«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأرضية فلسفية.. والمحاورة ثورية.. والروح مصرية فرنسية
الكاتب علاء الاسواني والباحث الفرنسي هنري لورنس.. وجها لوجه:الحرية هوية المصريين
نشر في أخبار الأدب يوم 14 - 10 - 2012


علاء الأسوانى - هنرى لورنس
القرن 21 بدأ مع الربيع العربي والجيل الذي خلق الثورة سيبقي إلي عام 0502
قيمة هذه الكتب في تعليقات قرائها وتوقيعات مؤلفيها
الثورة المصرية 2011 تختلف جذريا عن الثورة الفرنسية 1789 والروسية 1917
الربيع العربي زلزال جيولوجي
والمسار الديمقراطي الذي دشن 2011 غير قابل للرجوع
إن انتخاب رئيس، ينتمي لجماعة الاخوان المسلمين وكذا التحايل علي الدستور من طرف الجيش، قد أثارا الخوف تجاه توقع الأسوأ بخصوص مستقبل مصر. مع ذلك، بالنسبة لعلاء الأسواني، روائي ملتزم جدا بقضية الثورة وكذا الباحث هنري لورنس أستاذ في مؤسسة كوليج دو فرانس وعارف دقيق بواقع الشرق الوسط، فإن المسار الديمقراطي الذي دشن سنة 2011، يمثل طريقا غير قابل للرجوع إلي الوراء.
لقد وقعت الثورة، وهي في سعي مستمر، هذا ماينبغي الاحتفاظ به في عقولنا غداة الانتصار الانتخابي للإ خوان المسلمين في مصر، واستفزازات السلفيين التونسيين التي تهدد تحققات الربيع العربي.
ولكي نأخذ نسبيا مساحة حيال تطور الأحداث، هيأنا حوارا بين علاء الأسواني وهنري لورنس. الأول، صاحب العمل الشهير »عمارة يعقوبيان« (2006. وأحد المثقفين الأكثر ارتباطا بالثورة المصرية، والذي كان يخاطب كل يوم مليوني مصري، احتشدوا وسط ساحة التحرير.أما الثاني، فيعتبر أحد المتتبعين الدقيقين لما يجري في العالم العربي.
علاء الأسواني، يقدم شهادة بصوته العميق والمؤثر عن حقيقة الهزات الجارية. أما لورنس، فيوظف تحليلا عقلانيا لفهم الوقائع. لكن الاثنين، يتفقان حول الأهم كي يعلنا إلينا ، أنه بالتأكيد لم نلامس بعد أي شئ، والمستقبل يضمر ربما الأفضل.
بين إلاسلاميين والعسكريين
*علاء الأسواني : انتخاب محمد مرسي رئيسا للجمهورية، تم تحت مراقبة جيش يملك دائما زمام السلطة. ينبغي فهم، أن الإخوان المسلمين يشكلون حالة نادرة علي مستوي الانتهازية السياسية. فمنذ ظهورهم سنة 2891، لم يتوانوا عن بيع أنفسهم للسلطة لقاء الظفر بآلاف الامتيازات، قبل أن يلقي بهم في المزبلة لما تنعدم فائدتهم. هكذا، كان وضعهم مع فاروق وناصر و السادات. حاليا أيضا، لم يترددوا في الرهان علي مصلحتهم، ضدا علي مصلحة ثورة لم يساهموا فيها. مع ذلك، أعتقد أن المشكلة لا تكمن أساسا في الإسلاميين بل العسكريين. هم الذين، يرسمون اللعبة ويعيدون صياغة قواعد الدستور، وفق مايحلو لهم. ظننتهم بداية ، أنهم سيعملون مافي وسعهم كي ينجحوا أحمد شفيق الوزير الأول السابق في عهد مبارك ، الذي تلاحقه مع ذلك خمسة وثلاثون سنة فسادا، ونترقب جميعا محاكمته.غير أن، انتصار الإخوان المسلمين، يبرهن بالتأكيد علي جوهرية استبعاد النظام القديم.لا شك أنها مرحلة مهمة، فالإسلاميون بوعودهم الوهمية، سيتحملون عبء سلطة لن تتأخر في الإساءة إلي سمعتهم.
