لم تكن نتيجة الجولة الأولي من الانتخابات الرئاسية حدثاً سياسياً وحسب، فالأهم ما مثلته علي المستوي الاجتماعي والثقافي، فإذا كانت الأمور فيها لم تجر وفق ما تشتهيه أنفس مؤيدي الثورة، وهم الأغلبية الآن، بتصعيد من يمثلها إلي المنصب الأعلي في البلاد، إلا أنها من جانب آخر أثبتت أن الوعي الجماهيري يتغير بشكل عميق لصالحها، ليس لأن الذين صوتوا لمرشحيها الثلاثة، صباحي وأبو الفتوح وخالد علي، هم الكتلة الأكبر، وإنما لأن أهم ما نادت به الثورة كان الخروج من أسر النظرة الواحدة التي تحكم المجتمع، كان الطاغية يتكلم فيؤمن الكل علي ما يقول، مثله مثل كل طاغية آخر عبر التاريخ، وسيلته في إحكام قبضته علي الحكم الاستهانة بكل رأي مخالف، هو من يعرف كل شيء، لديه الأسئلة والإجابات، ونحن ليس علينا إلا التسليم بذلك حفاظاً علي الاستقرار الذي يمنحنا حق القطيع الذي يسير خلف قائده من دون أن يتلفت خوفاً من أي مفاجأة. لكن ما قيمة الحياة بلا مفاجآت، ما الذي يشعرنا أننا نمارسها سوي المغامرة التي نخوضها لنكتشفها ونكتشف أنفسنا خلالها. كل ما جري منذ خلعت الجماهير رأس النظام كان مغامرة في اكتشاف ما فاتها، تتعلم وحدها، وليس من طريق لذلك سوي التجربة بلا حسابات، الذهاب إلي الحد الأقصي في كل شيء، حتي في الموت.. يقبل عليه الجمهور كبطل أسطوري، سعيد وهو يرحل علي هذا الصورة لأنه يؤمن بما يفعل... هكذا تسترد الكلمات والمشاعر معناها بعد ثلاثة عقود من التزييف. بعد ما يزيد قليلاً عن عام ونصف من الخروج للشارع، وبعد عشرات التجارب، والمناقشات الحرة في الشوارع والميادين، يمكن القول أن الناس أصبحت تعرف أن أهم ما اكتسبته هو حقها في الاختيار، وأن التنوع والتعدد قيمة أسمي، لأنها الضامن للمستقبل، ليس مهماً من فاز في الانتخابات، فألعاب السلطة قد تستغرق وقتا طويلا حتي يمكن الحد من تأثيرها علي إرادة الجمهور، لكن الثابت أن الشارع الآن يكتسب وعياً يمكننا باطمئنان المراهنة عليه. بالنسبة لنا تمثل الكتلة الثالثة التي رفضت الفاشية الدينية والفاشية العسكرية الأمل في الوطن الذي نحلم به جميعاً، قبوله للكل يعني أنه لا يرغب في طاغية آخر. تبشر تلك الكتلة بأننا علي مشارف إيجاد طريق مختلف في التفكير علي كل المستويات. ومع إيماننا بقدرة الجمهور علي تلافي الأخطاء ثم البدء مرة أخري بلا يأس، لكننا رغبنا في محاولة فهم هذه الظاهرة التي تتكون، والإحاطة بتفاصيلها، وتلمس إمكانياتها الحقيقية، ومستقبلها... وهو ما شاركنا فيه مجموعة من المتخصصين كل في مجاله، أجابوا كل بطريقته عن أسئلتنا التي جاءت كالتالي: * ما الذي يوحد الكتلة الثالثة، وما الذي يفرقها؟ * هل هناك وعي لدي هذه الكتلة يصنع لها مستقبلاً، وهل تملك القدرة علي خلق آليات نقد ذاتي بديلاً عن التطاحن أو الوقوع في فخ عبادة الفرد؟ * وهل تري أنها تملك القدرة علي صياغة أجندة وطنية؟ * كيف تري علاقة هذه الكتلة بالكتلتين الأخريين الدينية والعسكرية ومستقبل الصراع معهما؟