كثيرة هي الكتب التي ترصد تجارب الإخوان داخل الجماعة، لكنها غالبا -كما الجماعة نفسها- الغلبة فيها للرجال، نادرا ما نجد تسجيل نسائيا، من هنا تأتي أهمية كتاب "حكايتي مع الاخوان..مذكرات أخت سابقة" لانتصار عبد المنعم. "إن لي هوية، إني انسان كامل الأهلية، لدي عقل ناقد مفكر يرفض سياسة القطيع الممنهجة." هذا ما تحاول انتصار التأكيد عليه في مذكراتها، توضح في مقدمة كتابها الأسباب التي دفعتها لتسجيل شهادتها الشخصية عن تجربتها الخاصة مع جماعة الإخوان المسلمين، عن أحوالها من الداخل من طبقية وطاعة عمياء وتغليف الرغبات الشخصية بغلاف الدعوة الإسلامية. تحكي انتصار ليست فقط كعضوة سابقة في جماعة الإخوان المسلمين ولكن كامرأة تعرضت للتهميش والإقصاء عن وضع المرأة في الجماعة، وتطرح ظاهرة تعدد زوجات رجال الجماعة بمبررات دينية والفرق مثلا بين المسيرات النسائية والرجالية تقول:"لم يحدث ولو لمرة واحدة أن وصلت امرأة لأعتاب مكتب الإرشاد المقدسة." وتخصص فصلا لمناقشة وضع المرأة في الإسلام مقارنة بوضعها في الجماعة وما ذكرته رسائل حسن البنا عن المرأة. في البداية تبدو انتصار مصدومة بحقيقة اكتشافها لجماعة تصورتها المدينة الفاضلة التي حلمت بها، لكنها ورغم ذلك تؤكد أنها تكتب لتسجل شهادتها علي الجماعة لا مهاجمتها, مع المحافظة علي بعض الرموز، بعض الشعارات، بعض المعارف الشخصية. ربما يرجع ذلك إلي أنها بدأت في كتابة المذكرات عام 2007 ثم عادت إليها عام 2009 نلاحظ التغير في لهجة الكتاب وهي تكتب مثلا عن حسن البنا في فصل: الإمام مجدد ومصلح؟ تسقط الهالة المقدسة عن حسن البنا وتناقش أقواله ويصبح الإمام نفسه محل جدل ونقاش لا الجماعة فقط. تختفي انتصار عبد المنعم خلف الكثير من علامات الاستفهام فعلي الرغم من أنها تعاملت مع هذا الكتاب ليس كمذكرات شخصية فقط بل كبحث طويل إلا أنها لا تقدم إجابات في كثير من الأحيان بل تستنكر وتشجب دون مناقشة جدية. ترصد الكاتبة في الفصل الخامس كاريزما الوجود الإخواني في مدينة صغيرة مثل إدكو، تراقب نفسها وتحكي عن متي شعرت بالميل تجاه الجماعة، ولماذا؟ "سألت نفسي كنموذج لماذا أجد نفسي منجذبة إلي جماعة الإخوان المسلمين، فكانت الإجابة إنه الفراغ الذي يلفنا كفتيات في مدينة لا تسنح لغير الذكور شيئا." تؤجل انتصار عبد المنعم لحظة التحاقها بصفوف الجماعة قدر ما تستطيع وتبدأ في الفصل السادس تروي كيف كانت رحلتها إلي السعودية بداية دخولها الجماعة وعلي الرغم من شعورها ب"الازدواجية واليأس من الجميع." إلا أنها فور عودتها مصر انتظرت اتصال لتسكينها في الجماعة! ثم تنتقل الرؤية من الخارج إلي الداخل حيث تحكي انتصار عبد المنعم عن تجربتها من داخل الجماعة، كيف تحولت إلي أخت؟ نوعية الأخوات التي قابلتهن ومدي وعيهن الثقافي، تحكي مثلا تجربة خاصة عن سرقة مجهودها الشخصي من الأخت المسئولة التي تسبقها تنظيميا. تكتب انتصار عبد المنعم تحت رقيب، فهي تدرك محظورية ما تكتب, وتحاول أن تبرر للآخرين ما تفعل, فتستخدم بدلاً من الأسماء حروف: عندما قابلت (س) وعندما سرقت (ض.ع) مجهودي. تكرر شرح كلامها بصيغات متعددة خوفا من أن يفهمها أحد خطأ. وفي كلمة أخيرة تؤكد مرة أخري أنها شرحت فكرها وليس علاقات شخصية وأنها "مازلت قيد المقاومة وأريد العيش بسلام."