاته إلى شيء زائد، إلى إضافة.
ويختم كيليطو، في هذا الباب، قائلا “أحسّ بأن كل ما كتبته يشبه النقطة الفاصلة، وهو عبارة عن نص لم ينته بعدُ، ولم يكتمل. أحسّ بأنني لم أنته من أيّ عمل ما، إلا وأنا أتطلع إلى المزيد والجديد”.
قبل كيليطو، تناول الكلمة ثلاثة مغاربة لتقديم كيليطو وأعماله: عبدالسلام بنعبد العالي وهو مفكر، ومترجم كيليطو عبدالكبير الشرقاوي، والناقد المحجوب الشاوني.
وقد انطلق الكاتب والمفكر بنعبد العالي من الكتاب الأول الذي تصدر أعمال كيليطو، بعد نشرها مجتمعة، وهو كتاب “لسان آدم”. هنا، استعار المتدخل من كيليطو عبارة “اللسان المزدوج” أو “اللسان المفلوق”، لسان الحية التي أغوت ابن آدم، فخرج من الجنة، وتشتت بين اللغات والقبائل، وكان عقابها أن انفلق لسانها إلى لسانين. كذلك حال كيليطو، وهو يكتب بلغتين، يكتب بالفرنسية، فيما هو يكتب بالعربية أصلا، لأنه “لا يمكن أن تمّحي لغة المولد”، يقول بنعبد العالي. على أساس أن هنالك ذهابا وإيابا لغويين لدى كيليطو في مختلف كتاباته.
يتساءل بنعبد العالي: بأي لغة يكتب كيليطو؟ ويلتمس الجواب عند الناقد والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو، حين تساءل عن اللغة التي يتكلم بها كل الأوروبيين، ما داموا قد وحدوا عملتهم ووحدوا سوقهم الاقتصادية المشتركة، فبأي لغة يتحدثون جميعهم دفعة واحدة. يجيب إيكو: إنها الترجمة، تلك اللغة التي يتحدث بها كل العالم، وبها يتحدث كيليطو.
هذه الترجمة لا بد لها من نبرة خاصة بها، يقول المترجم الأثير لعبدالفتاح كيليطو، وهو عبدالكبير الشرقاوي، الذي ترجم كل أعماله بلا استثناء. ويرى مترجم كيليطو أن مهمة المترجم هي البحث عن كاتب له نظرة ونبرة مميزتان. والشرط الثاني، يأتي في ما بعد، وهو أن يقوم المترجم بالاجتهاد لأنه لا توجد ترجمة مباشرة في نظره. على أساس أن الترجمة حوار وعراك وصراع وإخفاق أحيانا. من هنا، اختار الشرقاوي كيليطو، لأنه يمتلك تلك النبرة الخاصة وتلك النظرة المائزة، والفرادة عمن سواه.
أما الناقد المججوب الشاوني، فقد توقف عند أعمال كيليطو، وعند الكتابة لديه بما هي لعب. غير أن كيليطو إنما “يلعب بجدية الطفل الذي يلهو”، كما يقول بورخيس، أحد أساتذة كيليطو عن بعد.
واعتبر الناقد في مداخلته أن لحظة إصدار الأعمال الحالية من قبل كيليطو هي مهمة استعادة وإعادة كتابة من جديد. عودة إلى المكان الأول، كأنما يتعرّف على أعماله وعلى نفسه من جديد. ويورد المتدخل مقولة لكيليطو، ذهب فيها إلى أنه يشك في أن يكون هو الذي كتب ما كتبه. وهنا، لا تظل الكتابة حول الأدب مجرد بحث ودراسة، من قبل كيليطو، ولكنها ترتبط بخياله وبأحلامه، وهي أحلام بلا ضفاف. ويتوقف الناقد عند كتاب كيليطو “الأدب والغرابة”، ليقول لنا إن الكتابة عن كيليطو مقترنة دوما بالغرابة، ومنها الغروب والتغرب وهذا المغرب الذي ينتمي إليه كيليطو، هذا المغرب الغريب، وهذا الكاتب الغريب أيضا.
ويؤكد كيليطو في النهاية أن كتاب “الأدب والغرابة” يكاد يكون هو الكتاب الوحيد الذي كتبه، وكل الكتب التي جاءت من بعده إنما هي تصحيح لهذا الكتاب، ما دام تاريخ الأدب عنده أو تاريخ الكتابة لديه هو تاريخ من الأخطاء والتصحيحات التي لا تنتهي.
