لم ينسَ وزير الثقافة التونسي، المهدي مبروك، انتماءه الأصولي إلي حزب "النهضة الإسلامي" وهو يُطلق صيحته نحو (ديكتاتورية الذوق السليم) معلناً رفضه دخول "إليسا، ونانسي عجرم، وشيرين، وتامر حسني، وفضل شاكر" إلي مهرجان "قرطاج" الموسيقي، مضيفاً أنه لن يسمح ل"فنانات العري" بالمجيء إلي قرطاج.. "علي جثتي مجيء إليسا ونانسي عجرم إلي قرطاج"!! وبحسب تصريحات الوزير التونسي، فإن ديكتاتورية الذوق السليم، سياسة عامة سوف تُطبق في كل المهرجانات القادمة بما يليق بتونس وبالثقافة التونسية!! ولأن السيد الوزير يتكلم عن "العري"، لا عن "الموسيقي"، وعن "الأخلاق"، لا عن "الفن"، فقد كشف عن الجلباب واللحية، ومنهجية التحريم المختبئة في طياتهما.. نفس المنطق الذي جعل "حزب النور" السلفي في القاهرة، بمناسبة الاحتفال بمرور عام علي الثورة المصرية، يطلبُ من المطربين (رامي جمال وعزيز شافعي) تقديم أغنيتهما (يا بلادي) بدون مصاحبة موسيقية، بدعوي أن الموسيقي حرام، واستخدام آلات العزف الموسيقي بدعة وضلالة!! هجمة أصولية ليست جديدة، فالصراع ممتد ومشتبك بين الدين والفن، وملاحقة المبدعين والدعاوي القضائية لا تنتهي، تري في الفن خروجاً وفي الثقافة تجديفاً.. وقد ضاعفت التيارات الإسلامية السياسية، التي قفزت فوق الثورات العربية، من محاولات تطويق الثقافة والفن، ضاعفت أشكال التضييق، ومحاصرة الإبداع، بصور وأشكال مختلفة.. حرص المرشد العام للإخوان المسلمين (محمد بديع) علي الاجتماع بالفنان أشرف عبد الغفور (نقيب المهن التمثيلية) في مقر الجماعة بالمقطم، قبل أسابيع، لوضع ميثاق شرف وضوابط للعمل الفني، وتحديد مفهوم للفن بأنه الفن الراقي النبيل، والملتزم.. كما حرص المسؤول الثقافي لجماعة الإخوان المسلمين، علي الاجتماع بوزير الثقافة المصري، الدكتور شاكر عبد الحميد، لمناقشة وضعيّة الثقافة وضوابطها!! الأصوليون قادمون، ليس فقط بمحاولات تطويق الفن والثقافة، ولكن بالسعي للسيطرة علي التعليم والحرص علي التدخل في وضع السياسات والمناهج.. وليست مصادفة سيطرة تيارات الإسلام السياسي (سلفيين، إخواناً مسلمين، وجماعة إسلامية) علي ملف التعليم في مجلس الشعب، والدفع برؤي محافظة ومنهجية عقائدية في صياغة السياسة التعليمية، وهو الخطر المهدد لمستقبل التعليم، ولمستقبل مصر أيضاً.. فالتعليم قضية وطنية، بل هو قضية أمن قومي بالضرورة، لا يمكن رؤيته من زاوية إيدلوجية، عقائدية معينة، ولا من منظور سياسي، أو برنامج حزبي يخدم تياراً سياسياً دون آخر.. الثورة التي رفعت سقف الحريات في مصر وتونس ودول الربيع العربي، هي نفسها التي خفضت سقف الفن والثقافة وتخطو في اتجاه التعليم.. والمعركة مستمرة.