1 قال في نفسه إنه لن يحمل اليوم كيسا آخر مخافة أن يشغله عمّا في الكيس المقدّس. 2 انتبه إلي أن حالة من الطفولة تدغدغ كيانه منذ تنفّس الفجر، لكنه لم ينتبهْ إلي مطالع دمعاتٍ جعلتْ أهدابَه تضمّ بعضها بعضا. 3 تذكّر وهو يلبس ثيابه معظمَ المرات التي غسلتْ له فيها أمُّه بوله أو برازَه صغيرا، ثم فجأة خلع ما لبس في سرعة من اكتشف أن ثيابه مسمّمة، ياه.. منذ متي لم يرَ نفسه عاريا هكذا؟/ لماذا لم يكن يدرك أنه يخلع ملابسه عندما كان يستحمّ مثلا؟. 4 أغلق عليه باب الغرفة حتي يُوفّرَ السترَ اللازمَ، وواجه مرآة الخزانة. ............... 5 لم تسعفه ذاكرته في استحضار آخر مرّة ضحك فيها بعمقٍ مثل الآن. يا ربك.. لقد كبرتُ. لم يكن كلّ هذا الشّعر فيه، وفيه لم تكنْ هذه العضلات، كم صعب علي السّمين أن يتذكّر أيام النحافة، وهو لم يجدْ صعوبة في نسيان السبب الذي جعله يخلع ثيابه بسرعةٍ بعد أن لبسها بعناية. 6 يا الزبير يا وليدي.. لماذا لطّخت سروالك بهذا الشكل؟. يومها لم تكن الحفاضات سارية الاستعمال في القرية، كما لم يكن لساني ساريَ الكلام حتي أشرح لها أنني رأيت أمرا مخيفا جعلني أتغوّط تحتي. خلعتْ عني سروالي، ووضعتني في قصعة الماء، مازلت حتي الآن أتذكّر برازي بين أصابعها وهي تنقيني منه، لقد كانت العتبة الأولي لإحساسي بالخجل. ألبستني سروالا أسودَ، وتريكو أبيضَ، أما الصبّاط المطّاطي فإنه فقدَ لونَه بفعل تعاقب الأوساخ والشموس، لذلك سأكون وفيا لتلك اللحظة وألبس اللونين، وهكذا سأصبح جديرا بحمل هذا الكيس، هل في الخزانة سروال أسودُ وتريكو أبيض؟. 7 كانت الحافلة العجوز رابضة عند مدخل الحي، وكان السائق الشاب كلما أحسّ بملل الركّاب من طول الانتظار يحرّكها عجلة أو عجلتين إيهاما لهم بالانطلاق فيعمَّ الهدوء. ما أشبه حيلته بإصلاحات الحكومة التي التحق صاحب الكيس مؤخرا بالعمل في إحدي وزاراتها المنتدبة. أمشي يا سي محمّد، راح الحال. كان أوّلَ احتجاج منطوق، وكان الكيس يرتعش في يده ترجمة لغليان مكبوت. يبدو أنه لا أمّ لك، وإلا ما كنت لتحبسنا داخل جشعك، وخارج مصالحنا. حين تعرف أمي، وهذا أمر قد لا يتاح لأمثالك ستدرك أن أمك لا ترقي حتي لأن تغسل بولها. يلعن بوّالة أمك. 9 السائق يترك الحافلة غير مكبوحة فتنحدر كأتان لمحت علفا في الأسفل، وينقضّ علي الزبير الذي سخّر يمناه لحماية الكيس من أيّ أذيً مكتفيا بيسراه في ردّ سخط السائق عنه. 10 الحافلة تنحدر نحو علف الموت السائق ينهالُ الزبير يحتالُ الكيس يقع من يده في بهو الحافلة التي سقطت في حفرة شرهة جعلتْ مؤخرتها تنتصب عموديا كأتان تصكّ ذئبا. أين الكيس؟. لم يكن مجرّدَ سؤالٍ عن شيء مفقود، بل بحثا حارّا عن وجود: أين الكيس؟. 11 حين لمح بول أمه يتسرّب من القارورة التي كانت في الكيس الذي كان يحمله إلي مخبر التحاليل الطبية تخيّل الموت يجرّها من جدائلها إلي المقبرة، لم يستعمل رجليه في الوصول إلي القارورة بل روحَه لذلك فقد وصلها في رمشة عين، حملها بقلبه: "يمّا ما تموتيش"، وضعها بين يديه وراح يمنحها قبَلا باكية. 12 في سرعة نارٍ يعبث بها طفل في حصيدة صيفٍ دخل بيوتَ الحيِّ خبران: الحافلة انقلبت والزبير هبل، فخرجت كلُّ البيوت. 13 الزبير يبكي يتمَه، ويترجّي أمَّه/ القارورة ألا تموت. 14 تعليق جماعي: هذا مصير عاصي الوالدين. 15 ...................... الجزائر