يجيد الفنان الشاب عمر جبر طرح أسئلة كمثيرات فكرية وبصرية دون رغبة حقيقية في الوصول لإجابات شافية، إذ يدرك الشاب بوعي مبكر جدا يسبق أعوام عمره العشرين أنه ليست ثمة إجابات قاطعة، لا في الفن ولا في الحياة، حيث تصبح الأسئلة في حد ذاتها وسيلة للتعرف علي الذات وتحديد مفردات الكينونة والهوية.وليس هذا فحسب بل إن إجاباته علي تلك الأسئلة حين تعاود طرحها عليه، تبدو ملهمة بنفس القدر إذ إنه حين يجيب يطرح مزيدا من الأسئلة تعيدك إلي نفسك، قبل أن تنتقل لماهية الفن ومغزي الأشياء. وربما لهذا السبب اختار الفنان الشاب اسم »المرحلة» عنوانا لمعرضه الفردي الأول الذي استضافه جاليري أيزل أند كاميرا الذي ضم ما يقرب من 50 عملا فنيا حملت تنوعا مذهلا وقدرة علي الانتقال بسلاسة بين أساليب فنية مختلفة تكشف عن فنان مدهش وكذلك تجربة صادقة تحمل كثيرا من روح مبدعها. إذ يقول الفنان الشاب: اخترت اسم »المرحلة» لأن هناك أشياء كثيرة أمر وأفكر بها، ولست وحدي في ذلك وإنما كثير منا يفعل ذلك. تبدو أن »المرحلة» ليست مرحلة واحدة وإنما عدة مراحل تحمل ملامح اللحظة الآنية، وعلاقتها بكل ما سبق، منها ما هو شخصي وما هو فني ومنها ما هو سياسي أو ديني. أتأمل الأعمال، ليست المعروضة فقط، ولكن أيضا ذلك الدفتر متوسط الحجم الذي هو بمثابة »كتاب فنان »، والذي يضم مجموعة كبيرة من اللوحات والذي يرفض الفنان بيعه إذ أنه يحمل كثيرا من ملامح تجربته الفنية، ثم أعيد قراءة النص الذي كتبه الفنان علي هامش المعرض عدة مرات إذ يقول: فنان في التاسعة عشرة من عمره لم يدرس الفن دراسة أكاديمية،أتساءل هل أصبح فنانا الآن، أم أني اتخذ حرفة تجعلني أخرج أشياء غير مسموح بها من خلال مجموعة من اللوحات، وهل هذا يجعل مني أنانيا لأني أحمل اللوحات أشياء ليست من شأنها واستطاعتها! يتجاوز الوعي حدود النص لمساحة الحضور الإنساني والفني، إذ يلخص عمر الأشياء ببراعة، فهو لا يكثر من الحديث .. كلماته قليلة مقتضبة يضيف إليها شبه ابتسامة أو نظرة ثاقبة تدفعك للصمت والتأمل.. جمله البصرية واللغوية مكثفة.. فحين تعود مرة أخري للوحات تدرك كم هي محملة بأسرار ورموز يقود تفسيرها إلي كشف المستور ليس فيما يتعلق بعالمه فحسب بل وبعوالمنا أيضا. آثار الأقدام التي دهست المسطح وانتهكت بطلها المستسلم، الوجه المتهالك شبه المتآكل رغم شبابه.. يد البالرينة الصغيرة الممحوة .. وجوه المصريين القدماء.. الفتي الذي يحمل وجوه تتداخل بين المصري القديم والوجوه المعتادة وتطير مثل بالونات مليئة بالهواء.. ثم كثير من الأشياء الأخري.. يستمر النص : يمر علي اللوحات أحداث زيارة معتادة تحدث ضجيجا، لكنها معتادة علي ذلك، فأصبح كل ما يثير اشمئزازها هو آثار الأقدام ثم تتزايد عليها أحداث تكاد تكون قد أنستها، فالضجيج الآخر حينها لن يلفت انتباهها آثار تلك الأقدام. فهل إذا حضرت كوميديا ولكن سوداء، قد تريح اللوحة بعض الشيء؟ وهل طلبت الرحمة؟ ولماذا تطلب الرحمة من أناس لم يتعلموها من أجدادهم القدماء فهم لم يبلغوا أحفادهم بأسرارهم !! أم أننا حتي الآن لم نتبع الأجداد الأصح. لا تبدو تلك الأسئلة من البساطة أبدا، إذ تتحول الأعمال إلي دفتر يوميات كما تصفها الفنانة وئام المصري مديرة القاعة يعتمد عليها الفنان الشاب لتسجيل تلك المواقف الحياتية في الشارع أو البيت، مضيفة: وجدت بأن الفنان لم يشغل نفسه بموضوع واحد ليربط به كل الأعمال المقدمة للعرض وإنما كان يسلم نفسه لاشعوريا إلي الأحداث اليومية التي تقع في محيط حياته سواء مسته شخصيا أو تعلقت بأحد أقرانه المقربين منه ليخرج لنا المعرض كمجموعات منفصلة من الأعمال. تبدو أن هناك الكثير من المعاني المحملة بكل لوحة لذا يشعر الشاب أحيانا بأنها وسيلته للبوح ويتساءل إذ كان يحملها أكثر مما ينبغي، إلا أن بعض تلك اللوحات لا يجد هو تفسيرا لها إذا أنها خرجت هكذا من داخله، ومع تكرار الرموز التي تستدعي في مخيلتنا المصري القديم سألت عمر: كيف تري علاقتنا بأجدادنا، وهل تري أن الصورة التي وصلتنا عن الأجداد هي صورة سليمة، أم أنها صناعة تاريخية ؟ يجيبني بسؤال جديد »أي من الأجداد كان رحيما؟ في هذه المرحلة لا أعرف غير جدي أبو العلا والد والدي ولم يكن رحيما» .. ثم يضيف: »علاقتنا بالتاريخ وبالأجداد علاقة مشوشة وليست كاملة». ربما لم يكن عمر بحاجة للإجابة عن تلك الأسئلة خاصة فيما يتعلق بمكانته الفنية، إذ أن اللوحات التي قدمها أجابت وكشفت عن بزوغ نجم هذا الفنان الشاب وبقوة ودون ضجيج. عمر جبر من مواليد القاهرة عام 1999، حاصل علي دبلوم الثانوية التجارية.قرر عدم الالتحاق بأي تعليم أكاديمي لعدم توافر أي فرصة لدراسة الفن في إحدي الكليات الفنية نتيجة حصوله علي الدبلوم التجاري. شارك عمر في العديد من المعارض الجماعية منذ دخوله للحركة الفنية، فشارك في »صالون الشباب» عامي 2016 و2018، ومعرض »صندوق الوقت» في القاهرة والأسكندرية، وصالون »أبيض أسود» لعام2017 بمركز الجزيرة للفنون وشارك في معرض ومسابقة الأعمال الفنية الصغيرة المقام بجاليري »ايزل اند كاميرا» وفاز بجائزة المعرض عام 2017 كما شارك في معرض بأتيلية القاهرة، ومعرض »اجندة» عام 2018 بمكتبة الإسكندرية وغير ذلك.