لم أتوقف عن تسطير التعابير الشعرية الجميلة في المجموعة القصصية "سن الأسد" للكاتب الألماني الراحل "فولفجانج بورشرت" والصادرة حديثا عن المركز القومي للترجمة للمترجم سمير جريس. لم يتجاوز بورشرت عامه السابع والعشرين عند وفاته في نوفمبر 1947، وهو قدر واجهه كتاب وشعراء كبار قرروا إغلاق النافذة لأنهم لم يحتملوا ضجيج الحياة أو ربما لأن الحياة لم تحتمل ضجيجهم، كآرثر رامبو و سيلفيا بلات...ورغم هذا الموت المبكر لبورشرت فإن الألم أنضجه والمعاناة التي عاشها أثناء الحرب العالمية الثانية أعطت لقصصه عمقا إنسانيا. قصة سن الأسد مثلا التي تتصدر المجموعة القصصية تجعلنا ننتبه للأشياء الصغيرة في حياتنا اليومية، الأشياء التي قد نمر عليها مرارا ولا ننتبه لمقدار الفرح الذي تختزنه هذه الأشياء بين ثناياها. هي قصة السجين الذي صارت حياته مركزة في زهرة سن الأسد الضعيفة، حتي تحولت هذه الزهرة إلي حبيبة تدفئ المكان و تضيء عتمة السجن وتكسر الملل اليومي. وأنا أقرأ مجموعة سن الأسد داهمتني مرارا رغبة في إشعال الضوء رغم أن المصابيح لم تكن مطفئة القصص غارقة في الظلام وتقطر ألما، حاملة لنا صورة عن مرارة الحرب. كتبت القصص بلغة باردة ولكنها لغة نفاذة في نفس الوقت. لغة تحمل شاعرية مكتملة لكنها لا تعلن عن نفسها كما هو الحال في قصة "انتهي...انتهي" : "عندما يهبط الظلام فمن الأفضل أن يكون مع إحداهن.عندئذ لن يكون الظلام بمثل هذا الاتساع .عندئذ لن يكون الظلام بمثل هذه البرودة. سيبدو فمها و عليه أحمر الشفاه كمدفأة صغيرة متقدة". كل هذه الجمل القصيرة ونبرة التردد تصنع المعني. معني الحرب التي تذمر الواقع، وهو ما انتبه إليه الكاتب إبراهيم أصلان الذي وجد في قصص "بورشرت" تعبيرا رفيعا عن ضراوة الحروب، دون كلمة مباشرة واحدة. هي كتابة ذات نبرة خافتة لا ترفع صوتها عاليا لكنها نفاذة تخاطب العمق الإنساني للقارئ. لكن كل ذلك ما كان ليصل إلينا لولا الترجمة الأنيقة للمترجم المصري سمير جريس الذي عودنا علي اختيار نصوص رفيعة من الأدب الألماني. وهو من المترجمين القلائل في العالم العربي الذين يبتعدون عن "الترجمة-البريكولاج"، التي لطالما قزمت كتابا وشعراء كبار، وأوصلتهم إلي اللغة العربية بشكل رديء. ترجمات تشبه الجرائم لأنها دمرت نصوصا رفيعة وقتلت الأعمال الأصلية. إن شاعرية مجموعة سن الأسد ولغتها الرفيعة، تجعلنا نتمني من سمير جريس أن ينصفنا نحن قراء الشعر ومحبوه و أن ينتقل لترجمة الشعر الألماني الغني و الجميل. هو أمر ليس سهلا بالطبع. لكننا نثق في ترجمات سمير جريس وننتظر منه ذلك. شاعرة مغربية مقيمة في ألمانيا