تراجع سعر الجنيه الاسترلينى نهاية تعاملات اليوم الأحد 10-8-2025    إيهاب واصف: مصر تدخل مرحلة جديدة في صناعة الذهب بالتنقية وإعادة التصدير    انخفاض معدل التضخم الشهرى -0.6% لشهر يوليو 2025    البورصة تتلقى طلب قيد شركتى جيوس للمقاولات واعمل بيزنس للتدريب    بروتوكول تعاون بين البنك الأهلي المصري وشركة "بيرنس كوميونتي"    هاني أبو ريدة يتفقد أعمال ورش عمل المدربين    الداخلية تضبط المتهمين بتحطيم محل فى شبرا الخيمة    محافظ بنى سويف يعتمد نتيجة الدور الثانى للإعدادية وتخفيض القبول بالثانوية    رئيس الوزراء يتابع مشروعات إعادة إحياء "وسط البلد" والقاهرة الخديوية    رسالة محمد صلاح عن بيليه فلسطين تسجل أرقامًا قياسية بمنصة "إكس"    الإمارات ترحب بإعلان التوصل إلى اتفاق السلام بين أذربيجان وأرمينيا    زلزال بقوة 3.7 ريختر يضرب عاصمة مدغشقر ويثير قلق السلطات    الرئيس السيسى يوجه بترسيخ مبدأ "الرأى والرأى الآخر" داخل المنظومة الإعلامية المصرية    تبدأ بغرامة 100 ألف جنيه.. تعرف على عقوبة السباب الجماعى فى الدوري    "كيف وأين ولماذا مات؟!".. محمد صلاح يهز عرش الاتحاد الأوروبي بتساؤلات جريئة حول استشهاد بيليه فلسطين.. صحف العالم تحتفي بشجاعة "الفرعون" فى مواجهة يويفا.. و800 شهيد حصيلة جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الرياضيين    مدرب مودرن سبورت: لماذا يحاول الاهلي التجديد لديانج ما دام لن يشارك في المباريات    هل تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من القمح؟    طائرة مساعدات كويتية تحمل 10 أطنان من المواد الطبية تصل مطار العريش تمهيدًا لإرسالها إلى قطاع غزة    الجوازات والهجرة تواصل تقديم خدماتها للمترددين عليها    بتكلفة 114 مليونا إنشاء مدرسة ثانوية صناعية متطورة ببنى عبيد    حبس المتهم بإلقاء ماء نار على طليقته فى الوراق    وكيل الخارجية الفلسطينية لتليفزيون اليوم السابع: نتنياهو مُصر على مشروع التهجير    شرم الشيخ للمسرح الشبابى يطلق استمارة المشاركة فى مسابقاته بالدورة 10    الصحف المصرية.. مصر وتركيا ترفضان إعادة الاحتلال العسكرى لغزة    التعليم العالى: براءة اختراع جديدة لمعهد تيودور بلهارس فى إنتاج بروتينات علاجية    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    أضرار التهاب المسالك البولية المزمن لدى الرجال والنساء.. وطرق الوقاية    انتهاء مشروع ربط التغذية الكهربائية للحي الرابع بمحطة 3 في مدينة بدر    شباب ولياقة.. أحمد عز يمارس التمارين والجمهور يعلق    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    قبيل انطلاق مؤتمر الإفتاء العاشر، مفتي الجمهورية يشكر الرئيس على رعايته للمؤتمر    ضبط 5488 قضية بمجال الأمن الاقتصادي خلال 24 ساعة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    مبادرة «المليون كتاب» ستساهم في تحقيق العدالة الثقافية بين كل الفئات    «الصحة» تنظم 146 دورة تدريبية وورشة عمل لتطوير الكوادر التمريضية    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    إبعاد 6 أشخاص خارج البلاد لأسباب تتعلق بالصالح العام بقرارات من الداخلية    جهود منظومة الشكاوى الحكومية في يوليو 2025 |إنفوجراف    الرد فى