خسارتان أمام أورجواي وروسيا فى المونديال مصر بلد كبير وأقدم وأعرق من كل دول المونديال.. وبناء علي هذه الحقيقة لم يكن يجب عندما صعدنا إلي نهائيات روسيا أن نظهر أنفسنا وكأننا صعدنا إلي القمر.. هذا من المفترض أمر عادي جدا أن نلعب في المونديال ونسبق كل دول افريقيا.. وبناء علي هذه الحقيقة أيضا لا يصح أن نخسر من أوروجواي ونقول إننا قاتلنا وكافحنا وقدمنا عرضا تاريخيا ونحن فنيا كنا أقل لعبا وفرصا.. لماذا نتعامل مع لاعبينا علي أنهم في حرب فنستمتع بوصفهم بالمقاتلين.. ولا يصح أن نخسر من روسيا ونقول الحمد لله كنا أفضل من المباراة السابقة.. تحركنا شوية إلي الأمام وذهبنا إلي المرمي.. مصر أكبر من أن تفرح لمجرد أن فريقها نال لقب الأداء المشرف وهي أكبر من أن تكتفي بالظهور في كأس العالم. وإذا كان كوبر وجد من يحاسبه فمن يحاسب الذين رقصوا معه علي السلالم شهورا طويلة بين بقائه ورحيله وبين حيرة ضربت الجميع في الاختيارات حتي أننا ذهبنا للمونديال برأس حربة واحد اجباري وبدفاع قلبه موجوع وبخط وسط خجول لا يعرف من واجباته إلا أن يقطع الكرة ثم ينتظرها تعود مرة أخري ليقطعها.. لماذا لم يكن وسط ملعبنا متحررا منطلقا يقارع الفرق الأخري.. واحدة بواحدة وهجمة بهجمة ورأس برأس.. لماذا كنا نختبئ طول الوقت من العفريت ونخرج لنهاجم في الضلمة خلسة؟!.. لماذا تكررت اخطاؤنا الدفاعية ألف مرة ولم نصححها ولا مرة؟ لماذا ذهبنا إلي روسيا بملابسنا القديمة.. نفس القماشة ونفس الألوان ونفس المقاس ونفس »البقع» ونفس النقشة ونفس الكرمشة.. هذه اسئلة الجمهور سألها بطريقته الخاصة بعد كل مباراة ودية أو رسمية.. كان جمهورا حائرا لا يعرف أيهم يصدق.. هل يصدق زفة الحملات الإعلانية التليفزيونية العجيبة وزفة الإعلام وزفة تصريحات الجبلاية فيذهب بعيدا في الحلم.. أم يصدق ما يراه واقعيا في الملعب.. قد غلبت عليه الزفة وسيطرت علي قلبه وعقله ونام مغناطيسيا وظل يحلم ويحلم حتي انتفخ حلمه وانفجر كابوسا في وجهه. ثم أفاق علي الخدعة.. لما رأي وسمع الخواجة كوبر بعد مباراة روسيا يقول إنه يستغرب ويتعجب من الذي شاهده في المنتخب الروسي.. يتعجب من أنه رأي الدببة تجري كالنمور والكرة الروسية الناعمة »تتخوشن».. لماذا تستغرب يا خواجة؟!.. لماذا لم تذاكر الدببة كما ينبغي مثلما ذاكر مدرب روسيا الفراعنة.. لماذا لم يأتنا تقرير من وكالة أنباء أجنبية يبلغنا أنها شاهدتك انت ومساعديك منخرطين ومنكبين علي دراسة كل لاعب روسي مثلما نقلت لنا أكثر من مرة أن ستانيسلاف ومعاونيه كانوا منعزلين في صالات يدرسون لاعبي مصر واحدا واحدا لدرجة أنه ذات مرة قال إن الكرة تصل إلي محمد صلاح في المنتخب متأخرة ثانية واحدة عن وصولها إليه في ليفربول؟.. كانت عندنا مشكلة في معرفة خصومنا وهو ما يخالف أصول التدريب والقيادة في أي مجال وليس في كرة القدم فقط.. كيف شرب منا الخواجة ثقافة الزفة بهذه الدرجة والدقة وسرعة الهضم.. هل هذا معقول من مدرب كبير علي الأقل شاهد خصمه وهو يفوز علي المنتخب السعودي بخماسية ثم يكرر معه الفوز بثلاثية ثم يخرج ويقول إنه مندهش ومتعجب من مفاجأة روسيا؟! ثم لماذا شاركنا