دورة هذا العام تحمل الرقم "43" وهو رقم كبير بالقياس إلي المعارض العربية، وربما بعض المعارض الدولية التي لا يتعدي عمرها العشرة أو أقل، لكن الرقم الكبير لا يدعم الفكرة التي يدعيها البعض بأنه المعرض الأكبر بعد فرانكفورت، فالعبرة ليست بالسنين بقدر ما هي بمقدار ما يقدمه المعرض من إضافة حقيقية للقارئ ولعملية النشر بشكل عام، وبالطبع بقدر ما يمثله ويضيفه في ثقافة المواطن الذي يتحمل عبء الحضور والمشاركة في فعالياته . عبر سنواته ال"42" الماضية وجهت للمعرض العديد من الانتقادات خاصة عملية التنظيم التي لم تخل في أي عام مضي من أخطاء متكررة، لكن هذا العام تغير وجه المعرض. تبدلت ملامحه، واختفت أركانه الأساسية، المعرض الذي يعتبر الحدث الدولي الأول بعد ثورة يناير، لم يعد يحمل من اسمه شيء. فليس من المعقول أن يقام حدث "دولي" في خيمة! حيث استعادت هيئة الكتاب تجربتها -التي لم تكن موفقة- في المعرض الذي أقامته في فيصل رمضان الماضي، وكررت التجربة علي شكل موسع في أرض المعارض التي تشهد تغييرات جذرية أتت علي كل مبانيها الرئيسة التي كانت تستضيف المعارض. "مبني الأستثمار" هو المبني الوحيد الذي لازال قائما في ارض المعارض واستغلته الهيئة ليصبح المبني الرئيسي الذي يستقبل الضيوف، وتجري فيه فعاليات ضيف الشرف، فيما عدا ذلك تقام كل الأنشطة داخل خيام لاتقي البرد أو المطر، وإذا دخلت من اي من الأبواب المطلة علي شارع صلاح سالم فربما لا تتعرف علي المعرض. يتجلي البؤس في أوضح صورة في الجزء المخصص لسور الأزبكية، المكان "شبه عار" رغم التندات، ومحاط بكميات من الأخشاب وبقايا أعمال التجهيز، وحتي أول أيام المعرض كان العارضون يحاولون أن يعدلوا في التصميم حتي يتيح لهم ولكتبهم بعض الامان من البرد وربما المطر. أما داخل القاعات أو "المخيمات" فستصدمك تلال البقايا والزبالة وروائح "زفت الرصف"! "التوهان" سمة بارزة في الأيام الأولي للمعرض، فرغم حرص المنظمين علي تثبيت أماكن صالات العرض الرئيسة إلا انك ستبذل مجهودا كبيرا حتي تستدل علي ما تريد، وكالعادة لن تجد "خريطة" واضحة لصالات العرض، أو تحدد أماكن الناشرين، ولن تجد لوحة إرشادية واحدة. أحمد صلاح مدير المعرض يعترف بحالة التوهان لكنه يرجعها "للضغط الكبير" الذي صاحب دورة هذا العام. يقول:"هذه الدورة مختلفة كليا عن كل الأعوام السابقة للمعرض، فهي دورة تأتي بعد ثورة عظيمة تلتها توترات كبيرة علي كل المستويات، توترات أدت إلي إلغاء المعرض في دورته السابقة، وتوابع هذا الإلغاء لاتزال مستمرة حتي الآن، لذا كان من الطبيعي أن نحارب من أجل إقامة هذه الدورة وأن نقف جميعا ضد أي محاولة لإلغائها، قبلنا التحدي وجهزنا الأرض التي أدعوك وادعوا الجميع لمشاهدتها قبل التجهيز حتي تعرف حجم الانجاز الذي بذلناه، وكان من الطبيعي بعد هذا الضغط الكبير أن تكون هناك أخطاء". سألته: لماذا الإصرار علي المساحة الشاسعة للمعرض، رغم أن دورة هذا العام كانت فرصة لإعادة هيكلة المعرض واستغلال المساحات بشكل أفضل؟ وأجاب: مرة أخري أذكرك بالضغوط التي صاحبت هذه الدورة، لم تكن هناك فرصة كبيرة للتفكير والتخطيط، كما أننا لم نكن نريده أن يكون مجرد معرض رمزي، لنقول إننا أقمنا معرضاً، أردنا أن نقدم المعرض بشكله المعتاد، وأن نضيف عليه "قدر الإمكان" في حدود الوقت والإمكانيات المتاحة. الحرية من أبرز مكاسب دورة هذا العام، كما يؤكد أحمد صلاح فلا توجد رقابة من أي نوع في هذه الدورة، صلاح يؤكد أن الناشرين العرب كانوا السبب الرئيسي في هذه المشكلة، فقبل المعرض يرسل الناشرون قوائم للموافقة عليها من قبل الرقابة علي المصنفات، لكننا نفاجأ بعد بدء المعرض أن الناشرين لم يلتزموا بما تم الاتفاق عليه، وأدخلوا عناوين لم تكن موجودة في القوائم التي أرسلوها، وبالتالي نضطر لمصادرة النسخ، لكننا في الأصل نفترض التزام الناشرين، كما انه ليس من حقنا المصادرة دون أمر قضائي بل إننا لا نتواجد أصلا داخل جناح الناشرين إلا في حالات التجاوز، والإخلال بنظام المعرض فقط، وبشكل عام فإن إدارة المعرض لا علاقة لها بعملية المصادرة، وما كنا نقوم به مجرد عملية تنفيذية للأوامر القضائية. هذا العام تسلم الناشرون العرب أماكنهم قبل المعرض بيومين كاملين، وتسلموا طرودهم كاملة. سألته أيضا عن الرسوم المبالغ فيها التي تطلب من الناشرين لحجز المساحات المخصصة للعرض، فقال أن الإيجار في معرض القاهرة أقل أي معرض آخر. ورغم ذلك فقد قللت الهيئة من القيمة الايجارية لوحدات العرض، بناء علي طلب اتحاد الناشرين المصريين ونظرا للنفقات التي يتحملها الناشر كمصروفات إيجار الأجنحة خاصة بعد نقل المعرض من قاعة المؤتمرات إلي أرض المعارض "وبناء عليه سيتم حساب القيمة الإيجارية طبقا للائحة المعمول بها عام 2010"، وبحسب مدير المعرض فإن الناشرين الذين كانوا قد سددوا بالفعل قيمة الإيجار عن المعرض الماضي استردوا أموالهم 16 فبراير الماضي "عقب استقرار الأوضاع مباشرة". الهيئة تسعي الآن أيضا للحصول علي أرض المعارض مجانا خلال فترة المعرض، وذلك من خلال خطاب تم توجيهه إلي وزير الثقافة الدكتور شاكر عبد الحميد ورئيس مجلس الوزراء الدكتور كمال الجنزوري، أسوة بمعرض (اشتري المصري)، حيث اعتبر الخطاب إن الكتاب منتج مصري، وتعويضا عن الخسائر التي لحقت بالناشرين المصريين جراء إلغاء معرض 2011، وما تلاه من إلغاءات لعدد من المعارض العربية وأحداث داخل وخارج مصر، وفي هذه الحالة سوف يتم خصم تكلفة الأرض فقط من القيمة الإيجارية الخاصة بلائحة عام 2010، وسيتم احتساب هذه القيمة بعد انتهاء المعرض، والعمل علي ردها لأعضاء اتحاد الناشرين المصريين.