بدء اجتماع اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية برئاسة رئيسى الوزراء    محافظ الجيزة : تشكيل لجان فنية لسرعة البت في طلبات التصالح بكافه المراكز والأحياء    خطر على الجنود والمواطنين.. «المعارضة الإسرائيلية» تطالب نتنياهو بطرد "بن جفير"    خبير: إسرائيل تضلل العالم بأن عملية رفح ليست شاملة وتسعى لوقف المساعدات    ارتفاع بدرجات الحرارة اليوم وغدا والعظمى بالقاهرة تسجل 36 درجة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 21 مليون جنية خلال 24 ساعة    ضبط 5736 قضية سرقة تيار كهربائى خلال 24ساعة    أسعار الذهب تتراجع عالميًا مع ترقب طلبات إعانة البطالة الأمريكية    «صندوق الاسكان الاجتماعي» : مهلة لمدة شهر للعملاء متوسطي الدخل لسداد الأقساط المتأخرة    معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية يسجل 31.8% في أبريل الماضي    وزيرة التخطيط: 3.9 مليار جنيه استثمارات لتنفيذ 274 مشروعًا تنمويًا بمحافظة بني سويف    وزير الري: زيادة الإيرادات تساهم في تحسين منظومة التدريب وبناء القدرات    طلب إحاطة بتعديل مكافآت طلاب الامتياز ورفع مستوى تدريبهم    بدء الدراسة بكليتي الفنون البصرية والطب البيطري بجامعة بنها الأهلية العام المقبل    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    حزب الريادة: ندعم قرارات الدولة للحفاظ على تراب مصر والقضية الفلسطينية    بوتين يحيي ذكرى انتصار الاتحاد السوفيتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية    الحوثيون يستهدفون 3 سفن إسرائيلية في خليج عدن وبحر العرب    نوير: وضعنا قدما في ويمبلي ولكننا ودعنا دوري الأبطال بطريقة مريرة للغاية    بعثة الزمالك تسافر إلى المغرب استعدادا لمواجهة نهضة بركان في نهائي الكونفدرالية    عبد الملك: هدف غزل المحلة العودة للمربع الذهبي في الدوري.. وما أسعدني فرحة الجماهير    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    رئيس جامعة حلوان يستقبل وفداً من جامعة 15 مايو    صور | طلاب أولي ثانوي بالوادي الجديد يؤدون امتحانات نهاية العام    وزير التعليم العالي يتفقد جامعة السويدي للتكنولوجيا    12 صورة بالمواعيد.. تشغيل قطارات المصيف إلى الإسكندرية ومرسى مطروح    مصرع شخص وإصابة 4 آخرين في حادث تصادم بسوهاج    باحثو شركة أبل يطورون نماذج الذكاء الاصطناعي داخل أجهزة آيفون    طه حسين والبيرة والأزهر.. يوسف زيدان يرد على مهاجمة "تكوين" - فيديو    تعرف على إيرادات فيلم "السرب" بعد أسبوع من طرحه بالسينمات    حظك اليوم الخميس 9 مايو 2024: مكاسب مالية وترقية في انتظار أصحاب هذه الأبراج    الصور الأولى من كواليس فيلم «رفعت عيني للسما» المشارك في مهرجان «كان»    رئيس مهرجان المركز الكاثوليكي: لا نمانع من وجود مشاهد جريئة طالما لها سياق درامي    كوميديا أقل، ورعب أكثر...البيت بيتي 2 يحقق ردود أفعال واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي    قبل امتحانات نهاية العام 2024.. احرص على ترديد هذه الأدعية    دعاء الامتحانات مستجاب ومستحب.. «رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري»    فئات هم الأكثر عرضة للإصابة بمتحور كورونا الجديد.. المتعافين من الفيروس ليسوا بمأمن    «حياة كريمة» تطلق قافلة طبية للكشف المجاني في 3 قرى بمحافظة البحر الأحمر    12 مايو.. اليوم التعريفي بمنح المهنيين والأكاديميين في مجالات دراسات وخدمات الإعاقة بجامعة بني سويف    وكيل التعليم بسوهاج يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الثاني    9 مايو 2024.. نشرة أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية    24 عرضا مسرحيا بالمهرجان الختامي لنوادي المسرح    تعرف علي الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالرمد الربيعي    علي جمعة: القلب له بابان.. وعلى كل مسلم بدء صفحة جديدة مع الله    الرئاسة الفلسطينية: وحدة الأراضي خط أحمر ونلتزم بالقانون الدولي ومبادرة السلام العربية    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    مصدر مطلع: حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية منفتحون نحو إنجاح الجهد المصري وصولا للاتفاق    الأهلي يخطف صفقة الزمالك.. والحسم بعد موقعة الترجي (تفاصيل)    حكم الحج لمن يسافر إلى السعودية بعقد عمل.. الإفتاء تجيب    محمد فضل يفجر مفاجأة: إمام عاشور وقع للأهلي قبل انتقاله للزمالك    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    قائد المنطقة الجنوبية العسكرية يلتقي شيوخ وعواقل «حلايب وشلاتين»    إبراهيم عيسى: السلفيين عكروا العقل المصري لدرجة منع تهنئة المسيحيين في أعيادهم    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أناس عاديون.. رواية تعيد للحب مكانته المفقودة
نشر في أخبار الأدب يوم 19 - 01 - 2019

أثارت رواية »أناس عاديون»‬ للروائية الأيرلندية »‬سالي ورني»ضجة كبيرة في الأوساط الأدبية وخلقت حالة واسعة من الجدل بين القرّاء علي مواقع وسائل التواصل الاجتماعي في أيرلندا وبريطانيا. وصفها النقاد بأنها رواية تمزج بين النزعة الكلاسيكية والرؤية الحداثية، وتقدم قصة حب في الألفية الثالثة علي غرار قصص الحب في روايات القرن التاسع عشر.
