«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنقرة - واشنطن.. حسن ومُرقص في قلب الأزمة
نشر في أخبار الأدب يوم 21 - 08 - 2018

عندما وقعت عينا القس الإنجيلي الأمريكي أندرو برانسون علي إخطار الاستدعاء من الشرطة علي باب بيته، في أواخر صيف 2016 اعتقد أنه لقاء عادي لحل مشكلة أوراق إقامته في تركيا التي يعيش فيها منذ ما يقرب من ربع قرن.
وعندما توجه إلي مركز الشرطة في السابع من أكتوبر 2016 تم احتجازه، ووجهت إليه تهمة الضلوع في محاولة انقلاب. ولا يزال القس محتجزا وأصبح الآن محور أزمة دبلوماسية غذي وقودها أخطر أزمة عملة تواجهها تركيا منذ حوالي 20 عاما.
إردوغان يطالب ترامب بتسليم الداعية الإسلامي "كولن" قبل الإفراج عن القس "برانسون"
تركيا مطالبة بسداد 230 مليار دولار قبل نهاية العام
بإمكان تركيا ابتزاز أوروبا بورقة اللاجئين للضغط علي أمريكا
ترامب أطلق رصاص الحرب التجارية ولكنها قد ترتد إلي صدور البنوك الأمريكية
محاميه إسماعيل جيم هالافورت قال لرويترز "من الواضح أن ما شعر به كان يفوق الدهشة". وكان برانسون يعيش ويمارس نشاطه التبشيري في أزمير المدينة التركية الواقعة علي ساحل بحر إيجه بالقرب من بعض من التجمعات العمرانية الأولي في تاريخ الديانة المسيحية.
وقال برانسون في أول جلسات محاكمته إنه يعمل علي "تنشئة أتباع يسوع" في بلد يكن له حبا شديدا. وفي يوليو الجاري، وبعد قضاء قرابة عامين في السجن تم نقل برانسون إلي الإقامة الجبرية. ويوم الجمعة الماضي رفضت محكمة استئناف إطلاق سراحه وقالت إن عملية جمع الأدلة لا تزال جارية وأنه من المحتمل أن يفر من البلاد وذلك وفقا لما ورد في نسخة من قرار المحكمة.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يطالب بالإفراج عن برانسون دون قيد أو شرط ووصفه بأنه "رهينة وطني عظيم" وفرض عقوبات ورسوما جمركية علي تركيا الأمر الذي كان له دوره في دفع عملتها الليرة للهبوط إلي مستويات قياسية. أما الرئيس التركي رجب طيب إردوغان فربط إطلاق سراح برانسون بمصير فتح الله كولن الداعية الإسلامي التركي الذي يعيش في الولايات المتحدة ويتهمه إردوغان بالوقوف وراء محاولة الانقلاب التي وقعت في يوليو 2016. ورد إردوغان بزيادة الرسوم الجمركية علي ما تستورده بلاده من الولايات المتحدة من سيارات ومشروبات كحولية وتبغ.
وقال الرئيس التركي في خطاب ألقاه في سبتمبر 2017، لضباط الشرطة في أنقرة، موجها حديثه للولايات المتحدة "أنتم أيضا لديكم قس (يقصد الداعية الإسلامي فتح الله كولن) سلموه لنا ثم نحاكم برانسون ونسلمه لكم". ورفضت واشنطن هذا الاقتراح. ودفع تدهور العلاقات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي بقضية برانسون إلي صدارة المسرح الدولي وجعل القس الأمريكي البالغ من العمر 50 عاما محور اهتمام غير متوقع في أزمة العملة التي هزت الأسواق الناشئة علي المستوي العالمي.
المحاكم التركية رفضت الالتماس تلو الالتماس للإفراج عن برانسون والسماح له بمغادرة تركيا. وقال مسؤول تركي كبير ردا علي سؤال عن القضية إن القضاء مستقل والفصل في الأمر يرجع إلي المحاكم. وقال المحامي هالافورت إن القس برانسون، القادم من نورث كارولاينا لم يكن منزعجا عندما ذهب إلي مركز الشرطة أول مرة. وكان أسوأ ما توقعه أن تمنحه السلطات مهلة أسبوعين لمغادرة البلاد وهو الإجراء المعتاد في حالة مخالفة قوانين الإقامة ثم العودة إلي تركيا عندما يتم تسوية أوراقه.
