قصف إسرائيلي يستهدف مقراً للقوات الحكومية جنوب دمشق    تعيين رئيس جديد لشعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل    رئيس لجنة الحكام يعلن عن موعد رحيله    شاهد، إداري الزمالك صاحب واقعة إخفاء الكرات بالقمة يتابع مباراة البنك الأهلي    ليفركوزن يتفوق على روما ويضع قدما في نهائي الدوري الأوروبي    أيوب الكعبي يقود أولمبياكوس لإسقاط أستون فيلا بدوري المؤتمر    أحمد الكأس : سعيد بالتتويج ببطولة شمال إفريقيا.. وأتمنى احتراف لاعبي منتخب 2008    التعادل الإيجابي يحسم مباراة مارسيليا وأتالانتا ... باير ليفركوزن ينتصر على روما في الأولمبيكو بثنائية بذهاب نصف نهائي اليورباليج    ميزة جديدة تقدمها شركة سامسونج لسلسلة Galaxy S24 فما هي ؟    شايفنى طيار ..محمد أحمد ماهر: أبويا كان شبه هيقاطعنى عشان الفن    حمادة هلال يهنئ مصطفى كامل بمناسبة عقد قران ابنته: "مبروك صاحب العمر"    أحدث ظهور ل مصطفى شعبان بعد أنباء زواجه من هدى الناظر    بعد تصدره التريند.. حسام موافي يعلن اسم الشخص الذي يقبل يده دائما    سفير الكويت بالقاهرة: ننتظر نجاح المفاوضات المصرية بشأن غزة وسنرد بموقف عربي موحد    الصين تستعد لإطلاق مهمة لاكتشاف الجانب المخفي من القمر    أمين «حماة الوطن»: تدشين اتحاد القبائل يعكس حجم الدعم الشعبي للرئيس السيسي    سفير الكويت بالقاهرة: نتطلع لتحقيق قفزات في استثماراتنا بالسوق المصرية    في عطلة البنوك.. سعر الدولار الأمريكي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية الجمعة 3 مايو 2024    خطوات الاستعلام عن معاشات شهر مايو بالزيادة الجديدة    د.حماد عبدالله يكتب: حلمنا... قانون عادل للاستشارات الهندسية    جي بي مورجان يتوقع وصول تدفقات استثمارات المحافظ المالية في مصر إلى 8.1 مليار دولار    مباراة مثيرة|رد فعل خالد الغندور بعد خسارة الأهلى كأس مصر لكرة السلة    منتخب السباحة يتألق بالبطولة الأفريقية بعد حصد 11 ميدالية بنهاية اليوم الثالث    تعرف على طقس «غسل الأرجل» بالهند    حار نهاراً والعظمى في القاهرة 32.. حالة الطقس اليوم    جدول امتحانات الدبلومات الفنية 2024 لجميع التخصصات    بسبب ماس كهربائي.. إخماد حريق في سيارة ميكروباص ب بني سويف (صور)    بعد 10 أيام من إصابتها ليلة زفافها.. وفاة عروس مطوبس إثر تعرضها للغيبوبة    البطريرك يوسف العبسي بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يحتفل برتبة غسل الأرجل    وصفها ب"الجبارة".. سفير الكويت بالقاهرة يشيد بجهود مصر في إدخال المساعدات لغزة    سفير الكويت بالقاهرة: رؤانا متطابقة مع مصر تجاه الأزمات والأحداث الإقليمية والدولية    ترسلها لمن؟.. أروع كلمات التهنئة بمناسبة قدوم شم النسيم 2024    برج السرطان.. حظك اليوم الجمعة 3 مايو 2024: نظام صحي جديد    أدب وتراث وحرف يدوية.. زخم وتنوع في ورش ملتقى شباب «أهل مصر» بدمياط    سباق الحمير .. احتفال لافت ب«مولد دندوت» لمسافة 15 كيلو مترًا في الفيوم    فلسطين.. قوات الاحتلال تطلق قنابل الإنارة جنوب مدينة غزة    بطريقة سهلة.. طريقة تحضير شوربة الشوفان    مياه الفيوم تنظم سلسلة ندوات توعوية على هامش القوافل الطبية بالقرى والنجوع    رغم القروض وبيع رأس الحكمة: الفجوة التمويلية تصل ل 28.5 مليار دولار..والقطار الكهربائي السريع يبتلع 2.2 مليار يورو    مغربي يصل بني سويف في رحلته إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج    محافظ الجيزة يزور الكنيسة الكاثوليكية لتقديم التهنئة بمناسبة عيد القيامة    تركيا تفرض حظرًا تجاريًا على إسرائيل وتعلن وقف حركة الصادرات والواردات    مدير مشروعات ب"ابدأ": الإصدار الأول لصندوق الاستثمار الصناعى 2.5 مليار جنيه    القصة الكاملة لتغريم مرتضى منصور 400 ألف جنيه لصالح محامي الأهلي    حدث بالفن | وفاة فنانة وشيرين بالحجاب وزيجات دانا حلبي وعقد قران ابنة مصطفى كامل    «يا خفي اللطف ادركني بلطفك الخفي».. دعاء يوم الجمعة لفك الكرب وتيسير الأمور    خبيرة أسرية: ارتداء المرأة للملابس الفضفاضة لا يحميها من التحرش    السيطرة على حريق سوق الخردة بالشرقية، والقيادات الأمنية تعاين موقع الحادث (صور)    صحة الإسماعيلية تختتم دورة تدريبية ل 75 صيدليا بالمستشفيات (صور)    «الصحة» تدعم مستشفيات الشرقية بأجهزة أشعة بتكلفة 12 مليون جنيه    أستاذ بالأزهر يعلق على صورة الدكتور حسام موافي: تصرف غريب وهذه هي الحقيقة    استعدادًا لموسم السيول.. الوحدة المحلية لمدينة طور سيناء تطلق حملة لتطهير مجرى السيول ورفع الأحجار من أمام السدود    مصطفى كامل يحتفل بعقد قران ابنته    بالفيديو.. خالد الجندي يهنئ عمال مصر: "العمل شرط لدخول الجنة"    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية بطور سيناء    "أسترازينيكا" تعترف بمشاكل لقاح كورونا وحكومة السيسي تدافع … ما السر؟    أمين الفتوى ب«الإفتاء»: من أسس الحياء بين الزوجين الحفاظ على أسرار البيت    مدينة السيسي.. «لمسة وفاء» لقائد مسيرة التنمية في سيناء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من عصر النهضة إلي فوضي الموظفين مشاهد من حياة المسرح القومي
نشر في أخبار الأدب يوم 24 - 11 - 2018

ظل المسرح القومي مغلقاً لمدة ست سنوات بعد الحريق » 2008 – 2014 »‬ حتي تنتهي أعمال الترميم وإعادة البناء، وبعد افتتاحه وعلي مدي أربع سنوات قدم خمسة عروض منها عرض الافتتاح بالإضافة إلي عرض للأطفال مع جملة من التصريحات حول مسرحيات سيتم تقديمها لكنها لم تتجاوز حيز القول إلي الفعل أبداً.لتكون المحصلة أربعة عروض في أربع سنوات! ناهيك عن طبيعة هذه الأعمال التي لا تتناسب وهوية المسرح القومي، فالأمر لا يستحق فقط أن نتوقف أمامه ونطرحه للمناقشة بل لابد من محاسبة المسئولين عن هذه الكارثة بدءاً من وزراء الثقافة ومروراً بالمسئولين ووصولاً إلي المسرحيين الذين التزموا الصمت ومنهم أنا، لقد ترك الجميع أهم وأعرق المسارح المصرية ليتحول إلي مجرد مبني أنيق يجمع بين التراث العربي في العمارة إلي جاتب طراز مابعد الحداثة ممثلاً في الحائط الزجاجي الذي يتصدر المبني الإداري ليتناسب والمنطقة العشوائية التي يقبع فيها حي الأزبكية دولة الباعة الجائلين ونموذج لغياب دولة القانون وسيطرة الفوضي بعد أن كانت نزهة الأعيان و قبلة أهل الفن في الماضي ليس فقط علي مستوي الطراز المعماري ولكن ما آل إليه حال المسرح علي المستوي الفني.