ولدت روني في دبلن عام 1991، وبدأت تنشر قصصاً قصيرة منذ سنوات فقط. وفي 2017، نشرت روايتها الأولي "محادثات مع الأصدقاء"، التي حققت نجاحاً كبيراً فور نشرها، وتُرجمت إلي لغات عدة، ما حجز لمؤلفتها مكانة بارزة علي الساحة الأدبية العالمية. واعتبر النقاد تلك الرواية واحدة من أهم الروايات الأولي التي صدرت باللغة الانجليزية منذ عقود. ويُفسر نجاح الرواية الأولي حالة الترقب التي سبقت إصدار "أناس عاديون" في أغسطس الماضي، لكن أحداً لم يتوقع أن تثير الرواية نقاشات اجتماعية واسعة حول مفهوم الحب في الوقت الراهن.
تتمحور الرواية حول قصة حب بين مراهقيّن يعيشان في مدينة أيرلندية صغيرة ريفية الطابع، يجمعهما فصل دراسي واحد ويباعد بينهما وضعهما الدراسي والاجتماعي. تعيش ماريان في عزلة عن زملاء الدراسة وتعاني من بعض التخلف الدراسي وضعف الثقة في النفس، بينما يحظي كونيل بشعبية كبيرة في المدرسة والمدنية، نتيجة تفوقه الدراسي وقدرته علي الاندماج مع أقرانه. ويقف المراهقان علي طرفي نقيض علي المستوي الاجتماعي كذلك، إذ تعمل والدة كونيل خادمة لدي عائلة ماريان، ولا يُتاح لهما الالتقاء وتبادل الحديث إلا عندما يذهب كونيل كل مساء إلي منزلها لاصطحاب أمه.
تتأجج مشاعر الحب بين الفتي والفتاة، لكنهما يكتمان تلك المشاعر، لأن كونيل يعتقد أن التفاوت الاجتماعي الضخم سيحول دون هذا الحب. ومن جهة أخري، ظنت ماريان أن كونيل لا يمكن أن يحبها بسبب انعزاليتها وغرابة أطوارها من وجهة نظر زملاء الفصل، وتخشي أن تتعرض لمزيد من سخريتهم إن هي اعترفت بحبها.
تستمر العواطف المكتوبة في صدر ماريان وكونيل، حتي بعد التحاقهما بنفس الجامعة في العاصمة دبلن، ويظلان في مراوحة لا تهدأ بين محاولات البوح والإنكار، خصوصاً مع تغير الأوضاع في الجامعة، حيث انزوي كونيل علي نفسه ونظر إليه الزملاء في الجامعة علي أنه قروي ساذج وفقير لا يجب أن يلتحق بجامعتهم، بينما تخلصت ماريان من عزلتها وشعورها بأنها غريبة الأطوار، استناداً إلي وضعها المادي والاجتماعي المتميز.
يعيش كل من كونيل وماريان حياة جيلهما الصاخبة بكل تفاصيلها المألوفة في المجتمع الأيرلندي، ولكن هذه الحياة لا تستطيع تشويه قيمة الحب الحقيقية في قلبيهما وعقليهما. وتستمر الحوارات والنقاشات بينهما، بما يكتنفها من محاولات الإخفاء والإفصاح، لدرجة يشك معها القرّاء أنهما سيعترفان بالحب ويُدركان أنهما أهدرا وقتاً طويلاً في مراوغة قدرهما المُشترك.