وبدلا من ذلك تم حبسه في مركز احتجاز لمدة شهرين قبل القبض عليه رسميا في التاسع من ديسمبر 2016. ووُجهت إليه تهمة ارتكاب جرائم لحساب حزب العمال الكردستاني الذي يشن حملة تمرد مسلح علي الدولة التركية، منذ عام 1978، للانفصال بمناطق الجنوب التركي، كما وُجهت له تهم بالعمل لحساب شبكة كولن. كما اتهمت السلطات برانسون بالكشف عن معلومات تخص الدولة "علي سبيل التجسس السياسي أو العسكري". ونفي برانسون كل الاتهامات الموجهة إليه. وتصنف أنقرة حزب العمال الكردستاني وشبكة كولن باعتبارهما منظمات إرهابية.
من هو كولن؟
محمد فتح الله كولن مفكر إسلامي وداعية تركي، ولد في 27 أبريل 1941 في قرية صغيرة بمحافظة أرضروم، ونشأ في عائلة متدينة.
بدأ عمله الدعوي في أزمير في جامع (كستانه بازاري) في مدرسة تحفيظ القرآن التابعة للجامع، ثم عمل واعظاً متجولاً، فطاف في جميع أنحاء غربي الأناضول، وكان يجوب البلاد طولاً وعرضاً كواعظ متجول يلقي خطبه ومواعظه علي الناس في الجوامع، كما كان يرتب المحاضرات العلمية والدينية والاجتماعية والفلسفية والفكرية. وكولن كان أستاذ إردوغان في يوم من الأيام، وهو من ساعده في النهوض بتركيا اقتصادياً من خلال ضخ استثمارات مليارية في المدن البعيدة عن العاصمة، وهو أيضاً من رسم لإردوغان خطة تهميش الجيش وإبعاده عن الحياة السياسية في الفترة من 2001 إلي 2010.
علي عكس نجم الدين أربكان الذي يعد أبا الإسلام السياسي في تركيا، فإن فتح الله كولن يطلق عليه "أب الإسلام الاجتماعي"، فهو مؤسس وزعيم حركة كولن الدينية التي تمتلك مئات المدارس في تركيا وخارجها، بدءاً من جمهوريات آسيا الوسطي، وروسيا وحتي المغرب وكينيا وأوغندا، مرورا بالبلقان والقوقاز، كما تملك الحركة صحفها ومجلاتها وقنواتها التلفزيونية الخاصة، وشركات وأعمال تجارية ومؤسسات خيرية، ولا يقتصر نشاط الحركة علي ذلك بل يمتد إلي إقامة مراكز ثقافية خاصة بها في عدد كبير من دول العالم، وإقامة مؤتمرات سنوية في بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بالتعاون مع كبريات الجامعات العالمية من أجل دراسة الحركة وتأثيرها وجذورها الثقافية والاجتماعية. ويري الأمريكيون في الحركة نموذجاً إسلامياً معتدلاً يمكن الاحتذاء به.
شاهد سري
يتضح من قائمة الاتهام ومقابلات مع محاميه وثلاثة من جلسات المحاكم، أن الاتهامات الموجهة إلي برانسون تتركز حول دعم الأكراد الانفصاليين وإجراء اتصالات مع من تقول السلطات إنهم دبروا الانقلاب الفاشل.
وقال برانسون للقاضي في أول جلسات المحاكمة في أبريل الماضي "جئت إلي تركيا عام 1993 لأحكي للناس عن يسوع المسيح". كان يرتدي بدلة سوداء وقميصا أبيض ويتحدث بطلاقة باللغة التركية متجاهلا المترجمين الاثنين الذين كلفتهما المحكمة بترجمة أقواله. وأكد "لم أفعل شيئا في الخفاء قط خلال وجودي في تركيا. كانت الحكومة تراقبنا طوال الوقت لكني لم أفعل شيئا ضد تركيا".
ورد القاضي بأنه لا يحاكم للقيام بأنشطة تبشيرية بل عن الاتهامات الموجهة إليه. وتساءل ممثلو الادعاء عن سبب سفره مئات الأميال من كنيسته علي الساحل الغربي في تركيا إلي الجنوب الشرقي الذي يغلب عليه الأكراد وينشط فيه حزب العمال الكردستاني.