من يتأمل هذا الرمز القومي للمسرح سيعرف أنه كان ومازال في كل العصور شاهداً علي ميلاد وازدهار وسقوط المسرح المصري منذ الحملة الفرنسية وحتي إنتاجه لخمسة عروض في أربع سنوات في ظل الفوضي التي يدار بها ! ومروراً بأحداث عديدة منها الإهمال القومي الذي أحرقه مساء 27 / 9 / 2008 ثم افتتاحه في ديسمبر 2014 وإغلاقه بعد شهرين، ثم افتتاحه مرة أخري وهكذا علي مدي عقود فحديقة الأزبكية التي أقيم عليها المسرح القومي والتي اتخذ منها المماليك في القرن السابع عشر موقعاً لإقامة القصور والترويح عن النفس، أقام عليها نابليون بونابرت حين غزا القاهرة عام 1798 مسرحاً للترفيه عن جنود الحملة، وذلك حين شاهد فيها لاعبي خيال الظل، وفي عهد محمد علي باشا الذي أعاد تخطيط وبناء القاهرة ازدهرت حديقة الأزبكية بعد أن تم تجفيف البركة التي تحيط بها وتحولت إلي حديقة عامة ونزهة للكبار، وفي عهد الخديوي إسماعيل الذي أعاد بناء منطقة الأزبكية لبناء دار الأوبرا أثناء احتفالات قناة السويس 1869، أقام مسرح الكوميدي فرانسيز، إلي جانب الأوبرا، وأمامها أقيم مبني تياترو الخديوي بحديقة الأزبكية، والذي يقام مكانه المسرح الوطني أو القومي فيما بعد، وقد شهد هذا المسرح عام 1885 عروض أبو خليل القباني، وفيما بعد عروض فرق اسكندر فرح وسلامة حجازي، لتظل منطقة الأزبكية في القرن التاسع عشر حديقة الفن والثقافة وهي تحتض دار الأوبرا، والمسرح الكوميدي الفرنسي، وتياترو الخديوي، بالإضافة إلي مقاهي الأدباء ومنها مقهي متاتيا الذي كان يرتاده جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده.

في بداية القرن العشرين حين تعالت صيحات المصريين لإنشاء مسرح وطني، قام رائد الاقتصاد المصري في العصر الحديث طلعت حرب وصديقه عبد الخالق باشا مدكور ببناء المسرح الوطني أيضاً في حديقة الأزبكية من مالهما الخاص، واستغرق البناء ثلاث سنوات »‬ 1917-1920» أي قبل مائة عام، واختار طلعت حرب الطراز العربي لمسرح الأزبكية، وهو نفس طراز بنك مصر في شارع محمد فريد، وفي مواجهة المسرح دار الأوبرا علي الطراز الأوربي، وبالطبع كان هذا الطراز له دلالة في ذلك الوقت، فكانت الأوبرا تصدح بالألحان الغربية والموسيقي العالمية، وفكر الباشا في طراز يتناسب ونوع المسرح الذي يتمناه في الأزبكية، فكانت الثقافات والحضارات تتجاور وتتعايش في القاهرة في ذلك الوقت، ويحكي ألفريد فرج في كتاب »‬ شارع عماد الدين » عن قهوجي الباشا الحاج إبراهيم مطر الذي عمل مع طلعت حرب ثم صار متعهد بوفيه مسرح الأزبكية، فقد أخبره أن طلعت حرب بعد تمام إنشاء المسرح كان يحضر تدريبات مسرحيات »‬علي بابا، هاملت، صلاح الدين ومملكة أورشليم، مصرع زنوبيا» وكان يراجع ويناقش ألحان داود حسني وكامل الخلعي ويراجعهما في بعض الأشكال العربية الأصيلة. وحكي أيضاً عن بيت الشعر الشهير المكتوب أعلي صدر المسرح »‬إنما الأمم الأخلاق مابقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا» وكيف أن الباشا ذهب إلي أمير الشعراء أحمد شوقي في كرمة ابن هانئ وعاد بهذه الورقة الصغيرة وفيها هذا البيت، وظل المسرح القومي يحمل اسم المسرح الوطني، وتم تأسيس الفرقة القومية المصرية بقيادة شاعر القطرين مطران خليل مطران عام 1935وقدمت باكورة أعمالها »‬أهل الكهف» لتوفيق الحكيم في ديسمبر 1936 المأخوذة عن القرآن في موضوع مسيحي، وعن تفكير في الزمن وثني- فرعوني كما يصفها مؤلفها، ودلالة الاختيار واضحة. ثم تم حل الفرقة عام 1942 وأعيد تشكيلها تحت اسم الفرقة المصرية للتأليف والموسيقي وقدمت المسرحيات الغنائية، وفي عام 1950 تكونت فرقة المسرح الحديث من خريجي المعهد العالي لفن التمثيل »‬معهد الفنون المسرحية حالياً»، وظلت الفرقتان تعملان سوياً حتي ثورة يوليو 1952.
بعد يوليو 52 دخلت الأزبكية والمسرح الوطني مرحلة جديدة، حيث تم تعيين يوسف وهبي مديراً للفرقة المصرية الحديثة بعد الثورة، ونالت الفرقة لقب فرقة المسرح القومي وعاشت أزهي عصور الإزدهار في تلك الفترة، وفي منتصف الستينات بدأ الاعتداء علي منطقة الأزبكية أو قل تشويه هذا الصرح الفني حين تم تحويل المسرح الصيفي للفرقة القومية والمطل علي حديقة الأزبكية إلي مسرح الطليعة وأعيد ترميمة ليكون مقراً لفرقة الطليعة القادمة من مسرح الجيب والتي أسسها سعد أردش وبعد فترة قصيرة، تم بناء مسرح العرائس في نفس الحديقة، وعلي الرغم هذا التحرش المعماري، إلا أن المنطقة حتي تلك الفترة كانت مازلت تحتفظ بهويتها الفنية وإن فقدت قليلاً من هويتها المعمارية.

كانت الكارثة عام 1971 وبالتحديد في 28 أكتوبر حين احترقت دار الأوبرا، واشتعلت فيها النيران منذ فجر الخميس وحتي صباح الاثنين في المبني الذي كان يبلغ من العمر وقتذاك 102 عام، حيث التهمت النيران مخازن الملابس التاريخية والاكسسورات النادرة والتحف والوثائق، ولم تسفر التحقيقات عن شيء، وهنا بدأ الانهيار الحقيقي لحي الأزبكية، أوقل أفول دولة الأزبكية بعد قرنين من الازدهار، ليتم نقل الأوبرا إلي أرض الجزيرة، ومكانها يقام جراج قبيح متعدد الطوابق ومجموعة من التوكيلات اليابانية وتصبح المنطقة عشوائية بكل المقاييس، و لم يتم إعادة بناء دار الأوبرا في مكانها، وانتظر المسئولون خمسة عشرة عاما للبدء في بناء دار أوبرا جديدة علي الشاطي الأخر، وأقيم بدلاً من دار الأوبرا هذا الجراج القبيح ومعه المحال التجارية ؟ فمن الذي أعطي القرار ببناء هذا المبني القبيح مكان دار الأوبرا وفي مواجهة المسرح القومي، لتدخل المنطقة بكاملها بعدذلك في دائرة العشوائية، ويتوقف قطار النهضة علي مشارف حي الأزبكية، أو قل يخرج منه إلي الضفة الأخري، ويمكن القول بأن دولة الأزبكية سقطت دون عودة فجر 28 أكتوبر 1971.. يوم أن استبدلت الحكومة بدار الأوبرا الخديوية هذا الجراج القبيح، وفضلت عادم السيارات وهدير الموتور وأبواق السيارات علي الموسيقي السيمفوني، والأوبرات العالمية! نعم كان اختيار الحكومة في ذلك الوقت، وهذا تذوقها ووعيها بالفن في ذلك الوقت، وتوالت الكوارث ممثلة في الكباري والباعة القائمين والجائلين. وبالتوازي مع افتتاح دار الأوبرا قرر فاروق حسني وزير الثقافة الذي تولي الوزارة 1987 نقل النشاط المسرحي من الأزبكية إلي الجزيرة، فتم افتتاح مركز الهناجر للفنون، ثم مركز الإبداع، وظلت مسارح الأزبكية الثلاث المتبقية من عصر النهضة تقف علي استحياء بين غابة من الباعة الجائلين وجراجات السيارات والكباري، تقاوم كل هذا القبح وحيدة ويراقبهم عن بعد مسرح متربول علي تخوم شارع عماد الدين، بعد أن قررت وزارة الثقافة بتحويل الدفة إلي الجزيرة وتترك هذه المنطقة دون عناية، وبالفعل اقتصر الاهتمام في السنوات الأخيرة علي مسارح الضفة الأخري من النيل! ليستولي الورثة علي مسرح محمد فريد مقر الكوميدي ويلقون بأثاث المسرح والديكور خارجاً وقد شاهدت هذه المأساة بنفسي في عام 1997.
