مازالت كلمات المستشار محمد بك نور وكيل النائب العام ترن في أذني عندما قال: »إن العالم والباحث لا يحاكم بنتيجة بحثه، بل يناقشه العلماء، فهو مجتهد، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر، ويمكن أن يراجع نفسه، ويناقشه العلماء ويراجعوه في بعض ما اجتهد فيه» وفي نهاية التحقيقات أصدر قرارا ببراءة عميد الأدب العربي طه حسين مما نسب اليه من شطط في كتابه »الشعر الجاهلي». كذلك فعل مجمع البحوث الاسلامية عندما طلبت المحكمة رأي الأزهر الشريف في كتاب »أبي آدم» للدكتور عبدالصبور شاهين حيث شكل المجمع لجنة من الدكتور عبدالرحمن العدوي عميد كلية الدعوة الأسبق والدكتور محمد رأفت عثمان عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق والدكتور عبد المعطي بيومي عميد كلية أصول الدين الأسبق، وأعدت تقريرا للمحكمة مفاده أن الباحث وقع في بعض الأخطاء البحثية والمنهجية التي ناقشناه فيها، ووعد بإعادة النظر فيها، وحصل الدكتور عبدالصبور شاهين علي البراءة في القضية التي رفعها عليه الشيخ يوسف البدري. أما الموقف الذي لا يفعله إلا عالم جليل مثل المرحوم الشيخ إبراهيم جلهوم كبير الأئمة الأسبق بمسجد السيدة زينب -رضوان الله عليها- فكان مفاجأته للمستمعين بإذاعة القرآن ذات صباح بأنه تسرع أمس بالإفتاء بجواز قراءة قول المولي سبحانه وتعالي: »إنما يخشي الله من عباده العلماء» بضم الهاء في لفظ الجلالة، وفتح الهمزة في كلمة العلماء، وذلك حتي لو كانت القراءة في السرادقات والأماكن العامة، وقال: بعد الحلقة راجعتني محفّظة للقرآن الكريم، وطلبت مني العودة لكتب القراءات، فوجدت انها علي حق، وقد أغراني بالتسرع أن أبا حنيفة النعمان أخذ بهذه القراءة في فقهه وابن سيرين في زهده وعمر بن عبد العزيز في عدله، لذلك أتراجع عن فتوي أمس واقول: إن هذه القراءة لا تجوز في السرادقات والأماكن العامة. وبالأمس القريب اجتهد استاذ جامعي مرموق في تفسير القرآن بقول لم نره في أي تفسير منذ عبدالله بن عباس حتي إمام الدعاة الشيخ محمد متولي الشعراوي، كما أنني لم أجد سندا لغويا لهذا الاجتهاد، لأنه يفسر قول الله تعالي: »وهذا البلد الأمين» بأنه مصر وليس مكة، لكن الاجتهاد له ضوابطه ومنهجيته البحثية، البحث العلمي في حاجة إلي تشجيع الباحثين علي الاجتهاد لا تخويفهم وإرهابهم فهم رواد التنوير.