1 بالقطع سيعنيك الأمر إن فاجأتك الشهرة بوضع رافعتها ذات الريش الناعم تحت الصخرة التي تجلس عليها وأطلقتك عاليًا نحو الأضواء بصحبة سبع يرقات وخنفساء صغيرة. سأخبرك بما حدث. زارني أحد الأصدقاءمنذ عدة أشهر، قال لي: "أنت أحد شخصيات روايتي الجديدة." انتبهت لما قاله، وفي الحال تخيلت نفسي البطل الرومانسي أو الشرير الوغد: "وضع يده علي صدرها، أنفاسه الدافئة غطت زجاج نظارتها." أو "ضحك بينما كانت تصرخ، ثم ركلها لتتدحرج علي السلم ككيس الملابس المتسخة." "وما دوري في الرواية؟" سألته مترقبًا سماع ما يزيدني زهوًا. قال: "تفتح بابًا." "ثم ماذا؟" "هذا كل شيء." "هه!" قلتها وأنا أفكر في شهرتي التي تتضاءل. "ألم يكن بإمكاني القيام بشيء آخر؟ أفتح بابين مثلاً؟ أو أقبل إحداهن؟" "باب واحد يكفي. كنت رائعًا." "هل قلت شيئًا وأنا أفتح الباب؟" سألته وأنا لازلت آملاً. "لا." 2 التقيت صديقًا مصورًا الأسبوع الماضي. كنا نتنقل من حانة إلي أخري، بينما يلتقط هو بعض الصور. هو مصور شاب حذر يخفي الكاميرا الخاصة به تحت معطفه كمسدس. يحرص علي ألا يري الناس ما يفعله ليلتقط مشاهد واقعية ولا يجعلهم يتصرفون كنجوم سينما، ثم يأخذ الكاميرا ويجري بها كمن سرق بنكًا. هو نفسه صبي إنديانا البسيط الذي يعيش حاليًا في سويسرا وسط علية القوم ومحترفي اللهجات الأجنبية. بالأمس التقيته، وكان معه بعض الصور المطبوعة كبيرة الحجم التي التقطها في تلك الليلة. "التقطتُ صورةَ لك." وبعد أن عرض علي عشرات الصور، قال "ها هي!" كانت صورة لامرأة عجوز تشرب ما كان علي الأرجح مارتيني. "ها أنت." "أين؟ أنا لست امرأة عجوز." "بالطبع لا، ها هي يدك علي الطاولة." ودققتُ النظر في الصورة حتي تأكدت. الآن لا أكف عن التساؤل عن مصير اليرقات السبع والخنفساء الصغيرة. أتمني أن يكونوا قد شقوا طريقًا أفضل من طريقي بعد ما قذفتنا الرافعة الريشية نحو الأضواء. ربما لديهم برنامج تلفزيوني وستوزع اسطواناتهم قريبًا في الأسواق وتَنشر لهم فايكينج رواية جديدة، وتُجرِي معهم مجلة تايم حوارًا تسألهم فيه: "كيف تصفون لنا بداية دخولكم إلي عالم الشهرة؟" الحياة الأدبية في كاليفورنيا 1 قضيت الليلة الماضية في إحدي الحانات مع صديقي الذي كان أثناء حديثنا ينظر من وقت لآخر إلي زوجته. انفصلا منذ عامين، بلا أمل في الرجوع. كانت برفقة رجل آخر، وكانا مستمتعين بوقتهما. التفت إليّ صديقي وسألني عن ديوانين شعريين لي. أنا شاعر مبتدئ أو شيء من هذا القبيل، وأحيانًا ما يسألني الناس أسئلة كهذه.قال أنه اشتري الديوانين سابقًا لكنهما لم يعدا معه. اختفيا. أخبرته أن أحدهما نَفِدت طبعته والآخر متوفرًا بمكتبة سيتي لايتس. ألقي نظرة علي زوجته التي كانت تضحك لِما يهمس لها به رفيقها الذي بدا مزهوًا بنفسه، ثم قال: "أريد أن أعترف لك بشيء. أتذكر الليلة التي عدت فيها إلي المنزل ووجدتك تشرب مع زوجتي النبيذ بالمطبخ؟" أذكر تلك الليلة، برغم أن شيئًا لم يحدث. كنا فقط جالسين في المطبخ نشرب نبيذًا، وعلي الأرجح أن آلاف الأمريكيين كانوا يفعلون مثلنا وقتها. "بعدما غادرت أنت جئتَ بالكتابين من المكتبة ومزقتهما وألقيت القصاصات علي الأرض. كان من المستحيل جمعهما ثانية." قلت: "يوم لك ويوم عليك" فرد: "ماذا؟" كان سكرانًا، وثلاث زجاجات بيرة أمامه بملصقات مخدوشة. قلت: "أنا أكتب الشعر فقط. لست راعيًا لصفحات الدواوين، لا يمكنني الاعتناء بها للأبد. هذا هراء." ويبدو أني أنا الآخر كنت سكرانًا. قال صديقي: "علي أي حال، أرغب في الحصول علي الكتابين ثانية، أين أجدهما؟" "أحدهما نفدت طبعته منذ خمس سنوات، والآخر في مكتبة سيتي لايتس." قلت له ذلك وأنا منشغل بتخيل المشهد بعدما خرجت من المطبخ وعدت إلي بيتي منتشيًا من أثر النبيذ. ما الكلمات التي وجهها لها قبل أن يذهب ليلتقط الكتابين من المكتبة ويمزقهما، كيف كان تعليقها وبم رد عليها، أي الكتابين مزقه أولاً، وكيف مزقه. يا له من رد فعل رائع لغضب صحي. ما الذي حرص علي فعله بعدها إذن؟ 2 كنت في سيتي لايتس منذ عام، وهناك لمحت شخصًا يتفقد أحد دواويني الشعرية.كان مبتهجًا بالكتاب، لكن التردد غلب بهجته. نظر إلي الغلاف ثانية وأخذ يقلب الصفحات، وعندما توقف عن التقليب بدت دفتا الكتاب كعقربي ساعة وبدا التوقيت مناسبًا له. قرأ قصيدة حيث كانت الدفتان تشيران إلي السابعة. ثم غلبه التردد ثانية وغام الوقت. أعاد الكتاب إلي الرف، ثم ألتقطه حتي بات تردده نوعًا من الطاقة العصبية. في النهاية وضع يده في جيبه وأخرج عملة معدنية، ووضع الكتاب عند زاوية ذراعه، فكان كالعش والقصائد بيض بداخله. قذف بالعملة في الهواء والتقطها علي ظهر يده وأخفاها بالأخري، ثم رفعها. أعاد الكتاب إلي الرف مرة أخري وغادر المكتبة بملامح مرتاحة. واصلت تجولي بالمكتبة إلي أن لاحظت تردده ملقي علي الأرض. كان كالصلصال، ويوحي بالعصبية والقلق. وضعته في جيبي واصطحبته إلي المنزل، وهكذا قمت بتشكيله، فلم يكن لدي أفضل من ذلك لأضيع فيه وقتي.