*هنري لورنس : نعم، فراغ شعار »الإسلام هو الحل« سيتجلي أخيرا بشكل واضح، لحظة مواجهة الأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمالية. فالحكومات الجديدة التي أفرزها الربيع العربي، اصطدمت علي الفور بالواقع. لقد كانت سنة 2011 مسرحا لثورة حقيقية، بيد أنها تختلف جذريا عما وقع سنة 1789 في فرنسا أو 1917 في روسيا، مادامت لم تستند علي أي مشروع طوباوي، بل ولم تسائل من جديد عادات المجتمع وأبنيته. لقد عشنا في واقع الأمر ماأسميه »ثورة محافظة«. يتعلق الأمر، بخلق التوافق لأول مرة بين المجتمع والسلطة. تمثل الشعار الأساسي،في »الشعب يريد !«. وبما أن المجتمعات العربية إسلامية، فنجاح الإخوان المسلمين والإسلاميين بشكل عام، يستند أولا علي هذا التوافق غير المسبوق بين الشعب والدولة. دون نسيان، أن الإسلاميين شكلوا المعارضة الأساسية لمبارك، والذي اضطهدهم. إنها إذن لحظة تنتمي ل »الإ خوان المسلمين« . لكنها ليست إلا مرحلة من تطور سيتواصل امتداده بلا توقف.
الاندهاش من الثورة
علاء الأسواني : بخلاف أغلب أصدقائي المثقفين، كنت مقتنعا أن مصر ستعرف ثورة. لكن حينما حدثت، تملكني الاندهاش ! لقد دعا بعض الشباب إلي التظاهر في ساحة التحرير خلال ذلك اليوم أي: 25 يناير 2011. وقلت مع نفسي، سيكون الأمر كالمعتاد مجرد تظاهرة صغيرة. لذلك، قبل أن أذهب إلي عين المكان ارتأيت أولا الانكباب علي إنهاء فصل من روايتي الجديدة. لكن، عندما وصلت الساحة مع بداية المساء، لم أصدق مارأيت : تقريبا، تجمع لما يناهز مليوني مصري! مع الساعة الواحدة صباحا، أقدمت الشرطة علي رش الساحة بالغاز.التجأت صحبة ثلاثين من الشباب إلي الاختباء داخل فناء عمارة، وقلت لهم : »لقد كانت تظاهرة جيدة، لنلتقي ثانية غدا لكن في مكان غير ساحة التحرير،كي نموه الشرطة«. غير أنهم اعترضوا علي كلامي بحدة : »لا، لن نعود إلي منازلنا، سنظل هنا !«. »بل، تناول أحدهم الكلمة : »أبلغ من العمر 29 سنة،أنا عاطل عن العمل،وليس في مقدوري الزواج.أنا، بلا قيمة تذكر ومستعد للموت في سبيل الإطاحة بمبارك« . ثم انفجر نحيبا. حينئذ، أدركت بأنها ثورة، وكل شئ أضحي مهيأ كي يأخذ أقصي احتمالاته.
هنري لورنس : مثل باقي الجميع، لم أكن أترقب شيئا. كمؤرخ، عجزت عن التكهن بالمستقبل. بالتالي ماذا أفعل في الجامعة، وينبغي أن أكون في البورصة. تبقي الإشارة، أني علقت في مناسبات عديدة علي التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة حول التنمية في العالم العربي الصادر سنة 2009. سواء تعلق الأمر، بنسبة الأمية أو الانخفاض المفاجئ لمعدلات الولادات ابتداء من سنة 1995، وتطور البنيات المجتمعية وارتفاع مؤشر التنمية البشرية كلها معطيات أظهرت غياب أي تنافر بين المجتمعات العربية والديمقراطية. بل هناك هوة بصددالاتساع بين الدولة / المجتمع والأنظمة السياسية. لهذافإني أشبه الربيع العربي بزلزال جيولوجي : لقد تراكمت المواد الطاقية وبقيت تحت ضغط شديد ثم تحررت فجأة. لذاجاءت تضحية التونسي محمد البوعزيزي، بمثابة الهزة الارتدادية القوية التي خلقت مفعولا أوليا أدي إلي سلسلة تفاعلات جرفت كل شئ في طريقها. لكن حتي أكون صادقا وعلي غرار أغلب التحليلات، فإني أموضع مسألة الارتقاء الديمقراطي، في أفق سنة 2030.
