كأنهم يعتذرون. يقولون : لقد آن الاوان لنكتب كتابة اللحظة. يقصدون : كتابة تليق بالثورة. ويقصدون ايضا: تسقط الكتابات القديمة. هل كان مايكتب قبل الثورة عيبا يعتذر عنه بكتابة جديدة ؟ الكتابة مازالت رسالة بمعني قديم ما ، تكشف الحقيقة للشعب، وتكتشف حقيقة الشعب . لم يفهم احد ان الشعب لن يقرأ ما يكتب عنه ، و ان رحلة الخروج من هذه الكتلة الغامضة احد رحلات الكتابة الكبري. محمود درويش مثلا كان مطرب العواطف السياسية ..لكنه طرب خاص.اختلط في البداية مع اصوات اخري في الكورس الفلسطيني..و سرعان ما انفصل وحده ..بصوت نقل العواطف الي منطقة اعمق..سرق فيها فرديته خطوة خطوة..وسربها الي مغرميه ..الذين لم يكتشفوا سرها الا بعد سنوات طويلة...حينما افشي درويش اسرار السرقة سرا سرا. جرب درويش العاب الخيانة كلها..خان فرديته و اصبح شاعر القبيلة فترات يغني علي هواها و يجمع جنودها علي ايقاعه العالي...وخان انتظارات الجنود حين نزل من علي صهوة جواد النبوة وكتب عن الحب و الوجود..والفرد الغريب الهارب من قبيلته. اراد الجمهور ان يسجن درويش في حالة الطرب السياسي...لكنه بعد " ورد اقل" (1986) فتح مدنا جديدة في الشعر...تحولات المنشورات الثورية و البكائيات الي حكايات شخصية جارجة..اساطير صغيرة ...واغنيات لا تسمع طربها عاليا..الجمهور اصر علي اعادة سماع الاغنيات القديمة...الجمهور اتهم المطرب بالخيانة..ودرويش لم يرضخ...وقاد الجمهور الي حياة جديدة. اسئلة قديمة علي اللحظة. كما كان سطر كتبته في قصيدة اقول فيه " اقرأ رواية لالقن قلبي يدروسا في الصبر " سطر عابر ، تصوره حارس من حراس معبد الشعر تعبير عن موقف من الرواية . لكنه كان كفيلا بداية صداقة مع كاتب آخر . يقترب من عمري . لمسني إيقاعه من بين عشرات كانوا معنا في نصف الحجرة نفسها . كانوا نشيطين . يلعبون بالنظريات الجديدة . مثل الحواة المهرة . جاهزون دائما للكلام عن ثورة الشعر . شعرت انني مع فدائيين . مع لجان ثورية . تخيلت ان الشاعر الأكبر سنا ضابطا رتبته كبيرة . وهؤلاء الصغار متدربون في الفصل . كل منهم يجهز نفسه لرتبة . الضابط الكبير كان يحلم باحتواء الضباط الصغار . لكنهم خذلوه وتبعوا ضابطا اخر يمتلك لسانا شعبيا اكثر . انسحب الشعر تدريجيا من النقاشات والخلافات . وبقت التهم الأخلاقية . الخيانة . النميمة . تقطيع السير المختبئة خلف الستارة . الضايط اصبح مسكينا يلعن الخيانات الاجتماعية . والفدائيين الصغار استهلكوا جلسات الضابط البديل . وانشغلوا بعدها بترتيبات الحياة . وبقي لي صديقي . وإيقاع يريحني وحدي .