من الأدلة الداعمة للاتهامات رسائل علي هواتفه وتفاصيل عن سفرياته وشهادة من المترددين علي كنيسته كما يشير قرار الاتهام إلي ثلاثة شهود سريين يشار إليهم رمزا بأسماء "صلاة" و"نار" و"شهاب". كما تستند قائمة الاتهامات إلي بيانات تحركاته عبر نظام تحديد المواقع، والتي تبين قيامه برحلات إلي سوروك قرب الحدود السورية وإلي مدينة ديار بكر الكردية وإلي اجتماع عقده في 2010 مع رجل وصفه أحد الشهود السريين بأنه جندي من القوات الخاصة الأمريكية.
برانسون دافع عن نفسه بالقول إن رحلاته إلي المناطق الكردية كانت تهدف لمساعدة اللاجئين الهاربين من الحرب في سوريا. وأضاف "أنا لا أقبل ما يقال بأنني تصرفت بما يتفق مع أهداف حزب العمال الكردستاني .. كنا نريد تنصير اللاجئين السوريين القادمين إلي أزمير. فأنا لا أفرق بين هوياتهم العرقية".
ونقلت قائمة الاتهام، عن الشاهد السري "صلاة"، قوله إن هناك صلات بين برانسون وأشخاص يعتقد أنهم أفراد بارزون في شبكة كولن. وقال هالافورت إن الشاهد فشل في تقديم أدلة ملموسة علي أي من هذه الاتصالات. وقال الادعاء في قائمة الاتهامات إن تسجيلات هاتفية لبرانسون وشهادة الشاهد تؤكد هذه الاتصالات.
ولم يكن برانسون في تركيا أثناء محاولة الانقلاب لكن محاميه يقول إنه عجل بالعودة بعدها. وفي إحدي الرسائل الواردة في قائمة الاتهامات، وصف محاولة الانقلاب بأنها "صدمة". وجاء في الرسالة المؤرخة بتاريخ 21 يوليو 2016 والموجهة إلي قس آخر "كنا ننتظر بعض الأحداث التي تهز الأتراك وتمهيد الظروف لعودة يسوع.. أعتقد أن الوضع سيزداد سوءا. سننتصر في النهاية". ولم ينف برانسون إرسال تلك الرسالة لكنه قال إنها أساء فهمها.
لا نعرفه
في حي السنجق في أزمير الذي كان يعيش فيه برانسون مع زوجته، وصفهما صاحب صيدلية بأنهما "هادئين". وقالت صاحبة متجر يبعد شارعين عن بيته إنها لم تلتق به أو بزوجته قط، وأضافت "أنا أعرف الجميع في هذا الحي وليست لدي أدني فكرة أن هؤلاء الناس كانوا يعيشون هنا". وتقول الحكومة التركية إنها كذلك لم تكن تعلم شيئا عن برانسون إلي أن أثارت القنصلية الأمريكية قضيته.
وقال وزير الخارجية مولود تشاووس أوغلو هذا الشهر إن القضية بدأت بشكوي جنائية قدمها مترجم عمل لحساب برانسون ونفي القبض علي القس لاستخدامه كورقة سياسية. وخلال الشهر الجاري، قال وزير الخارجية التركي تشاووس أوغلو في اجتماع للحزب الحاكم في مدينة ألانيا الساحلية الجنوبية، "ما الفائدة المحتملة التي يمكن أن تعود علينا من هذا الشخص". وأكد الوزير التركي أن مفاوضات جرت مع الجانب الأمريكي "بأشكال مختلفة" لكنه امتنع عن الإدلاء بمزيد من التعليقات.
وفي قمة عقدها حلف شمال الأطلسي في العاصمة البلجيكية بروكسل الشهر الماضي، بحث ترامب وإردوغان قضية برانسون. وقال مصدران أمريكيان إن ترامب اعتقد أنه اتفق ونظيره التركي علي صفقة لإطلاق سراح القس الأمريكي، فيما نفت تركيا التوصل إلي اتفاق.