لابد أن نتوقف أيضاً قبل حريق المسرح القومي أمام بعض الحوادث، ومنها اختفاء كرسي طلعت باشا حرب عام 2006 قبل الحريق، والكرسي تحفة نادرة ولا يمكن خروجه بسهولة من المسرح، وبالطبع التحقيق لم يصل إلي نتيجة، وكتبت وقتذاك أسأل من سرق الكرسي ولم يجب أحد، وأذكر أنني أخبرت الناقد الراحل سامي خشبة بالواقعة، فقال لي سأخبرك بما هو أسوأ، ففي أثناء رئاسته للبيت الفني للمسرح طلب أكثر من مرة فتح غرفة طلعت حرب وجردها وماطل الموظفون! واحترق المسرح القومي بعد وقت قصير احترق في ظروف غامضة بعد احتراق مجلس الشوري في سبتمبر 2008 بعد انطلاق مدفع الإفطار بدقائق ويومها وبالصدفة كنت قريباً من الأزبكية وبالتحديد في شارع شريف وعرفت الخبر وهرعت إلي المسرح لأشاهد أسوأ اللحظات في حياتي.

من النظرة التاريخية السريعة علي تاريخ منطقة الأزبكية في هذه السطور يتضح لنا أن منطقة المسارح في الأزبكية أو ميدان الأوبرا ازدهرت بالتوازي مع ازدهار المجتمع المصري وتوارت وخفتت أضواؤها بفترات التعثر والتدهور التي عاشها المجتمع وكأنه ترمومتر يقيس درجة حرارة التقدم أو التدهور التي يعيشها المجتمع المصري.
لقد ظل المسرح القومي مغلقاً بعد الحريق ست سنوات ليس فقط بفعل الأحداث السياسية التي مرت بها مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وحتي 30 يونيو 2013 ولكن أيضاً بسبب التجاوزات المالية التي أثير حولها جدل كبير حيث تجاوزت الميزانية ضعف المقرر لها، وجاء الدكتور جابر عصفور عام 2014 ليحسم هذا التردد ويصمم علي افتتاح المسرح القومي في ديسمبر من نفس العام، وكانت مجموعة من المسرحيين جتمعت مع د. جابر عصفور لمناقشة أحوال المسرح المصري »‬د. فوزي فهمي والمخرج سمير العصفوري ود.حسن عطية وجرجس شكري» وناقشوا مع الوزير كيفية إدارة المسرح القومي وانضم أخرون بعد ذلك بحكم مناصبهم مثل المهندس محمد أبو سعدة وتم وضع استراتيجية لعمل المسرح القومي من خلال المقترح الذي قدمة العصفوري علي أن يدار هذا الصرح القومي من خلال مجلس أمناء من كبار المسرحيين وليس بالشكل التقليدي من خلال مدير يتبع البيت الفني للمسرح وقدمنا المقترح لوزير الثقافة وكان نصه كالتالي :
موجز مشروع هيكلة المسرح القومي
وتحويله إلي مؤسسة ثقافية إنتاجية متكاملة
بناء علي ما جري في الجلسة التي عُقدت بوزارة الثقافة بتاريخ الخميس 21 أغسطس 2014 وبرئاسة السيد الوزير وبحضور لجنة مسرحية مصغر(د.فوزي فهمي، أ. سمير العصفوري، د.حسن عطية، أ. جرجس شكري) نوقشت فيها الورقة التي تقدم بها المخرج سمير العصفوري كمقترح لتطوير المسرح القومي لعام 2014.
استقر الرأي بعد المناقشة علي المقترحات التالية لحين صدور قرار وزاري بعد اعتماد التفاصيل من الناحية القانونية والمالية :
1- يعتبر المسرح القومي مؤسسة ثقافية رائدة »‬ارجع إلي الملحق» ويكلف المسرح القومي بعد إعادة ترميمه إلي حمل رسالة إنتاجية متوسعة وشاملة »‬مرحلة انتقالية» ولهذا يتبع مشروع المسرح القومي الجديد مكتب وزير الثقافة للارتباط العضوي بين الانجاز المعماري ومشروعات الإنتاج.
2- تدعم وزارة الثقافة الميزانية المطلوبة للإنتاج الجديد مع حصول المسرح علي ميزانيته المقررة لعام 2014 ليتمكن من تحقيق طموحه المعلن في الورقة موضوع المناقشة.
3- يعين السيد الوزير بقرار وزاري مجلس أمناء مؤسسة المسرح القومي الذي يضع الخطط ويتابع التنفيذ وهو مكون من شخصيات مختلفة في الفنون المسرحية لديها من الخبرة ما يسمح بوضع استراتيجية ذات توجه علمي وفني لعودة المسرح القومي المصري إلي دوره الرائد في المنطقة، ومجلس الأمناء يضم لجنة للقراءة وانتقاء النصوص من الريبرتوار البارز والناجح لإنتاج المسرح القومي والتي مضي عليها أكثر من عقد من الزمان لم تعرض فيه بشرط قدرة هذه الأعمال علي مواجهة الواقع الاجتماعي والسياسي والفكري اليومي، كما يضم المجلس فرعاً للدراسات والأبحاث المسرحية والتي يصدر عنها مطبوعات ونشرات إعلامية قابلة لتوسيع دائرة المعرفة بالمسرح المصري بدعم مباشر من المركز القومي للمسرح والهيئة المصرية العامة للكتاب.
يعين السيد الوزير رئيسا للمجلس من أحد أعضائه، كما يعين فناناً ليكون مشرفاً متخصصاً علي النشاط الابداعي لكل شعب النشاط بالمسرح القومي، مع ملاحظة أن كل القرارات تتم بالتصويت الجماعي وبأغلبية الأصوات فترة مجموعة العمل ثلاث سنوات في نهايتها يتم اتخاذ قرارات بالتغيير او الاستبدال أو الإلغاء.
هيكل العمل يالمسرح القومي
تتكون مؤسسة المسرح القومي الجديد من ثلاث شعب منفصلة من أبناء المسرح القومي الحالي ولمن يشاء ينضم إليهم من البيت الفني للمسرح، وتحمل كل شعبة اسما لرائد مسرحي بارز صاحب تأثير في الحركة المسرحية.
- الشعبة الأولي ( شعبة نبيل الألفي ) ويتم ندب لإدارتها الفنان (...) عضو المسرح القومي ويكلف بإنتاج عملين (.....، ... ) تأليف (..،....)من إخراج (..، .. ).
- الشعبة الثانية وتحمل اسم الاستاذ ( سعد أردش ) ويتم ندب الفنان (.. ) عضو المسرح القومي، ويكلف بإنتاج عملين (..،.. ) تأليف (..، .. ) وإخراج (..، ... ).
- الشعبة الثالثة وتحمل اسم الفنان (كرم مطاوع )ويديرها الفنان (....) عضو المسرح القومي، وهو مكلف بإنتاج عرضين (...، ... ) من تأليف ( ، ) ومن إخراج (...،.... ).
المشرف الفني
المشرف الفني هو المسئول عن إنتاج شعبتيه والتواصل مع بقية المشرفين الآخرين حيث يتكون من المشرفين الثلاثة لجنة للتنسيق في الإنتاج والحركة علي مسارح القاهرة وخارجها، واللجنة برئاسة المشرف الفني العام ضمانا لتنفيذ الخطة المعتمدة رسميا من مجلس الأمناء.
