د. علاء عبد الهادي يدلى بصوته فى انتخابات الاتحاد السابقة ماذا أفعل إذا كان رئيس اتحاد الكُتّاب، آسف، نقابة اتحاد الكُتّاب، جارى وصديقى، ويجب علىّ مراعاة مشاعره، وإذا كان كثيرًا ما يصادفنى ويتواضع ويلحُّ علىّ أن أجلس بجواره فى سيارته، بالضبط على يمينه، كأننى ملاكه أو شيطانه، وأحيانًا كأننى الشخص العابر الواقف على الرصيف، ذلك إذا اتضح له أن طريقنا واحدٌ إلى مسافةٍ وحينٍ بعدهما نفترق، ماذا أفعل إذا كان ذات مرات يهاتفنى ويشكو همومه وشجونه وأحلامه وآماله، التى أفهمها أحيانًا، ولا أفهمها أغلب الأحيان لأنه عميق وغامض، وإذا كان أولاده وابنته وأخوه قد عرفونى كما عرفتهم، وبعضهم نادانى: يا عمّو، وبعضهم زاملنى لوقت وجيز فى ميدان التحرير خاصة ابنته، ماذا أفعل إذا كان أيضًا، أعنى رئيس الاتحاد، يلبس بدلة أنيقة تليق بمنصبه العام، فيما ألبس قميصًا خفيفًا يليق بفرديتى، وإذا كان يسكن بالطابق الثالث من عمارة مجلس الشعب، فيما أسكن فى الطابق الأول من عمارة أحد أفراد الشعب، ماذا أفعل إذا بَدَا لى أنه يحبنى مثلما يحب منديله الأكثر بياضًا، أو بَدَا له أننى عاجز عن التعبير و بَدَا لنا معًا أن علاقتنا لابد أن تستمر، ماذا أفعل إذا كان هو الشاعر والناقد والأكاديمى والمؤلف الموسيقى والرسام والأَلسُنىّ فيما أنا شاعر فقط وصاحب مقالات مثل هذه أحيانًا، ماذا أفعل إذا كنتُ أخمّن الآن أن السيد رئيس الاتحاد سيقابلنى مصادفة ربما غدًا أو بعد غدٍ، سيقابلنى على الطريق، وقد يدعونى للجلوس في مقهى البسكاوى بالأريزونا، نشرب الشاى والكوكاكولا، ويدفع هو الحساب، ماذا أفعل، وهل من أجل كل ذلك يجب علىّ أن أتجاهل الضرر الذى ألحقه بى، وإذا تجاهلتُ ماذا سيحدث، غالبًا سأنفجر من الغيظ، غالبًا سأشتمه فى داخلى، وأنا لا أريد أن أشتمه فى أى ركنٍ من نفسى، وإذا شتمته ربما أشطح بخيالى وأجرّده من بدلته الأنيقة وأهديها لمجمع الخالدين، وأهتف: هذه بدلة رئيس اتحاد الكُتّاب، وربما أهدى المجمع صورته وأهتف: هذه صورة رئيس اتحاد الكُتّاب، ماذا أفعل إذن، خاصةً أننى عندما أهمُّ بالخروج من البيت لأىِّ سبب، أحمل فى الجيب العلوى لقميصى الخفيف إياه حافظة تضم أوراقى الثبوتية، الرقم القومى وكارنيه النادى وكارنيه اتحاد الكُتّاب، ولأن الترتيب مقصود سأكتشف أننى أشعر بالخوف من أن يحدث للرقم القومى ولكارنيه النادى ما حدث لكارنيه الاتحاد، ساعتها سأتلجلج وأرتجف عند كل خروج من البيت، مادمتُ مجبرًا على حمل الحافظة، من غير الطريف أن أتذكّر أنه فى السنوات الأخيرة بدأت تغزونا رغبة كل الرؤساء فى تخليد أنفسهم، رئيس هيئة الكتاب السابق أو الأسبق، الذى لكى تصل إلى مكتبه عليك أن تلتزم بصعود بضع درجات سلّم، ثم السير فى ممر طويل يقودك، بعد أن ينحنى بك جهة اليمين، يقودك إلى مكتبه، مكتب رئيس الهيئة، السابق أو الأسبق، الذى علّق على جدران هذا الممر صورًا مكبّرة لبعض الكُتّاب، تتخللها أو تتلوها صور رؤساء الهيئة السابقين، يا هواىَ عليك يا صلاح عبد الصبور، وكل هذه الصور ستفضى بالضرورة إلى صورة الرئيس الحالى، التى هى دائمًا الهدف، وبقية الصور محض أسباب، عمومًا يمكننا الاستغناء عن الذهاب إلى مبنى هيئة الكتاب، رغم أن لنا بها أصدقاء حميمين، ورغم أنها تطل على جزء عزيز من كورنيش النيل، وسوف يكفينا الذهاب إلى منافذ التوزيع حيث نقابل دائمًا العمالة الطيبة، أمين المجلس الأعلى للثقافة الحالى أو السابق أو الأسبق، احتفى بالصور وعلّقها هو الآخر على أمل أن تحملق فيها غالبيتنا التى لا تذهب فعلًا