حدث التغيير
علاء الأسواني : إنه حظ كبير، أن تعيش ثورة. هي تجربة فريدة وخالدة. سالفا حينما كنت أتكلم عن الموت، لم يتجاوز المفهوم بالنسبة إلي إمكانية مجردة وفكرة بعيدة الخطر.لكن،خلال ثلاث مناسبات، شاهدت أشخاصا يموتون أمامي. ذلك أن قناصة مبارك كانوا يطلقون الرصاص عشوائيا أثناء الليل يكتسحون الساحة بأشعة الليزر- صوب الرؤوس. مع هذا السياق ينتقل الموت من مستوي الفكرة إلي شئ تعيش معه. وأتساءل : لماذا الأشخاص، عوض التراجع يواصلون زحفهم أكثر فأكثر؟ لم يكن وضعا عاديا. لكن ذات يوم، حينما عدت إلي عيادتي باعتباري طبيبا للأسنان حيث أعقد كل ظهيرة ندوة صحافية صادفت مقالة نفسية نبهتني إلي أنه في خضم ثورة ما تحل النحن محل الأنا بحيث يتوقف الشخص عن الاهتمام بأمنه الذاتي ويعيش مثل عضو داخل جماعة .الحقيقة الوحيدة التي تصير معتبرة لديه، تتجه نحو الاهتداء بالحركة الثورية إلي غايتها. لقد استعملت دائما كلمة »شعب« لكن فقط خلال تلك الثمانية عشر يوما فهمت دلالتها الجوهرية .لقد توحد بساحة التحرير.
هنري لورنس : هناك شعار ناصري تردد ثانية صداه في ساحة التحرير.»إرفع رأسك« ! لكنه أخذ دلالة مختلفة : خلال حكم ناصر تعلق الأمر بالكرامة الوطنية في مواجهة الاحتلال الأجنبي .بينما سنة 2011 فقد انطوي علي كرامة كل واحد في علاقته بالدولة.
علاء الأسواني : كان المصريون مرضي علي المستوي الاجتماعي. لأن العيش في كنف سلطة ديكتاتورية يعتبر واقعا مخالف للطبيعة.ولأني طبيب أدرك أن فترة مرضك ستعاني جميع أعضائك اختلالا في توازنها. لكن مع الثورة تجلت الطبيعة الحقيقية المتسامحة للمصريين : لقد ضمت ساحة التحرير أقباطا ومسلمين يحمي بعضهم البعض الآخر وتمكن النساء من النوم في الساحة بكل طمأنينة. في السابق، كنت أتحسر عن عجز المصريين كي يشتغلوا بكيفية جماعية. فجأة رأيتهم ينظمون أنفسهم علي مستوي توفير المواد الغذائية والأمن وكذا الإعلام... وبعد سقوط مبارك شرع آلاف الأشخاص ينظفون الشوارع بينما كانوا فيما مضي يلقون بالقمامة كيفما اتفق. مما يعني أننا الآن ننتمي إلي بلدنا ويجب أن تكون نقية. لذلك فالبعد الحالي للصراع السياسي ليس منتهي الأشياء: لقد حدث التغير علي مستوي أكثر عمقا.