وكان إردوغان طلب مساعدة أمريكية في إقناع السلطات الإسرائيلية بالإفراج عن التركية إبرو أوزكان التي كانت محتجزة في إسرائيل بتهمة وجود صلات بينها وبين حركة المقاومة الإسلامية حماس، ورحلت تل أبيب الفتاة التركية إلي أنقرة بالفعل يوم 15 يوليو الماضي. وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إنه كان من المنتظر أن تطلق أنقرة في المقابل سراح برانسون. ولكن أنقرة تنفي أنها وافقت علي إطلاق سراح برانسون في المقابل.
وقال المسؤول الأمريكي إن واشنطن اعتبرت إخراج برانسون من السجن إلي الإقامة الجبرية بعد ذلك بعشرة أيام مقابلا ضئيلا جاء متأخرا "ولم تسر علي ما يرام" مكالمة هاتفية بين الزعيمين ترامب وإردوغان في 26 يوليو. وبعد ساعات أعلن ترامب فرض عقوبات علي اثنين من وزراء الحكومة التركية. وقال ترامب للصحفيين في البيت الأبيض في إشارة إلي برانسون "كان يجب أن يسلموه لنا منذ فترة طويلة. تركيا تصرفت في رأيي بطريقة سيئة جدا جدا". ومن المقرر أن تعقد جلسة محاكمة برانسون في أكتوبر المقبل.
الوضع الاقتصادي
توتر العلاقة مع الولايات المتحدة، ألقي بظلاله علي الاقتصاد التركي، حيث خسرت الليرة التركية حوالي 30٪ من قيمتها مقارنة بالدولار الأمريكي منذ بداية العام الجاري، وانخفض حجم التداول في سوقها المالي إلي 17٪، أو إلي 40٪ إذا جري قياسه علي الدولار الأمريكي كما يفعل بعض المستثمرين الأجانب.
هناك أيضاً مقياس آخر تتم متابعته في السوق وهو تكلفة ديون الدولة، فاستدانتها لمدة 10 سنوات من نفس عملتها تكلفها 18٪ سنوياً، بل وحتي الاقتراض بالدولار يعد باهظاً بالنسبة لتركيا بمعدل يقارب 7٪.
ولكن ما لا ينتبه له الأمريكيون، هو أن رصاص تلك الحرب التجارية قد ترتد إلي صدوروهم، ووفقاً لنظرة الأواني المستطرقة، فإذا عجزت البنوك التركية عن سداد ما عليها من التزامات للبنوك الأوروبية، فإن تلك الأخيرة ستعجز بالتالي عن سداد ديونها للبنوك الأمريكية، كما أن تركيا قد تمارس ابتزازاً من نوع آخر علي أوروبا للضغط علي حليفها الأمريكي، وهو ما قد يحدث من خلال فتح الطريق للمهاجرين وغض الطرف عنهم عمداً للانطلاق إلي القارة العجوز من خلال الحدود التركية، وهو ما يمكن من خلاله تفسير تصريح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، الرافضة للعقوبات الأمريكية علي أنقرة، حينما قالت إن الأزمة الاقتصادية في تركيا قد تهدد السلم العالمي. كما أن العقوبات والرسوم الجمركية التي يصر ترامب علي فرضها علي تركيا والصين وروسيا وإيران، قد تدفعهم جميعاً لإنشاء سلة عملات بديلة للقضاء علي سطوة الورقة الخضراء.
أخطار الاستدانة
تعاني تركيا من عجز في ميزان تجارتها الخارجية، فوارداتها أكثر من صادراتها، ما يعني أنها تنفق أكثر مما يدخل إليها من أموال. والعجز يجب أن يُمول إما من استثمارات أجنبية أو بالاستدانة. ولا يعتبر هذا بحد ذاته غريباً أو خطيراً، لكن العجز لدي تركيا أصبح كبيراً جداً فقد بلغ 5.5٪ من الدخل القومي أو من إجمالي الناتج المحلي العام الماضي.
هناك مظهران للدين الخارجي في تركيا زاد من ضعف اقتصادها، الأول أن لديها مستوي عاليا من الديون بعضها مستحق الدفع في القريب العاجل بالإضافة إلي الديون الجديدة، وهذا يعني بلغة السوق المالي أنه يجب إعادة تمويل الدين. وتقدر وكالة تقييم الاستثمار "فيتش" أن الحاجة المالية الكلية لتركيا هذا العام ستبلغ ما يقارب 230 مليار دولار.
