بعد رحلة جلبت له حب الناس، الذين تركوا أشغالهم وساروا في جنازته، أناس عاديون بسطاء، يعرفونه بمواقفه معهم، والوقوف بجانبهم، حينما يحتاجون إلي رأيه أو مشورته، رحل المثقف الكبير فؤاد حجازي (1938- 2019 ) . لم يكن فقط معروفا لدي المثقفين والأدباء، بل كان دائما بين الناس، في المقهي والشارع، عبر عن أحلامهم، وحارب من أجل أن يشعروا بالأمان، دافع بشرف عن تراب بلاده، انضم إلي الفدائيين، وتحديدا في بورسعيد ليتصدي للعدوان الغاشم عام 1956، ثم شارك بعد ذلك باعتباره مجندا في الجيش المصري في حرب 1967. مر حجازي بتجربته الأليمة، حينما تم أسره من جانب العدو الإسرائيلي ليودع في سجن »بعتليت» »بالقرب من حيفا، وقضي هناك ما يقرب من ثمانية أشهر، وقد أثرت هذه التجربة في مسيرته الإبداعية، فألف كتابا وثائقيا عن الجرائم التي ارتكبها العدو في حق أسرانا، كما ألف رائعته »الأسري يقيمون المتاريس»، وقبلها نشر بطريقة الماستر مجموعته »سلامات» في نوفمبر 1969 التي يعدها النقاد من بواكير أعمال أدب المقاومة. فؤاد حجازي هو صاحب تجارب، قلما نجدها عند غيره، وهي تجارب أعطته مادة ثرية، عبر عنها في كتاباته وإبداعاته، فلم يتم أسره فقط في سجون العدو، وإنما دخل السجون المصرية أكثر من مرة دفاعا عن آرائه، ورغم ذلك كان محبا حقيقيا لتراب هذا الوطن، لم يبعد عنه لحظة، شارك في أحداثه الكبري، وحتي عندما تجاوز سبعين عاما، لم يجلس في بيته، بل شارك الشباب حلمهم في ثورة 25 يناير 2011، وكتب عنها يومياته عن الثورة وجاءت بعنوان »الجنود يصفقون لحاملي الكتب»، كما أنه رأس أول مؤتمر للأدباء بعد ثورة يناير، لاسيما أنه مرتبط بهذه الفعالية منذ تأسيسها في عام 1984، بل إنه هو صاحب التوصية الخالدة، التي لايزال الأدباء يتمسكون بها حتي الآن وهي »عدم التطبيع مع العدو الإسرائيلي»، وقد دافع حجازي كثيرا عن جدوي هذا المؤتمر، وإن لم يمنع من تقديمه اقتراحات لتطويره، لإيمانه المطلق في دور الثقافة الجماهيرية في نشر الثقافة والفنون، وهو الدور الذي لعبه حجازي بإمكانيات ضئيلة، حينما كان أول من لفت الأنظار إلي النشر ب »الماستر» كوسيلة للقضاء علي معوقات النشر منذ سنوات بعيدة، كما أنه صاحب »سلسلة أدب الجماهير» التي نشرت للمئات من المبدعين من مختلف أرجاء المحروسة، فقد تنبه لموهبتهم، ونشر لهم، وكان الجواهرجي الذي قدم جواهر لا تزال تبدع وتضيف الكثير للمشهد الإبداعي المصري والعربي. لم يلعب فؤاد حجازي دورا واحدا، بل أدوارا كثيرة، فكان المؤسس لأفكار مختلفة للنشر، والناقد الذي يوجه هذا الأديب أو ذاك، وصاحب الرأي الذي يدفع ثمنه غاليا من عمره، والمبدع الموهوب، الذي أثري حياتنا الثقافية ب9 مجموعات قصصية، و12 رواية، و3 كتب في المسرح، و3 كتب في السيرة الذاتية. وكانت روايته الأولي »شارع الخلاء» كاشفة عن موهبته الاستثنائية، فينال بها جائزة مؤتمر الشباب بالزقازيق عام 1969، ويستمر في حصد الكثير من الجوائز منها: جائزة مسابقة الشئون المعنوية للقوات المسلحة 1990 عن عمله »تعظيم سلام»، وجائزة الدولة التشجيعية في أدب الأطفال عن مجموعته »الأسد ينظر في المرآة» 1992، ويعود في 2014 ليحصل علي جائزة معرض القاهرة الدولي للكتاب عن عمل للأطفال، وهو روايته »ابتسامات» التي يلقي الضوء عليها تلميذه وصديقه الأديب المتميز فرج مجاهد، الذي منحنا – أيضا – حوارا معه.. رحمه الله رحمة واسعة.