ربما أرادت أن تشبه الحكاية، دهنت وجهها باللون الأزرق، حتي لا يري جمالها إلا من يستحقها، يستطيع أن ينفذ إلي أعماقها، وأن يعرفها أكثر مما تعرف نفسها، لكن درية الكرداني بالغت في وضع طبقات الأزرق فوق الوجه. ربما أضافت بعض الرمادي الذي يعشقه الفنان، حتي اختفي الوجه تماماً.. لا يحتفي حسن سليمان بالوجه، ولا بالشخصية، يضع كل نساء لوحاته في العتمة، تلك طريقته ومنهجه في رسم الوجوه، تجلس كل نساء اللوحات عادة عكس الضوء، لتختفي ملامح الوجه، وتشغلنا الظلال.. أن تجلس تحت الضوء، معناه أن تظل في العتمة، هذا بالضبط ما يقصده المثل الصيني "أظلم نقطة في الغرفة، هي النقطة التي تقع تحت ضوء الفانوس"، وهذه هي مأساة درية الكرداني زوجة الفنان حسن سليمان.. تنفي بشدة أن كتابها الجميل (رمال ناعمة) هو سيرتها الذاتية، تشير إلي أحداث عديدة هامة ومفرحة في حياتها، لم تتناولها، لتنفي أنها كتبت سيرتها.. ربما كتبت حكاية الوجه المعتم تحت الضوء، ربما كتبت عن وجهها الذي تلاشي، وروحها التي اُقتلعت، وعلاقتها بالفنان.. قبلت منذ البداية أن تكون كما أراد هو بالضبط، أن تشكل نفسها وفقاً لنموذج ما يحبه ويفضّله، إعجابها بالوهم تفوّق علي إعجابها بالواقع، إعجابها بصورة الفنان تجاوز إعجابها بالفنان نفسه.. هكذا اصطادها في فخ ماكر، نجح في أن يصبح مرآتها، تنظر لنفسها من خلاله، وتكرّس نفسها من أجله.. كان ينزل البحر، بينما تجلس هي علي الشاطئ تحرس ملابسه، وتنظر إليه، وترقب عودته.. عندما تأملت إحدي عشيقات بيكاسو وجه فرانسوا الشاحب قالت "تبدين كشخص تنفّس هواء مرسمه لمده أطول من اللازم "! رسم حسن سليمان زوجته مرة واحدة أو مرتين، رسمها إلي جوار النافذة ممسكة بآلة العود التي تجيد العزف عليها. خالف منهجه في معاكسه الضوء، فبدت ملامحها واضحة تلك المرة، لقد أعاد صياغتها، لتبقي كذلك إلي الأبد.. آلة العود التي حملتها كانت تمنح اللوحة بعض الهدوء، والبرتقالي الذي يغمر ملابسها، منحها بعض الدفء والسطوع.. كانت فرحة بدور الملهمة، فرحة بأن تكون مشروعه، ما يريده هو، علي حين كانت تتلاشي حقيقتها وتضيع.