قدم كتاب ومفكرون مغاربة أعمال الكاتب المغربي عبدالفتاح كيليطو، التي صدرت مجتمعة عن دار توبقال للنشر، وقد أجمع المشاركون في هذا اللقاء على الاختلاف في ما بينهم، بحيث قارب كل واحد منهم أعمال كيليطو من زاوية ما، أو رؤية معينة أو غير معينة، على أساس أنه لو شارك كتاب ونقاد آخرون في هذا اللقاء الاستثنائي لذهب كل واحد منهم مذهبا آخر في قراءة أعمال كيليطو، لأنها تفتح أكثر من أفق لتناولها، وتشرع أمام القارئ أكثر من نافذة يطلّ منها على مضامينها.
الخطأ والمرض
“هي أعمال، وليست أعمالا كاملة”، هكذا يقول عبدالفتاح كيليطو في مستهل شهادته عن أعماله الصادرة حديثا، وينبئنا كيليطو أنه اشتغل عليها مدى ستة أشهر، إلى جانب مترجمه عبدالكبير الشرقاوي والمفكر المغربي عبدالسلام بنعبد العالي، والناقد عبدالجليل ناظم، صاحب فكرة نشر هذه الأعمال، ومساعديه في دار توبقال للنشر. نصف سنة، يقول كيليطو “لم أقرأ فيها شيئا ولم أكتب فيها شيئا، باستثناء هذه الأعمال”، كان عملا جماعيا حسبما يضيف الكاتب “لم أتحدث فيه مع أقربائي وأصدقائي سوى عن التصحيح”.
يحكي كيليطو، لأن النقد عنده حكاية “في صباي كنت خطاطا، تخيلت أنني كنت قردا خطاطا، وتحوّلت الآن إلى قرد مصحح. وتبيّن لي أن الخطأ ليس شيئا عرضيا، وليس شيئا استثنائيا، وأنه هو المكوّن الأساسي في الكتابة، إنه معدنها وطبعها؛ أن تكتب معناه أن تخطئ. في البدء كان الخطأ”. وهنا، ينقل الباحث عن أستاذه رولان بارت أنه تساءل عن تلك السكرتيرة التي لا ترتكب خطأ، فأجاب بأنه “ليس لديها وعي”.
ومثلما انطلق كيليطو من أنه “في البدء كان الخطأ”، يضيف “في البدء كان المرض”. يذكرنا المتحدث بمسرحية “كنوك أو انتصار الطب” لجول رومين. وفيها يحلّ طبيب مزيف بقرية من القرى ليعوّض الطبيب الرسمي. وكان كلما دخل عليه مريض يشكو من وعكة طفيفة خرج من عنده منهارا يائسا منهكا، وقد أخبره الطبيب كنوك بأن مرضه عضال، لا شفاء له منه. إلى درجة أن كنوك هذا، سوف يقنع الطبيب الرسمي، لدى عودته بأنه مريض هو الآخر بمرض لا سبيل إلى العلاج منه.
هنا، يقول كيليطو، يكون “المرض هو الأصل”، والعافية عرض ومجرّد حدث عابر. العافية خطأ، في ما يقول المتحدث “هكذا بدت لي كتاباتي وأنا أعيد كتابتها، نصوصا مريضة يتعيّن علاجها، والعلاج لا نهاية له”. وهنا، أيضا، ينتهي المتدخل إلى تعريف جديد للنص الأدبي كونه “هو ما لا يفتأ يعالج بكل معاني الكلمة”. وتبعا لاستعارة الكاتب، “قد يقضي الشاعر عمره كله وهو يصحح قصيدة، وقد يموت وفي نفسه شيء منها. ويموت وهو يعتقد بأنها لم تنته بعد”، وعليه فإن تاريخ الأدب هو تاريخ من التصحيح وإعادة التصحيح؛ تصحيح الخلف لما كتبه السلف، وتصحيح اللاحقين لما أنتجه السابقون.
الفاصلة واللسان
في تقديم أعماله الكاملة، ومغامرة التصحيح تلك، يتوقف عبدالفتاح كيليطو عند نقطة هامة في نظره، وهي “النقطة الفاصلة” بما هي علامة كتابية (؛). ويتساءل الكاتب عن سرّ غيابها عن الكتابة العربية الأدبية منها وغير الأدبية، والصحافية أيضا. وذلك بخلاف علامات التعجب مثلا، والتي قد ترد في نهاية الجملة الواحدة مكررة ثلاث مرات مثلا. بل يسجل الكاتب أن الفاصلة بدورها تبدو شبه غائبة أحيانا، هذه الفاصلة التي كانت تؤرق غوستاف فلوبير، بحيث كان لا ينام أحيانا بسبب فاصلة.
