الراقصة أمي أخبروني أنك كنتِ راقصة أخبروني أن لك ساقين جميلتين تحملان جسدك البديع أخبروني أنك كنتِ راقصة. أمي أخبروني أنك كنتِ تجيدين الغناء وتغمضين عينيك عندما تُحسين بكلمات الأغنية، ثم ترفعين وجهك نحو السماء وأخبروني كذلك أن رقصك كان ساحراً. أمي أخبروني أنكِ كنتِ رقيقة علي الدوام مثل صفصافة تتمايل مع الرياح فوق نهر صافي المياه في مطلع الربيع. وأخبروني أنك كنتِ ترقصين ببطء. أمي أخبروني أنك كنتِ راقصة أفراح وأنك اعتدتِ علي الابتسام وأنتِ مغمضة العينين وتحركين ذراعيك وتركلين الرمال بقدميكِ تشت تشت شا.. تشت تشت شا يا إلهي! كم تمنيت أن أراكِ. أخبروني أن رؤيتك كانت تبعث البهجة في النفوس. أمي أخبروني أنني راقصة كذلك ولكني لا أثق في كلامهم ولا أعرف معني »راقصة الأفراح». لم تعد الأفراح تقام مؤخراً، وصرنا نرقص ونغني في الكثير من الجنازات نُسرع الخطو بجوار الأكفان؛ كفن شاب كان ينبغي أن يكون عريساً أو كفن فتاة كان ينبغي أن تكون عروساً. وعلي وجوهنا ابتسامات بلهاء بدلاً من الدموع وعيوننا مليئة بالرغبة في الانتقام. أمي الحبيبة، أخبروني أنني راقصة جنازات. في صُحبة الكلمات مدهش وعجيب ومُريح، أن يكون لي عينان لأقرأ ويدان لأكتب وحب عميق للكلمات. أنا محظوظة لقدرتي علي التحدث بعدة لغات جميلة، لأنني أحب كلمات الأسلاف. تُجسّد الكلمات سعادتي حين أكون سعيدة. وحين أشعر بالحزن والارتباك، تتحول الكلمات إلي طين، يسمح لي بإعادة تشكيل أفكاري المُشوشة حتي أعثر علي سلامي النفسي. كان عليّ أن أختار بين القراءة والبكاء فاخترت القراءة علي الفور. فالكتاب الجيد ينجح في تخفيف آلامي وشعوري بالتوتر. وكم من مرة ساعدتني شخصيات من بلاد بعيدة علي احتمال الألم وكبح الغضب. وكم هدأت أعصابي أو انتصرت علي الأرق بقراءة كتاب فكاهي قديم، وأجريتُ حديثاً وديّاً بين قلمي وأوراقي. أتجه إلي مكتبي في هدأة الليل وأجلس بلا أفكار في رأسي، ولكن الكلمات تسيل علي الورقة وتتدفق من بين أطراف أصابعي وأشعر أن جسدي كله يبتسم. أرحبُ بكل الكلمات؛ وكأنها أصدقاء طيبون يرقصون من حولي وينثرون الأحرف في دوائر علي الجدران. لم أولد لكي أشعر بالملل، هذه قناعتي. فكيف يتسلل الملل مخترقاً تلك الدوائر الأبدية من الكلمات. وهذا هو سر سعادتي في صُحبة الكلمات.