وتعمل شعب مؤسسة المسرح القومي علي مسرحين بالقاهرة هما مسرح الأزبكية ومسرح الجمهورية أو أي بديل أخر مع احتمال استعارة أسابيع أو حفلات في مسارح أخري، كما تتجول الشعب بعواصم المحافظات بشكل دائم، وبالذات في أماكن التجمعات العمالية والطلابية وتراعي الشعب الثلاثة قدرة إنتاجها علي جذب الجمهور إمكانية نشر النشاط إعلاميا كما تسعي إلي جلب العائد الاقتصادي في حال التعامل مع مؤسسات إعلامية ذات طابع تجاري.
المدير العام لمؤسسة المسرح القومي
إدارة قانونية ومالية
وفقاً للورقة الملحقة السابق التوافق عليها يعين السيد وزير الثقافة المدير العام للمسرح القومي بشرط قدرته التنفيذية الواسعة لإدارة كل شئون المسرح / المبني وفروعه المتعددة / العاملين / الإدارين / الفنيين / التنسيق بين المشرفين ومجلس أمناء المسرح، ويتولي تنظيم الشئون المالية والإدارية وشئون العاملين والمخازن وكذلك شئون دار العرض والحسابات والعلاقات العامة.
ويتم اختياره في حدود السن القانونية لتحمله مسئولية الأمور المالية والقانونية.
مدير خشبة المسرح
مهندس متخصص
يعين بقرار وزاري مدير لخشبة المسرح( في أسرع وقت ممكن ) وهو مسئول بالكامل عن كل ما له علاقة بالتجهيزات وتنفيذ مشروعات الديكور والملابس والإضاءة وتدريب العمالة وتنظيم عملها، ويشترط أن تكون لديه الخبرة والتخصص في هذا الفرع من العمل ويعاونه طواقم من عمال الديكور الإضاءة والصوت مع استكمال الناقص بعناصر مدربة.
مدير دار العرض وملحقاتها
مدير دار العرض ومهمته الحفاظ علي الدار وتحقيق احتياجاتها والاشراف علي أعمال الصيانة والنظافة واستقبال المشاهدين والخدمات المتصلة بهم، وتعيين عناصر الاستقبال وشباك التذاكر وتحديد نوعية الزي الخاص بهم، وتأمين الدار أو أي دار يتم فيها تقديم أي عرض من عروض مؤسسة المسرح القومي مع اعتماده العناصر المتوفرة حاليا وإضافة من يحتاجه مستقبلاً...

إذن كان من المفترض أن يستقل المسرح القومي عن البيت الفني للمسرح ويدار بواسطة مجلس أمناء من المسرحيين ويعمل من خلال ثلاثة شعب، تنتج كل شعبة عرضين كل عام علي الأقل ويعمل القومي من خلال مسرحين بالإضافة إلي تجوال العروض في الأقاليم، وأذكر أنني سافرت خارج مصر قبل الافتتاح بثلاثة أسابيع وعدت لأجد من المشروع الذي قدمناه فقط مجلس أمناء وتم استبعاد سمير العصفوري منه وتقريبا كل من كانوا في اللجنة التي قدمت مشروع إعادة هيكلة القومي، بل وبدأت التصريحات المتضاربة مبكراً في المجلس، وترك د. جابر عصفور الوزارة بعد الافتتاح واختفي المشروع وتحول القومي بعد تكلفة مائة وخمسين مليون جنيه وست سنوات انتظار إلي مجرد مسرح يعمل حسب الظروف! وقد تعمدت عرض اللمحة التاريخية السابقة للتأكيد علي أن المسرح القومي ليس فضاء مسرحيا لتقديم العروض بل جزء من الهوية القومية لمصر منذ نشأته ومروراً بكل لحظات القوة والضعف التي مر به المجتمع المصري. ولكن بعد افتتاحه في ديسمبر 2014 ابتعد تماما عن دوره المنوط به كمسرح من المفترض أن يقدم كلاسيكيات المسرح العالمي، ويسير علي نظام الريبرتوار المتبع في مسارح أوربا الكبري، والمقصود ليس الأعمال الكلاسيكية بالمعني التاريخ ولكن أن يستوعب تراث الإنسانية المسرحي بكل أطيافه، بدلا من إدارته التي تعتمد علي المصادفة، وفي ظل وزارة د. جابر عصفور قدمنا هذا المشروع وتفاءلت خيراً بوجوده كمثقف كبير علي رأس الوزارة وتوقعت أن يتم تنفيذ هذا المشروع الذي قدمه نخبه من المسرحيين، ولكن دون مقدمات اختفي المشروع وعاد المسرح القومي ليس كسابق عهده بل أسوأ مما كان ليرتد إلي الخلف خطوات كبري. والمشاهد التالية تلخص ما حدث في أربع سنوات وتؤكد أنه تم إدارة المسرح القومي عن طريق المصادفة رغم التاريخ الحافل الذي عرضت له في النقاط السابقة.
20ديسمبر 2014 / المشهد الأول
في 20 ديسمبر 2014، حضر المسرحيون وغاب رفاعة الطهطاوي عن الافتتاح، حيث كان من المقرر أن يتم افتتاح المسرح بعرض »‬بحلم يا مصر» ولم يكتمل العرض فنياً فتم الافتتاح بمظاهرة موسيقية شعبية خارج المسرح بحضور رئيس الوزراء إبراهيم محلب وفي الداخل عزفت فرقة عبد الحليم نويرة لمدة نصف ساعة، وأشاد رئيس الوزراء بالجهد الذي بذل في تجهيز المسرح، وأعلن وزير الثقافة في الافتتاح بمضاعفة ميزانية الثقافة ووفقا لوزير التخطيط، واعتذر الوزير عن عدم تقديم عرض بشير التقدم، وتم تكريم عدد كبير من رواد المسرح القومي، ومنهم: سميحة أيوب، سمير العصفوري، سهير المرشدي، نور الشريف، أشرف عبد الغفور، محمد وفيق، حسن يوسف، رجاء حسين، نبيل الحلفاوي. وكان أجمل ما في اللقاء هو حضور عدد كبير من المسرحيين وإخلاء منطقة الأزبكية من الباعة الجائلين، كان شعوراً مختلفاً باسترداد ميدان العتبة من استعمار الباعة الجائلين، وبالطبع فرحة كبيرة بعودة المسرح القومي إلي العمل.
28ديسمبر 2014 / المشهد الثاني
مساء الأحد 28 ديسمبر 2014 ليلة ليست عادية في تاريخ المسرح القومي، وسوف يذكرها المسرحيون كثيراً، فبعد إغلاقه ست سنوات عادت الروح إلي خشبة المسرح بالعرض الأول بعد الافتتاح وهو »‬بحلم يا مصر» بحضور رئيس الوزراء ووزير الثقافة، ليلة اختلط فيها الفرح بالشجن والذكريات، وظني أن السواد الأعظم من المشاهدين لم تكن عيونهم علي خشبة المسرح فقط بل كانت تتجول في الظلام في فضاء المسرح تتذكر وتتجول عبر الزمن فيما كان، وما سوف يكون وتحلم مع رفاعة الطهطاوي.
