الجميع تحلقوا حول سيرة إدوارد الثامن ملك إنجلترا الذي تخلي عن عرشه من أجل حب امرأة! وأحد لم تُعنيه سيرة السيدة واليس سيمبسون التي عرّي اقترابها من البلاط الملكي حقيقة صراع العائلة الملكية وسطوة الحكومة البريطانية ونفوذ إليزابيث الأم الخفي في كتاب "تلك المرأة" تقلب المؤلفة آن سيبا بجرأة صادمة أصل الحكاية رأسا علي عقب. عثرت المؤلفة علي رسائل خاصة بخط يد مسيز سيمبسون إلي زوجها أو طليقها إيرنست سيمبسون وأعادت بذلك النبش في أسرار العلاقة الأشهر في تاريخ العائلة الملكية البريطانية وأجمل قصة حب كما عرفها العالم لاحقا، بينما تداولتها الصحافة في حينها كفضيحة. الرسائل كما تقرأها سيبا، تُبريء دوقة وينديسور من صفة المرأة الداهية اللعوب وتفضح صورة الملك الحقيقية، من العاشق النبيل إلي مطارد النساء الذي استغل سطوته! وصل قلق البلاط الملكي ورجال الحكم من هذه العلاقة إلي حد التفكير في التخلص من عشيقة الملك. مثلما فكر وينستون تشرشل عضو حزب المحافظين بالبرلمان، وهو نفسه الذي أظهرته وثائق أفرجت عنها دار الوثائق البريطانية منذ سنوات قليلة كصديق إدوارد الذي توسط لرئيس الوزراء بالدوين حتي يتعاطف معه ويمنحه فرصة التحدث إلي الشعب مباشرة. تسأل المؤلفة في مقدمة السيرة الذاتية: "هل كانت مدام سيمبسون امرأة حقيرة كما شاع عنها؟ هل أحبت الملك بالقدر الذي أحبها؟ هل كانت بالفعل ترغب في الطلاق من إيرنست سيمبسون؟ وهل كانت ترغب بالفعل في الزواج من ملك بريطانيا؟ أم أنها لم تكن تجرء علي رفض الملك بعدما أعلن رغبته فيها علي الملأ؟ بالكتاب 15 رسالة لم تنشر من قبل أرسلتها واليس في العامين 1936 و1937 إلي زوجها إيرنست، وتمثل تلك الفترة ذروة الأزمة داخل البلاط الملكي جراء علاقة الملك (وقتها كان لا يزال أمير ويلز) العاطفية والتي لم تنته حتي بعد تخليه عن عرشه مرغما. تصف واليس في أغلب الرسائل حالتها العصيبة بسبب علاقتها بإدوارد ورغبتها الحقيقية في التخلص من هذا الذنب، أشارت في إحدي رسائلها إلي الملك بالرجل المُرهق وأنها سئمت رغبته في السيطرة علي الوضع. يمكننا بمقابلة مخلّة مع قصة فيلم "الزوجة الثانية" أن نقرأ الآن حكاية زواج الملك إدوارد الثامن بواليس سيمبسون كما يقترح علينا ذلك (الكتاب / السيرة). هاهو رجل ذو سطوة يتملكه الحب فيتعلق بامرأة متزوجة، يعشقها حتي الجنون فيطاردها ويقرر نيلها لنفسه دون أدني اعتبار لأي شيء سوي لكبريائه ورغباته حتي لو كلّفه هذا العشق هيبته وملكه. لم تكن واليس بالقوة الفطرية الأخّاذة التي أسرتنا بها سعاد حسني في الفيلم، دور المغلوبة علي أمرها لعبته واليس باقتدار حتي النهاية بحسب ما يمكن أن نستخلصه من سيرة سيبا. وهو أمر شديد الصعوبة، ليس فقط في تصديقه، ولكن في جميع الأحوال حتي مع افتراض براءة العشيقة من خيانتها لا يمكن أن نتخيل قصة حب عنيفة تنتهي إلي دفع الطرفين ثمنا غاليا من استقرار حياتهما السابقة. اعتاد زوج واليس كما يرد في سيرتها الذاتية أن يغض الطرف عن العلاقة التي بدأت تتناثر أخبارها بين الألسن منذ عام، كان يهاب من اتخاذ موقف جاد بخصوص ما يسمعه، هكذا تكتب سيبا. وكانا الزوجان ضعيفين إلي حد أن زواجهما أخفق أمام إصرار الملك. في أكتوبر 1936 عندما أصبح عزم الملك علي الزواج من واليس أكيدا يكتب الزوج المغلوب علي أمره