الصندوق لا فى الهاشتاج    إزالة 12 حالة تعد وقطع المرافق عن غير الملتزمين بسداد أقساط التقنين بأسوان    وزير الري: توفير الاحتياجات المائية للمنتفعين بالكميات المطلوبة وفي التوقيتات المناسبة    مهرجان القلعة يعود في دورته ال33.. ليالٍ موسيقية بنكهة عربية وعالمية    عائلات المحتجزين الإسرائيليين بغزة تدعو لإضراب اقتصادي في ال17 من أغسطس الجاري    «الزراعة» تعلن حصول «وقاية النباتات» على تجديد واعتماد دولي جديد ل 12 اختبارًا    طارق يحيى: ريبيرو يعاني في قراءة المباريات.. والزمالك حقق انطلاقة موفقة    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    بيونج يانج تحذو حذو سول في تفكيك مكبرات الصوت على طول الحدود    منة تيسير عن استبعادها من مهرجان نقابة المهن التمثيلية: مشيت بإرادتي.. واللي بيتقال كذب ورياء    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    ريبيرو: كنا الأفضل في الشوط الثاني.. والتعادل أمام مودرن سبورت نتيجة طبيعية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفردوس البعيد
نشر في أخبار الأدب يوم 08 - 05 - 2010

تتناول فطورها، كمن يملأ ثغره بعجين التراب، لقد ساقها الحلم باتجاه الماضي، باتجاه غرفة ضيقة بالطابق السفلي، يتناثر عليها أثاث رث، لا يحجب تراب أرضها الرمادي الخشن بساط، أوحصير. كان كل شيء صدئا، ويوحي بفقر مريع.
عشرون عاما، ما تزال الغرفة الضيقة الشاحبة تربض في خلايا الذاكرة
جدران مخدوشة كظهر سمكة عجوز

مع بداية كل المساءات، تستحوذ برودة جافة، وتسمع أصواتا كالصفير المخيف. وتري كائنات صغيرة تعبر أرض الغرفة الرمادية، ترتجف، وتعلووجهها صفرة فاقعة. تضم يديها الصغيرتين إلي صدرها، وتجمع ساقيها. تهدئ حليمة من روعها:
لا تخافي هذه عصافير.
من يومها اكتسبت العصافير مخالب

اسكتي وإلا أعطيناك للغول
تسترجع ما بقي من نفسها في هذه الأمكنة. لم تكن العصافير عدا فئران، ولم يكن الغول سوي امرأة. تسكن في الغرفة المقابلة عندما يشتد بكاء نجمة ويتعالي صراخها، ترتدي تلك المرأة شوالا وتلبس يديها خفين تضعهما فوق رأسها وتقصدها محدثة ذلك الصفير المخيف.
- لم كانت تبكي وهي في الخامسة، كل ذلك البكاء المتواصل؟
حتي اليوم يبدولها ذلك غامضا، وكأنما قدرها أن تبكي وكفي.
كانت تري الغول فعلا. تراه وظله الذي يعكسه ضوء الفتيل الزيتي علي الجدار المتآكل. تضع رأسها في صدر حليمة وتنام محشوة بالرعب. وقد نفذت برودة إلي كل عظامها.
حتي اليوم لا تعرف أبدا لماذا أعطتها أمها لحليمة وهي في عامها الثاني
هل يولد بعض الأطفال بإدانة ما؟؟
هل شيء "ما" يسم وجوههم الصغيرة فيخشاهم الكبار؟...
كل ما تذكره أنه كان بوجهها صفرة فوسفورية لا تنطفئ، ونظرة جد منكسرة.
تأتي بها حليمة أحيانا إلي بيت درب السلطان. كانت الوجوه هنا في هذا البيت غير وجوه بيت حليمة، تلك الوجوه الرمادية والمستطيلة.
الأثاث هنا باذخ غير ذلك الأثاث الرث. هنا لا يوجد صفير الغول الذي يبدأ مع المساء. هنا مذياع "ماركة ريلا" موسيقي وألحان.
لم يكن أيضا الفتيل الزيتي الذي يعكس علي الجدار المتآكل هيئة الغول. هنا المصباح الكهربائي.
أي شيء يجعلها تستوحش هذا البيت؟..
كانت تريد أن تردها حليمة علي عجل إلي الغرفة ذات الجدران المقشرة، إلي ظهر السمكة العجوز.