وكانت فكرة وزير الثقافة حين اقترح أن يكون افتتاح القومي في هذه اللحظة التاريخية العصيبة بشخصية رفاعة الطهطاوي تقديم هذه الشخصية التي تجمع بين أصالة التراث وروح المعاصرة، فهو الذي فتح نافذة علي الغرب من خلال ترجماته في القرن التاسع عشر ليس فقط من خلال أعماله التي ترجمها إلي العربية ولكن من خلال مدرسة الألسن التي أسسها في عصر مؤسس الدولة الحديثة محمد علي باشا، وهو أحد رواد التنوير الذي مد جسور المعرفة من الغرب إلي الشرق بعد عودته من باريس ونادي في كتابه تخليص الإبريز في تلخيص باريس بالأخذ بوسائل العلم والتقدم، والدعوة إلي إعمال العقل بعد عصور من التخلف والظلام التي عاشتها مصر في قرون العصر العثماني، فهذا الأزهري هو أبو الفكر المصري الحديث، استطاع أن يحارب الفكر السلفي الذي كاد يعود بمصر إلي عصور الظلام، إنه من أوائل المدافعين عن فكرة القومية المصرية، وهوية مصر و نادي بمبادئ الحرية والمساواة في القرن التاسع عشر، فلم يعرف المصريون قبل رفاعة الطهطاوي عالماً يخبرهم بأن علوم الدين لا تغني عن علوم الدنيا، وحين كتب نعمان عاشور سواء النص الأول أو الثاني عن رفاعة اختار اسلوب المسرح التسجيلي ليعرض مجموعة من المشاهد الواقعية التي تجسد حياته وتبرز أفكاره التي نادي بها ومعاركه التي خاضها مع الحكام، ونضاله في سبيل التنوير ونشر العلم في شتي أرجاء مصر، بين ثلاث مراحل زمنية ومكانية في حياته ما بين طهطا وباريس والقاهرة من خلال سرد ملحمي يعرض سلوك هذا المفكر المستنير حيال التاريخ، فليس هناك حبكة أو عقدة أو إثارة أو تشويق من خلال تنظيم وقائع الحدوتة هرمياً، هناك مشاهدة من الماضي والمستقبل والحاضر دون تسلسل زمني في محاولة لعرض التاريخ علي المسرح »‬تاريخ رفاعة الطهطاوي» باعتباره جزءاً من الحاضر بعد إلقاء الضوء عليه من خلال رؤية معاصرة كانت في النص رؤية نعمان عاشور، وأضيف إليها في العرض رؤية المخرج عصام السيد، رؤية الصورة والحركة، المخرج قدم إعداداً للنص أو قل للأحداث لم يختلف كثيراً عن نعمان عاشور سوي بالحذف أو الإضافة أو إعادة ترتيب الأحداث ففي الحالتين »‬النص والعرض » نحن أمام وقائع تاريخية تقدم نفسها، والمهم هو أسلوب العرض والعوامل المساعدة التي يتم من خلالها تجسيد الدراما التسجيلية علي خشبة المسرح، وقد استعان عصام السيد تقريبا بكل الوسائل التي يتم من خلاها تقديم هذا النوع من المسرح، سواء الأفلام السينمائية، والشرائح والوثائق، بالإضافة إلي الاستعراض والغناء والموسيقي، جاء الغناء ليكون جزءا من البنية الأساسية للعرض بالإضافة إلي الشرائح السينمائية المصورة أو التعليقات المكتوبة علي الشاشة وغالبا ما كانت تشير إلي الزمن والانجازات وذلك من خلال فضاء مسرحي يخلو تقريبا من الديكور باستثناء قطع قليلة رمزية توحي بالمكان والزمان واستغل القرص الدوار في خشبة المسرح لتدور عجلة الزمن والأحداث، والديكور في مجمله تجريدي ورمزي أحياناً، واختيار البطولة للغناء يشير إلي رؤية المخرج بوضوح، فالوسائل المساعدة هي الغناء والموسيقي. وحاول المخرج تقديم المحطات الرئيسية في حياة رفاعة، دون أن يكون تأريخاً أو تسجيلاً من خلال مجموعة من الوسائط الفنية التي كسرت حدة هذا التسجيل، وأهمها الغناء.
فبراير 2015/ المشهد الثالث
في فبراير 2015 عاد المسرح القومي لإغلاق أبوابه مرة أخري بعد شهرين فقط، وفي اليوم التالي لمغادرة وزير الثقافة الذي افتتح هذا المسرح عاد ليغلق أبوابه لسبب يبدو غريباً وهو حكاية السور وبناء حاجز ناحية كوبري الأزهر، وبدأ الحديث عن رشح المياه في غرف الممثلين، فالتسليم الذي حدث في ديسمبر 2014، هو تسليم مبدئي، وسوف يتم التسليم النهائي خلال عام وفقاً للمسئولين!
وفي نفس الوقت، استقال من مجلس الأمناء د.حسن عطية، ود. نهاد صليحة، الأول احتجاجاً علي مشاركة مجلس الأمناء في الأعمال المسرحية وأغلبه من الممثلين، ومن المفترض أن يمتنع هؤلاء طوال فترة عضويتهم لمجلس الأمناء عن المشاركة في أعمال المسرح القومي، واستقالت الدكتورة نهاد صليحة احتجاجاً علي عدم تنفيذ المشروع الذي يقترح استقلال المسرح القومي عن البيت الفني للمسرح. وأصبح المجلس يضم في أغلبه مجموعة من الممثلين الكبار وتباينت الآراء وتضاربت الأقوال بعد أن تم الإعلان عن اختيار مجلس الأمناء لعدد من النصوص التي سوف يتم تقديمها علي خشبة المسرح، ومنها جنة الحشاشين، وإخناتون وكلاهما فاز بجائزة ساويرس، ونص أسباني من تأليف أليخاندرو كاسونا، ونص للأمريكي أرثر ميلر »‬ساحرات سالم» ثم الاعلان عن تقديم أوبريت »‬ليلة من ألف ليلة» تأليف بيرم التونسي وألحان أحمد صدقي و المخرج الكبير سمير العصفوري ونص »‬بير السلم» من تأليف سعد وهبة أيضا قيد التصريحات، و هذه الاختيارات التي لا تدلنا علي هوية المسرح القومي، هل هو مسرح للريبرتوار أم للأعمال الكلاسيكية، أم للمسرح المعاصر، فهي مجرد اختيارات يمكن أن يقدمها أي مسرح! ليقبع المسرح القومي في منطقة الأزبكية مسكيناً بائساً مغلقاً بعد افتتاحه بأقل من شهرين، مجرد مبني أنيق ضحية للمسئولين، ضحية للوزراء، ضحية المسرحيين، ضحية للنزاعات الشخصية بين المسئولين، ضحية مجلس أمناء أصبح لا يمثل المسرحيين والذي تم تشكيله لأسباب يبدو أنها كانت غير مسرحية! استقال منه البعض، وأضاف إليه وزير الثقافة السابق البعض الآخر، بعضهم مصمم أن يشارك في عروض المسرح القومي أثناء فترة العضوية! وأصبح المسرح القومي مسخاً مشوهاً، يتبع البيت الفني للمسرح ويتبع مجلس الأمناء ولا يفعل شيئاً سوي أنه يغلق أبوابه!
وكان الحل هو النجم يحيي الفخراني من خلال أوبريت ألف ليلة وليلة تأليف بيرم التونسي وألحان أحمد صدقي، ومن إخراج محسن حلمي وكان هذا العمل تم تقديمه منذ عشرين عاما بنفس الفريق مع غناء علي الحجار وبالطبع مكانه المناسب والطبيعي قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية وليس المسرح القومي! وفي أغسطس 2015 تم افتتاح عرض ليلة من ألف ليلة بحضور وزير الثقافة د. عبد الواحد النبوي.
أغسطس 2015 / المشهد الرابع
عرض أوبريت ليلة من ألف ليلة الذي كتبه بيرم التونسي عام 1930 تقريباً، ووضع ألحانه أحمد صدقي، في مسرحية غنائية تهدف إلي المتعة والإضحاك من خلال الموسيقي والغناء، اختار لها شخصيات مصرية شعبية في صفاتها وهويتها وإن كانت تعيش في بغداد وفقاً لمكان وزمان الأوبريت في عهد الخلافة العباسية، الشخصية الرئيسية فيها »‬شحاتة» جوهرها الحيلة، فالحيلة القوة الفاعلة التي تحرك الأحداث في هذا العمل، حيث يحتال شحاتة في المشهد الأول علي المارة كشحاذ، ثم يحتال علي التجار في سوق الخياطين ويسرق الأثواب والمجوهرات، وحين يشكوه هؤلاء للوزير المعتصر يحتال عليه أيضاً بعد أن كان الوزير يرغب في التخلص منه واستخدامه في قتل الخليفة! ثم يحتال علي الخليفة حين يذهب إليه في شخصية الساحر وبعد أن يطعنه ويدخل السجن يحتال علي جوان غريمه الأزلي فيقتله ويخرج بدلاً منه، فحياته سلسلة من الحيل والخداع، شخصية أقرب إلي الشطار والعيارين راعي بيرم في بنائها أن يكون صاحبها مرحا واسع الحيلة، سهل الحركة، يقتل ويسرق ويشحذ ويحتال ويتعاطف معه المشاهد ! وهي شخصية بسيطة ومثيرة يتعاطف معها الجمهور رغم أخطائها، تتناسب وقالب الأوبريت الذي يعتمد علي الغناء والموسيقي والاستعراض من خلال حوار كلامي يطرح موقفاً درامياً حافل بالفكاهة تتخلله مقاطع غنائية وبعض الاستعراضات، هذه هي العناصر التي وضعها بيرم التونسي من خلال بناء درامي محكم استعار شخصياته وأفعالها من ألف ليلة وليلة بمنطق ألف ليلة وليلة اي اللامنطق، فكل شيء يحدث بسهولة، يقتل شحاتة ويحتال ويسرق بدون عوائق، مثل شخصيات الليالي التي تفعل كل شيء وتحقق أحلامها دون مبرر درامي، فماذا حدث في العرض علي مدي ساعة ونصف تقريباً في فصلين؟ حيث الاطار السردي الأساسي من خلال قصة أقرب إلي حكايات الليالي، وضع لها بيرم التونسي حبكة بسيطة لبناء الأحداث وترتيبها.
