يطرح الروائي أحمد عطا الله في روايته »غرب مال»، الصادرة حديثا عن دار العين، سردا موازيا للسيرة الهلالية، تتوازي فيه سيرة البطل المعاصر في ارتحاله من الجنوب إلي العاصمة، مع سيرة بني هلال في صيغتها العصرية التي أكمل فيها الكاتب مناطق لم يتطرق لها الشاعر علي جرمون أحد رواة السيرة، وفي بداية حوارنا مع عطا الله سألناه: • لماذا اخترت إعادة كتابة السيرة الهلالية كما رواها الشاعر علي جرمون تحديدا؟ - أعرف جرمون منذ أن كنت صغيرا، في قريتي، في أفراح النقوط، تعلق الناس الميكروفانات، ويتركون صوته يصدح طوال النهار وبداية الليل وهو يحكي السيرة الهلالية، وهناك من كان يستدعيه لإحياء الفرح بشخصه وربابه وفرقته، صحيح لم أفهم القصص التي كان يرويها، ولم أكن مضروبا بقصص أبوزيد الهلالي كبعض أقراني، لكن صوته ظل ملحا يرافق مخيلتي، كلما رأيت قريتي، جدتي وبيتنا وأمي ومنادرنا وصيفنا. أستدعيه، أو يستعديهم كلما سمعته، حتي أعدت اكتشافه من بعد 2011، بدأت المسألة بفهم شريط واحد حصلت عليه بالصدفة، وتحول سماعه وفهمه إلي غاية، تدفعني للبحث عن كل ما سجله في كل مكان، خاصة بعد اكتشافي للفرق الكبير بين ما يحكيه، وما حكاه غيره من الرواة، كان مبدعاً، أخذ الأبطال وألف لهم قصصا أخري لم تكن في السيرة، وقررت التعامل بحرية فيما فعله، استخدمت نفس الحق الذي استخدمه هو، حذفت وألفت وملأت الفراغات التي ولدت والعمل يتحول لرواية. هل كان التوازي بين السيرة الذاتية للرواي - الكاتب، وبين سيرة بني هلال هو وسيلة لتقديم سرد معاصر للصراع في السيرة الهلالية أم أنه كان وسيلة أنسب لكتابة سيرة ذاتية تمتلئ بالتجارب المختلفة للبطل؟ - لا مانع من أن نقول الاثنين معاً، كان لديّ ما أقوله عن تجاربي الخاصة، تلك التي عشتها في قريتي بقنا، التي تحكمها القبيلة، هوارة وعرب وحلب وعبيد، تاريخ قديم مليء بالصراعات، فيها أبي وأمي وجدتي والشيخ مبارك، وفي الطريق، سنوات عملت فيها بالمعمار في العريش، وأبطال قدامي وجدد، ووجدت في تجاربي ما يتماهي شعوريا مع السيرة، الغربة والرحيل والوطن والعادات والتقاليد، فخرجت الرواية بشكلها النهائي، دون أن أضع في حسباني وأنا أعمل، أن ما أكتبه سرد معاصر أم لا، كنت أجرب، وأحاول، وفرحت برد الفعل الذي سمعته من قرائها. لماذا عملت علي كتابة الرواية في جزءين؟ - لو لم أفعل ذلك ما نشرت شيئا، خفت أن أُحبط، ولا أستطيع الاستمرار، وقد أرقتني كثيرا الرواية في آخر عمرها قبل الطباعة، ولو حرصت علي استكمالها بالشكل الذي أريده، ما خرجت قبل عام آخر، ولو خرجت ستكون كبيرة حجما، ولا أستطيع أن أعطيها كل الوقت، الكتابة عننا غير مجزية ، كلها أسباب جعلتني أختار الرواية علي جزءين، علي أن يصلح كل جزء منها أن يكون منفصلا في نفس الوقت، والآن أفكر هل يكفي جزء ثان منها، أم أمد لثلاثة أجزاء. أعمالك النثرية السابقة تركز علي التحقيقات الإنسانية، وهذا واضح في كتاب »الناس دول - حكايات من لحم ودم»، والقصة الواقعية »مريم- مع خالص حبي واعتقادي»، وهو ما نجده في روايتك الأخيرة الذي اعتمدت في جزء منها علي الجانب التوثيقي، هل تأثر مشروعك الروائي بعملك الصحفي؟ - أنا أحب القصص الواقعية، ومعظم تجاربي في التليفزيون والصحافة كانت في هذه المنطقة، شاركت في إعداد 90 حلقة من برنامج »الناس وأنا» الذي قدمه الفنان حسين فهمي للتلفزيون المصري في 2006 و2007، وتعاونت معه في مشروعين متشابهين في الجانب التوثيقي »مع احترامي وتقديري»، و»زمن مع حسين فهمي»، وأكثر موضوعات حررتها صحفيا، هي قصص حقيقية وواقعية، في نمط حياتي العادية.. طوال الوقت أنا أبحث عن قصص لأسجلها وتبقي معي، ومن رحم ذلك، خرج كتاب »الناس دول»، والقصة الواقعية »مريم.. مع خالص حبي واعتقادي»، وكان طبيعيا أن ينعكس ذلك في »غرب مال»، عندي.. الواقع ملهم عن الخيال، وأعتقد أن المجتمع في حاجة للكتابة عنه أكثر، لابد أن نفهم واقعنا الإنساني والاجتماعي جيدا، ونحن نبحث عن مستقبل. هل جذبك النثر، سواء الرواية أو الكتابة الصحفية، بعيدا عن عالمك الشعري؟ - مؤخراً، قليلا ما أكتب الشعر، أفرغ شحناتي فيما أكتبه نثرا أو صحافة، ووجدت أن ذلك الاستخدام أفضل،الرواية تحديدا تستطيع أن تستوعب فنونا كثيرة معها، لكن لم أفقد بعد حرصي علي قراءة الشعر، كلما أتيحت لي الفرصة.