وتعتمد روني علي الحوار في تطوير حبكتها والكشف عن ذهنية بطليّها. وفي سبيل ذلك، استخدمت الكثير من الحوارات القصيرة، سريعة الأداء ومزدوجة المعني. كما جعلت من المحادثات علي وسائل التواصل الاجتماعي (الشات) بين البطلين وسيلة للإيحاء الخجول بالمشاعر، علي غرار حوارات الصالونات في القرن التاسع عشر. وتجري المراسلات بين البطلين عن طريق الرسائل الإلكترونية، ونري كونيل يجلس طويلاً أمام شاشة اللاب توب لصياغة عبارات لا تفضح حبه المكبوت ولا يبعث برسالته إلا بعد أن يتأكد أن حبيبته ليست (أونلاين)، في مشاهد تذكرنا بكتابة الخطابات المطولّة والمراوغة عند إرسالها في الروايات الكلاسيكية.
ويلعب الزمن دوراً محورياً في تطور حبكة الرواية وإثارة تشويق القارئ. وتحمل عناوين الفصول بعض دلالات زمنية؛ مثل "وبعد مرور شهر"، "وبعد مرور خمس دقائق". لكن هذا لا يعني أن الزمن يسير علي نحو خطيّ عبر الرواية، بل تستخدم الكاتبة تقنية "الفلاش باك" بقوة لكي تلقي بالضوء علي الحاضر وتكشف مدي عمق العلاقة وتعقيدها، إضافة إلي الكشف عن مدي تطور الشخصيات عبر الزمن.
وتنسج روني شبكة علاقات واسعة بين البطلين وزملاء المدرسة الثانوية والجامعة، في محاولة لثبر أغوار مراهقي الألفية الثالثة والوقوف علي دوافعهم النفسية ونزواتهم ومفاهيمهم المختلفة حول الحياة والحب. وتخلص الرواية إلي أن القلق والتوتر والارتباك والتردد والشعور بالندم هي سمات جيل الألفية الثالثة، ما يعني أن ماريان وكونيل أناس عاديون بالفعل، وأن قصة الحب المشحونة بالخجل والتردد ليست أثراً من الماضي.
سيشعر القارئ أن أحداث رواية "أناس عاديون" تكررت من قبل في عشرات الروايات الانجليزية في القرن التاسع عشر، والتي استهلكتها السينما العالمية في منتصف القرن الماضي. وسوف يشعر القارئ العربي كذلك أنه رأي تلك الأحداث من قبل في مئات الروايات والمسرحيات والمسلسلات المصرية القديمة.
ما الجديد الذي تقدمه سالي روني في روايتها إذاً؟ إنها تقدم قصة حب علي الطراز الكلاسيكي في دولة غربية، حيث طرأ تغير رهيب علي طبيعة العلاقات الإنسانية والاجتماعية منذ ستينيات القرن الماضي. تقدم روني قصة حب عُذري في الألفية الثالثة، بعد أن قضي التطور الرهيب في وسائل التواصل علي بقايا المفاهيم القديمة للعلاقات الإنسانية. والأغرب، أن روني لا تستحضر لحظة تاريخية من الماضي، أو حتي تقيم موازاة كبيرة بين عالمها وعالم روميو وجولييت مثلا، بل تتحدث عن مراهقيّن يعيشان في اللحظة الراهنة بمنظور كنا نعتقد أنه انتهي منذ زمن بعيد.
وأعتقد أن نجاح الرواية لا يكمن في وصولها إلي القائمة الطويلة لجائزة مان بوكر أو اختيارها كأفضل روايات 2018، أو حتي في سيل المقالات التي تمتدحها، ولكن في طرحها القوي المُقنع الذي استطاع أن يجعل من الحب قضية رأي عام، تتباين حولها الآراء ويحتدم حولها الجدل. وبنظرة خاطفة علي بعض النقاشات حول الرواية علي وسائل التواصل الاجتماعي، وسوف ندرك أن عدداً كبيراً من القراء يتعاطف مع بطليّ الرواية، في حين يسخر آخرون من مجرد وجود هذا الصنف من البشر.
لقد أثارت الرواية حنيناً جماعياً إلي الماضي، وكشفت عصباً اجتماعياً عارياً في قلعة التكنولوجيا والحداثة، كما وجّهت ضربة قوية لمفهوم الحب التعاقدي الذي يسود المجتمعات الغربية منذ ستينات القرن الماضي. ولقد أثبتت روني بروايتها، شديد البساطة والتعقيد، أن الحب الحقيقي هو تجربة إنسانية عابرة للزمن والتقاليد، وهو الدافع الحقيقي للتغيير والتحرر من الأوهام.
"أناس عاديون" ليست مفارقة من أي نوع، ولا تنطوي علي أي قدر من السخرية، أو تحاول سحبنا إلي مضارب الماضي البعيد، ولكنها محاولة لإثبات أن الحب العُذري مفهوم إنساني وليس مجرد حقيقة تاريخية، وأنه موجود دائماً في أعماقنا. ولا يقتصر هذا الحب، من منظور الرواية، علي الشعراء ومُرهفي الحس والمنتمين إلي عصر الفروسية الغابر، بل ينمو في قلوب أناس عاديين جداً، يعيشون علي هذا الكوكب في اللحظة الراهنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.