دون شك توفرت لهذا العمل في الماضي والحاضر كل أسباب النجاح كتابة بيرم التونسي وألحان أحمد صدقي ثم الفنان يحيي الفخراني والمخرج محسن حلمي، وهي أربعة عناصر من المفترض أن تكون السبب في نجاح أي عمل مسرحي، ولكن ماحدث كان مخيباً للآمال والتوقعات، ساعة ونصف من الملل تشاهد فيها منظراً جميلاً ولكن بلا روح، ثمة مشكلة في الإيقاع بمعناه الذي يصل إلي المشاهد من خلال الصورة البصرية والتشكيلات المكانية، الإيقاع باعتباره من المكونات الأساسية التي تدخل في بناء العمل وتحديد مسار الحكاية في تركيب المعني، فحين تكون هناك مشكلة في الحركة والموسيقي والأداء والصورة البصرية لابد أن يختل الإيقاع، فكما أننا في الطبيعة لا يمكن أن ندرك الإيقاع بشكل مجرد وإنما من خلال عناصر تتواجد في الطبيعة، يحدث هذا في المسرح أيضاً، من خلال الموسيقي والغناء، نعم نحن أمام ألحان العبقري أحمد صدقي ولكن حين يتم تقديمها علي خشبة المسرح في أوبريت قوامه الموسيقي دون أوركسترا، موسيقي مسجلة ومعها أيضاً أغاني الكورس مسجلة ؟ فحين تستمع إلي موسيقي مسجلة وتشاهد المجموعة تحرك الشفاه دون أن تغني، تشعر بأن الفرقة »‬لابسه مزيكا» أي الرجل الذي كان يرتدي حلة سوداء أنيقة ويحمل كمنجة لا تعمل فقط صورة بدون صوت يتم وضعه مع غيره في التخت حتي يزيد العدد وكانت مهنة شائعة في النصف الأول من القرن العشرين !! بالإضافة إلي الاستعانة بمطربين »‬محمد محسن وهبة مجدي» في غير مكانهما علي الاطلاق فكلاهما مساحة صوته أقل بكثير من ألحان أحمد صدقي، ناهيك عن عدم قدرة محمد محسن علي الأداء، يؤدي بلا مشاعر وكأن وجهه قطعة من الحجر لا تتأثر، الغضب مثل الفرح، تعبيرات وجهه وهو يغازل نجف لا تختلف حين طعنه شحاتة، واختار مهندس الديكور أسهل الحلول وأغرق الفضاء المسرحي بلوحات تجسد بغداد وقصورها ومساجدها وأسواقها بأسلوب واقعي يتناسب وعمل تليفزيوني تفوح منه رائحة الثراء وليس الخيال، صور بغداد كما جاءت في وصف المؤرخين بصورة تقليدية، نعم يبدو الديكور أنيقاً فخماً ولكنه يخلو من الابداع ويطرح بثرائه جمالية زائفة، أما الاستعراضات الفقيرة التي اقتحمت كل المشاهد فكانت عبئاً علي الأوبريت، بالحركة النمطية التي تخلو من المعني ولا تنتمي للحكاية، مجرد حركات محفوظة تصلح لكل موقف في أي مشهد، وخاصة وإن كان الراقصين والراقصات في ملابس فقيرة، فماذا سيتبقي من الأوبريت الذي وصلت ميزانيته إلي 850000 جنيه تقريباً، يبقي يحيي الفخراني النجم الكبير الذي أقيم من أجله هذا العرس واكتفي الجميع بالاعتماد عليه، ولكن بعد أن تشاهد الأوبريت أو بعد الفصل الأول يتأكد للمشاهد أن دور شحاتة ليس ليحيي الفخراني، شخصية كما ذكرت سلفاً لرجل يحتال ويكذب ويسرق ويقتل، سريع الحركة، فلا هي تناسب سن يحيي الفخراني ولا إمكانياته الجسدية، نعم هو ممثل قدير وعظيم ويضفي طابعاً خاصاً علي كل شخصية يؤديها، وحاول تطويع صوته ليتناسب والشخصية ولكن ثمة شروط للطبيعة البشرية لا يمكن الاحتيال عليها، حتي ولو كان التمثيل في إحدي تجلياته فن الخداع والتحايل ! كان الفنان الكبير يجد صعوبة في الحركة والصراخ الذي يحتاجه السارق والمحتال، نعم إذا أطل عليك وجه يحيي الفخراني مبتسماً أو غاضباً أو مازحاً تشعر بأنك أمام فيلسوف يؤدي علي خشبة المسرح، ولكن في هذا الأوبريت يؤدي دوراً لا يناسبه كمن يتحدث في موضع لا يعرف عنه شيئاً، لقد اجتمعت كل هذه العناصر لتجعل من الأوبريت جسداً يبدو جميلاً، فخماً أنيقاً، لكنها جماليات مزيفة لجسد بارد بلا روح.
ودون شك المشكلة كانت في الاختيار، اختيار عمل لا يناسب المسرح القومي، ومحاولة استغلال نجاح يحيي الفخراني في الملك لير والنجاح التليفزيوني، استثمار هذا النجاح وهذه سذاجة فنية، بل وانتهازية من المسئولين الذين يجهلون قيمة المسرح الذي يصنع النجوم في كل أحواله حتي في أضعف عصوره، فتم تسخير كل شيء لخدمة الممثل حتي وإن كان يحيي الفخراني! حيث كانت النية مبيته لتفصيل العرض علي مقاس الممثل حتي وإن كان غصباً، فليس فقط الكورس كان »‬لابس مزيكا» والموسيقي التي هي جوهر الأوبريت مسجلة سلفاً، بل الأوبريت بكامله كان في حلة أنيقة يحمل آلة موسيفية لا تعمل.
