في مؤتمر عقد علي أرض عربية تلعثم أحد المتحدثين وهو يلقي كلمته باللغة العربية، وظل يكرر خطأ تلو الآخر عاجزا عن نطق عبارة واحدة بصورة صحيحة، قبل أن يعتذر للحاضرين لتكملة كلمته باللغة الإنجليزية لأن لغته العربية لا تسعفه، وفي مؤتمر آخر منذ سنوات نهض فجأة الرئيس الفرنسي الأسبق »جاك شيراك» مغادرا قاعة مؤتمر أوربي لرجال الأعمال، لأن رجل أعمال فرنسي ألقي كلمته بالمؤتمر بالانجليزية وليس الفرنسية، والفارق بين الموقفين هو قدر احترام اللغة باعتبارها رمزا للهوية ودليلا علي القوة والثقة بالنفس، ورغم أن اللغة العربية أثبتت القدرة علي استيعاب ثقافات الشعوب التي تعلمتها،وانتصرت بثراء مفرداتها ومعانيها في كل أشكال التعبير والفنون،فقد أصبحت لغة مهزومة من أهلها، لا يخجل من يجهل كيفية نطقها وكتابتها مادام يجيد لغة أجنبية، ولا يدرك أن اللغة العربية ظلت علي مدي ثمانية قرون،منذ أواخر القرن الثاني عشر للميلاد، لغة العلم والحضارة التي يقبل علماء أوروبا علي تعلمها وترجمة تراثها العلمي إلي اللاتينية، وظهر من يثري هذه اللغة ويتفوق في علومها من غير العرب، أبرزهم »سيبويه» الفارسي، الذي أتصوره لو عاش بيننا لمات كمدا مما آل إليه حال اللغة العربية اليوم بين أهلها، من هوان واستهانة وتجاهل لأبسط قواعدها. في دراسة مهمة لأحد الباحثين العرب يثبت أن اللغة يمكنها إنقاذ الهوية، وهو ماحدث مع اللغة العبرية واليابانية والكورية، فقد كانت العبرية من اللغات الميتة، حتي بدأت محاولات لجعلها لغة التخاطب في الحياة اليومية، تحت شعار »لاحياة لأمة بدون لغة»، حتي أصبحت هذه اللغة الميتة دليلا علي الهوية والقوة، وهو ما فعله أيضا اليابانيون بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الثانية، ورغم خضوعهم لشروط الأمريكيين في تغيير الدستور وحلٍّ الجيش ونزع السلاح، لكنهم رفضوا التخلي عن لغتهم وحين وقعت كوريا تحت احتلال اليابان تم فرض اللغه اليابانية في التعليم، ومنع اللغة الكورية، وحين انتهي الاحتلال اعتبر الكوريون لغتهم أساسًا للتعليم والتنمية البشرية، وجعلوا لها السيادة علي كل لغة أخري.