هنري لورنس : أخبرني صديق مؤخرا. أنهم كانوا في خضم ثورة حقيقية لأن رفض السلطة قد لامس مجموع المجتمع : العلاقات الأسرية والمقاولات والقري. بعد أن هدأ شعار »الشعب يريد« أضحي اليوم بوسعهم القول »أمتلك حق«. من هنا ظهور فريق لاستباب النظام، لأنه كيف يترجم المعطي الجديد إلي مقتضي سياسي؟ الأمر معقد لكنه تطور مثير بدأ للتو.
مواجهة أحمد شفيق
علاء الأسواني: لقد وجدت نفسي ذات يوم في مواجهة أحمد شفيق خلال ندوة تلفزيونية. خلال لحظة من اللحظات فقد أعصابه وتوجه إلي قائلا :»لكن من أنتم؟« .السؤال الضمني هو :»كيف تتجرأ علي أن توجه إلي أسئلة؟«.فأجبته : »أنا مواطن مصري ومنذ اليوم فلكل مواطن الحق في أن يحاسبكم، لأنكم تشتغلون عنده«. ازداد حنقه . يبدو بديهيا، أني وضعت أصبعي علي عمق المشكلة . فيما بعد، سيؤاخذ علي البعض سلوكي : »إنه في مرتبة أبيك . فكيف سمحت لنفسك مخاطبته بتلك الطريقة؟«. لا. إنه ليس أبي، وينبغي لنا التخلص من هذه الرؤية الرجعية.
هنري لورنس :ما تأكد في الواقع، أن الحرية هوية المصريين . لقد امتلكوا بأنفسهم هذه الثروة ، المتمثلة في الديمقراطية ولم تفرض عليهم من الخارج. تشير دلالة الربيع العربي، إلي كونية حقوق الانسان .فهي ليست امتيازا غربيا، أبدعه الأوروبيون فقط خدمة لمصلحتم الشخصية. وقد فوجئت، وأنا أتابع نمو الرؤي النقدية التي تزايدت أخيرا، ليس فقط في تونس أو مصر، لكن أيضا في بلدان الخليج. إنه وضع جديد كليا ،فلأول مرة بدأنا نسمع خطابا من قبيل : »ركائز الإسلام خاطئة«.
علاء الأسواني : ينبغي إدراك، أن النزعة الاسلامية، بمثابة طعم خارجي. لقد كانت جدتي مسلمة، ورعة، لكنها تصوت لأكبر حزب سياسي خلال حقبتها، وقد كان علمانيا دون أن تتصور أبدا أن الدين يختلط بالسياسة. الإسلام لم يحدد شكل الدولة، لكنه وضع مبادئ عامة للعدالة. ماحدث، أنه بعد حرب 1973 اضطر أغلب المصريين إلي الهجرة نحو السعودية قصد العمل، بحيث عوملوا مثل كلاب. ولكي يحتفظوا لأنفسهم بقليل من الكرامة، فقد تبنوا الإسلام القروسطي للوهابيين . ثم عادوا ، إلي البلد بمفاهيم رجعية جدا لاسيما فيما يتعلق بالمرأة. لكن من وجهة نظر الثقافة المصرية، فالأمر خال تماما من أي معني.
هنري لورنس : إلي غاية سنوات 1990 روج الإخوان المسلمون، لرؤية تناهض الحداثة، والتي بحسبها فالقيم الديمقراطية ترتبط بمؤامرة غربية ، في إطار أهداف الحملات النابولية التي تتوخي تقويض الثقافة العربية الأصيلة. والحال، إذا كان هذا الخطاب لازال يتقاسمه الجيل القديم، الذي تنحدر منه أغلب الرموز الحالية، فقد تراجعت هيمنته شيئا فشيئا. لأن أغلب المفكرين الإسلاميين، انخرطوا حاليا في محاولة التوفيق بين الإ سلام والحداثة. بوسعهم، في هذا المجال الاستناد علي عمل إصلاحي نهاية القرن التاسع عشر، مثل محمد عبده، الذين أنجزوا قبل ذلك انتقال السياسة المعاصرة إلي صيغ الإسلام. لكن مرة أخري، فالأساسي هو : »الشعب يريد«. ضرورة ، ينبغي أن يجيب عنها الحكام، كيفما كانت ألوانهم وأطيافهم. واقعيا إذا كان الانطلاق الاقتصادي، يمر عبر السياحة ، فلا يوجد إذن من خيار ثان غير التساهل مع محلات بيع الخمر والسماح للنساء، كي يخرجن إلي الشارع بأذرع مكشوفة. في تونس كما مصر ، لاتعتبر الشريعة مطلبا راهنا. استفزازات السلفيين، يمكنها بالأحري أن تلزم الإخوان المسلمين المتواجدين في السلطة، علي إعادة تمركزهم.