مارس 2016 / المشهد الخامس
في مفاجأة لم أصدقها في البداية قدم المسرح القومي دراما غنائية عنوانها »‬من القلب للقلب» لدرجة أنني ظننت أن المسرح القومي بعد افتتاحه وتعيين مجلس أمناء ترأسه الفنانة سميحة أيوب الفنانة المسرحية القديرة ! تم تغيير دوره وأصبح يقدم فقط المسرح الغنائي! وإلا لماذا يقدم ثلاثة عروض غنائية دفعة واحد، ثلاثة عروض يلعب فيها الغناء دور البطولة، ويمثل البنية العميقة للعرض، وليس مجرد مجموعة أغنيات في عرض، فلو حذفنا الغناء من العروض الثلاثة لانتهت صلاحيتها علي الفور، فهل أصبح المسرح القومي فرعاً لقطاع الفنون الشعبية والاستعراضية في الأزبكية ؟ هذه الدراما الغنائية كتبها الشاعر فؤاد حداد عن رواية الأمير الصغير للمؤلف أنطوان دوسانت إكزوبيري، وقدم لها معالجة شعرية، وقدمتها فرقة »‬اسكندريلا» مع أحمد كمال وعهدي صادق من إخراج رشدي الشامي، وهذه المعالجة كتبها فؤاد حداد منذ سنوات فلماذا تذكرها المسرح القومي الآن ؟ وهل كانت ضمن خطته التي وضعها المجلس الموقر أم ماذا؟ والحقيقة أنها كانت مجرد أمسية ستعرض ليلة أو ليلتين، ولأن الفنان يحيي الفخراني مشغول وبالتالي توقف عرض أوبريت ليلة من ألف ليلة ولن يعود سوي بعد عيد الفطر أي بعد أن ينتهي يحيي الفخراني من دراما رمضان، وكان سمير العصفوري قد رفض أن يملأ هذا الفراغ في تلك الفترة الميتة في الموسم المسرحي »‬فبراير ومارس وأبريل» بعرض بير السلم، ومشروع عرض هولاكو من تأليف فاروق جويدة وإخراج جلال الشرقاوي تعثر لأسباب عديدة عنوانها عدم الاتفاق بين المخرج وإدارة المسرح القومي، وبالتالي لم تجد الإدارة أمامها سوي أن تحول هذه الأمسية إلي عرض مسرحي ! يستمر لمدة شهر بدون جمهور تقريباً، ولمَ لا ونحن أمام عرض غنائي للأطفال، عرض متواضع في كل مفرداته، بالفعل أقرب إلي أمسية غنائية حيث فرقة اسكنريلا في خلفية المسرح وضعها المخرج في مستويات مختلفة أشبه بالمدرجات مع خلفية من الطبيعة، السماء والأشجار، وفي مقدمة المسرح الطيار / الراوي الذي أدي دوره أحمد كمال مع نموذج مصغر لطائرته التي تعطلت، ونموذجين للجبال، وفي هذا الفضاء تدور رحلة الأمير الصغير عبر الكواكب المختلفة في مشاهد نمطية.
المشهد السادس
بعد ثلاثة عروض غنائية أعلن المسرح القومي عن إنتاج عرضين »‬بير السلم» تأليف سعد وهبة وإخراج سمير العصفوري، وعرض »‬هولاكو» تأليف فاروق جويدة وإخراج جلال الشرقاوي ولم تكن سوي تصريحات وفي خضم فشل إدارة المسرح في تنفيذ هذه التصريحات تمت إعادة عرض المحاكمة من إخراج طارق الدويري والذي تم إنتاجه في 2014 وعرض علي مسرح ميامي قبل افتتاح القومي، وجاءت الأخبار بتعاقد المسرح القومي مع الكاتب المسرحي الكبير لينين الرملي لتقديم آخر نصوصه المسرحية »‬اضحك لما تموت » من إخراج عصام السيد ! وبالطبع هذا حدث كبير حيث إن لينين الرملي كاتب كبير ودون شك سوف يضيف إلي الأعمال التي قدمها القومي علي مدي تاريخه، لكن السؤال كان.. أي المسرحيات سوف يقدمها القومي هولاكو أم بير السلم أم اضحك لما تموت ؟ أم سيعلن القومي عن فشل المشروع كما أعلن سابقاً »‬ ليس إعلاناً صريحاً » عن فشل الاتفاقيات الأخري، وبالفعل كان جلال الشرقاوي أعلن عن بدء البروفات والبدء في تكوين فريق العمل، بل ووصل الأمر في مسرحية بير السلم التي كان من المفترض أن يقدمها العصفوري أن تحدثت إداراة المسرح القومي مع فريق العمل »‬ أنوشكا، حنان مطاوع، إدوارد»! لكن ما تم إنتاجه وعرض مسرحية َ»‬اضحك لما تموت».
فبراير 2018 / المشهد السابع
تقوم الحبكة الأساسية في مسرحية »‬اضحك لما تموت» التي قدمها القومي في فبراير 2018 علي التاريخ، فهو بمثابة القوة الفاعلة التي تحرك الأحداث وترسم وصورة حية للشخصيات فحركة الوقائع والأحداث منذ البداية وحتي النهاية حول هذا الموضوع، فليس الدكتور يحيي أو الفنان طاهر أو الخادمة شربات أو الجثة التي ترتدي نصف كفن سوي رموز لهذا التاريخ، وحتي المستقبل الضائع والمشوه ممثلا في ابنة طاهر التي هاجرت دون رجعة وابن يحيي الغاضب من الجد والأب أيضاً ليس سوي ناتج لهذا التاريخ، وهذه المرة لم يكتب لينين الرملي في أحدث مسرحياته والتي تحمل رقم 51 ضمن أعماله كوميديا بل كتب مأساة الحاضر المصري كما يراه منذ عام 2010 وحتي عام 2014 زمن الكتابة ليحاكم أزمنة متعاقبة من الماضي القريب وأيضاً البعيد ليجسد هذه المأساة من خلال كوميديا سوداء مستخدماً لغة أقرب إلي المحاكاة التهكمية، لغة عميقة ذات طابع فلسفي تبطن عكس ما تظهر، فالشخصيات تقول شيئاً وتقصد شيئاً آخر، لغة عارية تماماً وفي أحيان كثيرة كأنها طلقات رصاص أطلقها المؤلف في وجه التاريخ ومن كتبوه أيضاً، حيث يطرح النص تناقضات الحاضر بكل تجليات هذا التناقض من خلال يحيي سعد أستاذ التاريخ والاسم والوظيفة يدلان علي الشخصية بقوة، بالإضافة إلي أنه ابن مناضل وفدي منحه اسم يحيي حتي يردد طيلة عمره »‬يحيي سعد » أي سعد زغلول الزعيم الوطني، والشخصية الثانية صديق طفولته طاهر الفنان التشكيلي والمناضل الثوري، وكلاهما بلغ سن الشيخوخة وأصابته الأمراض، يحيي أصيب أو يدعي الزهايمر، مع جملة أمراض أخري منها السرطان، أما طاهر فيبحث عن وسيلة انتحار بعد أن أصابه اليأس، وهذه هي الأمراض التي أصابت التاريخ وليس يحيي وطاهر سوي رموز لهذا التاريخ المريض الذي أصابته الشيخوخة، حيث يلعب الزمن دوراً أساسياً في النص، فإذا كانت الأحداث تدور في الحاضر إلا أن التاريخ شريك أساسي في اللعبة، وما الجثة التي تقبع في الثلاجة وتخرج بين الحين والحين لتناوش الرجلين ليس سوي التاريخ في صورة عجوز بطربوش متشحاً بنصف كفن يمر بخطي منتظمة، وذات مرة يصرخ في وجه يحيي »‬أنا ميت يا بني انتو اللي مش عايزين تغسلوني وتكفنوني زي الناس»! وقد اختار المؤلف لحظة فارقة في حياة المصريين لتكون زمن الحدث وهي وقائع وأحداث الخامس والعشرين من يناير 2011 حين انتفض الشعب المصري مطالبا بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، انتفض ضد تاريخ حافل بالظلم والقهر والاستبداد.
والنص الذي كتبه لينين الرملي في أربعة مشاهد تحول علي خشبة المسرح القومي إلي فصلين من خلال منظر مسرحي لم تتغير مفرداته علي مدي أكثر من ساعتين، حيث الشقة التي تطل علي ميدان التحرير فضاء الأحداث، تدل بقوة علي طراز بدايات القرن العشرين فهي شقة أسرة الدكتور يحيي والتي شهدت طفولته مع والده السياسي الوفدي والذي يلعب بعد رحيله دوراً فاعلاً في الأحداث، إذ تحوي بين جدرانها أحداثاً وحقبا من تاريخ هذه الأمة وشهدت صراع ثلاثة أجيال الجد والأب والابن، وفي أعلي المسرح صورة بانورامية لميدان التحرير أثناء أحداث الخامس والعشرين من يناير، وفي عمق المسرح الذي يشاهده الجمهور من خلال نافذة كبير ة في بيت يحيي، تدور أحداث الثورة من خلال مجموعة من الاستعراضات الحية التي تجسد يوميات الميدان بين الحين والحين، وفي نهاية العرض سوف يدخل هؤلاء إلي فضاء الأحداث بعد أن يموت يحيي، وسوف يستخدم المخرج حوائط البيت كشاشات تعرض مادة سينمائية تجسد الأحداث المحورية لعائلة يحيي أما طاهر الصديق الذي لجأ إلي شقة يحيي التاريخية بعد أن طردته زوجته الثانية التي في يدها العصمة وكتب لها كل أملاكه نشاهد أمل ابنته من زوجته الأولي والتي هاجرت إلي أوربا من خلال شاشات تسقط من فضاء المسرح تجسد حياتها هناك، ليضع المخرج المشاهد أمام عدة أزمنة، فإذا كانت الصورة / اللوحة توقف عامل الزمن زمن العرض وتحيل المشاهد إلي زمن الصورة، فإن الشاشة علي خشبة المسرح معالجة للزمن وخاصة أن هناك حوارا بين هذه الشاشات، وبين أبطال العرض الحي علي خشبة المسرح، حوارا بين أزمنة متعددة، فثمة حوار بين الماضي والحاضر والمستقبل أيضاً.