إلى مبنى المجلس الأعلى، وها أنذا أعترف بيأسٍ أننى توقفتُ تمامًا عن الذهاب منذ عصر جابر عصفور الذى يسميه البعض عصر النهضة، وعلى الرغم من أننى هاجمتُ جابر كثيرًا، إلا أن كل الأمناء الذين خلفوه، أى أتوا بعده، كانت خيبتهم برهانًا على احتمال صحة التسمية، فى الأخير أنا لا أذهب إلى المجلس الأعلى، ولا أذهب إلى النادى، لكننى لا أستطيع أن أستغنى عن بطاقات الهوية، البطاقات الثلاث التى أحملها، تخيلوا معى أن أحد رؤساء دولة الفراعنة أصابته الآفة ذاتها، بالرغم من أن هذا مستبعد، تخيّلوا أنه فرض صورته على بطاقة الرقم القومى، الأكيد أنه من أجل أن يبرر ذلك، سيفرض علينا صور الرؤساء السابقين، الأكيد أيضًا أنه لن يستطيع أن يضعها جميعًا، لأن طابور الرؤساء السابقين طويل جدًا حتى إذا بدأ من سيدنا مينا أو سيدنا أحمس، والأكيد أيضًا أنه لن ينتهى، لذا فإنه، أعنى أحد رؤساء دولة الفراعنة، سيختار بعض من يظنهم الإطار الأفضل لصورته، تخيلْ معى شكل بطاقة هويّتك وهى تتحوّل إلى بطاقة هويّة الرؤساء، بالضبط كما تحوّل كارنيه عضوية اتحاد الكُتّاب من بطاقة هويّة شخصية إلى بطاقة هويّة يشاركك فيها رؤساء الاتحاد، ولأننى لا أستطيع أن أزعم أن وعيى يمكن أن يصل إلى ما تحت فروة رأس وعى رئيس الاتحاد، إلا أننى لابدّ أن أسأل نفسى، لماذا أصرّ صديقى رئيس الاتحاد الذى تسبّب فى إشعارى بالغيظ وبالمهانة، بالغيظ وبالضيق وبالمهانة، لماذا أصرّ ويصرّ على إجبارى على حمل صورته فى بطاقتى، لماذا أصرّ ويصرّ وسيصرّ على استمرار ما بدأه، هل لأنه يعتقد أننى، أنا أو غيرى، حريص على أن أكون كاتبًا عموميًا، ومن دون كارنيهه لن أكون، وأننى، أنا أو غيرى، حريص على الفوز بالمنافع والمباهج التى لا يحوزها إلا كاتب عمومى، مع العلم أنه أصرّ هذا الإصرار، أوّلًا دون رغبتى، أنا أو غيرى، فى تغيير ورقة من المفترض أنها تخصّنى فقط، ثانيًا لظنّه أننى، أنا أو غيرى، قد لا أهتم، ثالثًا ليقينه من أننى قد أراعى مشاعره الطوطمية المقدسة، مادمت أنا كاتبًا عموميًا ومادام هو رئيس اتحاد الكُتّاب، رابعًا لمعرفته بأننى لن أشتمه حتى لو كنتُ بعد أن أنفرد بنفسى سأنفجر من الغيظ وأشتمنى، الغريب أن ما أشعر به ليس الغيظ فقط، إنه العار أيضًا، فالكُتّاب، جمع كاتب، مثال وقدوة، هكذا يزعمون لأنفسهم لكنهم بقبولهم هذا الكارنيه يصبحون أسوأ مثال وأضعف قدوة، حتى أننى أخشى أن يمتدّ أثرهم فتقلّدهم النوادى والنقابات والدول، لذا سأطالب الاتحاد، المسمّى الآن بنقابة اتحاد الكُتّاب، سمعتُ من يقول: ها ها ها، سأطالبه بأن يعيدنا إلى أنفسنا، أن يعيدنا إلى الكارنيه القديم، مع ضرورة نسيان ما تمّ إنفاقه من أموالنا السائبة على إنجاز الكارنيه الجديد، الكارنيه المسخ، والتى سننفق أضعافها فى كل مرة يتولى فيها رئيس جديد للاتحاد، لأنه لابدّ أن يضيف صورته، لكننى سأعود وأعتذر، فليس من الصواب أن أطالب الاتحاد، خاصة أنه اتحاد قوىّ وصلب وراشد وعنيد، ولم يحدث أن خذلنا واستجاب لواحد من مطالبنا، إلا أننى سأطالب الكُتّاب، جمع كاتب، بأن يرفضوا هذا الكارنيه المسخ،ولا يستهينوا بالأمر، فنحن، وكلّهم يعلم ذلك، نعيش فى عالم من العلامات والرموز، لا تنسوا، نحن نعيش فى عالم من العلامات والرموز، خاصة أن الكتابة أصلًا هى أول العلامات والرموز، وأن الكاتب نفسه هو العلامة والرمز، وليس الرئيس الإدارى لاتحاد الكُتّاب، ولو انتخبناه، ولو قال لنا نحن فى عصر الصورة، ولو يئس منّا وأعطانا ظهره ثم برطم باللغات كلها التى يتقنها، وقال: أنا رئيس الاتحاد.