علاء الأسواني: كنت في الواقع مندهشا جدا، لما استدعاني الإخوان المسلمين كي أتكلم عن روايتي »شيكاغو« 7002 استعصي علي، تخيل أن الأمر يتعلق حقا بالأدب.غير أنه، حقا كذلك. لقد كانوا أبناء شخصيات تنتمي لتيار الإخوان المسلمين: هم، لم يختاروا قدرهم. آمنوا بالرؤية الليبيرالية، وبالفعل تعاشر كثير منهم معنا في ساحة التحرير.
التوجه إلي المستقبل
هنري لورنس : لكي نحيط جيدا بالربيع العربي،يتحتم علينا التوجه إلي المستقبل. لأن التاريخ يعلمنا،أن الأحداث الجوهرية تشكل الذاكرة الجماعية لجيل بأكمله. نستحضرماي 1968 الذي لازال إلي الآن يثير السجالات. وهذا هو الجوهري. فالجيل الذي خلق الثورة العربية، سيبقي إلي غاية 2050. ستكون هناك ارتدادات ومقتضيات متعارضة، ثم مسارات سريعة، لكنها ستحيل دائما علي تجربة 2011. لقد ميز »بيغي« فيما يخص قضية دريفوس Drefusبين الرمزي والسياسي. الصراع من أجل العدالة، يمثل الرمزي الذي تدهور حتما مع السياسي. لكن الرمزي لا يختفي قط. لديكم دائما قدامي قضية دريفوس، كإشارة فقط لهذا الموضوع.
علاء الأسواني : أنا متفق . إذا ناضلت وحزنت جدا، فلأنه بدا لي أن الثورة المضادة قد قضت علي الطموح الثوري لسنة 2011. مع ذلك، يأخذ تفاؤلي الشديد مدي طويلا. المهم حدثت النقلة ،وما يتجلي حاليا من خوف حيال التغيير يعتبر أمرا واردا . إن الثورة، تنتمي إلي المستقبل.
هنري لورنس: نقطة أخيرة، يبدو لي علي الأقل أن التعتيم يحتل لدينا أيضا مساحة كبيرة .نعيش حاليا في أوروبا وأمريكا الشمالية انتشارا واسعا لأسلاموفوبيا مرعب، بحيث أظهر الربيع العربي في قسم منه خطأ تلك الأطروحات. ولكي نعبر عن هذا التصور بطريقة أخري، نقول أن يناير 2011 قد محا شتنبر 2001. فاعتداء إسلاميي القاعدة ضد القوة الغربية الأولي، كان قد أشعل في المقابل حربا ضد الارهاب، والتي هي مثل كل حرب علي الارهاب خلفت خسائر بشرية أكثر من الارهاب نفسه. لكن الربيع العربي، أشار إلي نهاية هذه الوضعية، وبيّن أن المسلمين في غير حاجة إلي ذلك، فهم قادرون علي الصراع من أجل الحرية وليس عدمية التحطيم.وربما سيتفق المؤرخون ذات يوم، علي أن القرن الواحد والعشرين ابتدأ فعلا،ليس مع الاعتداء علي مركز التجارة العالمي، لكن مع الربيع العربي.
ترجمة من مجلة philosophie magazine الفرنسية العدد رقم62سبتمبر 2012


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.