استراحة
لم يستمر عرض اضحك لما تموت طويلاً لظروف مرض محمود الجندي ثم نبيل الحلفاوي، حتي إن العرض لم يشارك في المهرجان القومي للمسرح، وظل المسرح القومي لا يعمل إلا من خلال استقبال عروض المهرجانات مثل القومي والتجريبي أو تقديم سهرات رمضانية كما حدث حين أعاد تقديم »‬حيّ علي بلدنا» تأليف فؤاد حداد وإخراج أحمد إسماعيل، الاتفاق حول عروض لا تتم مثل عرض »‬ هولاكو» الذي بدأ جلال الشرقاوي في العمل به بالفعل، أو التفاوض مع سمير العصفوري حول بير السلم أو الحديث عن عرض سوف يقدمه خالد جلال بطولة سميحة أيوب، وفي النهاية يقدم عرض المعجنة تأليف سامح مهران وإخراج أحمد رجب.
المعجنة
15 نوفمبر 2018 المشهد الثامن
من خلال حكاية تعتمد في بنائها العميق علي لغة الشوارع الحافلة بالإيحاءات الجنسية واللغة البذئية التي تبرز كل ماهو قبيح في الإنسان أبطالها شخصيات يعيشون علي الحقد والكراهية يقوم النص المسرحي »‬المعجنة» تأليف سامح مهران حيث تؤكد افعال الشخصيات علي الانهيار التام لمنظومة الأخلاق في المجتمع المصري وخاصة في الطبقة الشعبية موضوع الحدث حيث العائلة المصرية التي انهارت إلي الحضيض نتيجة لفساد وانحطاط الأب كبير العائلة، وسوف ينتهي النص باسقاطات تاريخية غير مفهومة وغير مبررة درامياً . وأغلب الظن أن هناك فكرة نظرية أو مقولة حاول المؤلف معالجتها دراميا من خلال هذا النص الذي منحه اسم »‬المعجنة» ربما حاول التعبير عن حالة الفوضي والتدهور الأخلاقي الذي أصاب جزءا من المجتمع المصري وخاصة في السنوات الأخيرة واختار قالب الكوميديا وطابع السخرية .لكن ظلت الفكرة النظرية هي السائدة هي الأقوي فلم تتحول إلي عمل درامي بقدر ماكانت مجموعة من المقولات والإرشادات خفف من حدتها الطابع الكوميدي، فالتعبير الدرامي عن انهيار منطومة القيم لم يكن سوي مجموعة من الألفاظ البذيئة والايحاءات الجنسية والأفعال الفجة من قبل الأب ناحية الأبناء والعكس ، وهجوم غير مبرر علي التاريخ !
وتقريباً التزم أحمد رجب الذي أخرج العرض علي خشبة المسرح القومي بالمشاهد الأربعة ووضعها في فصلين انتهي الأول بموت الأب بسب فعل يغلب عليه طابع الفنتازيا أو اللامنطق حيث يموت بعد أن تغضب عليه الطفلة تحفة وتدعو عليه بالموت فيصاب بأزمة قلبية وأثناء لحظات الاحتضار يتشفي الابن في موت أبيه وحتي هذه اللحظة نحن أمام عرض يغلب عليه الطابع الكوميدي ويعتمد علي صيغ الفودفيل حيث المواقف المضحكة ، والحوادث المعقدة والمفاجئة وعلي الالتباس ، لنتعرف علي هذه العائلة / الشعب في اللحظات الأولي والأبن مفتاح يلهو مع عشيقته في البيت بينما أخته »‬حكاية» في الغرفة المجاورة أيضاً مع عشيقها الذي خبأته تحت السرير حين فاجأ الأب أبنائه لتتوالي المواقف المضحكة والمفاجئة التي تثير ضحك الجمهوربكل ما تحتوية من ألفاظ جنسية وكلمات تؤكد علي فساد هذه العائلة من خلال مشهد لم يتغيير حيث يحتل البيت فضاء المسرح وتلعب الأسرّة بكل دلالتها دوراً كبيراً فهي تروي ملامح هذه الشخصيات وعلاقتها بالعالم فالعرض يجسدها وكأنها لا تفكر سوي في الجنس والتآمر والحقد والكراهية ، وهذة وجهة نظر المؤلف ، ليموت الأب في نهاية الفصل الأول بسبب يبدو ساذجاً حيث تنهرة الطفلة »‬تحفة» ابنة »‬الحلواني» التي ربتها انشراح بعد أن طلب منها الأب أن تعتني بها ، والحلواني طبعا هو الذي بني مصر وابنته تحفه رمز الحياة التي دعت علي عبده رمز الشر فمات في الحال ! وفي سبيل البحث عن الكنز تستعين العائلة التي سقطت ضحية الجهل بمن يقوم بتحضير روح عبده لتدلهم علي الكنز ليزدحم العرض بمزيد من الحبكات الثانوية ، وبالفعل نشاهد عبده في ملابس الفرعون رمسيس ومعه جنوده الفرعون الذي يعرف عنهم كل شيء ، ويأخذ معه »‬حكاية» والاسم لا يخلو من دلالة إلي المقبرة لكن الشرطة والا سعاف تنقذها من المقبرة / الهرم وتعود فهل التاريخ الفرعوني سبب هذا التدهو ، وفي نهاية العرض تم إنقاذ الجكاية ، وهل عبده هذه الشخصية القبيحة امتداد للفرعون رمسيس؟ وهل هذا المزيج من أسلوب الفارس والفودفيل والذي اعتمد علي الغناء والاستعراض ، ومجموعة من الأفكار والقضايا الملتبسة وحوار قوامه لغة الشارع الحافلة بالإيحاءات الجنسية يناسب المسرح القومي ، أم أن هذه لتجربة بما لها وما عليها تناسب قاعة تجريبة يعرض فيها المؤلف أفكاره النظرية حول الواقع والتاريخ ؟
خاتمة
وفي النهاية وبعيداً عن اختفاء مشروع إعادة هيكلة المسرح القومي واستقلاله عن البيت الفني للمسرح، بل وسوف أتجاوز عن أشياء كثيرة يمكن للقارئ أن يلمحها بين السطور، وبعيداً أيضا عن القيمة الفنية للعروض السابقة، هل يناسب المسرح القومي تقديم ثلاثة عروض غنائية من بينها عرض للأطفال ؟ ثم إقصاء كبار المسرحيين من القومي وعلي رأسهم سمير العصفوري وسعد الدين وهبة وجلال الشرقاوي وغيرهم لصالح مجموعة بعينها، فهل هذه رؤية المسئولين الآن ؟ وبالفعل أسأل هل هناك استراتيجية لإدارة هذا الرمز القومي، أم هي إدارة المصادفة وأشياء أخري؟.
وأخيرا ربما تقرأ وزيرة الثقافة هذا المشروع الذي اختفي في ظروف ليست غامضة حتي يظل المسرح القومي مجرد مسرح بدون هوية ويقرأ الجميع ويعرفون كيف تدار العملية المسرحية في مصر وليس المسرح القومي الذي قدم في أربع سنوات خمسة عروض جميعها لا تتناسب وهويته، إلا إذا استثنينا نص لينين الرملي. خمسة عروض كان من المفترض أن يقدمها في موسم واحد وليست أربع سنوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.