جميعا في هذا الربط القاتل بين المنتخب ومحمد صلاح.. إذا لعب فإننا منتصرون بالتأكيد وإذا لم يلعب فنحن مهزومون لا محالة.. والجمهور معذور وحتي الإعلام معذور لأن أول من رسخ هذا الربط هو الخواجة كوبر نفسه الذي رفض حتي أن يجمل صورته ويقول للناس نحن لدينا منتخب كبير.. رهن كفاءته شخصيا بوجود صلاح في الملعب وبدلا من أن يبذل جهدا في منح الثقة للفريق كله قاتل وناضل من أجل ترسيخ نظرية »صلاح كل شيء».. ثم لماذا لا نتعلم أبدا من دروس الماضي الكبيرة فلا نكرر ما حدث في مباراة الجزائر بالسودان ونسمح بمعازيم الزفة من الفنانين ورجال الإعلام ينسخون بالكربون فوضي التشجيع خارج الحدود حتي وصل الأمر إلي السماح لرجل أعمال بنزول ملعب التدريب؟! هي حالة مصرية.. لكن يخلق من الشبه أربعين.. فها هي الكرة العربية تذهب إلي روسيا في زفة وتعود وقد حكم المونديال علي العروسين بالطلاق.. صحيح لكل حالة خصوصيتها ودرجة المبالغة التي تحكمها.. إلا أن المنتخبات العربية كانت مثل رجل أعجبه حذاء ودخل المحل ليقيسه علي قدمه فوجده ضيقا.. لكن صاحب المحل ضحك عليه واقنعه أن الحذاء الضيق سوف يتسع ويبحبح مع المشي.. وعندما يضحك عليك صاحب المحل فإنك تستحق أن تعرج لأن كل محاولات توسيعه سوف تبوء بالفشل حتي لو ذهبت إلي مائة صنايعي.. يضعه لك في قالب أو ينزع الفرشة أو ينقعه في الزيت.. هو ضيق ضيق ولن تمشي به براحتك وكما تمنيت ولن تقطع به مشوارا طويلا.. هو بمقاس ليس مقاسك.. هكذا كانت الكرة العربية في المونديال.. ذهب كل ممثل لها وهو مجبر أن يرتدي حذاء ضيقا لا يناسب مشوارا طويلا وعويصا في البطولة ظنا بأن الزفة الكبيرة والطبلة والمزمار والميكروفونات الزاعقة والحملات الاعلانية الاعجوبة سوف تلين جلود الأحذية وتغير ألوانها فتحمل الفرق من فوق الأرض فتبدو في المباريات راقصة ومحلقة في السماء. بينما المشاركات الأخري الاوروبية واللاتينية وحتي الآسيوية اختارت الأحذية علي مقاسها وأقامت حفلاتها »علي الضيق» وزفت عريس وعروسة بينهما توافق.. الحفلة سريعة وخفيفة بين باقات الورود وموسيقي هادئة لأن الانشغال كان كبيرا بشهر العسل في روسيا وليس بالزفة في حد ذاتها التي ذهبت بالكرة العربية إلي شهر عسل أسود.. هم ذهبوا إلي روسيا ولديهم تحليل وقياسات ومعلومات وأماني واحلام أن يكون الواقع الذي عرفوه ودرسوه أفضل اذا كان الاجتهاد أوفر والحظ أكرم.. ونحن ذهبنا نفكر أولا في كرم الحظ وكرم نجم كبير عليه أن يتعجل الشفاء وإن لم يشف عليه أن يضحي وييجي علي نفسه حتي لو خسر مستقبله الباهر في أوروبا. العرب في المونديال مثل العرب في الحياة.. صاحبت مشاركتهم في المونديال ما يصاحبهم في قضاياهم العامة من ضجيج بلا طحين.. الكلام أكثر من الفعل.. الصوت العالي يخفي الضعف.. دائما كانت توقعاتهم عاطفية.. فلو اجريت استطلاعا للرأي في أي بلد عربي مشارك في المونديال سوف تأتي النتيجة لصالح الفوز والانتقال للدور الثاني رغم أن هؤلاء المستطلعين». يقرون ويجزمون في داخلهم أنهم يقولون بما لا يقتنعون مثلما هي حياتهم العامة يقولون ما لا يفعلون.. والنتيجة أنهم حتي الآن في المونديال.. صفر..صفران.. أصفار.