إلي زوجته: "اعرف أن مكانا صغيرا بعيدا هناك في قلبك يحترق من أجلي، احرسيه عزيزتي ولا تطفئيه". وبعدها بشهر أخبرت واليس زوجها بأنها في طريقها إلي مغادرة البلاد حتي تضع حدا لتلك العلاقة. في فيلا مهجورة بالقرب من مدينة كان الفرنسية هربت إليها واليس من مطاردة الملك العاشق واستمعت هناك إلي خطاب التنازل عن العرش عبر الراديو، فكتبت رسالة حزينة إلي إيرنست تسأله في لوم: "آه يا عزيزي، هل الحياة ما تزال جميلة وبسيطة ومليئة بالحب؟". تعتقد السيرة التي كتبتها آن سيبا عن دوقة ويندسور التي طالما أظهرتها كتابات عديد بالمرأة القوية والجذابة والذكية أن واليس لم تكن ترغب في الزواج من عشيقها ولي العهد، ولكنها استخدمت ككبش فداء من مخططين في الحكومة البريطانية الذين رأوا في إدوارد الثامن شخص غير مؤهل وغير مسئول وخطر علي المملكة! وهكذا قررت حاشية القصر اعتبار إدوارد مجنونا ونادوا بسرعة التحرك لتأمين الحكم من تصرفاته، وأقنعوا طبيب العائلة الملكية أن مهارات الأمير العقلية توقفت عند سن المراهقة. بينما وجد رئيس الحكومة ستانلي بالدوين في عشيقة الملك المتزوجة فرصة سانحة للنيل منه، كان تعلق الملك بواليس جنونيا لدرجة أن المقربين كانوا يعتقدون تماما بأنه قد يتخلي بسهولة عن الملكية لأخيه بيرتي (لاحقا هو جورج السادس) ما إن لوحوا دستوريا بحرمانه الزواج منها. لكن التهديد الدستوري هذا كان في نظر مؤلفة الكتاب حيلة هشة نظرا للشعبية الهائلة التي كان الملك إدوارد الثامن يتمتع بها بين الرأي العام البريطاني فهو الملك صاحب العيون الزرقاء الناعسة والإحساس الرقيق بالأناقة، وكان بإمكانه أن يكسب التعاطف الشعبي لو لم يعرقل بالدوين تنفيذ فكرة الخطاب المؤثر الذي كان إدوارد يجهز لإلقائه عبر إذاعة البي بي سي. لكن الحيلة الهشة رغم ذلك نجحت! تقول آن سيبا: "بالمقارنة بشعبية إدوارد، لم تكن واليس تتمتع بالقدر نفسه من الشعبية بين البريطانيين، كانت كفتا ميزان العلاقة غير متكافئتين. لقد عاشت واليس حياة صعبة، منذ وفاة والدها بعد وقت قصير من مولدها في عام 1896، وحتي التحاقها بمدرسة ميريلاند تحت وصاية عمها، كانت محاطة بمطمع الذكور لجاذبيتها في سني مراهقتها. وهربا من شح عمها انتقلت واليس للعيش مع قريب آخر لها في فلوريدا، هناك قابلت وين سبنسر (زوجها الأول) وكان طيارا بحريا متأنق تزوجته عندما أكملت عامها العشرين واستمر زواجها منه عشر سنوات. وفي عام 1928 طلقت واليس سبنسر وتعرفت سريعا علي إيرنست سيمبسون وكان يعمل سمسارا للشحن علي السفن. مع زواجها الثاني، أحست واليس أخيرا بالأمان الذي افتقدته من أيام الطفولة، هكذا تقول في مذكراتها وتحمل عنوان "للقلب أيضا أسبابه". ظلت حياتها مستقرة حتي عام 1934 عندما ظهر إدوارد ولي العهد في حياتها وحاصرها باهتمامه. واليس بعدما أصبحت دوقة ويندسور زوجة الملك المتنازل عن عرشه لم تهنأ بالاستقرار مجددا، عاشت حياة علي المحك، متنقلة عبر البحار منبوذة في انجلترا، المحرومة من لقب صاحبة السمو الملكي. لم تكن واليس دائما سيئة، في فصل أخير من السيرة بعنوان "صمت الخجل" تؤكد المؤلفة أن بطلة السيرة كانت تعتقد أن حكايتها المؤلمة ستنتهي يوما ما، فقد كتبت واليس عام 1937 في مذكراتها مازحة عن قصة زواجها: "يحدث هذا فقط لمن تتزوج بملك انجلترا سابق".