مجدى العفيفى متي نثور علي أنفسنا.. وعلي ما ملكت أهواؤنا؟ لاشئ يشغلنا إلا عواطفنا، حتي بضاعتنا التي ردت إلينا .. بارت! بعنا محارمنا.. سُحبت هويتنا، فالرقص علي سلم القرارات والأفكار والتحولات.. قد صار شيمتنا! وكلنا يرقص بطريقته، علي حد تعبير أستاذنا »إحسان عبد القدوس« في رائعته »الراقصة والسياسي«. لماذا تكفرني «يا رجل»؟.. وأنا الكاتب الذي لا سلاح لديه إلا القلم والكلمة: نورا ونارا، فهل أنت أيضا تتحسس جيبك كلما سمعت كلمة ثقافة ومثقف؟. لماذا تعتدي عليّ «يارجل»؟.. وأنا الفنان الذي أحاور الوجدان وأخاطب الذوق العام بأعمالي التي تستثمر أدوات العصر العرفية والمعرفية والأخلاقية والجمالية؟. لماذا تغتصب ذاتي «يارجل»؟.. وأنا المفكر الذي أبث الوعي، وأفكر في اللامفكر فيه، وأمارس ثقافة الأسئلة سعيا إلي التنوير والاستنارة بدون إثارة ولا استثارة؟. لماذا تسحقني «يارجل»؟.. وأنا أشعل شمعتي حتي في عز الظهيرة، في عالم يسكرة الجهل، فهل رأي الدهر سكاري مثلنا؟ ترانا سكاري وما نحن بسكاري ، ولكن عذاب اللحظة شديد؟. لماذا تهدر دمي «يا رجل»؟.. وكل المسلم علي المسلم حرام، دمه وعرضه وماله، بل كل الإنسان علي الإنسان حرام، طالما يمارس الإنسانية، فعلا وقولا، علما وعملا؟. لماذا تستبيح دمي عيانا بيانا، «وأنا في عرض» لحظة أمان وإيمان، وفي عرض ومضة يقين ولو يقينا مراوغا؟. لماذا تريد أن تلقيني في «الجُب» بل وتمنع كل السيَّارة أن يلتقطوني، وتعتزم أنت أن تبيعني بثمن بخس دولارات معدودة؟. لماذا تحرّض «الحوت» ليلتقمني، وتحول بيني وبين أن أكون من المسبحين، فلا أنبذ في العراء وأنا مليم؟. لماذا تستحيي نسائي، وتقتَّل أبنائي، وتصلبني في جذوع نخل الوهم والدجل الذي تتعاطاه تحت عباءة »أبي جهل« ومعطف »أبي لهب« وعمامة »الحجاج«؟ فهل تظن أن رؤوسنا قد أينعت أيضا وحان قطافها، وإنك لقاطفها؟ لا«يا رجل» لثم جبينك وارتجل: «أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متي أضع العمامة تعرفوني» لا يارجل، يا كذبة عصرية لم تكتمل. لماذا تلدغني ب »الشجاع الأقرع الأعمي« في قبري الحياتي، والسجن الذي أملكه، وأحاسب نفسي أولا بأول، هل أنت وكيل النار؟ وهل أنت المتحدث باسم السماء؟. لماذا تسخر من «فلكي» وأنا أصنع «سفينتي» علي عين البسطاء من الشعب العظيم، لأنقذه من براثن «جهلك» و«لهبك» و«هندك» و«ثكلتك أمك»؟ وإني سأسخر منك كما تسخر مني ومن مفاتيحي، ومصابيحي، ومشاعلي، ومشاعري، ومن يخترق يحترق. لماذا تطلق بقراتك السبع السمان علي بقراتي السبع العجاف؟ ولماذا تريد أن تلتهم سنابلي الخضر بأفكارك اليابسات؟ وتصرخ فيّ ليل نهار: «أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا» ؟ وتتناسي أني سأحيط بثمرك ونفرك ورجلك وخيلك وصوتك وسوطك ودولارات وعملاتك وصفقاتك وبنوكك ومؤسساتك وأجمد أرصدة ذاتك المتضخمة بضع سنين، وأنا من بعد غَلبي سأغلبك وعزتك. لماذا تصر علي أن تمسني بالضر، وتعترضني أن أضرب يرجلي في الماء ، والماء بارد وشراب؟ وأنت تشرب نخبي وتعلن متلوثا وملوثا الفضاء :»لا إله إلا .. الدولار«! «تبا لك يا أبا جهل»!. أنا أفكر وأبدع وأُسْمع من في الصدور، في الخفاء وفي الظهور، في الانكشاف وفي الاستتار، أنير وأستنير، فهل أنا كافر؟ نعم أنا كافر ، ولي عزة الإيمان ، أن أكفر بك وبأطيافك وألوانك وتشكيلاتك وتكتلاتك وجنودك وفرعوناتك وهاماناتك وقاروناتك وفقهائك وعزاتك ولذاتك ونزواتك وحواريك وجواريك. استغرقتني اللحطة الراهنة، بحساسيتها الفائقة والمفرطة، وأنا أعد ملف التنوير الذي ستقرأه ، بعد صفحتين، في هذا العدد، فتنتني اللحظة وفتتني وشطرتني، رغم عذابتها وعذووبتها، وأنا أهم بثقافة الأسئلة: إذا كان المفكرون والمبدعون هم حملة مصابيح التنوير والإستنارة في المجتمع، فلماذا إذن تصر القوي الظلامية والرجعية علي اطفاء هذه المشاعل، رغم أن الجميع في أشد الاحتياج للوعي نورا أو النور وعيا؟ وإذا كانت القوة الناعمة هي الرصيد المصري الذي لا يقبل أن ينفد ، فلماذا يخافون ويرتعدون من مصادر هذه القوة حتي ليتهافتون علي تفتيتها، مع أننا إذا أردنا تثبيت فكرة أو نشر دعوة أو تأكيد معتقد فلن نجد مثل الآداب والفنون وسيلة فعالة وفعلا خلاقا؟. وإذا كانت الثقافة أسبق من السياسة، وهي الأطول عمرا والأبقي أثرا، فإلي متي يستمر مسلسل التكفير والإقصاء لأهل الفكر والتفكير، ومطاردة المبدعين من أدباء وشعراء وكتاب وفنانين، من قبل أولئك الذين يعلنون. سرا وجهرا، كراهيتهم للآداب والفنون التي تحفظ وتحافظ علي الذوق العام، وتساهم في تشكيل الوجدان العام؟ لماذا يتم اغتيال المفكرين ، الأحياء منهم والأموات، فالأسماء والقامات التي يحاولون منذ زمن اغتيالها كثيرة وكبيرة، والظلاميون يدبرون ويديرون عمليات الاغتيال من وراء حجاب الدين ومايسمي بالإسلام السياسي والنفطي، ورغم محاولات العبث بالعقل المصري والثقافة المصرية والرموز المصرية إلا أن الحاقدين يموتون في اليوم مرة أو مرتين، ويبقي المثقفون شامخين وأعمالهم شاهدة ودالة علي عنفوان القوة الناعمة.. فلماذا إذت التشويش والتشويه؟. من أجل ذلك، وأكثر من ذلك، نفتح ملفا ساخنا من «ملفات التنوير» التي تشكل مرتكزا أساسيا وتأسيسيا في استراتيجية «أخبار الأدب» ثم هي ملفات يفرضها المشهد الراهن، وماوراءه، بإيجابياته وهي قليلة، وسلبياته وهي كثيرة ،لاسيما أن القضية تحمل في ثناياها «حساسية خاصة»: أشواكها اكثر من ورودها، ودخانها أكثر من عبيرها، ونارها أكثر من نورها، وضحاياها اكثر من أبطالها، وهي مسكونة بالحيرة ومشحونة بالإهتزاز ما بين المباح والمتاح، والممنوع والممنوح، والمقبول والمرفوض، والمسكوت عنه والمثار، وفيها اضداد كثيرة، والمؤتلفات تتوازي مع المختلفات. إنها قضية تكفير التفكير، قضية كل العصور، وفي كل مرة تتباين الاطروحات، لتتجدد المعالجات، لأن محاورها : قادة الفكر، والذين يتحاورون مع المجتمع والناس بمفردات الابداع. كثير من رموز الفكر وقادته عبر العصور مكثوا طويلا وراء القضبان بسبب افكارهم، فالزمن لم يكن معهم، والتجربة الإنسانية في مواقع ممارستها لم تكن تسمح بذلك خذ مثلا قديما لا يزال ماثلا «سقراط» الذي تجرع السم موتا في محاكمته المشهورة بسبب فلسفته التي نصرها التاريخ بعد ذلك، وهناك ايضا «جاليليو» الذي دخل في صراع مع الفاتيكان وقال إن الشمس فيها بقع سوداء، فقالوا: ان البقع السوداء في عينيك.. أصر هو علي قوله، وأصرت الكنيسة علي قولها فكان عقابه الموت، وكثير غيرهما ممن لم يستطع اخفاء الحقيقة في كلمات ناعمة، أو عبارات زئبقية عن أنفسهم قبل ان يخفوها عن الناس عبر الزمان والمكان