المظهر الثاني يتمثل في استدانة الكثير من الشركات التركية بالصرف الأجنبي، وتُعد هذه القروض أكثر تكلفة عند إعادتها في حال انخفضت قيمة العملة المحلية وهو ما حدث بالفعل. كما صعّد ضعف العملة مشاكل التضخم المُلحّة في تركيا، فكلما ضعفت قيمة الليرة زادت تكلفة الواردات.
وكان لدي المصرف المركزي هدف في الحدّ من التضخم إلي 5٪ العام الماضي، لكن التضخم كان أكثر من ذلك بكثير حوالي 10٪. ومنذ ذلك الوقت تراجع الوضع خاصة مع غلاء الأسعار التي زادت بمعدل سنوي يبلغ قرابة 15٪.
مستثمرو السوق المالي قلقون كذلك من تبني الرئيس إردوغان نظريات اقتصادية غريبة، منها رفضه رفع سعر الفائدة علي الودائع في البنوك لكبح جماح التضخم، ولكن الرئيس التركي يرد بإنه لا يريد للطبقة المتوسطة أن تدفع الثمن، ولا يتعلق الأمر بنظريات إردوغان فقط، وإنما ممارسته الضغط علي البنك المركزي والتدخل في سياساته مما يجعل المستثمرين يفقدون الثقة في الاقتصاد التركي عموما. والنتيجة أن المستثمرين غير مقتنعين بقدرة المصرف المركزي علي تحقيق استقرار للعملة والسيطرة علي التضخم، ويجعلهم ذلك بالتالي أكثر قلقاً حول ما ستؤول إليه الأصول المالية التركية.
هناك خيار واضح أمام المصرف المركزي الذي يريد أن يتحمل التضخم وهو رفع معدلات الفائدة. وهذا يمكنه أن يحدّ من التضخم بطريقتين، إما بإضعاف الطلب في البلاد، أو من خلال رفع العوائد المالية في تركيا والتي ستشجع المستثمرين للشراء بالليرة، مما يقوي العملة ويخفض تكلفة الاستيراد. وقد قام المصرف المركزي التركي بخطوات مشابهة، لكن دون تأثير ملموس أو وصول إلي حل للمشكلة، وهو ما يمكن تفسيره بانعدام ثقة المستثمرين وترددهم في الإقبال علي السوق التركي.
عرضة للخطر
تركيا معرضة للخطر من التطورات الحاصلة في الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يستمر الاحتياطي الفيدرالي برفع نسب الفائدة ما يشجع المستثمرين لسحب أموالهم من الأسواق الصاعدة. لم يكن لذلك بالذات تأثير قوي، لكن يمكنه أن يكون عاملاً مقلقاً بالنسبة إلي بلدان تعاني من عدة نقاط ضعف مثل تركيا.
من جهة أخري، يبدو أداء الاقتصاد التركي معقولاً مؤخراً، فقد حافظ علي نموه في كل عام عدا عام 2001 (الأزمة الاقتصادية الأخيرة للبلاد عندما تلقت معونة من صندوق النقد الدولي) و2009 (تبعات الكساد الاقتصادي العالمي)، وفي بعض السنوات كان النمو كبيراً جداً. أما البطالة فارتفعت في تركيا، وأحدث الأرقام بواقع 9.9٪، لكنها بقيت مستقرة نسبياً.
ويُعد الاختلاف الوحيد الهام بين الأزمة الاقتصادية الحالية في تركيا بالمقارنة مع أزمة البلاد في مطلع الألفية، أنه لا يوجد الآن هدف لقيمة التبادل خلافاً لعام 2001. إذ فرضت تركيا في حينها الضغط علي أسواق العملة للتخلي عن أهدافها المعتادة، أما هذه المرة فلا يوجد مُحدّد لقيمة العملة، فسمح ذلك بكل بساطة لليرة بالتراجع.
وتعقيباً علي ذلك، تقول وكالة معدلات الاستثمار "مووديز" إن النمو الاقتصادي التركي ارتفع إلي مستويات غير مستدامة من خلال الإنفاق وسياسات الضرائب. أما السياسات طويلة الأمد، فقد تم تنحيتها بسبب التركيز علي الدورات الانتخابية حسبما تقول الوكالة. ومن جهتها، تحذر وكالة "فيتش" من المخاطرة بانحدار اقتصادي كبير يؤدي إلي تباطؤ حاد أو حتي حالة كساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.