هل هي في حاجة إلي الغول، الذي يأتي به الليل؟
كأنها جزء من هذا الرعب..! تحب الانتماء إليه؟
لقد أدركت الآن، أن تلك الغرفة القذرة والضيقة ومع ما تحفره في داخلها من خوف، كانت أفضل من نعيم لا تحس بالانتماء إليه.. أني لهم أن يحبوا !..
انقطعت السكينة لأنك حاولت أن تتذكري يا نجمة
طفلة غريبة الأطوار، ذات الطباع التي لا تأتلف مع طباع ذلك البيت الفرح..!!
تذكر أن سيدة هذا البيت احتضنتها في غياب حليمة مرة، ألصقتها بصدرها وقالت لها:
أنت ابنتي أنا، لست ابنة حليمة
جزعت نجمة، وظلت تنتحب إلي أن جاءت حليمة وأخذتها معها. من المسئول عن يباس ما بينها وبين أمها؟
هناك في غرفة حليمة كان المساء يتقدم بجيوشه المخيفة والقاتلة. غير أنها إذ تلوذ بصدر حليمة تحس أن صدر حليمة قادر علي أن يهزم كل تلك الجيوش، فتنام في صدرها. وهنا، هنا معزولة، تقارع الوحدة، والخوف.
كانت في الصباح. في تلك الغرفة الرمادية والجرداء تصنع لها حليمة عروسة القصب وتؤثث لها عالما من الوهم ، فتستأنس به.
وفي الليل أوعند بدء المساء تركب ظهر حليمة فتغني لها:
نيني يا مومو
نيني حتي يطيب عشانا
ولا ما طاب عشانا
يطيب عشا جيرانا
لقد رأت ضوءا باهتا، ورأت الغول يمد يده إليها، برغم أن صفير الغول كان يرتفع مرة مرة، غير أن نشيد حليمة الليلي كان يقهره. اعتادت علي هذه الضفيرة الليلية:
صفير الغول والنشيد الشجي
فجأة اقتلعوها من حليمة. لا تعرف السبب. سيقت إلي بيت آخر، إلي أم ثالثة. إلي أم اسمها خدوجة ، إلي مدينة نائية.
مع الليل يأتي سعال متواصل، فكانت ترغم علي شرب ملعقتي زيت زيتون، بها قطرات من زيت قطران كل ليلة للعلاج. استمر ذلك أسابيع أوأياما. لا تتذكر الآن بالتحديد. فقط ما تذكره هومرارة الدواء.
فجأة نسيت المرض. نسيت كل شيء لقد جاء والدها لزيارتها صحبة أخيها فجرت نحوهما، وتعلق جسدها الصغير بصدر والدها، فحملها إلي صدره، وعانقها، ثم نزلت عن صدره لتعانق أخاها، وليرافقا الوالد إلي صالة الضيوف. فتح الوالد حقيبته، وأخرج لها ما أحضره لها من ملابس وحلوي، وهي تتفرج علي ما أحضره لها والدها، كانت مرة ترفع عينيها إلي المتحلقين حولهم، وتحديدا تتجرأ علي أن تنظر في عيني خدوجة كمن يتحدي، لقد تلاشي الآن خوفها، نسيت دمية القصب، وانخرطت مع أخيها في لعبته، حيث حفرا معا في تربة البهوالخارجي، وزرعا به حبات قمح، وبدآ يسقيانها من حين لآخر. ناظرين إلي التربة كل حين، ينتظران أن تطلع سنابل القمح التي زرعاها هذه الظهيرة.
هذه البهجة لم تدم، إذ نودي علي الأخ. لقد حانت ساعة الرحيل عنها. لم تخلف جراحات كل مساءات طفولتها جرحا أعمق من جرح هذا المساء.
تجري وحدها في أرض خلاء. في هذه المدينة النائية. هناك كان المساء يتقدم بجيوشه المخيفة، والقاتلة.غير أنها إذ تلوذ بصدر حليمة تحس أن صدرها قادر علي أن يهزم كل جيوش الليل فتنام، هنا في هذه القلعة الباذخة السرية والممتنعة، كانت تحس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.