والإنسان. في عالم الابداع الأدبي والفني والبحث العلمي تبدو المسألة أكثر حيرة: طه حسين هل كان علي حق في كتابه «في الشعر الجاهلي» حين صدم المجتمع بشكه فيه وفي مصادره، وصولا إلي اليقين بالوسيلة الفلسفية؟. علي عبدالرازق وقضية الخلافة وأصول الحكم التي أثارها في كتابه في الربع الأول من القرن الماضي؟. مالك بن نبي المفكر الجزائري الذي طرح عدة قضايا ولم ينتبهوا الي أفكاره الا بعد رحيله بعد ان ضيقوا عليه الخناق؟. نجيب محفوظ وروايته الشهيرة «أولاد حارتنا» التي فسرت بتفسيرات لم تخطر علي بال الكاتب نفسه، وحكم علي هذا العمل بالاعدام؟. نزار قباني وقصيدته الشهيرة «هوامش علي دفتر النكسة» التي كادت أن تودي بحياته بعد نكسة1967 لولا تدخل الرئيس جمال عبد الناصر؟. محمود درويش وقصائده ذات الرموز الدينية، واستثماره الجمالي لها في عالمه الشعري الرحب؟. فرج فودة ومقتله الدامي والدرامي بعد اعلان اهدار دمه ؟. نصر حامد أبو زيد وقضية التفريق بينه وبين زوجه، ومنفاهما في أوروبا؟. جابر عصفور وقضيته مع الشيخ يوسف البدري؟. سيد القمني وحسن حنفي في نفس سياق التكفير فاروق جويدة وقضية التحقيق الجنائي التي انتصر عليها التحقيق الفكري؟. ثم قضية الكتاب والفنانين الستة: وحيد حامد وعادل إمام ولينين الرملي وشريف عرفة ونادر جلال، ومحمد فاضل، الذين برأهم القضاء من تهمة «ازدراء الأديان» وغيرهم كثيرون ممن حاولوا أن يرجموهم باتهامات تصل الي حد التكفير والزندقة والمساس بالعقيدة والدين، أماأحدث قضايا التكفير وإهدار الروح ، والتي هي أخطر، فهي قضية الحكم علي الفنان عادل إمام، الآن، وغيرهم مما لا تسعفنا المساحة نظرا لكثرة الأسماء والقامات، في مقابل كثرة الصغار والإتهامات!. ومن الداخل بفتنه الي الخارج الإرهابي، هناك احدي الجمعيات الدينية بالسعودية أعلنت قائمة سوداء باهدار دم 150 كاتيا ومفكرا ومبدعا، منهم ستون مصريا( ولا تزال هذه القائمة سارية المفعول). ثم ما يحدث الآن من اصدار فتاوي التكفير من كل من هب ودب لإهدار المزيد من الدماء تصريحا لا تلميحا مثلما فعل الداعية الحويني حين أعلن بالحرف الواحد أن د.نوال السعداوي كاتبة كافرة ودمها حلال». أما أحدث ما يتندر به المجتمع، أسفا واستنكارا، هو قول صاحب الفضيلة (!!!)«عبد الله بدر» الذي رجم الفنانة إلهام شاهين بتهمة الزنا عبر كلمات تقطر حجارة وفظاظة و«قلة أدب» من قبيل «كم ممثلا احتضنك وقبّلك و(.....)باسم الفن»؟! واللفظة المستبدلة بالنقط يأنف المرء أن يسترجعها لأنها تسبب الغثيان الأخلاقي، هكذا بلا حياء أو خجل ولا برهان، لينثال أشخاص من هنا وهناك يتبنون رؤية «صاحب الفضيلة» ومنهم من يسمي نفسه «الشيخ» أمجد غانم الذي انهال مؤيدا وراجما كل من له صلة بالإبداع، وجعل من نفسه مهللا ومبررا وشارحا لأحجار سيده، فيسقط في مغالطات تاريخية وشخصية ساذجة، من قبيل «حتي الفيلم الوحيد الذي أظهر رجل الدين »شريف غيور« علي محارم الله ( هكذا بأخطائه اللغوية التي لا يقع فيها طفل في الحضانة) وهو »فيلم شيء من الخوف« صادره عبد الناصر واعتقل مؤلفه ثروت أباظة، والحقيقة الفنية والتاريخية تؤكد عكس ذلك، لكن ليّ الحقائق أصبج سُنَّة مستحبة عند هؤلاء! فما لهؤلاء القوم أيضا لا يفقهون حديثا؟. (أدعوكم إلي قراءة الملف علي الصفحات: من 12إلي 18)