يحكي كيليطو عن روجيس دوبري أنه قال “النقطة الفاصلة هي جوهر العمل الأدبي” هي كنهه الأساس وحجر زاويته، يضيف الكاتب؛ ذلك أن النقطة الفاصلة تنهي الجملة دون أن تتمها، تنتهي وهي تتطلع في الوقت ذاته إلى شيء زائد، إلى إضافة.
ويختم كيليطو، في هذا الباب، قائلا “أحسّ بأن كل ما كتبته يشبه النقطة الفاصلة، وهو عبارة عن نص لم ينته بعدُ، ولم يكتمل. أحسّ بأنني لم أنته من أيّ عمل ما، إلا وأنا أتطلع إلى المزيد والجديد”.
قبل كيليطو، تناول الكلمة ثلاثة مغاربة لتقديم كيليطو وأعماله: عبدالسلام بنعبد العالي وهو مفكر، ومترجم كيليطو عبدالكبير الشرقاوي، والناقد المحجوب الشاوني.
وقد انطلق الكاتب والمفكر بنعبد العالي من الكتاب الأول الذي تصدر أعمال كيليطو، بعد نشرها مجتمعة، وهو كتاب “لسان آدم”. هنا، استعار المتدخل من كيليطو عبارة “اللسان المزدوج” أو “اللسان المفلوق”، لسان الحية التي أغوت ابن آدم، فخرج من الجنة، وتشتت بين اللغات والقبائل، وكان عقابها أن انفلق لسانها إلى لسانين. كذلك حال كيليطو، وهو يكتب بلغتين، يكتب بالفرنسية، فيما هو يكتب بالعربية أصلا، لأنه “لا يمكن أن تمّحي لغة المولد”، يقول بنعبد العالي. على أساس أن هنالك ذهابا وإيابا لغويين لدى كيليطو في مختلف كتاباته.
يتساءل بنعبد العالي: بأي لغة يكتب كيليطو؟ ويلتمس الجواب عند الناقد والروائي الإيطالي أمبرتو إيكو، حين تساءل عن اللغة التي يتكلم بها كل الأوروبيين، ما داموا قد وحدوا عملتهم ووحدوا سوقهم الاقتصادية المشتركة، فبأي لغة يتحدثون جميعهم دفعة واحدة. يجيب إيكو: إنها الترجمة، تلك اللغة التي يتحدث بها كل العالم، وبها يتحدث كيليطو.
هذه الترجمة لا بد لها من نبرة خاصة بها، يقول المترجم الأثير لعبدالفتاح كيليطو، وهو عبدالكبير الشرقاوي، الذي ترجم كل أعماله بلا استثناء. ويرى مترجم كيليطو أن مهمة المترجم هي البحث عن كاتب له نظرة ونبرة مميزتان. والشرط الثاني، يأتي في ما بعد، وهو أن يقوم المترجم بالاجتهاد لأنه لا توجد ترجمة مباشرة في نظره. على أساس أن الترجمة حوار وعراك وصراع وإخفاق أحيانا. من هنا، اختار الشرقاوي كيليطو، لأنه يمتلك تلك النبرة الخاصة وتلك النظرة المائزة، والفرادة عمن سواه.
أما الناقد المججوب الشاوني، فقد توقف عند أعمال كيليطو، وعند الكتابة لديه بما هي لعب. غير أن كيليطو إنما “يلعب بجدية الطفل الذي يلهو”، كما يقول بورخيس، أحد أساتذة كيليطو عن بعد.
واعتبر الناقد في مداخلته أن لحظة إصدار الأعمال الحالية من قبل كيليطو هي مهمة استعادة وإعادة كتابة من جديد. عودة إلى المكان الأول، كأنما يتعرّف على أعماله وعلى نفسه من جديد. ويورد المتدخل مقولة لكيليطو، ذهب فيها إلى أنه يشك في أن يكون هو الذي كتب ما كتبه. وهنا، لا تظل الكتابة حول الأدب مجرد بحث ودراسة، من قبل كيليطو، ولكنها ترتبط بخياله وبأحلامه، وهي أحلام بلا ضفاف. ويتوقف الناقد عند كتاب كيليطو “الأدب والغرابة”، ليقول لنا إن الكتابة عن كيليطو مقترنة دوما بالغرابة، ومنها الغروب والتغرب وهذا المغرب الذي ينتمي إليه كيليطو، هذا المغرب الغريب، وهذا الكاتب الغريب أيضا.
ويؤكد كيليطو في النهاية أن كتاب “الأدب والغرابة” يكاد يكون هو الكتاب الوحيد الذي كتبه، وكل الكتب التي جاءت من بعده إنما هي تصحيح لهذا الكتاب، ما دام تاريخ الأدب عنده أو تاريخ الكتابة لديه هو تاريخ من الأخطاء والتصحيحات التي لا تنتهي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.