صرخت زوجة ديكتاتور رومانيا في القاضي الذي يحاكمهما: " نريد أن نعدم سويا".. وظل شاوشيسكو نفسه يجادل ويسب القاضي، ينفي التهم عن نفسه قبل أن يذهب إلي نهايته. أما صدام حسين فقد كان ثابتا طوال جلسات محاكمته يسب أيضا ويتهم.. عندما ذهب إلي غرفة الإعدام كانت عيناه علي التاريخ، لم يضعف، أو يبكي، أو يدعي المرض، أو حتي يعبث في منخاريه! لن يدخل مبارك التاريخ، حتي كطاغية، هو لا يملك سحر الطغاة، ولا إحساسهم بذواتهم. الطغاة يحيط بهم دائما المسحورون، أما مبارك فقد جمع حوله المسعورين. ولكي تكون طاغية لابد أن تكون ذا خلل عقلي ، ومبارك حتي مشهد محاكمته لم يعان لا نفسيا ولا جسديا. هو من أصحاب الجلد السميك، مجرد موظف ورث مصر بالصدفة، وتعامل معها باعتبارها شركة قطاع عام، بدأ في تخريب " الشركة" من أجل خصخصتها، ليبيعها فيما بعد إلي ابنه. وجمع حوله المسعورين، لا المسحورين الذين يحيطون دائما بالدكتاتور. لم يمتلك مبارك كاريزما الطغاة، ولا العيون الحادة التي تربك الناظرين إليها: لم يستطع صلاح عبد الصبور الصمود أمام جمال عبد الناصر، ارتبك أمامه وصافحه ولم يستطع أن ينطق بكلمة، رغم أن عبد الصبور كان من النقاد الدائمين لعبد الناصر واعتبره " ذو الوجه القبيح" في قصيدة شهيرة له. أما ألاعيب مبارك، فكانت مجرد ألاعيب موظف صغير يريد أن يحتفظ بمنصبه من أجل "القرشين". وإن كانت تلك القروش بالمليارات. حتي تكوينه الجسدي والعقلي جرأ الشعب عليه لكي يلقبه ب "لافاش كيري" وكان اللقب مناسبا تماما لرجل يسأل امرأة في إحدي زياراته المسرحية: معاكي عيال، فتجيبه : اتنين. فيعود ليسألها: انت متزوجة؟! أو يدق بقدميه كوبري شهير قام بافتتاحه ليتأكد أن كان صلبا أم لا! كانت رحلة مبارك الأولي خارج مصر إلي الجزائر، من أجل مهمة محددة: نقل أسلحة إلي المقاومة الجزائرية، ولكن القوات الفرنسية أسقطت طائرته ووقع في الأسر، ومن المعروف أن من يقع في الأسر ينقل ملفه إلي "المخابرات الحربية" لوضعه تحت المراقبة الدائمة، وعدم ترقيه في المناصب الحساسة، ولا أحد يعرف حتي الآن كيف استطاع أن يصل إلي منصب رئيس جمهورية. ومن رحلاته الأولي كنائب رئيس جمهورية إلي العراق، كان في استقباله السفير المصري الذي أخبره بأنه سيلتقي صدام حسين نائب الرئيس العراقي، وحذره منه: هو شخص دموي! في نهاية الرحلة كان صدام في وداع مبارك، وبجوارهما السفير. قال مبارك لصدام: انت شخص كويس أهو أمال إيه الكلام إللي بيقوله عليك سيادة السفير. علي الطائرة ذاتها عاد السفير إنقاذا لنفسه من القتل، وحكت الخارجية ما جري للرئيس السادات الذي ضحك بصوت عال وقال: هو دا الشخص إللي انا عايزه! مبارك دخل إلي قفص المحكمة في وضع أفقي، يعبث في أنفه، ويجيب القاضي: موجود يا أفندم، مشهد تمثيلي متوقع لرجل حلم أن يكون ممثلا، وظهر ككومبارس بالفعل في فيلم " وداع في الفجر".. بينما بقية الطغاة دخلوا أقفاص محاكماتهم في وضع رأسي، مبارك لا يرقي أساسا أن يكون طاغية ولن يذكره التاريخ سوي كونه موظفاً فاسداً كانت غايته استقرار مصر في القاع. ولكنه رغم ذلك استمر في الحكم ثلاثين عاما بلا مؤهلات.. وهذا ليس خطأه إنما خطأ الشعب الذي اعتذر عن ذلك بعد 25 يناير: " إحنا آسفين يا ريس سيبناك كل الفترة دي"..وهذا درس لأي حاكم قادم : لا مكان للكومبارس مرة أخري!